الخطر الحقيقي الذي يهدد بحر أبيض يتمثل في الخلايا الحيّة التي تجاهر بدعم التمرد    "مدينة هرار" .. بدلا من المانغو والفول السوداني.. ماذا يفعل "الذهب الأخضر" في إثيوبيا؟    مدير شرطة إقليم النيل الأزرق يقف على سير العمل بمستشفى الشرطة بمدينة الدمازين    (خواطر ….. مبعثرة)    وجوه مسفرة    وزير الخارجية الأمريكي في اتصال هاتفي مع البرهان يبحث الحاجة الملحة لإنهاء الصراع في السودان    الخارجية المصرية: "في إطار احترام مبادئ سيادة السودان" تنظيم مؤتمر يضم كافة القوى السياسية المدنية بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين    عائشة الماجدي: الموت إكلينيكياً (مؤتمر تقدم)    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    الموساد هدد المدعية السابقة للجنائية الدولية لتتخلى عن التحقيق في جرائم حرب    المريخ يواصل تحضيراته بالاسماعيلية يتدرب بجزيرة الفرسان    مازدا يكشف تفاصيل مشاركة المريخ في ملتقى المواهب بنيجيريا    الجزيرة تستغيث (3)    شاهد بالصورة والفيديو.. زواج أسطوري لشاب سوداني وحسناء مغربية وسط الأغاني السودانية والطقوس المغربية    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة السودانية شروق أبو الناس تحتفل بعيد ميلادها وسط أسرتها    بالصورة والفيديو.. شاهد ردة فعل سوداني حاول أكل "البيتزا" لأول مرة في حياته: (دي قراصة)    اختراع جوارديولا.. هل تستمر خدعة أنشيلوتي في نهائي الأبطال؟    شح الجنيه وليس الدولار.. أزمة جديدة تظهر في مصر    أوروبا تجري مناقشات "لأول مرة" حول فرض عقوبات على إسرائيل    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    السعودية: وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    "آبل" تعيد بيع هواتف قديمة في "خطوة نادرة"    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    سامية علي تكتب: اللاجئون بين المسؤولية المجتمعية والتحديات الدولية    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نزار العقيلي: (العطا طااااار ومعطا)    تراجع مريع للجنيه والدولار يسجل (1840) جنيهاً    "امسكوا الخشب".. أحمد موسى: مصطفى شوبير يتفوق على والده    الأهلي بطل إفريقيا.. النجمة 12 على حساب الترجي    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    الإعلان عن تطورات مهمة بين السودان وإريتريا    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بديل نافع،،إبراهيم غندور : جندني الاتحاديون وحركات الاشتراكيين قبل الإخوان
نشر في الراكوبة يوم 12 - 12 - 2013

بسيط، مؤهل، ذكي، حاضر الذهن، لديه ذاكرة فوتوغرافية - إن جاز الوصف – وªعيننا باردةª خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأرقام؛ الانطباع الذي خرجت به بعد إجراء هذا الحوار معه – بخلاف كونه يجيد التعامل مع الإعلام والإعلاميين - هو أن الرجل يعد محامياً جيداً عن حزبه أو أيما قضية يتبناها.
عندما فكرت في إجراء حوار مختلف مع شخص سياسي طلبت منه موعدا، وذهبت ولم يكن يعلم أني سأجري حوارا في ذاكرة تاريخه، وإذا بي أجده حاضرا مع كل سؤال، وكأنه قد جهز نفسه وقام ببروفة مسبقة لمثل هذا الحديث!
انتقل بي بين ذكرياته برشاقة وسلاسة هادئة، وإذا بي مع تجربة فريدة غنية بالأحداث الإنسانية قبل السياسية.
ضيفنا كان أطلق صرخة ميلاده ظهيرة السادس من ديسمبر عام 1952م، وقتها كان الناس في صلاة الجمعة، وهو الحدث الذي ظلت والدته تذكره به في كل مرة. درس الرجل مراحله الأولى في مدينة العلم والنور (الدويم) التي نشأ بها أول معهد تربية بالسودان، حيث مقر كل مناهج التعليم قبل الجامعي بالسودان في بخت الرضا، وبالتالي فهو من قلة حظيت بالتعليم قبل المدرسي في روضة أطفال. التلميذ النجيب للأستاذة (نفيسة بنت أسطى حسن) سرعان ما بارح روضته والتحق بنادي الصبيان، جوار منزلهم متلقيا تعليمه الرياضي وغيره، ثم المدرسة الابتدائية بخت الرضا، التي كانت حينها تسمى (الصين الشعبية)، لكونها تضم بين جنباتها 16 نهرا، ومدة الدراسة بها أربع سنوات، وبالتالي 64 فصلا في مدرسة واحدة، كان عددا ضخما جدا، وكان يدرس بها كل أبناء المنطقة.
