مع سبق الإصرار والترصد، هذه جريمة مزدوجة.. ازدحم فيها الفساد المالي مع الكذب والغش والتدليس في رابعة النهار وأمام الجميع.. ومع ذلك لا أحد حتى هذه اللحظة خضع للمحاسبة.. كأنما الكل إما مشارك أو متواطئ بالفعل أو بالصمت.. أن لم يحرك هذا التحقيق ساكن هذه القضية.. فلا حاجة لأحد أن يذرف الدمع على وطن لا بواكي عليه. الحلقة الخامسة: حسب القانون يفترض أن أي شركة تمتلك الحكومة أكثر من 20% منها تخضع لمراجعة المراجع العام (ديوان المراجعة القومية).. والحكومة السودانية كانت تمتلك (30%) من أسهم شركة (سوادنير). ومع ذلك أسندت مراجعة حسابات شركة (سودانير) لمراجع خاص (مكتب السيد المراجع القانوني مبارك على إبراهيم).. وبصراحة لو كنت في مكان إدارة (سودانير) لما سمحت للمراجع العام بمراجعتها.. فحساباتها فاجعة.. لم أر في حياتي مثل هذا العبث بملايين الدولارات كما كان في (سودانير) وفي عهد شريك أجنبي أُتي به خصيصاً لينقذها من حبال مشقنة الانهيار. إذا بها تحت وطأة (عدم) خبرته تسقط جثة مجهولة الهوية. المدير العام.. عبدالله إدريس..!! الكابتن عبدالله إدريس تولى منصب المدير العام خلفاً للواء نصر الدين.. الأخير كان المدير العام قبل خصخصة (سودانير) وأيلولتها إلى (مجموعة عارف).. ويبدو أن الشركاء الجدد لم يتقبلوا (استقلاليته) بالرأي.. فتخلصوا منه سريعاً.. خلفه في المنصب الكابتن عبدالله إدريس.. ما اتفق مصادر معلوماتي في شيء كاتفاقهم على أن الدمار بدأ من هنا. في يدي وثائق لعشرات المعاملات المالية التي جرت فى عهد الكابتن عبد الله إدريس.. وثائق غريبة للغاية.. المدير الماليالباكستاني يدير كل الأموال متجاهلا تماما وجود المدير العام السوداني. المدير المالي (إنعام جاويد) باكستاني الجنسية أحضرته مجموعة عارف.. يبدو أنه كان يدرك تماما المهمة التي كانت مطلوبة منه، وهي السيطرة على المال وإبعاد الجانب السوداني منه تماما. كان المدير المالي يصدق المعاملات المالية ويرسلها بالبريد الإلكتروني للكابتن علي دتشي في الكويت وهو عضو مجلس إدارة شركة سودانير يمثل جانب شركة عارف فيعتمدها ويعيد إرسالها إلى المدير المالي الذي بدوره ينفذ صرف أو تحويل الأموال ولا وجود للكابتن عبد الله إدريس المدير العام في هذه الدورة المستندية. ارتفعت أصوات سودانية داخل سودانير تحذر المدير العام وتنبهه لهذا التلاعب الخطير.. معي وثائق تثبت أن الكابتن عبد الله إدريس المدير العام تلقى كتابة تنبيهات تحذره من مغبة هذه الغفلة. ولكنه كان يكتفي بكتابة تعليق بسيط عليها (يحفظ). ويتجاهلها تماما.. كان عبد الهأ إدريس يدرك أن السبب الذي أطاح اللواء نصر الدين هو وقوفه في وجه الكابتن على دتشي عضو مجلس الإدارة. ولذلك آثر السلامة ومن هنا بدأت كارثة بيع خط هثرو تحت بصر وسمع وتوقيع عبد الله إدريس (سأعود لتفاصيل القصة لاحقا). من بين عشرات المخالفات التي