سجلت الروائية ملكة الدار محمد عبد الله اسمها بأحرف من نور في خريطة السرديات السودانية كرائدة لكتابة الرواية النسوية في بلادنا وذلك لما امتلكته من جرأة باكرة.. وفرادة نادرة.. وما اتسمت به من وعي بآليات الكتابة، رغم شح المحصول المعرفي في تلك المرحلة من نهايات العقد الخامس من القرن الماضي، وكانت "الفراغ العريض" إعلانا عن مولد ريادتها لفن وعرة دروبه لكنها قالت كلمتها كأول روائية سودانية سجلت للتاريخ ريادة نادرة وغنية ومميزة، ولعل انخراط الرائدة في سلك التعليم كمعلمة قد أكسبها حب المعرفة.. وشحذ همتها للاستبصار والنظرة الفاحصة لكل ما هو جار من حولها، ولهذا راحت تلتقط شخوصها ونماذجها من خلال البيئة المحيطة لمجتمعها الذي أخذ يشرئب ويتطلع نحو مرحلة الانتقال والتحول من مجتمع رعوي زراعي إلى مرحلة نشوء القوى الحديثة التي تعرفت على أنظمة الزراعة الحديثة بديلاً عن الزراعة التقليدية، والرعي المنظم والرعاية البيطرية، وبروز طبقة العمال والمزارعين.. حيث تسارعت وتيرة الحياة لتصير أكثر دينامية بقيام الحركة الوطنية التي اتخذت من العمل الاجتماعي والثقافي وإقامة المدارس الجديدة بوابة للولوج إلي العمل السياسي الذي أفضى بالأخير إلى دحر الاستعمار، وإحداث الاستقلال السياسي. ملكة الدار نظرت إلى كل ذلك.. وعاشت كل ذلك.. وراحت من خلال كتاباتها في السرديات تعبّر عن ذلك الهم.. حيث كتبت القصة القصيرة والرواية.. وراحت تعبر عن قضايا المرحلة بذلك الوعي المتفتح. النشأة والميلاد ولدت الأديبة السودانية الرائدة ملكة الدار محمد عبدالله بمدينة الأبيض، عام 1920، وهناك تلقت تعليمها الأولي في خلوة الشيخ إسماعيل الولي بالأبيض ثم التحقت بكلية المعلمات بأم درمان لمدة سنتين لتعمل بعد تخرجها في عام 1934م بمجال التدريس، تعلمت اللغة الإنجليزية بمجهودها الخاص، وذلك بالمراسلة وبتبادل تعليم اللغة مع بعض المعلمات الإنجليزيات في السودان آنذاك،عملت معلمة في كثير من مناطق السودان، في كسلا وفي سنجة وفي الدلنج ثم في مدرسة أم درمان الوسطى، في عام 1960م عينت مفتشة للتعليم في كردفان وهي عضو مؤسس في جمعية الأبيض الخيرية النسائية، ساهمت ملكة الدار بمجهود كبير في حملات التوعية ضد الخفاض الفرعوني في كثير من أقاليم السودان، عضو في الاتحاد النسائي، إلى أن رحلت في 17 نوفمبر عام 1969 وكانت آخر وظيفة لها هي وظيفة مفتش مدني بتعليم الخرطوم. مواهب متعددة تجيد الكتابة على الآلة الكاتبة، والعزف على البيانو، بارعة في العزف على الصفارة محبة للغناء وتجيد تلحين الأناشيد كما تجيد الشعر، تحب قراءة القصص والأدب العربي بصفة عامة. روائية بارعة، وقد بدأت حياتها الأدبية بكتابة القصة القصيرة، واستطاعت من خلال كتاباتها أن تسلط الضوء على مختلف المشاكل التي تعاني منها المرأة السودانية في بيئة ريفية صميمة تعتبر تعبير المرأة عن المشاعر أمراً محظوراً. إلى جانب عملها كانت لها مشاركات مهمة وكانت ناشطة في مؤسسات وهيئات العمل النسوي أشهر أعمالها. من أشهر أعمالها القصصية «حكيم القرية» و«المجنونة» متى تعودين. جوائز عدة فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الإذاعة السودانية للقصة القصيرة سنة 1947. وفازت قصتها «متى تعودين» بالجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها إذاعة ركن السودان بالقاهرة عام 1968م. كان لها دور بارز في ريادة الرواية السودانية من خلال روايتها «الفراغ العريض» التي كتبتها في النصف الأول من الخمسينات وتأخرت في الطبع حتى أوائل السبعينات بعد وفاتها ولم يكتب لها أن ترى عملها الأدبي الكبير مطبوعا في كتاب اليوم التالي