معاً ندلف إلى حكايات الولد الشقي، طبيب الأسنان اللاحق إبراهيم غندور.
o ما هي ذكرياتك عن الطفل إبراهيم غندور؟
- إبراهيم غندور كان طفلا شقيا جدا، وكنت أتعب أسرتي جدا فكنت مشاغبا وأعترف بذلك، كنت متفوقا من البداية وكانت المنافسة مع واحد أو اثنين على المراكز الأولى في المدرسة، وأذكر أننا من بين الستة عشر نهرا، المدرسة كان لها فصل واحد بها الأول والثاني من كل الستة عشر فصلا، بعد السنة الأولى، والتحقنا بثانية سيلا وكان يمثل نهر المتفوقين بالمدرسة، وكان التنافس على أشده بيننا.
o هل زاملك في هذه الفترة أحد من المشاهير؟
- هم معظمهم من الأطباء والاختصاصيين، لكن سياسيون لا يوجد غيري. ثم التحقت بمدرسة الدويم الريفية الوسطى، وهي أيضا من أقدم المدارس بالسودان، وكانت الشقاوة الحقيقية، وأتذكر أني كنت كثير المشاكل مع زملائي، وبالتالي كان يصنفني الأساتذة دائما من بين التلاميذ الذين كانوا يتعدون على الآخرين، وأذكر أننا جئنا أنا وزميلي نشتكي للأستاذ فكل منا ضرب الآخر دون شهود، فالأستاذ قال لي لا بد أن تكون أنت المخطئ، باعتبار أن ملفاتي مليئة، لكنها كانت شقاوة أطفال، وبالتالي استمرت الدراسة بذلك في الدويم الوسطى.
o الإخوان والأخوات في أسرتك؟
- كان لي أربعة إخوة وثلاث أخوات، وكنت الأول، وتوفي الأخ الذي يليني مباشرة بعد إصابته بالبلهارسيا، كان في الوسطى، ومات أحد الأشقاء صغيرا من خلال تسمم، وتبقى شقيق واحد وهو مهندس طيران في الطيران المدني، وثلاث أخوات، أصغرهن توفيت في 2006م، والدي توفى في وقت مبكر وأنا في السنة الثانية الثانوية في 31- 12- 1969م، ووالدتي توفيت عام 1998م وأنا أستاذ بجامعة الخرطوم، ووالدي توفى عن عمر 39 عاما، ووالدتي توفيت عن 59 عاما، تعلمت من والدتي بالذات. والدي كان كثير السفر، وكان يعمل في مجال البناء، في مقاولات صغيرة، فكانت أمنيته أن يكون مهندسا، وكانت رغبة والدي أن أكون طبيبا، وكان هذا المجال الذي سرت فيه. والدتي كانت امرأة ذكية، وصابرة ومثابرة، وباعتبار أن أهل والدي كانوا من مدينة أم درمان، ووالدي توفي بالخرطوم، وكان إصرار الأهل أن نأتي إلى أم درمان، ورفضت والدتي الزواج رغم أنها كانت صغيرة وأصرت أن نجلس في منزلنا بالدويم، كانت تخطط لكل حياتنا، وكان لديها بعد نظر واضح جدا، وكان لها أثر كبير علينا، فبعد أن انتهيت من الثانوية ولوفاة والدي كان لا بد أن أعمل، وكان يمكن ذلك بأن أعمل مدرسا في المدارس الابتدائية، لكن والدتي كان إصرارها أن أكمل تعليمي الجامعي، لذلك باعت ورثتنا الموجودة وكانت في وسط أم درمان، ومن أغلى المناطق، وأصرت على البيع لإكمال التعليم وهذا كان به بعد نظر لامرأة لم تتعلم كثيرا.