وقعت وثائقها في يدي اخترت لكم واحدة فقط لتدركوا خطورة ما كان يفعله المدير المالي بالثنائية التي كان يمارسها مع الكابتن (علي دتشي) عضو مجلس الإدارة الكويتي. بطريقة ما تفتقت في ذهن الكابتن دتشي فكرة استئجار طائرة (شحن) من الإمارات لتعمل في خدمة (سودانير). تصوروا كم سعر تكلفة الساعة حسب عقد الإيجار!.. (7,500) دولار.. والكارثة ليست في السعر وحده.. بل في بند آخر يلزم سودانير بحد أدنى من ساعات التشغيل الشهري (250) ساعة.. وثبت أن (سودانير) طوال فترة هذا الإيجار لم تستطع تشغيلها أكثر من مائة ساعة. لكن العقد يلوم (سودانير) بسداد قيمة ال(250) ساعة كاملة حتى ولو طارت ساعة واحدة فقط في الشهر. لم يكن لأحد أن يعترض.. لا المدير ولا الخفير فالكابتن على دتشي الكويتي بث الرعب في قلوب الجميع.. ولا تنسوا العبارة الشهيرة للمدير الماليالباكستاني التي قالها لموظفيه السودانيين ليكسر صوت احتجاجهم (We have 70%.. and we do whatever we want) النتيجة كانت فاتورة (1,265,625) يورو.. أي حوالي مليوني دولار أمريكي.. نتجت من هذا التلاعب الهائل. أين المدير العام عبد الله إدريس؟.. ليست لدي إجابة. (أنظر الوثائق) طائرة شركة بدر للطيران بتعليمات من المدير الماليالباكستاني اإنعام استأجرت سودانير طائرة من شركة بدر للطيران وهي شركة سودانية بحوالي 35 ألف دولار في رحلة واحدة فقط من الخرطوم الي نيالا لنقل معدات وفنيين لإصلاح طائرة تتبع لشركة (إير بلو باكستان). لا أحد يعرف لماذا تدفع سودانير لصالح شركة باكستانية دون حتى أن تطالبها بقيمة وتكاليف الفنيين والمعدات.. كل التفسير الذي قدمه المدير الباكستاني أن التعليمات جاءته من كابتن على دتشي. (أنظر الوثائق) لو حاولت أن أسرد المخالفات المالية التي كان ينفذها الثنائي (إنعام – دتشي) فإن حلقات هذا التحقيق ستتخطى المائة حلقة.. كان واضحاً أن الوضع في حالة سيولة كاملة.. والمدير (السوداني) عبدالله إدريس لن يستطيع الإجابة على سؤال مؤلم: لماذا سكت على كل هذه المخالفات رغم أن مرؤوسيه السودانيين ظلوا يلفتون نظره كتابة لكل ما يدور؟.. لماذا كان يكتفي بكتابة عبارة (يحفظ) في كل التقارير التي تصله؟. أعرفتم لماذا لم يكن مرغوباً في تدخل المراجع العام.. رغم أنف القانون الذي يلزم مراجعة أي شركة تتخطى أسهم الحكومة فيها حاجز ال(20%)..؟ مليون دولار لنظام محاسبي المدير المالي (إنعام).. نفذ عملية تحويل مالي ضخ لصالح شركة إماراتية بحجة استيراد نظام كمبيوتر للمحاسبة.. قيمة التحويل حوالي (مليون دولار).. خصمت من حساب شركة (سودانير).. ولم يورد النظام المحاسبي أين المليون؟؟ كيف تسترد؟.. لا أحد يعلم.. فلنترك عهد المدير العام كابتن عبدالله إدريس.. ونتحرك قليلاً إلى خلفه السيد العبيد فضل المولى.. العبيد تولى منصب المدير العام خلفاً لكابتن عبدالله إدريس في.... لفت نظري في الوثائق التي بين يدي شراء عملة أجنبية (دولار وريال) بصورة مستمرة من (عبير). (أنظر الوثيقة). الجدول المنشور يشير إلى عمليات شراء متصلة بالعملة من السوق بأسعار تبدو متفاوتة بصورة مربكة.. فمثلاً في إحدى العمليات جرى شراء الدولار بسعر (8) جنيهات في العام 2012.. وهذا يبدو غريباً جداً قياساً بأسعار الدولار آنئذ.. طريقة شراء الدولار لا يبدو فيها عمل مؤسسي .. بل تظهر كأنما هي عملية تجري عبر وسيط. لماذا كانت العملة الصعبة تشترى بهذه الطريقة المثيرة للدهشة؟.. وأين كانت تذهب هذه العملة؟. السفريات الماكوكية إلى القاهرة حسب الوثائق التي في يدي كان السيدان الشريف بدر رئيس مجلس إدارة (سودانير) والعبيد فضل المولى المدير العام يسافران بصفة مستمرة تكاد تكون أسبوعية (في عطلة نهاية الأسبوع يومي الخميس والجمعة) إلى القاهرة.. المشكلة ليست في السفر المستمر إلى القاهرة. بل في أن السفريات ذات طابع شخصي وتدفع خزينة (سودانير) نثريتها بالدولار (ألف دولار) لكل منهما.. أي ألفي دولار للاثنين معاً.. أين اللوائح المالية؟ لماذا تدفع نثريات رسمية لرحلات غير رسمية؟ أين الإدارة المالية؟؟ الله أعلم.. كان واضحاً أنه لا رابط ولا ضابط للصرف المالي خلال فترة امتلاك (مجموعة عارف) ل(70%) من أسهم (سودانير) وبدلاً من أن يصبج الشريك الأجنبي المنقذ للشركة الوطنية ذات السبعين عاماً من العمر المديد.. صارت (عارف) بئراً عميقة تبتلع ما تبقى من الرمق. تمدد هدر المال إلى بعثة الحج الرسمية.. التي يسافر فيها عدد مقدر من منسوبي الشركة وقياداتها على طائلة خزينة (سودانير).. بمن في ذلك رئيس مجلس الإدارة ومديرها العام ومديرها المالي الجديد (استبعد المدير الماليالباكستاني بعد ازدحام مخالفاته واستبدل بمدير مالي سوداني هو السيد عصام كنه). أين الطائرات؟؟ طبعاً السؤال الذي ربما ظل يتراقص أمام عيني القارئ طوال رحلته معي عبر سطور هذا التحقيق الاستقصائي هو: أين الطائرات؟ أين طائرات (مجموعة عارف) التي تعهدت بها قبل توقيع عقد الشراكة؟.. هنا فصل آخر من التراجيديا المحزنة.. ربما يحتاج القارئ للتأكد من وجود علبة مناديل ورقية بجواره قبل أن يطالع هذا السيرك العجيب.. بطولة الطيار الكويتي على دتشي.. عضو مجلس إدارة سودانير عن مجموعة (عارف). قبل أن أدلف لفصل الرعب.. فصل شراء طائرات سودانير.. يلزم أن أنبه القارئ إلى أن (سودانير) حالياً فقدت أسطولها بالكامل تقريباً.. إلا.. إلا من طائرة إيرباص.. لو تمتعت بقوة ملاحظة فربما تقع في نظرك داخل مطار الخرطوم جاثمة على الأرض منذ عامين كاملين.. ليس لأنها لا تطير.. أو بها عيوب فنية.. بل لأنها (غير مرخصة).. مثل أي (ركشة) يشتريها أي مواطن و(يقرشها في البيت) لعدم (الترخيص!!).. تصورا هذا في شركة طيران عمرها (70) عاماً.. كيف؟.. ولماذا؟.. وأين طائراتنا؟!! سأروي لكم القصة في الحلقة القادمة بإذن الله اليوم التالي