السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين حج الرئاسة وذنوب الحكومة..!
نشر في الراكوبة يوم 14 - 10 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
ما بين حج الرئاسة وذنوب الحكومة..!
(يا مِتلبك في الأدران
الحجر الأسود ما هو البروة
وما ها مكاوي الكعبة تجيها
حين ينكرفس توب التقوي) حميد
بعد الإستيلاء علي الدولة السودانية، وتصفية أملاكها ومشاريعها وثرواتها، وإقتسامها بواسطة الجماعة الإسلامية، عبر عناصرها في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وبعد مصادرة عرق المواطنين البسطاء وملاحقتهم، والتغول علي حاصل كدهم وجهدهم، وتاليا إفقارهم بواسطة هذه الجماعة الفاقدة للإحساس والمروءة، وصل بها الحال الي إهدار دمهم سنبلة. من أجل البقاء في السلطة والأستمتاع بإمتيازاتها حصراً. وبسبب هذه الغاية التي تشكل لهم أسباب حياة، تمت التضحية حتي بالدين الحنيف! وذلك من خلال عمليات النهب المنظم لطاقاته الروحية، والتشويه المُهين لمبادئه وقواعده الأساسية، التي تحُض علي إحترام الإنسان، وإنزال قيَّم العدالة والخير والمساواة والرحمة بين بني البشر علي إطلاقهم، بإعتبارهم أفضل خلق الله المُكرمين. وأن الظُلم ظُلمات يوم الوعد الحق، والناس بين يدي الرحمن، لاحول لهم ولا قُوة ولا سُلطة ولا جاه. وعلي الرُغم من كل تلك الفجائع، فإن أكثر ما يدعو للأسف والغيظ، هو محاولات الإستعباط والإستغفال الغبية، التي ما أنفكَت الجماعة تُمارسها، وكأنها تمارس عادة مرضية مُزمنة، لا تملك القُدرة للسيطرة عليها، أو كَبح جِماح سذاجتها وإبتعادها عن المنطق السوي والخُلق القويم! بمعني، إن الجماعة وبعد مُصادرتها لحق الشعب في أن يعيِّش بعزة وكرامة، ويدير دولته بشفافية ومسؤولية، ويختار ما يلاءمه من أنظمة الحُكم ومن يتولي شأنها. فهي تُصر علي تقصيِّر وعي الشعب وتقزيِّم مُدركاته والتغبيِّش علي مقدراته وملكاته! وقد أنفقت في ذلك الغالي والنفيس من موارد الشعب ذاته! سواء عبر مؤسسات التعليم المفرغة، من مضمونها التنويري والمنهج العلمي الصارم والموجه نحو التنمية المُتكاملة. او عبر إعلام مُهمته الأساسية عكس الحقائق، وإختراع إنجازات وهمية علي أرض الواقع البلقع، وبأموال اوديون خارجية! مع تحريمه المُطلق للتساؤل عن طبيعة السُلطة او مدي مشروعيتها، أو فتح ملفات الفساد ومتابعتها لإيصالها لنهايتها المنطقية (المُحاسبة). او الإهتمام بقضايا حقوق الإنسان والديمُقراطية والدفاع عن مؤسسات المجتمع المدني، او كل ما من شأنه أن يعيد الدولة والمواطن الي جادة طريق الحداثة والمدنية، كوسائل وحيدة للخلاص من هذا التيه الوطني، الذي يُلازمنا منذ الإستقلال( الذي تحول الي إستغلال، بسبب عجز النخب المتحالفة مع القوي التقليدية هذا من جانب، ومن الجانب الآخر سيطرة المؤسسة العسكرية بحاملها الأيدويولوجي الطفولي الرغائبي، لأطول فترة من ذلك التاريخ، والأصح انها فترة معاندة التاريخ، وما أفدح ثمن ذاك العناد!).