ذكرياتك مع المرحلة الثانوية؟
- في النيل الأبيض الثانوية وكان السكن بالداخلية حينها، وكانت مرحلة مختلفة، تعلمنا فيها كثيرا واختلطنا مع أبناء الريف، الدويم كانت مدينة متحضرة، وكان يأتي لمدرستها من كل أبناء الريف والقرى، وبالتالي من مختلف الثقافات، نعيش مع بعضنا ونأكل مع بعضنا، وكان أغلبهم لا يعمل بالسياسة، دخلت الثانوي وعمري 14 عاما، أنا بدأت المدرسة في حي العرب الابتدائية بأم درمان، ورجعت للدويم، ورغم أن سني كان صغيرا التحقت لأن خال والدتي كان ناظرا للمدرسة، وكان عمي رئيس قسم التربية ببخت الرضا، قبلت في عمر صغير.
o ميولك في هذه الفترة؟
- كانت كرة القدم واحدة من ميولي، وكنت رئيس الجمعية الثقافية في المدرسة الوسطى، وجمعية اللغة الإنجليزية على وجه الخصوص، وكنت مسؤولا من المكتبة في المدرسة الوسطى، وأنا في المدرسة الثانوية لعبت حارس مرمى لفرق الدرجة الأولى بمدينة الدويم، والقراءة كانت هواية أخرى، وشجعني لها أستاذي بالمدرسة الثانوية أستاذ عمر الشريف أستاذ اللغة العربية، وكذلك أستاذ إبراهيم عبد السلام، وتقريبا قرأنا كتب المستشرقين، وليوسف السباعي ولنجيب محفوظ، وكنا نستعير الكتب من المدرسة ونقرأها في يوم واحد، وكنت مشهور بأني أشهر من يكتب موضوعات الإنشاء، لذلك الأستاذان الشريف وعبد السلام كانا يصران على أن أذهب القسم الأدبي، فكنا أول دفعة تقسم لعلمي وأدبي، وكانوا يروني سأنجح كثيرا إذا انضممت لأدبي، وانضممت أيضا إلى فرقة التمثيل وكان يشرف عليها الأستاذ التيجاني حاج موسى الشاعر المعروف، وكان أكبر منا بحوالي أربع سنوات، وكان رئيسا لاتحاد طلاب مدينة الدويم للجامعات والمدارس العليا والمدارس، وكنت أنا في المدرسة مسؤول محو الأمية في الاتحاد، وكان لدينا فرقة مسرحية كنا نجوب بها مناطق النيل الأبيض والجزيرة، وأذكر كان لدينا مسرحية مشهورة، كان اسمها (زواج سعاد)، وكانت تحكي الإصرار على تزويج البنات دون رغبتهن، ثم في المدرسة الثانوية في عام 1971م، مثلت مسرحية مشهورة كتبها أحد زملائنا وهو الآن مهندس أحمد إبراهيم شطة، وكان اسمها (أفريقيا)، وكانت تحكي عن حركات التحرر بأفريقيا، وكنت أمثل دور أفريقيا. بالإضافة لأنشطة الجمعيات والأنشطة الطلابية الأخرى.
o كم كان مجموع درجاتك في المرحلة الثانوية؟
- أنا دخلت الطب بمجموع 65،7% وكان وقتها مجموعا يدخلك جامعة الخرطوم، ولذلك أنا أستعجب جامعة الخرطوم يدخلها بأكثر من 90%، لكن وقتنا كانت الامتحانات مختلفة، وكان التصحيح مختلفا، وأول السودان كان يحصل على 70% أو أكثر بقليل، ودخلت بها كلية العلوم، ولم يكن هنالك تقسيم إلى طب وصيدلة وأسنان إنما ندخل إلى كلية العلوم السنة الأولى ثم نمتحن بعد نهاية السنة، وعلى حسب ما تحصل توزع، فأولى علوم نسميها عام، ودخلت طب الأسنان، وكانت مصادفة، وكان التقديم الأول طب، وكان سؤالي عن كلمة (دنتستري) بالعربي، وأذكر أنني سألت الجميع ولم أجد إجابة فذهبت إلى مسجل الكلية، ففتح القاموس، وقال لي معناها طب أسنان، فكتبها الرغبة الثانية، وكانت الرغبة الثالثة علوم كيمياء، فقوبلت خطأ في كلية الصيدلة، وأذكر أنني قدمت خطاب احتجاج لأنني لم أقدم في رغباتي صيدلة، وعندما روجعت الأوراق اكتشفوا ذلك، فقبلت في طب الأسنان في السنة الثانية، وكنا ثاني دفعة تدرس في الكلية.
