لم ينجح نظام البشير في أن يجيش حتى أنصاره ليخرجوا للعالم بثوب عرفناه في الربيع العربي، تحت شعار" بنحبك يا ريس"، وفيما كانت الأنباء كلها تتوشح بغطاء واحد اسمه "الشعب يريد اسقاط البشير"، كان البشير ونظامه متخفيا وراء مقوله واحدة لا ترددها أفواههم بل تختزلها فوهات بنادقهم، ليعلنوا للعالم كله أنه لا شيء يعلو على صوت المعركة، تماما مثلما شبهها وزير الداخلية الذي أتاح له نظام البشير جنسية سودانية متخليا عن جنسيته الأصلية الأريترية، ليتحول إلى بوق لأسياده يأتمر بأمرهم ويردد كالببغاء، حيث أنه في المؤتمر الصحفي شبه التغطية الإعلامية بأنها كانت جزءا من المعركة، في وقت أدرك السودانيون أنها صحيح معركة لكنها بين الخير والشر. كنت أتوقع كمراقب للأحداث أن يخرج علينا بعض أزلام الشيطان أو النظام ليعلنوا الولاء والطاعة لسيدهم وتاج رأسهم من وضع في رقابهم دينا لا يمكن أن يردوه، ليصرخوا بمقولة شهيرة إبان ارهاصات البداية وحتى النهاية في محاكمة الرئيس المصري المخلوع مبارك، حيث جيش أنصاره ليعلنوا من شارع مصطفى محمود في ضاحية المهندسين أنهم يحبون ويكنون للولاء لرئيس مصر، لكن نظام البشير طبعا يختلف عن هؤلاء فهو يرى مبارك شيطانا يجب أن لا يقارنوا به فهم ملائكة الله في الأرض، لذا فإن خطوات الشياطين التي تهمس في الآذان بعلو كعب الرئيس يجب ألا يقتفيها أحد من أنصار البشير، لذا فإن الصوت الملائكي الجديد والحديث والفريد اسمه صوت الرصاص الذي يعبر به أزلام اليشير أنهم يكنون له الولاء والطاعة وحسن الرد على ما أنعم عليه من سرقات وتوجهم به من هبات، فعاثوا في الأرض فسادا. صحيح أن اليشير يمكنه أن يقتل كل شعبه، ولا يفعل معه العالم شيئا لكن الأصح أن الشعب الذي خرج من حفرة قوامها 24 ذراعا، كل ذراع يمثل عاما من حكم آل البشير وزبانيته، لا يمكن أن يعود مجددا إلى ذات الحفرة، حتى ولو أراد هو وأنصاره، لأن صوت الرصاص لا يعيد إلى ذات الحفرة، بل يعيد الأحداث إلى مربع آخر اسمه ميدان الشهيد الدكتور صلاح السنهوري، فما أن استشهد بمصطلح المجاهدين وقتل بمفهوم الشياطين، حتى انفجرت الحفرة تفوح منها رائحة العزيمة قبل أن ينبعث منها صوت ملائكي يدعو "حي إلى الجهاد وحي على الفلاح". هناك في قلب بري بات الكل يحلم بذات الحفرة التي وري فيها السنهوري وأخوانه، حتى من سرقت السجون الأمنية قواهم في الصياح، لازالوا يحلمون داخلها بصوت ملائكي يدعوهم أن "جاهدوا وأنتم الأعلون". في الخارج لا صوت لأنصار اليشير لا دعوة بالحب، ولا أمل في العودة إلى صوت العقل، بعدما غيبتهم الأموال الطائلة عن حقيقة اسمها أبسط قواعد الإنسانية التي يتقاسمها شعب السودان وعرفه بها العالم القاصي والداني، وبعدما حجبت القصور الشاهقة في كافوري وغيرها من الأحياء الراقية أعينهم عن رؤية الواقع السوداني بشكل مغاير، فغدا شعار "بنحبك يا ريس" مجرد كلمة لا تقوى على نصرة نظام متآكل من داخله بسوس الرذيلة والفجور والخلاعة، الأمر الذي حاول أن يغطيه بأنظمة بالية اسمها النظام العام والقانون الجنائي، وكلاهما نتاج مجلس أخواني جمعتهم المصلحة الواحدة والأنانية الباهتة، وإن اجتمعوا تحت سقف برلمان شهد أروع البطولات في ضاحية أمدرمان الأبية التي تفخر بقباب الوطنية المطلة على شاطئ نهر لطالما غسل دماء الشهداء وارتوى منه رجال "عرفوا الله" فنادى فيهم الملائكة " أنني أحب عبدا فأحبوه، ثم