وكل ذلك من أجل تسويغ مشاريعها المعطوبة وخطابها الفج وسلوكها المُلتوي! والسبب الأساس في كل ذلك، هو جهلها ليس بتاريخ هذه الشعب الحديث, وتجاربه المريرة مع الدكتوريات والشموليات وثورته عليها فقط! ولكن حتي تاريخه العريق الضارب بجذوره في عُمق الماضي، والملئ بمواقف الرفض للسيطرة والإستغلال، المفجران لصراعاته الداخلية وضد الخارج. لتصبح وحدها حالة نشاز، ومفارقة لإيقاع الإلفة والتعايُش والتراحُم، الذي يُحكم العلاقة بين جميع مكوناته السياسية والإجتماعية، إلا من بعد الصراعات التي حكمتها طبيعة كل مرحلة كغيرها من شعوب الأرض، ولكن ما يميز تلك الصراعات، أنها صراعات منافسة علي المكاسب، وليست صراعات نفي وتصفية للآخر، وإنكار لحقه في الوطن كشريك كامل الأهلية والحقوق، وهو الشئ الذي يُميز هذه الجماعة! والمُحصلة أنه شعب يتميز برهافة حسه السياسي، ويعشق الحُرية ويكره التكبر والإستبداد. وهو شعبٌ واعٍ بألاعيب الحكومة، بعد كل ما أصابهُ من صدماتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، التي تهدف الي شل حركته وقتل فاعليته، لجعله في حالة خنوع وخضوع بيد مولاه(الجماعة الضالة).
وإمعاناً في هذا الإستغفال، تأتي زيارة البشير الي الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج، هذا العام بالتحديد، ويعني ذلك أنها محاولة للتطهُر من الذنوب والعودة كمل ولدته أُمه! ولا عزاء لدماء الشُهداء وأُسرهم المكلومة، وللشعب المفجوع بخسارة أنضر أبنائه، الذين يدخرهم كسواعد للتنمية والبناء، إعتمادا علي ارواحهم الحرة وخلقهم القويم، وتحفُزِهم لتغيير الواقع الجائر، الي واقع أكثر عدالة وتحرر وإنسانية(وهو ما سيحدث بإذن الله). وهذا بدوره يقودنا الي أحد عجائب الجماعات الأسلاموية التي لا تنقضي عجائبها! فهي تعتقد في قرارة نفسها، وبصفتها الإسلامية فقط! أي بغض النظر عن مستلزمات هذه التسيمية او التلفُظ بها في كل حين وأوان! أنها افضل تنظيم علي سطح الأرض (سوبر تنظيم! يتصل بالسماء لذلك لا يجوز مجرد مقارنته بغيره من التنظيمات، ناهيك عن تفضيل غيره عليه "خروج من الملة") وأن أعضاءها هم خُلاصة البشر، خُلقا وممارسة وخيرا وإقترابا من الرب. وأن كل ما يقومون به، مبرر ومسموح به، حتي ولو خالف حقائق الإسلام الكبري التي لا تحمل أي شُبهة خلاف! وتتحدث بإسمها هذه الجماعة، التي تحتكر الدين والتدين، وتملك لوحدها صكوك القبول والرفض داخل النادي الإسلاموي! وبقول آخر إن من حقهم إرتكاب كل الأخطاء والخطايا والآثام، ومن ثم الذهب الي الحج او الجامع او صيام يومي الإثنين والخميس من كل إسبوع، وتاليا تتحول صحائفهم آليا الي البياض، وأن ميزان حسناتهم يعمل بإستمرار دون توقف، أما ميزان السيئات فهو معطل او ما موجود أساسا! بسبب صفتهم الإسلامية، التي تميزهم عن الآخر المجرد من كل فضيلة!
