شهدت ولايات السودان الشمالية، مشاركة ضعيفة وخجولة من الجنوبيين الموجودين في الشمال، وسط هدوء واضح وخلو الشوارع من أي توترات، كما خلت نسبيا من المارة والسيارات، مع أن أمس صادف أول أيام العمل الأسبوعي بالخرطوم، حيث تزدحم الشوارع عادة بالسيارات، وتشهد حركة المرور اختناقات كبيرة. وقاد رئيس المفوضية بروفسور محمد إبراهيم خليل، جولة لعدد من المراكز بولاية الخرطوم، شملت عددا من المراكز، وقال خليل في تصريحات إن «مجريات عملية الاستفتاء تسير بهدوء»، وأضاف أن رئيس مكتب المفوضية بالجنوب أبلغهم بسير العمل هناك دون حدوث إشكالات، وأفادهم بأن قوة الإقبال تفوق سعة المراكز. وأوضح خليل أن العمل العسكري ببعض مناطق الجنوب لا علاقة له بسير الاستفتاء. وشهد مركز الساحة الشعبية بالديوم الشرقيةبالخرطوم تصويت 64 ناخبا حتى الواحدة والنصف من ظهر أمس، حسب رئيس المركز عماد الدين محمد، الذي أكد انسياب العمل، ولفت إلى أن عدد المسجلين بالمركز بلغ 471 ناخبا، ولم يستبعد تقلص عدد المصوتين لظروف تتعلق بالناخبين. وأفادت المراقبة المحلية بالمركز أن القيادي بالحركة الشعبية د.لوكا بيونق، ورئيس الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي د.لام أكول صوتا بالمركز. وبينما لوحظ غياب تام للمسؤولين السودانيين الشماليين، سجل نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان زيارة لعدد من المراكز، واعتبر عرمان في تصريحات ل«الشرق الأوسط» أنه وبتقرير المصير يكون السودان قد عبر إلى مرحلة جديدة ونوعية في تاريخه الحديث، وزاد «لن يكون كما كان من قبل، والمهم التأكيد على رؤية السودان الجديد»، ونوه بأهمية ألا يوقف تقرير المصير البحث عن الوحدة بين الشمال والجنوب وأفريقيا بكاملها. وأضاف أنهم حضروا للمراكز كشماليين وجنوبيين للاحتفال بترتيبات الاتفاقية، ومن ضمنها حق تقرير المصير، وأكد أهمية استمرار الحركة الشعبية بالشمال والجنوب في الدعوة لتوحيد السودان مجددا والإقليم وأفريقيا، وأردف أن الانفصال حال حدوثه لن يتم بالكامل، باعتبار أن ما يربط الشمال والجنوب هو الجغرافيا. وأوضح عرمان أنه ليس من الضروري أن تكون الوحدة في السودان الواحد، وردد «ربما يكون اتحادا بين دولتين أو كونفدرالية أو وحدة مع دول الجوار»، ورهن ذلك بما يتوصل له أهل السودان في المستقبل، وشدد على ضرورة وجود السلام والعلاقات الاستراتيجية بين الشمال والجنوب. وتعهد معتمد محلية الخرطوم عبد الملك البرير بتأهيل المركز لاستقبال أبناء الجنوب، ووصف الأجواء العامة بالمبشرة، وزاد «نريد أن يكون الاستفتاء سلميا ونموذجا للعالم»، ووصف العملية نحو الانفصال بالرحلة، وزاد «ستزيد أشواقنا للجنوبيين أكثر وسنجتمع بعد حنين ودفء». وربط مراقبون المشاركة الضعيفة لجنوبي الشمال بمخاوف جنوبية في الشمال. وفي استطلاعات وسط الجنوبيين بالمراكز، قال أحدهم «سلطان عبد المجيد كوال» إنه يمارس حقه الديمقراطي من خلال الإدلاء بصوته. وأضاف «ليس هناك فرق بين الجنوب والشمال.. إنهما كيان واحد». وقال جنوبي آخر يدعى أوفيت «حتى لو اخترنا الانفصال فإننا نريد أن نظل كيانا واحدا». ويقول جيمس مايبور الذي يعمل شرطيا في سجن سوبا في الخرطوم ويعيش بالعاصمة منذ كان طفلا: «الانفصال آت لا محالة». وتابع «قد يكون من الأفضل لنا أن نعيش هناك (الجنوب)»، مضيفا وهو يبتسم «لا شيء يمنع من أن نزور لاحقا الخرطوم من وقت لآخر». إلا أن هذا الكلام لم يرق لزميله الشمالي حمدي محمود حسن الذي قال له «إلا أنك ستكون بحاجة إلى تأشيرة دخول لزيارة الخرطوم»، معربا عن «غضبه» إزاء الانفصال المرتقب للجنوب عن الشمال. وأضاف الشاب الشمالي «بالطبع نريد أن يبقى السودان موحدا، وبعد الانفصال سيعامل الجنوبيون كأجانب، وهم يستحقون ذلك». وقال الجنوبي أرون خليفة أرون الذي يعمل نجارا وقد أتى للمشاركة في الاستفتاء «لا بد من الانفصال وعلينا أن نعود إلى أرض أجدادنا». إلا أن الآراء ليست جميعها بهذه الحدة. إذ لا يخفي الجنوبي لورانس توماس، المقيم في أم درمان، حزنه لانقسام السودان. ويقول «من المحزن أن يقرر جزء من السودان الانفصال إلا أنه كان لا مفر من ذلك. كنا بالفعل مواطنين من الدرجة الثانية». إلا أن الجنوبية الشابة جوليا جوزيف، 22 سنة، التي كانت تقف إلى جانبه قالت «لا.. أنا لا أريد الانفصال. أنا لا أعرف شيئا عن الجنوب فقد ولدت هنا، كما أن مشكلاتهم في الجنوب لا تعد ولا تحصى». إحدى مدرسات المدرسة التي يجرى فيها الاقتراع، وهي شمالية، علقت على الاستفتاء بالقول «إن السودان بلد واحد وجنوبه جزء لا يتجزأ منه، وما كان أصلا من اللازم إجراء استفتاء». كما اتهم مدرس آخر من الشمال الخارج بالتدخل لتقسيم السودان. وقال مفضلا عدم الكشف عن اسمه «لولا أطماع إسرائيل بمياه النيل لكنا بقينا موحدين». ومن المتوقع أن يستمر الاستفتاء لمدة أسبوع في كل مناطق الجنوب السوداني. الخرطوم: فايز الشيخ