أحبهم أهل الأرض". بالأمس خرج السودانيون يعلنون الولاء لمن أحبوا فقط وطن غالي ونفيس، أما أنصار الشيطان فلا حب لهم إلا لضلالهم، ويبقى السؤال لماذا لم يلجأ البشير وأظفاره في الخروج بالصوت لإعلاء صوت المحبة الشيطانية في قلوبهم، هل اعتمدوا على "مصف معطل" من الشعب يعرف أن اليوم الذي ينام فيه جائعا لا يستطعم طعم الحياة، أم اعتمدوا على نصف آخر من فئة "الثيران" التي ربوها في حظائر "الاحتياطي المركزي" فهم صم عم لا يعقلون، ينفذون ما أمرهم به قائدهم "أبو شنب" فينطلقون يقتلون هذا ويغتالون ذاك ويغتصبون تلك، فهم بهائم لا تفكر إلا في قتل الأبرياء، وكأنهم لم يعاينوا مرة واحدة تلفاز كان فيه الثوار في بلاد مجاورة يخاطبون ود القتلة بأنهم أبنائهم فنجح صوت الضمير الإنساني وهز أركان عرش فرعون ومن جاوره، لكن هؤلاء لم ينفع معهم أي صوت، حتى هدير ماكينات الحافلات القديمة التي تنقلهم بعد أسبوع إلى منازلهم النائية وسط الجبال والتي تفوح منها رائحة الصرف "غير الصحي" لم تفلح أن تهز أركان فهمهم البليد، فهم يأتمرون وينفذون أوامر من قتل فيهم معنى الضمير ومن فوت عليهم العيشة الهنية والكرامة الوطنية، يفعلون ما يريد كبيرهم، وإن سألتموهم من هو، حنوا الرؤس وقالوا أوامر. في الخارج ينظر العالم بشكل مغاير للبشير ورفاقه فهم يرون أنه موالي لهم بشكل كبير، وأحد فصائل الحيوانات التي تطيع رغم أنها بأظفار، لذا تركوا له أظفاره، وأبقوه على غيه، يعرفون أن من قتل "99" نفسا يمكنه أن يقتل المائة" وما دام بعيدا عن إرهابهم فليقتل من يشاء ويبقي بعيدا عن اللعبة السياسية، ولأن التقارير تؤكد أن البشير اغتال فكرا جيلا بأكمله بلغ عمره 24 عاما، فلا حيلة لمن أرادوا النجاة والصلاح لهذا الجيل، لكنهم نسوا أن الجيل نفسه الذي "صنع في عهد البشير أخوان" هو الذي ثار، فخابت توقعاتهم الأمر الذي اضطروا معه مد "حبل الود" بإدانة وشجب، رغم أنهما لم يحضرا في الواقع ولعل لقاء كيري ونظيره كرتي دليل على أن كل المظاهرات السودانية مجرد "زوبعة في فنجان" لا يجب الحديث عنها أو التطرق لها، فهم عرفوا تمام المعرفة أنها موؤدة"، كيف ومتى لا يهم المهم النتيجة. لكن الذي لا يعرفه النصف المعطل من الشعب ومعشر الغرب والأمريكان أن النصف الحي من الشعب عرف كيف يهز عرش "بلقيس" فما نام لها جفن وهي تنتظر "فحلها" الذي ساده القلق فما ارتدى الثوب الأبيض لليلة عرس جديدة على عروس صغيرة ترملت بموت يافع الوطنية والولاء في ساحات المعارك في الأحراش لا المدينة، وارتمت في أحضان من لا يعرف إلا ساحات المعارك في وسط الشوارع البريئة التي أظلمها وهشم فوانيسها، بيده لا بيد آخرين. الذي لا يعرفه الجميع أن النصف الحي، سيبقي حيا وما أخذ باليمين لا يمكن أن يبقي بعيدا عن الوطن، لأن الكل ارتدى ثوبا "أبيض" قربانه الشهادة ومقابله حب الوطن، حتى بنات الأحفاد" عرفوا مهرهن فما ارتمين في أحضان قاتل كما فعلت "أنثى الأفعى" وداد البشير، بل ارتمين في أحضان قلب كبير يحسبه الآخرون قبر ويحسبه العقلاء قلب، فأروني "قلبكم أو قبركم فالعلم باق والعالم سيشهد يوما صوت النصف الحي وهو يصرخ بعقل ووعي ويقول لمن جاء بانتخاب حر نزيه يمثل كل الشعب وليس النصف، ويقولوا له "بنحبك يا ريس بجد"، هناك سيتباكى النصف الحي وهو يتذكر أنه قال يوما ما "بنحبك يا وطن، فلفظ أنفاسه السنهوري ورفاقه، لنحيا نحن، والله بنحبك يا وطن.