والذي تذهب حسناته هباءً منثورا، أما سيئاته فتسجل له وتتراكم كالجبال مع مرور الأيام! بغض النظر عن تضحياته وسلوكه الراقي وطبعه المُهذب ومجاهداته، وتركه لبلاده وإمتيازاته وترفه، ليأتي لمعالجة أخطاء هذه الجماعات الإسلاموية وغيرها من النظم الإستبدادية، التي حوَّلت حياة شعوبها الي سلسة من الجحيم الذي لا يتنهي! لتجد تلك الشعوب بحاجاتها وأمراضها وتأخُرها، السلوي والعلاج لدي هذا الآخر الكافر العاصي!! فما قيمة الدين أساسا، إذا لم يرقِ السلوك ويهذب النفوس، ويدفع صاحبه للإهتمام بالآخر والسعي بإخلاص لمساعدته وخدمته، إضافة الي الإجابة علي أسئلة الوجود الكبري، والتي تنعكس علي أداء المؤمن في الحياة. بمعني، إن الجماعة الإسلامية لا تنظر الي الدين كعقيدة، أي إيمان و إطمئنان داخلي. وإنما كوسيلة يتم توظيفها في مشاريع سياسية! وتاليا الوصول الي السلطة وإحتكارها! والسلطة في حقيقتها، وبعد تجريدها من كل الدعاوي والشعارات(بغض النظر عن مصدرها)، هي نوع من السيطرة والنفوذ، أو التطلع الي الدنيا والحياة بأقصي طاقة ودرجة! وهذه النقطة بالتحديد تمثل أكبر خطر علي العقيدة الدينية، وهذا إذا لم تنسفها من الأساس، بعد أن تحل محلها، اي تتحول هي نفسها(السلطة) الي عقيدة، تشغل البال والقلب ويصدقها العمل الإستبدادي الإحتكاري، والمتجاوز لقيم العقيدة الدينية المفتري عليها! والتي تتحول من مورد روحاني مهذب للنفوس والسلوك، وكابح لجماح النفس عن الهوي، وساعٍ لنشر العدل والرحمة، الي مجرد واجهات او إعلانات تجارية، تخفي خلفها أكثر فظائع وجرائم الأرض إيلام، وإهلاك للحرث والنسل، وتبديد لفرص الحياة الكريمة، وإظلام للمستقبل المنشود!
وليس بعيدا عن المضوع، فمسألة الحج نفسها وكذلك الأُضحية، وغيرها من الطقوس والعادات السُودانية، ألا تستدعي وقفة وتساؤل مشروع في ظل ظروف، كالتي يعيشها المجتمع السُوداني! أي ظروف الفقر المُدقع، وفتح أبواب الحاجة في كل إتجاه، وإسدال أستارها علي كل أسرة! وبصورة أكثر وضوح، هل الأولي أداء مناسك الحج لمجموعة من الفقراء، تعمل المستحيل من أجل تدبير أمر مستحقاته، وهي في أمس الحاجة إليها؟! او حتي بالنسبة لقادرين في بلاد إستوطن فيها الفقر وباض وفرخ في كل إرجاءها! فهل أوفوا بكل إلتزماتهم تجاه أقاربهم وجيرانهم ومعارفهم وأوطانهم؟ وفاض المال بعد ذلك لأداء منسك الحج مرة وأكثر؟ وزاد الطين بلة، بدعة الحج الحكومي او حج الوزراء وكبار المسؤولين علي نفقة الحكومة! الموصوفة بالإفلاس، ويتداعي إقتصادها بداعي التشوهات علي جسده المنهك، مما إستدعي إسعافه، بأموال الفقراء التي يقتطعونها من لحمهم، بعد رفع الأسعار الي ارقام فلكية، تعد بإرسال الملاين من الفقراء(المفقرين عمداً او جهلاً) الي غياهب المجهول(تدبير راسهم عن طريق السحر او الجان او السرقة)! بمعني آخر، هل الأولي الحج أم إطعام الجوعي وإغاثة الملهوفين والنازحين والمنكوبين، ومعالجة المرضي الذين تغص وتئن بهم المستشفيات، وأطفال المدارس العاجزين عن دفع الرسوم الدراسية المتناسلة وتدبير وجبة الإفطار...الخ، نعلم أن ذلك واجب الدولة المسؤولة الراشدة، ولكن ما هي واجبات المُواطن الفرد القادر، علي تقديم الدعم بدلالة ذهابه الي الحج؟!(بما انه لا توجد حكومة راشدة تقوم بمسؤوليلتها تجاه الشعب، لذلك يمثل الدور الذي يلعبه القادرون، نوع من الإعتذار عن التقصير في عدم الإسهام في إنجاز الحكومة الرشيدة، بعني آخر أن تقصير الدولة الفاشلة في القيام بواجباتها كما هو متوقع منها بسبب عجزها البنيوي وفقدانها للشرعية والإحترام، يلقي عبئاً ثقيلاً علي القادرين وجماعات المجتمع المدني، للإسهام في تجسير الهوة وردم الفجوة، ما بين مطالب المحتاجين العاجلة والماسة، وبين نسيان الدولة لواجباتها تجاههم او انكارها لهذا الواجب من الأساس، خاصة وأن إحتياجاتهم العاجلة لا تحتمل او تنتظر زمان التغيير، كواجب ومسؤولية او كدين مستحق في عنق كل وطني حر ديمقراطي غيور!)