o من كان معك من السياسيين في الجامعة؟
- كان قبلنا في كلية الطب دكتور غازي صلاح الدين، ودكتور مجذوب الخليفة، ودكتور الطيب إبراهيم محمد خير، ودكتور عيسى بشري وزير التقانة، ودكتور مطرف صديق، وكنا جميعا في الطب وكان بعضنا شعبة طب أسنان، فلم تحول لكلية إلا في عام 1992م. دكتور مصطفى عثمان التحق بعدنا بعام للكلية، وهو أكثر الذين صادقتهم، باعتبار أنني كنت أول سكرتير لأول رابطة لطلاب طب أسنان، وكان الأخ مصطفى نائبا لي، ثم غادرت فصار الرئيس، عملنا مع بعضنا فترة طويلة وكنا لصيقين.
o متى تم الدخول في عالم السياسة؟
- الدخول لعالم السياسة بدأ في المدرسة الثانوية، وكنا بطبيعة الحال وحسب الأسرة إسلاميين بالفطرة، وكانت أسرة الوالد تنتمي للاتحاديين، وعمي اللواء مزمل غندور كان وزير داخلية سابق وكان من قيادات الاتحادي، وأسرة والدتي تنتمي للأنصار، وتم تجنيدنا في البداية إلى شباب الاتحاديين، وسرعان ما تم تجنيدنا إلى حركات التحرر العربي، فكان الاشتراكيون العرب، وكانت شعارات (وحدة حرية اشتراكية)، حينها قد بدأت مع ظهور المرحوم جمال عبد الناصر كقائد قومي، لكن عند دخولي للسنة الأولى لجامعة الخرطوم، وكانت المعارضة لنظام نميري على أشدها، وكان يقودها الاتجاه الإسلامي بالجامعة، ثم تجنيدي لحركة الإخوان المسلمين من داخل مسجد داخليات الجامعة.
o من الذي جندك لدخول الحركة الإسلامية؟
- الذي جندني هو الأخ خبير التأمين الأستاذ سيد الزبير، والأستاذ حسب الرسول صديق اختصاصي المخ والأعصاب المعروف وشقيقه المهندس سليمان صديق وهو كاتب بالصحف ومهندس معروف وناشط إسلامي وآخرون، وكنت أسكن بجوار حسب الرسول وشقيقه سليمان وكنت أذهب لأصلي بالمسجد فتصيدوني في رمضان عام 1972م.
o ومن جندتهم لدخول الحركة؟
- شاركت في تجنيد دكتور إسماعيل المتعافي مع آخرين على رأسهم المهندس عبد الله أحمد إبراهيم ، وهو مهندس ري بخزان جبل الأولياء، وعبد الحليم جاء بآخرين إبراهيم هباني وسامية هباني، وبالتالي تجنيد الأخ إسماعيل كان فتحا كبيرا، وكان معي أحمد إبراهيم عبد الله، وأحمد البشير عبد الله وكنا نعمل كثلاثي، اشتركنا في نشر الدعوة وسط أبناء الدويم، ومجموعة عبد الحليم كانوا شباب خير ومعروف في الدويم وكانوا ممن تسعى كل حركة سياسية في ضمهم.
o هل كان لك نشاطات في الجامعة؟
- كنت ناشط في مجال العمل الاجتماعي، وأيضا جمعية أطباء طب الأسنان، وترأست لجان الداخلية وهي المسؤولة عن إسكان الطلاب ومتابعة الغذائيات في الداخلية، النشاط الرياضي والثقافي والاجتماعي.
o حدثنا عن ذكريات أول لقاء مع الشيخ الترابي؟
- أول مرة مباشرة قابلت فيها الشيخ الترابي كانت بعد تخرجي في 1978م، سكنت مع مجموعة ناشطة جدا بينهم الأخ محمد الحسن الباهي وكان عضو برلمان وسكنا مع بعضنا في منطقة امتداد ناصر في منزل معروف لأجهزة الأمن وكان سكانه يأخذون للسجون مباشرة، وكان كل يوم ثلاثاء يتم لقاء في منزل المرحوم التيجاني أبو جبيل وقدمت إلى هذا اللقاء، وكنت أحضره بصورة غير راتبة، وهذه كانت اللقاءات الأولى بالشيخ الترابي.
o كيف رأيت الشيخ في هذه الفترة؟
- قطعا الذكاء طريقة الحديث واللباقة، والمعرفة والفهم الواسع للإسلام، حديثه عن قضايا المرأة والحريات، كان يلفت نظر كل شخص، وذلك قبل احتكاكنا بالغرب، فقط مما نقرأ ونشاهد كان بالنسبة لنا نوعا جديدا من الإسلام غير الإسلام الذي عهدناه والإسلام الصوفي. والترابي كان كأستاذ جامعي وكمثقف كان تأثيره كبير جدا امتد للذين عرفوه أو الذين عرفوه حتى عن بعد.
