الخرطوم: تهاني عثمان : «فاطنة هوي يا فاطنة يا فاطنة».. حسناً انها حاجة السره تنادي احدى جاراتها انها عجوز مصابة بشيء من القلق.. انها لن تتوقف ولو للحظة حتى تسمع فيها استجابة من تناديها، لذا تسرع جاراتها الي ترك أي شيء يحملنه والاسراع اليها، ان نسوة وجميع سكان الحي يصفونها ب «الشفقانة» وتقول حسينة بت ضو البيت ان حاجة السرة هذه امرأة صعبة وشفقانة، ان ذهبت الي السوق يضطر الخضرجي لتلبية طلباتها قبل الاخريات، وفي الدكان تجد صاحب الدكان قد غلب على امره وتلخبطت حساباته بالبيع، فيضطر هو الآخر الي التخلص منها، وكثيراً ما يطلب الزبائن من صاحب الكنتين ان «يمشي» حاجة السرة، وبذلك بات الجميع يتنازل لها طواعية وكرها «عشان شفقتا دي» كما قال احدهم. ويعرف الكثير من الناس بالشفقة فيتحاشى الآخرون مرافقتهم، والا عليهم التزود جيداً بالصبر في حال مرافقتهم للشخص الشفقان، ويقول جاد الله الخير انه بالتأكيد لا يعرف «الزول» الشفقان نفسه ويعتبر سلوكه هذا سلوكاً عادياً، ولكن الشفقة تؤدي الى دخول صاحبها في كثير من المشكلات نتيجة عدم تقدير الزمن المناسب، لذا دائماً ما تجد الناس يرددون «ان شاء الله الشفقة تطير»، وفي العموم يعرف الشعب السوداني بالشفقة وهو الاستعجال في قضاء الامر، والشفقة تحمل في مضمونها شيئاً من الانانية عندما يكون فيها تفضيل للنفس على الغير. ومن أشهر ما وصفت به الشفقة الكلبة، وفي حال استكمالها تقال «شفقة الكلبة الجابت اولادا عمي»، وذلك لأن الكلاب عندما تولد لا تفتح عيونها الا بعد مضي عدة أيام على ميلادها. ويقول الطيب بابكر سائق حافلة: «مافي زول بعاني من الشفقة والناس الشفقانين زينا، والله الواحد يكون عايز ينزل وعايز يقيفوا ليهو مكان ما طقطق، وعايز ينزل قبل ما الحافلة تقيف بس ربك يستر، وقبل كده في واحدة قاعدة في المقاعد الخلفية وقفت الركاب القدامها كلهم قبال ما العربية تقيف، وفجأة ظهر لي كلب واضطررت امسك فرامل، العربية دي كلها اتكومت وقعدوا الناس يهرجوا ليك فيها ويجوطوا». وتقول سناء الريح ان اكثر من عرف بالشفقة النساء، ولكنها تستدرك بالقول «لكن الرجال لمن يشفقوا مافي زيهم» وتضيف سناء: «عندنا اولاد خالتي شفقانين شفقة، بس ديل الله ما تلمك بيهم في بيت مناسبة يستعجلوا النسوان في الغداء للضيوف، وعندي ود خالي قال لينا اغرفوا الملاح ده كده اكان نجض ولا ما نجض عيب الزاد ولا عيب سيدو، وشفقتو دي قبل اليوم خلتني اقوم من حلة الملاح قبال ما اطعما، وحلفت تاني ما اشد لي حلة في بيت مناسبة». وما أن يبدي أحدهم استعجاله في أمر ما الى حد الشفقة، الا ويجد المثل الشائع يقف ليقوم سلوكه «الشفقة تطير»، وعلى النقيض من «الناس الشفقانين» نجد «اصحاب البال الطويل»، وهؤلاء يزيدوا بطولة بالهم من شفقة الشفقانين .