ونفس الأمر ينطبق علي الأُضحية! فهل تجوز هذه الأضحية علي شعب مثل الشعب السوداني جُله فقراء، ويتمدد غول الفقر يوميا لإلتهام الآلاف(95% من السودانين تحت خط الفقر، رجوعا الي أكثر البيانات تفاؤلا وقبل الزيادات الأخيرة!)؟ ألم تتحول الأضحية الي مجرد عادة إجتماعية تفاخرية او خَلاصِيَّة من شبهة الفقر المنكور!! ومرهقة للمواطنين ولا يستفيد منها غير السماسرة وبعض المنتجين. وفي نفس الوقت تمثل هدر لثروة البلاد الإقتصادية الجالبة للعملة الصعبة، في ظل ظروف إقتصادية غاية في التعقيد تمر بها البلاد، او علي الأقل لتساعد في تطوير قدرات المنتج وتقديم الخدمات له. بمعني، أنها تحولت الي جزء من الصرف البذخي، الذي نشاهده في مناسباتنا الإجتماعية، كعادات الزواج. وعلي رأس رعاة هذا الصرف البذخي، أفراد هذه الجماعة المترفة وسط محيط الفقر منعدم السواحل، والذين تحولت مناسباتهم الإجتماعية الي أساطير يُحكي عنها أيامٍ وليالٍ، كأحد علامات الكسب السهل، مشكوك المصادر!(أبت الدنانير إلا أن تطل بأعناقها، كناية عن الفساد، كما يُنسب الي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وكذلك إستثماراتهم في صالات الأفراح وغيرها من المشاريع غير المنتجة، وذات المردود الضعيف او المنعدم إجتماعيا، ولكنها تدر الربح الوفير في جيبهم الخاص، بعد تغيير نمط الأفراح والبهجة! وبكلمة واحدة، من الأفضل إعادة النظر في هذه الطقوس والعادات، علي الأقل حتي يتم التحوُّل من دولة الفاقة والحاجة والفساد، الي دولة الرفاهة والرعاية والقانون. وذلك بتوظيف كل الموارد والجهود للوصول الي ذلك الهدف. لأن تحسين شرط حياة العبد، يعني آليا تحسين أداءه لعباداته، وتوفير البيئة الصالحة، الخالقة للعبد الصالح سلوكيا وعمليا وروحيا، وفي نفس الوقت تقلل من حالة التدين المظهري، الأبن الشرعي للفقر والخوف والقهر.
وفي نفس السياق لابد من الإشادة بالفكرة الجمهورية وكذلك الأتباع الجمهوريون، الذين لم يدخروا جهدا، في محاولات التمسك بجوهر العقيدة وطرح القشور جانباً، والأكثر أهمية من وجهة نظري المتواضعة، هو إصرارهم علي تنزيِّل قناعاتهم، بتبسيط الإجراءات الإجتماعية علي أرض الواقع، في محاولة جريئة وصادقة ومستميتة منهم، لتخليص المجتمع من معاقبة نفسه، وتحميلها فوق طاقتها(أكثر رأفة بالمجتمع من نفسه) وذلك بمساعدته وتشجيعه وفتح الطريق أمامه رغم الصعوبة التي تلامس حواف الإستحالة(ولا إستحالة مع الصدق مع النفس والآخر، ديدن الإخوة الجمهوريين)، لترك كثير من العادات والممارسات الإجتماعية، المُكلفة والضارة والمهدرة لموارده الشحيحة، والتي يمكن بقليل من الحكمة والتدبير إستغلالها فيما يُفيد، وبكلمة وأحدة الإعتراف بواقعه والتعايش معه والسعي لإصلاحه بدلا عن مغالطة الواقع والحقائق! التي لن توّرثَه إلا مزيدا من الديون والعنت والرهق ، وتاليا توفير البيئة المشجعة علي الإنحراف والضياع. مما يستحق التنبيه لمقولة السيد المسيح (ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلهُ وخسِر نفسه؟ او ماذا يعطي الإنسان بدل نفسه؟).
