وحدها المفردة هي القادرة على أن تحدد مواعيد ولادتها دون تدخل من أحد وحتى كاتبها قد لايسعفه الوقت ليأتي بورقة ويدوِّن عليها مطلع قصيدة أبت الا أن تخرج لتعانق الوجود؛ بيد أن هنالك شعراء نجدهم يكتبون أغنيات رغم أن شهرتها طفقت الآفاق الا أنهم يتبرأون منها لسبب وآخر؛ فتصبح تلك الأغنيات مجهولة النسب. اعتراف السر دوليب اعترف الشاعر السر دوليب في أحد حواراته الصحفية بأن أغنية (مبروك عليك الليلة يا نعومة)؛ تلك الأغنية التي كانت ترقِّص بها "الغنايات" العروس قبل ردح من الزمان وبدونها لاتكتمل الفرحة؛ والسر اعترف أن الأغنية التي قبل اعترافه ذاك كان يؤكد البعض حد المغالطة أنها أغنية تراثية؛ نعم لها شاعر لكنه مجهول. أغنيات قعدات رئيس اتحاد شعراء الأغنية محمد يوسف موسى عاصر ولادة مثل تلك الأغنيات؛ وذاكرته المتقدة تحفظ الكثير من قصص تلك الأغنيات التي قال انها تسمى (أغنيات دكاكينية)؛ وتلك ظاهرة غنائية تسيَّدت الساحة في فترة من الفترات إذ كان يجتمع مجموعة من الشعراء وفي جلستهم تلك تخرج العديد من الأغنيات التي تتفرق أحرفها بين الشعراء؛ لذا لاتنسب الى شاعر بعينه؛ محمد مضى مضيفاً كانت تلك (القعدات) تعاني من الركاكة والهبوط؛ وغناؤها لايخرج الى الناس إذ يتم الاستماع له عندما يلتقي الشعراء والفنانون مع بعضهم البعض؛ وبعض من تلك الأغنيات ألحانها جاذبة. المناسبات الوطنية رفدت الساحة الفنية في حقبة السبعنيات بمجموعة من الأغنيات الدكاكنية فعلى سبيل المثال "تومات كوستي" اللائي قدمن هذه اللونية؛ ويشهد كل من عاصرهن أن ألحان تلك الأعمال كانت جيدة؛ ويعود محمد يوسف موسى بذاكرته الى الوراء قليلاً ليحدثنا عن بعض الذين أسهموا في تغيير تلك الأغنيات من الركاكة التي تعاني منها؛ فعدَّلوا في مفرداتها؛ وجعلوا منها وقورة وجديرة بالاستماع؛ ويتقدم هؤلاء الشاعر سيِّد عبدالعزيز، وعبدالقادر تلودي الذي عدَّل في أغنية(سوداني الجوة وجداني بريدو) التي كانت مفرداتها ضعيفة؛ فاستطاع أن يجعل منها أغنية وطنية لازالت حاضرة في كل المناسبات الوطنية. بها شيء من الضعف الشاعر السر دوليب استطاع أيضاً تغيير مسار بعض الأغنيات بعد أن انتشل المفردات الهابطة؛ ووضع مكانها مفردات رصينة لايستحي منها المتلقي؛ وعلى سبيل المثال أغنية "اللون الخمري"؛ وأيضاً أغنية "في الفؤاد ترعاه العناية" التي استطاع الشاعر يوسف التني أن يجري عملية جراحية على مفرداتها الى أن أصبحت من الأغنيات المناهضة للاستعمار؛ وأيضاً لابد من الاشارة الى الشاعر عبدالرحمن الريح الذي يعتبر صاحب بصمة واضحة في مسيرة الأغنية السودانية على وجه العموم في الأغنيات مثار حديثنا؛ وقد أكد محمد علي إن الشاعر لايتبرأ منها؛ وربما لايرغب في أن ترتبط مسيرته المحتشدة بالأعمال الجيدة؛ أغنيات كلماتها بها ولو شيء من الضعف.