كثيرا ما تثير قضية ارتفاع اسعار اللحوم استغراب المتابع للاسواق السودانية ،ومكمن ذلك الاستغراب ينبع من ان السودان يعد من أكبر الدول العربية ان لم يكن على مستوى العالم ،التي تمتلك رصيدا وافرا من الثروة الحيوانية قدرها خبراء بحوالي 110 ملايين رأس، غير انه وخلال السنوات الاخيرة بات المستهلك المحلي الذي تعتبر اللحوم جزءا من ثقافته الغذائية يجأر بمر الشكوى جراء الارتفاع الجنوني في اسعارها ،حيث بلغ سعر الكيلو من لحوم الضأن 60 جنيها ،ومن لحوم البقر 50 جنيها، الأمر الذي جعل الكثير من الأسر سيما في شهر رمضان تترك شراء اللحوم الحمراء وتتجه الي بدائل اخرى . يشير خبراء سودانيون الى ان السبب الرئيسي وراء ارتفاع اسعار اللحوم يتمثل في الجبايات المتعددة التي تفرضها السلطات الحكومية على المواشي في رحلتها من مناطق الانتاج الى مناطق الاستهلاك بينما ترى جمعية حماية المستهلك السودانية ان انعدام الرقابة على أسواق الثروة الحيوانية والمسالخ على السواء هو المتسبب في الفوضى التي تشهدها اسواق اللحوم . "السبب التصدير" هكذا اجاب محمد صاحب "مجزرة" بالسوق العربي في الخرطوم دون تردد عند سؤالنا له حول تبريراته لغلاء الأسعار فالمصدرون يذهبون للشراء من مناطق الانتاج مباشرة، ولا تكاد تجد في أسواق العاصمة مواش. ويرى خبراء بشعبة اللحوم باتحاد الغرف الصناعية ، ان عدم وجود دراسات دقيقة لتحديد مشكلات قطاع الثروة الحيوانية التي يتمثل اغلبها في كونها ملكية خاصة ينظر إليها ملاكها نظرة تباه أكثر من كونها عملية انتاجية ذات عوائد اقتصادية ،ما يتطلب السعي الجاد لتغيير تلك النظرة ، بجانب أن كمية الرسوم المفروضة على المستثمرين و التجار باهظة جدا ،وتسبب بشكل مباشر في ارتفاع تكاليفها، مطالبين الدولة باتخاذ اللازم من الاجراءات التي من شأنها تنظيم عمليات صادر الثروة الحيوانية . وعزأ المحلل الاقتصادي أبو القاسم ابراهيم ل"البيان" ارتفاع اسعار اللحوم في البلاد رغم كثافة ثروتها الحيوانية الى الجبايات التي تفرضها سلطات المحليات في مناطق الانتاج، ورسوم الطريق، ويشير الى فشل الدولة في وقف تحصيلها رغم التأكيدات المتكررة بأنها بصدد الغائها.وهناك مسألة ارتفاع تكاليف الترحيل من مناطق الانتاج الى مناطق الاستهلاك وإلى موانئ التصدير بجانب ارتفاع الدولار مقابل الجنيه ما أدى لارتفاع اسعار الادوية البيطرية بشكل خيالي واصبحت عبئا على المنتج الذي بدوره يحملها للمستهلك، وخطوة انشاء مزارع واسعة حول مناطق الاستهلاك سيساهم في خفض أسعار اللحوم لان غالب المواشي تأتي الى المدن من مسافات بعيدة حيث فوضى الأسواق. ويرى الأمين العام لجمعية حماية المستهلك دكتور ياسر ميرغني في حديثه ل"البيان" ان انعدام الرقابة الدقيقة على الثروة الحيوانية والمسالخ هو المتسبب في فوضى أسواق اللحوم التي تحتاج للمعالجة الفورية من السلطات الحكومية المختصة ،ولابد من تدخل الدولة العاجل لتحديد الأسعار التي قال انها لا تطاق، وقد تأكد فشل سياسة تحرير السوق في ظل دولة شحيحة الموارد مثل السودان، سياسة تحرير الاسعار لا تعني الفوضى التي تعيشها الأسواق الآن . ففي السابق كان ارتفاع اسعار اللحوم مرتبط بمواسم هجرة المواشي الى مناطق بعيدة بحثا عن المراعي، وحاليا غير مرتبطة بموسم معين بل في تصاعد طيلة العام. وجمعية حماية المستهلك اطلقت حملة لمقاطعة شراء اللحوم خلال الفترة الماضية تحت شعار "الغالي متروك" اثمرت في حينها عن انخفاض ملحوظ لاسعار اللحوم لكن الحملة لم تستمر طويلا. البيان