وعلي النقيض من طرح الإخوة الجمهوريين، هو ما قامت به هذه الجماعة المتأسلمة المتكوزنة(نسخة غير جيدة الطبع، وتاليا أكثر تشوه وكارثية، من جماعة الإخوان المسلمين الأم اي المصرية بكل شرورها وأخطاءها). فقد قامت وبكل جهالة وعنجهية كصفتان ملازمتان لها، بتحويل المجتمع السوداني الي مجتمع إستهلاكي، دون التأسيس لبني إنتاجية حقيقية، تعمل كرافعة او كمورد إستقرار لحياة الإستهلاك هذه، بل علي العكس من ذلك فقد قامت بتحطيم ما هو قائم منها! وبمعني آخر فهي قامت بأكبر قفزة في الظلام، في تهافتها لإرضاء صناديق التمويل الغربية(الكافرة)، التي بنت نظرياتها ومعالجاتها علي قضايا او إشكالات مجتمعات أخري ومراحل تطور مغايرة! او بسبب سعيها الطفولي لوضع بصمتها او إحداث تغيير والسلام! دونما إكثراث للعواقب! حتي ولو أدت لتدمير وطن وتشتيت مجتمعه، في الداخل والخارج، وبكل ما يعنيه ذلك من تعقيدات تضر بالإستقرار النفسي والمجتمعي، وتاليا الدور في الحياة او بين الأمم! وهي تقوم بتحويل إقتصاد البلاد الزراعي، الذي يتلاءم مع ظروفها البيئية، وثرواتها الأرضية والمائية، وإرتباط غالبية السكان به بشكل او بآخر(في كل مدار حياتهم) والأهم أنه يتناسب مع درجة تطورهم(و لا نقول انه كان ينعم بالتطور والإستقرار، ولكنه كان قابل للتطور وقيادة البلاد الي ركب الأمم المنتجة والمصدرة لفائض إنتاجها، وصاحبة الحضور المشرف علي المستوي الدولي، بدلا عن هذا الحضور النكبوي الملازم لهكذا جماعة قاصرة ومتعالية علي التعلم). الي إقتصاد ريعي هش، لا يقوم علي أسس تنموية او تخطيطية راسخة، او نظرية إقتصادية معلومة القسمات(حتي لو نظرية حبوبة تجيد الإدخار وتدبير المعايِّش)، ويمول هذا الإقتصاد الهُلامي او إقتصاد الدجل والشعوذة وحرق البخور، عبر البترول سابقاً، والديون لاحقا! أي ما نشاهده من مظاهر الوفرة وبعض المشاريع الدعائية، هو حالة كاذبة او حمل إقتصادي كاذب! وهو عبارة عن فقاعة معرضة للإنفجار في أي لحظة، وتعريض البلاد كلها لمخاطر لا تحمد عُقباها. والمأساة أن المجتمع نفسه يملك القابلية والإستعداد او التطلع الإستهلاكي، ليس كنمط إقتصادي له جانب يتعلق بزيادة الطلب علي السلع، مما ينعكس علي زيادة الإنتاج! ولكن كثقافة تُعلي من شأن المظاهر وإقتناء ما يرمز للثراء(كنقيض للفقر الدال علي الحاجة والإزدراء، وليس كتراتبية ضمن منظومة إنتاجية)، وفي نفس الوقت يتعالي ويحتقر العَرَقْ والبذل والمِهن الحِرفية او العمل اليدوي(يرمز لقاع المجتمع المظهري، أي قطاعات مُنَفِرة). وفي إعتقادي السبب في ذلك يعود الي، حالة من فقدان الثقة بالنفس، مردها هي الأخري الي حالة من (التزعزُع الهَوِيَوي) لو جاز التعبير، أي نوع من تنازع الهوية بين مكوناتها المتعددة، وبالأخص المكون العربي والأفريقي، وشدة إنجاذبه للمركز العروبي، وفي نفس الوقت عدم إعتراف ذاك المركز به، وتاليا سقوطه في فخ التهميِّش و نفق التصغيِّر، وخطورة مفاعيل ذلك علي الثقة الذاتية، وتاليا القدرة علي المساهمة الإيجابية والتغيير للأفضل، من موقع ندية في هذا العالم المحكوم بالتنافس الشرس والبذل والعطاء. والأسوأ من كل ذلك أن سلطة العادة والتقليد الاعمي(غير المساءل) في المجتمع، أقوي من سلطة العقل والمنطق او الوعي، بل والمقدس نفسه!! علي الرغم من شدة التعلق العاطفي بالمقدس، لدرجة إستغلاله بكل سهولة في تسعيير الحروبات الداخلية، وإدخاله للقضايا السياسية في نفق إستعصت علي المعالجة(عدم قبول التنازلات والتسويات العقلانية والواقعية حتي ولو كان فيها حقنا لدماء الأبرياء!)، بسبب تعاليه علي التفكير والجدل والتعلم من الأخطاء، وتاليا إمتناع الراي والراي الآخر، اللذان يُخصِبان ويثْرِيان ويُمتِنان التجربة السياسية،أي يمنحانها النضج القادر علي طرح ثمارها المفيدة للجميع! بمعني آخر، نقل الممارسة الأرضية بكل أخطاءها وعثراتها، الي حقل آخر لا ينتمي لها( المقدس، ولو أنه يملك خاصية تهذيبها وضبطها قيميا عبر تأثيره علي الممارسين) ويصعب تقبُلها داخلِه، بسبب إطلاقيته، التي تتعارض مع إحكامه بالقانون النسبي، الذي يُوجه ويُسيطر علي مقدرات البشر، بما فيها أداءهم السياسي ومرحلتهم التاريخية والظروف المحيط بهم، والأهم تبدل وتغيير مصالحهم بصورة مستمرة، مما يتطلب تغير القوانين والمعايير التي تحكمها من جيل الي آخر!