o هل سافرت مباشرة بعد التخرج؟
- بدأت كمعيد، قبل أن تأتيني البعثة كنت أعيد بعض المحاضرات في شكل سمنارات، وأشرف على العمل الإكلينكي في العيادة. ولدخولي للجامعة قصة، وأدين للأخ دكتور مصطفى عثمان له فيها.. الإخوان يتمتعون بصفات الإخاء الصادق، كنت في مدينة الدويم أعمل طبيب أسنان، وكنت كأول الدفعة.. الجامعة عندما تأخذ وتريد معيدين، أول الدفعة هو الذي يحق له، لكن لا بد أن تقدم لذلك، فكانت هنالك فرصة في تخصص أمراض اللثه وأعلنت وأنا في الدويم، وهي الآن ساعتين من الخرطوم، أما في ذلك الوقت كانت 7 ساعات، وفي الخريف تنقطع تماما لمدة ثلاثة أشهر، ولا يوجد إلا التلغراف وفي الخريف ينقطع أيضا، وبالتالي الأخ مصطفى حاول لمدة ثلاثة أشهر بالاتصال بي وأرسل عددا من التلغرافات وصلتني بعد أربعة أشهر، عندما وصلتني حضرت للخرطوم، لكني وجدت أن الأخ مصطفى قام باستخراج كل شهاداتي وأوراقي من الجامعة وتقدم إنابة عني، وأعلنت ولم أحضر، واليوم الذي جئت فيه كانت إدارة الجامعة قد قررت أن تعطي الفرصة لشخص آخر، حضرت في ذلك اليوم مصادفة وكان قد تم انتظاري لمدة شهر ولم أحضر، وكانت سكرتيرة الكلية وقتها المرحومة الأستاذة دولت تميم، (وكانت محبوبة للطلاب وكانت لي علاقة بها فكنت رئيسا للرابطة)، كانت حريصة جدا على التحاقي، ووجدتها محتفظة بكل الأوراق، فطلبت مني فقط أن أوقع فوقعت، وبالتالي الأخ مصطفى كان له دور كبير، وإلا كنت سأكون الآن طبيب أسنان في مدينة الدويم، فأنا مدين للأخ مصطفى بذلك.
o متى تزوجت؟
تزوجت في 19 مايو 1981م، بعد تخرجي من الجامعة بأربع سنوات وكنت أول من تزوج في دفعتي، كان بيني وبين أحد زملائي دكتور عبد الله الصديق دروس رهان من سيتزوج أولا، وعندما تزوجت جاء يزورني بالكلية، ولم يكن يعلم أنني تزوجت، وقال لي: أنا تزوجت. فقلت له: في أي تاريخ؟ قال: في 20 مايو. قلت له: سبقتك؛ أنا في 19. الزوجة من الدويم ومن الجيران ومن الأسرة البعيدة كانت معلمة، استقالت من التعليم بعد طفلتنا الأولى.
o كانت ترشيح من الأسرة أم اختيارك أنت؟
- كانت بنت الجيران
o يعني غنيت لها؟
- ضحكة عالية... يعني؟.... كانت بنت الجيران.
o بروف غندور أب لكم من الأبناء؟
- أنا أب لتسع؛ وفاء طبيبة أسنان ستكمل الدكتوراة إن شاء الله في الأيام القادمة، متزوجة من صيدلي. سارة خريجة مصارف وربة منزل فضلت أن تبقى مع أبنائها، ومتزوجة من مصرفي. أحمد سيكمل في هذا الشهر دراسة اللغة الصينية في الصين ومتزوج وله بنتان. خالد طبيب أسنان ويعمل بالخرطوم ومتزوج من طبيبه. وايمان وإسلام توأم يدرسان الصيدلة سيتخرجان في شهر يونيو القادم. وآلاء أولى صيدلة. البراق في الأولى عالي. وآفاق امتحنت هذا العام للثانوي العالي. ثلاث أولاد وست بنات وعشر أحفاد.
o ذكرياتك مع السفر لتكملة الدراسة بلندن؟
- بعثة دراسية من الجامعة لمدة أربع سنوات، غادرت إلى لندن في سبتمبر عام 1981م، وكانت هذه ثاني رحلة لبريطانيا، الرحلة الأولى كانت وأنا رئيس رابطة الطلاب والأخ دكتور مصطفى عثمان سكرتيرا لها، غادرنا مع بعضنا من مصر لسويسرا وبريطانيا لحضور المؤتمر العالمي لطلاب طب الأسنان.
