حدثان تأريخيان شهدتهما المنطقة العربية خلال أسبوع واحد ، الأول الاستفتاء الذي جرى بالسودان في التاسع من الشهر الحالي والذي سيؤدي إلى انفصال الجنوب عن الشمال ، والثاني هروب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بعد انتفاضة شعبية استمرت حوالي ثلاثين يوما . ويبدو إن القواسم المشتركة بين هذين الحدثين كثيرة ومتعددة ، وهي بالمناسبة ظواهر تعاني منها الكثير من أنظمة الحكم في المنطقة العربية التي أصبحت اليوم إمام خيارين أحلاهما مر ، فاما ان تواجه الظاهرة السودانية أو الانتفاضة التونسية . ما حدث في السودان الذي يتوقع انشطاره الى أربعة كيانات بعد انفصال الجنوب يتحمل نظام الحكم المسؤولية التأريخية كاملة الى جانب الاجندة الاقليمية والدولية التي اتكأت على سياسات نظام الحكم في السودان ، كما ان ماجرى في تونس هو ايضا بسبب سياسات نظام بن علي الذي قاد البلاد على مدى ثلاثة وعشرين عاما وفق نظرية الحزب الواحد والتي هي في الواقع استمرار لحقبة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ، وهي السياسة التي اعتمدت القبضة الحديدية في مصادرة الحريات ومنع الاحزاب السياسية من ممارسة نشاطها وتزوير الانتخابات وادارة شؤون الدولة من قبل عصابات المافيا العائلية التي نهبت الثروات واحتكرت السلطة ،مثلما كان عليه الحال في العراق في حقبة النظام البعثي المقبور . وبدون ادنى شك، فان ما حدث في السودان وتونس سوف يثير مزيدا من القلق وعدم الاستقرار في عدد من الدول العربية ، فاذا كان الجميع يتحدث منذُ عقد السبعينيات عن (اللبننة ) في اشارة الى الحرب الاهلية اللبنانية والتقسيم ، فان (السودنة ) ستزيد من خطورة تداعيات هذه المشاريع التي يبدو ان الظروف أصبحت مهيئة أكثر من أي وقت مضى لتنفيذها على ارض الواقع . إن نجاح الانتفاضة الشعبية في تونس ستتفاعل بقوة في المنطقة العربية باتجاهين ، الاول شعبي أي تحول الحدث التونسي الى ملهم للشعوب العربية للتخلص من الحكام الديكتاتوريين ، وهذا ما لاحظنا مظاهره الأولية في التظاهرات العفوية التي انطلقت في بعض العواصم العربية وهي تحيي الشباب التونسي الذي كسر حاجز الخوف واسقط الدكتاتور بشهر واحد، وهو زمن قياسي في حسابات المواجهة مع الانظمة الاستبدادية . اما الاتجاه الثاني الذي سيزيد من صعوبة الموقف في المنطقة، فهو ان الأنظمة الاستبدادية ستمارس المزيد من عمليات القمع والبطش ضد اية محاولة شعبية تهدف الى احداث التغيير او الإصلاح لمنع انتشار ( عدوى الانتفاضة التونسية ) ، وبما يعني إن المنطقة العربية سوف تغلي في المرحلة المقبلة على مرجلين ، الاول شعبي يطالب بالتغيير والثاني سلطوي قمعي يعمل على كبت الحريات . وعلى هذا الاساس فان ماجرى في تونس كما هو حال الإحداث التاريخية ، سيبقى يؤثر بقوة على المنطقة لفترة زمنية طويلة مثلما حدث بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 وسقوط نظام الشاه ، خاصة وان ما حدث في تونس يكاد يشبه بدرجة كبيرة ماجرى في ايران من حيث نزول الجماهير الحاشدة الى الشوارع وهروب الحاكمين وتعيين خليفتين لهما، محمد رضا بهلوي عيّن شاهبور بختيار وبن علي عيّن محمد الغنوشي بدعم من كبار ضباط الجيش ، ومثلما رفضت حليفة الشاه الاولى - واشنطن - استقباله بقرار من الرئيس السابق جيمي كارتر ، فأن باريس فعلت ذات الشيء حيث تخلت في اللحظة الحرجة عن حليفها بن علي ورفضت استقباله بقرار من الرئيس ساركوزي. لقد اعادت الانتفاضة التونسية التي كانت مفاجئة للجميع وكذلك هروب بن علي الذي كان مدويا ،الى الاذهان ماحدث في ايران بعد هروب الشاه وسقوط عرش الطاووس الذي كان مفاجئا ومدويا في المنطقة والعالم مع فارق ان المظاهرات في ايران استمرت لما يزيد على عام ونصف العام في حين ان الانتفاضة التونسية استغرقت شهرا واحدا ، وبفارق يوم واحد ، هرب الشاه في الخامس عشر من شهر يناير عام 1979 وبن علي في الرابع عشر من نفس الشهر من عام 2011 . ويبقى التشابه في الاحداث التأريخة متلازما ، فدكتاتور العراق هرب ايضا في اللحظة الحرجة لكن بعد معاناة استمرت خمسة وثلاثين عاما مع مفارقة كبيرة هي ان الجنرال الهارب بن علي الذي يستحق هذه النهاية المذلة ونتمنى محاكمته في بلاده ليلقي جزاءه العادل ، لم يكن الا تلميذا صغيرا في مدرسة طاغية العراق الذي استخدم الاسلحة المحرمة دوليا لإبادة الشعب العراقي في حلبجة والمقابر الجماعية والحروب المدمرة التي اعادت العراق عشرات السنين الى الوراء وانتهى به المطاف في تلك الحفرة المهينة . ان الخيار الوحيد الذي سيكون خشبة الخلاص لشعوب المنطقة هو اعتماد الديمقراطية والتعددية كخيار في الحكم والتداول السلمي للسلطة وضمان الحقوق و الحريات العامة وارساء العدالة والمساواة ياسين مجيد