لكل ذلك تمثل زيارة الأراضي المقدسة وغيرها من مظاهر التُدين الشكلية، للبشير ولغيره من أعضاء الحكومة والجماعة، الذين إستباحوا الوطن وأهدروا حقوق مواطنيه، نوع من خداع الذات، كاحد ميكنزمات التمكين(الكنكشة المستميتة)، الذي يُعفي من الإحساس بالذنب او التأنيب للضمير او قتلهما والتنكر للأخطاء وتحمل مسؤولياتها، أي إبعاد كل منقصات السيطرة والإستمتاع بالسلطة المغرية الفاتنة! ولكن جميعها لا تُغني عن الحق شيئاً و لا تتساقط تبعاتها مع مرور الزمن! وزيارة مكة مشابهة لحالة الخداع والخوف، المتُخفية في ثوب الشجاعة المتوهم لدي البشير، وهو يُعلن بكل فخر وحبور وثقة مُفرِطة، عن نية سفره الي نيويورك، وبالفُم المليان وسط الحشد الطَربان، وذلك لحضور جلسات الأمم المتحدة، كغيره من الرؤساء الشرعيين المُعترف بهم دوليَّاً! ولكن قبل أن يكمل خطاب العزة والكرامة دورته لدي الحشد المُستمع، ليستَمتِع بنشوة شجاعة قائدة الهمام وينحر الذباح ويدق الطبول، عاجله بقوله، إن الويات المتحدة غير مُصدقة علي إتفاقية روما التي تُجيِّز التقُيد بمطلوباتها ومن ضمنها الإيقاف بالطبع، وتاليا ليس بمقدورها مُلاحقته او ضبطه وتسليمه! وفي هذه الحالة أين الشجاعة؟!! والشجاعة حسب إعتقادي البسيط تكمُن، في الذهاب الي لاهاي طائعا مختارا واثقا من موقفه ومن أجل وطنه وما تسببه له ملاحقته من إهانة ومخاطر! أي تسليم نفسه ومواجهة مسؤولية أفعاله التي لم يجبره احد علي إرتكابها! وقبل ذلك الإعتراف بخطأ قيامه بإنقلاب، ومن ثم تسليم البلاد الي شُلة قتَلة ونهابيِّن، لم يراعوا إلاً ولا ذمة، في تقسيمها وإفقار أهلها الأعزاء، وسد أمامهم كل منافذ الخلاص والتحرر، من حياة الذلة والحاجة بعد إحتكارهم لكل منافذ الثروة والسلطة، وبقول وأحد إبتلاع كل الدولة ثم الطمع في المزيد!! ولا حول وقوة إلا بالله.
ونختم بمقطع من نفس قصيدة حميد أعلاه(كرويات الصبر البيضاء)
من ما تبلع يوت تتبرع
وكلك نخوة وصدقة لعمرك
وباقي حياتك ونصر الدعوة
حبة جوامع.. وقبة صوامع
وكوتة وكوتة..تفوت الفوته
بأسرع صهوة
عمرة وحجة
وتسأل ربك يقبل توبتك
يغفر ذنبك .. يمسح سفك .. خيرات شعبك
أصلها كانت.. عترة في دربك..
كل عام والجميع بخير والأوطان تنعم بالحرية والتنمية والتقدم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.