الجمال السوداني ظل متفرداً بأدواته المحسوسة والملموسة وكلها تضعه في عنصر واحد على امتداد مليون ميل مربع حتى بعد الانفصال قوامه المرأة السودانية فهي محوره وديدنه ومعقله ومبتغاه، ودونها لا توجد لهذا الجمال قواعد في هذا الوطن رغم أشجاره وأطياره ومياهه وعبيره وأوتاره. فهذه المالكة لمقاليد الجمال في السودان المرأة السودانية ظل الشعراء يعصرون قلوبهم حتى تُدمى ليأتوا برائع القريض وعذبه إجلالاً لها، فهناك من وضع أجمل جميلات العرب دونها وهو يردد (الرشيم الأخضر في الخديد الأنضر هم سبب آلامي) ويمضي في المقارنة (أيه بثينة وعزة أيه عبيلة عنتر)، ومعلوم أن الشاعر جميل بن معمر كان قد عشق بثينة لدرجة الجنون حتى أنه رفض أن يغزو مع جيش المسلمين وقال أبياته المجنونة: يقولون جاهد يا جميلة بغزوة.. وأي قتال غيرهن أريد لكل حديث بينهن بشاشة .. وكل قتيل بينهن شهيد أما عزة فقد كانت معشوقة الشاعر «كُثير» ولدرجة تعلقه بها أضيف اسمها إلى اسمه فأصبح يعرف ب«كُثير عزة» وعندما جاءت إلى عاصمة الدولة الأموية في عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان قاصدة سوقها علم الوليد بحضورها فأرسل اليها طالباً مقابلتها فرفضت حتى استرضاها بحمولة كاملة من الإبل، وتبقى عبلة بنت مالك أشهر محبوبة على وجه الأرض لأن معشوقها الفارس عنترة بن شداد العبسي نال من كل شيء أحسنه فهو كريم شجاع قوي خلوق رغم اسوداد لونه وما عاناه من عبودية وفيها يقول: إذ تستبيك بذي غروب واضح* عذب مقبله لذيذ المطعم وكأن فارة تاجر سبقت * عوارضها إليك من الفم ويتذكرها في أشد المواقف رهبة التي ينسى فيها الفارس أي شيء والحرب تدور رحاها بقوله: ولقد ذكرتك والرماح نواهل * مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها * لمعت كبارق ثغرك المتبسم هؤلاء هن الثلاث اللائي سخر من جمالهن الشاعر عندما قارنه بجمال بنت السودان. وسبق للشاعر الراحل محمد بشير عتيق أن وضع سقفاً للجمال في السودان في مجاراة مع كبار شعراء الحقيبة وهو أصغرهم سناً ولكنه تفوق عليهم في الأغنية الشهيرة (الأوصفوك) فبعد أن سمع ما قاله الشعراء ومنهم الرائد العبادي، قال عتيق: بالزهر أو بالبدر هم ما أنصفوك.. وعلى الجمال العادي صاروا يمثلوك.. يا الأوصفوك أدبك هبة.. فيك موهبة.. حُسن الظبا وطبع الملوك لا تظنون أن عتيق يصف حورية من الجنة، إنه يصف سودانية (بت بلد) مشلخة ومسايرها تُزيّن خدودها وتفوح منها رائحة (الخمرة والكبريت) وموجودة في سائر بيوت السودان أخلاقها كريمة، سلوكها عفيف، وبيتها نظيف وزوجها وأولادها وأحفادها يضعونها في حدقات العيون لأنها تاج عزتهم الى أن تقوم الساعة. وفي الشرق تغنى حيدر البدري ويحيى أدروب وزكي عبدالكريم للجميلات بالعربي والرطانة والموسيقار محمد وردي قطع قول كل خطيب وهو يردد (صدفة.. وجهك بين مسايرك زي بدر اكتمل.. والشامة في خديك زي طعم القبل). وعثمان خالد وصفها بالمذهلة فكانت «إلى مذهلة» التي غناها عبدالعزيز المبارك (حتى القمر غار من صفاك وأصبح يردد في الصلاة.. سال لون جميل من وجنتيك مسح خدودو وبللا.. وأصبح يلملم في النجوم ينظم عقودو ويغزلها.. طراز لجيدك بالحرير أحلى العقود بتقولي لا). وآخر بعيد في أرض غرب السودان الساحرة ركب فوق صهوة جواده وحرابه و(سكينه) على (ضراعه) ينشد على البداهة (هي الشينات بنات الناس.. سمحات بناتنا)، وأنا أتفق معه فإن (بناتنا) سمحات وحلوات كيفاً وكماً ومعنىً و(خلقة وأخلاق) والتحية لكل نساء بلادي وأجملهن صغيرتي «أمينة». الاهرام اليوم