o ذكرياتك مع هذا السفر الأول؟
- أول سفرة كانت غريبة، ففي مصر أذكر أننا نزلنا ضيوفا لمدة 24 ساعة على عمة دكتور مصطفى عثمان وخاله وكانا متزوجين، وكان خاله معه الجنسية المصرية ويعمل في التصنيع الحربي، كان متخصصا في مجال الصواريخ، ونزلنا ضيوفا عليهم في 6 شارع قصر النيل بالقاهرة، ولا زلت أتذكر أول سفرة عند المرور ب6 قصر النيل، وكان حينها الأسانسير الذي يعمل بالحبل، وكنا في صيف القاهرة في شهر 9، فتعطل الأسانسير، وكنا نسمع الشتائم أسفلنا، والتصقت قمصاننا بأجسادنا من العرق، ظللنا لأكثر من ساعة حتى تم إنزالنا، وهذه الذكريات لا أنساها، ثم غادرنا إلى سويسرا عبر الخطوط الجوية السويسرية، ومباشرة إلى لندن، وكان المؤتمر في مدينة بريستون، ولنا بها كثير من الطرائف.
o ممكن تذكرها لنا؟
- هي أقرب لطرائف القروي بالمدينة، أذكر أننا كنا نبحث في الشوارع عن أفران لنشتري الخبز، وكانت في بالنا أفران الدخان، ودخلنا مطعم المستشفى وكعادة السودانيين نحب السكر جدا، والأوروبيين لا يتعاملون مع السكر كثيرا، ووجدنا أن هنالك ملعقة صغيرة جدا لأخذ السكر، فجعلنا نعبئ بالسكر في كوب الشاي بصورة لفتت أنظار إحدى البريطانيات من السود، فانزعجت جدا، فجاءتنا وقالت لنا بالإنجليزية ́ما هذا الربش الذي تفعلوه، إنكم بذلك تجعلون هؤلاء البيض يضحكون علينا، إذا كان لا بد من كثير من السكر، كان يجب أن تطلبوا ملعقة كبيرة لتأخذوا بهاª. وكانت هذه إحدى الملاحظات التي يجب أن نتعلمها، وأذكر أيضا كنت ألبس نظارة سوداء وكانت وقتها موضة، أن يلبس الشاب نظارة برسول، وطلب منا عندما نذهب للمستشفى أن نلبس ربطة عنق، فخرجنا أنا ودكتور مصطفى واشتريناها، ولا زلت احتفظ بهذه الرابطة منذ 76 حتى الآن، وكانت الأمطار رذاذا، والنظارة لا ترى، وكان هنالك دكان به زجاج، فدخلت في الزجاج معتقدا أنه باب، فجاء صاحب المتجر، معتقدا أنني أعمى أخذ بيدي، وأنا مثلت أني أعمى، حتى أدخلني داخل الدكان، وساعدنا في شراء ربطة العنق. ورجعنا وكان من المفترض أن نجلس مع أحد أقرباء دكتور مصطفى، وكان الوقت فقط 24 ساعة فبقينا في محطة القطار، وجاء أحد الجزائريين وكان مخمورا فاشتبك في خلاف مع سيدة عجوز وجاءت الشرطة، وكان الأخ مصطفى غادر ليبحث عن مكان ننام فيه، وجاءت الشرطة وأخذتني لأن الجزائري اتهمني بأنني كنت شريكا معه، وتكتشف الشرطة بأني لا أتحدث الفرنسية، (وهذا الأمر جعلني عند رجوعي أقرر أن أتعلم الفرنسية ولم أكملها)، لكن عندما جاء شخص يتحدث الإنجليزية فشرحت له وتركوني لحالي، فكانت رحلة ممتعة لمدة ثلاثة أسابيع زرنا فيها ثلاثة أقطار، لكنها تجربة جديدة بالنسبة لنا، وأذكر أنني لأول مرة راجعت أن في السفر خمس فوائد، لأن شعوري قبل السفر كان مختلفا بعدما رجعت، رأيت الدنيا بعيون مختلفة، كيف أن العالم تطور، ولا زلنا نحتاج إلى الكثير.
بعدما تخرجت عملت طبيب أسنان بالدويم، ثم بمستشفى أسنان الخرطوم، ثم بالجامعة، ثم البعثة في سبتمبر عام 1981م، ولحقت بي أسرتي بعد ثلاثة أشهر
اليوم التالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.