الخرطوم: يونس عثمان : يبدو المشهد للمارة والمتسوقين في وسط الخرطوم والاسواق المحيطة بمواقف المواصلات مزدحماً بالبضائع والباعة المتجولين، ولا تخطئ عينا الناظر مكبرات الصوت المعلقة على جدران المتاجر ومناضد الباعة المتجولين المنتشرة على قارعة الطريق، والتي ينادى بها مباشرة او سجلت فيها الاصوات المراد تكرارها من أجل التسويق، بيد أن الاصوات التي تنبعث من هذه المكبرات تصم الاذان وتسبب الارباك للمشتري، نسبة لاختلاطها ببعضها مشكلة فوضى غير خلاقة ومكونة جواً من الصخب والضجيج الموتر للاعصاب. وعند هذا المشهد يشتد صخب مكبرات الصوت، ويكثر الضجيج وتتشابك الأصوات وتتداخل في بعضها البعض، ثم تعم كل فضاء وسط الخرطوم حتى يكاد لا يخلو متر مربع واحد من كثافة الضجيج. ويستمر هذا المشهد الذي لا يختفي إلا في سكون الليل. وحالة الإزعاج هذه أصبحت مصدر استياء وضيق للكثيرين، فيما طالب آخرون بضرورة اتخاذ خطوات من قبل السلطات لوقف فوضى الضجيج. ويقول المواطن مصعب محمد عبد الله صاحب مرطبات لبيع العصائر الطازجة ل «الصحافة» إن بيع العصائر والمشروبات لا يمكن ان يكون الا باستخدام الميكرفون وذلك للفت انتباه المارة من الناس، ولا ينبغي العمل بدونه، واوضح انه يقوم بتخفيض الصوت في حالة شكوى اصحاب المحال الذين يجاورونه، ويضيف آدم «45 عاما» تاجر ملابس بالسوق العربي أنه يمكن ان يبيع بدون الميكرفون ومكبرات الصوت، وأكد انها مزعجة للناس ومؤثرة على الصحة العامة خاصة على الاطفال، واستدرك قائلاً: «ولكن التجارة بدون اعلام شبه مستحيلة، والإعلام نصف التجارة، لذا لا بد من استخدام مكبرات الصوت لتنبيه الجمهور إلى أن هنا سلعاً بأسعار معقولة»، وأضاف آدم أن مكبرات الصوت أصبحت ظاهره تسويقية رائجة يستخدمها معظم التجار بالاسواق في المدن وحتى في القرى، وقال انه امى ولولا الاعلام ما تعلم التجارة، بيد ان المواطن ابو عاقلة الطيب تاجر ادوات كهربائية قال إن الضجيج يسبب له الازعاج الى درجة الصداع، وأضاف قائلاً: «مكبرات الصوت سوت لينا ام كرن كرن»، وقال انه بطول المدة التي يمكثها في السوق تأقلم على الصداع والضجيج المستمر، وانه يحتمله من اجل لقمة العيش، وطالب الجهات المسؤولة بوقف هذا العبث. ويذهب المواطن مصطفى خالد البشير الحاج «تاجر ملابس» في نفس الاتجاه حين يقول بانفعال شديد إن الضجيج الناتج عن مكبرات الصوت والاصوات العالية تسبب له الضيق الشديد والتوتر وتعكر المزاج، وقال انه لا توجد جهة يشكو اليها المتضررون من هذا الضجيج هذا غير الله، كما اضاف مصطفى أن اصحاب مكبرات الصوت اذا طلب منهم تخفيض شدة الصوت يقومون بزيادته، ومن ناحية اخرى قال تاجر شرائح الهواتف السيارة حمد حامد آدم وهو يستخدم الميكرفون بصوت منخفض، انه لولا وجود ارقام بترتيب جديد ما كان ليستخدم مكبر الصوت لأنه يعلم ما يسببه الضجيج من اضرار على المارة، وهو لا يرغب في ايذاء الناس. ويقول التقي محمد عثمان ان تأثير الضجيج على الاطفال من الناحية السلوكية يظهر في انهم يرددون ما سمعوه بالاسواق في البيت، مثل مناداة الكمساري «شعبي شعبي.. عربي عربي» وشكك في أن يصل الضجيج الحد الذي يسبب فيه اضراراً صحية او الضرر على السمع. وتعتبر ظاهرة الضجيج من الملوثات البيئية، حيث اشارت كثير من الدراسات الي تصنيف الضوضاء بوصفها ملوثاً سمعياً، وتشير الدوريات العلمية إلى ان الصوت يصبح ضجيجا إذا زاد عن خمسة وستين ديسيبل و «الديسيبل هو وحدة قياس شدة الصوت. وبحسب الأمين العام للمجس الاعلى للبيئة الدكتور محجوب حسن في وصفه للظاهرة فإن الضوضاء من الملوثات الضارة بالصحة العامة، وتوجد مواصفات محددة لارتفاع وشدة الصوت مسموح بها، كما أن قانون المواصفات المندرج تحت قانون البيئة حدد أماكن يمنع فيها ارتفاع الصوت واستخدام ابواق السيارات والمنبهات الصوتية والضوضاء، مثل «المستشفيات»، ويعاقب عليها القانون بتعويض الضرر والسجن، كما اكد ان الضجيج احد اخطر الملوثات البيئية لأنه يضر بالسمع والمنشآت ويؤثر سلباً على عملية الانتاج، ولكنه يكون محصور المساحة، أي يكون الأثر حول مصدر الضوضاء في مساحة محددة وليس عاماً كما في الملوثات الاخرى، ولفت إلى أن الحديث عن الضوضاء في القانون السوداني يعتبر من الكماليات، لأن الملوثات الاخرى تطفو على سطح الاهتمام مثل القمامة والنفايات، واشار الى ان التعرض المباشر لمصدر الضجيج في الحفلات العامة والاسواق والعمل ضار بالصحة العامة، ولكن هناك ثمة أمور ذات ارتباط وثيق بظاهرة الضوضاء في المدن في مقدمتها ممارسة التجارة بشكل غير منظم وانتشار الباعة المتجولين الذين تحاول السلطات ايجاد حلول لهم، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، وفي وقت سابق أعلن وزير التخطيط والبنى التحتية في ولاية الخرطوم المهندس الرشيد عثمان فقيري ضرورة إزالة الباعة المتجولين من وسط الخرطوم لأنهم يسببون ضجيجاً حاداً باستخدامهم مكبرات الصوت، بيد أن الولاية نظمت لهم أسواقاً بمواصفات حضرية. وأضاف أن وجودهم وسط العاصمة يعكس صورة غير مشرفة. وعلى الرغم من حركة تنظيم الأسواق للباعة المتجولين في بعض نواحى العاصمة إلا أنها أصبحت مصدراً لتركيز ظاهرة الضجيج في داخلها، وكأن لسان حالهم يقول إن استخدام الأصوات العالية سلوك واعتقاد ارتبط عندهم بحركة نشاطهم اليومي، وإن معالجة هذا الأمر تحتاج الى قوانين مختلفة لم ترد على خاطر السلطات بعد.