في وقت كانت تنتظر فيه المعارضة السودانية ردا حكوميا بشأن شروطها لتهيئة مناخ الحوار السياسي الذي طرحه الرئيس السوداني عمر البشير، تفاجأت بنقل الأخير السجال بين الطرفين إلى مربع آخر إثر إصداره قرارا جمهوريا بتنظيم النشاط الحزبي بالبلاد. وفرض القرار الجمهوري الذي حمل بعض الإيجابيات، عددا من القيود التي لم تجد قبولا بين كثير من أحزاب المعارضة التي رأت فيها انتكاسة غير متوقعة. فالأمين العام لحزب المؤتمر السوداني المعارض عبد القيوم بدر اتهم الحكومة باستغلال القانون لأجل الضغط على الأحزاب، متهما الحزب الحاكم -المؤتمر الوطني- بالسعي لتضييق مساحة الحريات، وتقييد النشاط السياسي "ليس في الميادين فحسب بل حتى داخل دور الأحزاب". وقال للجزيرة نت إن المؤتمر الوطني "يريد تسلُق القضاء لأجل تحصين رموز الحكم حتى لا يشملهم سيف النقد"، مشيرا إلى أن الأحزاب كانت تنتظر الإجابة على طلبها بتهيئة المناخ للحوار إلا أنها جوبهت بمزيد من القيود "مع الإبقاء على كثير من المعتقلين السياسيين". إسقاط النظام وأكد أن شكوك حملة السلاح في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ستتفاقم بعد القرار الجديد، معلنا مضي أحزاب المعارضة في اتجاه إسقاط النظام بالعمل السلمي الجماهيري "إذا لم يرضخ الحزب الحاكم لحوار جاد". واعتبر أن الظروف البالغة التعقيد التي تعيشها الحكومة سياسيا إلى جانب أزمتها الاقتصادية أجبرتها على محاورة الأحزاب لتجاوز حالة الاختناق التي تعاني منها بأقل الخسائر الممكنة. وكان الرئيس السوداني أصدر قرارا جمهوريا الاثنين الماضي ربط فيه نشاط الأحزاب بأحكام الدستور والقانون وحصر النقد في سياسات وبرامج الدولة دون المساس بالجوانب الشخصية لقيادات الأحزاب أو رموزها، مع عدم السماح لأي حزب بعقد اجتماع أو إقامة ندوة داخل أو خارج دورها دون الحصول على موافقة مسبقة من السلطات الحكومية المختصة بوقت كاف. وترفض غالب القوى السياسية المعارضة قانون الأحزاب بجانب قوانين أخرى تعبرها مقيدة لحرية العمل السياسي إلى جانب رفض بعضها لبنود من الدستور الحالي الذي تعتبره دستورا حزبيا صاغه الحزب الحاكم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الإقليم الجنوبي في 2011. قراءة مشهد في حين اعتبر عضو الهيئة التنفيذية للحزب الاتحادي الديمقراطي محمد المعتصم حاكم القرار "لا غبار عليه إذا لم يمس الحريات الحزبية"، مشيرا إلى أن حزب المؤتمر الوطني بدأ بإعادة قراءة المشهد السياسي بعد التغييرات التي اجتاحت العديد من دول الإقليم. وقال للجزيرة نت إن الحكومة ملزمة بتقديم قوانين تتسق مع المواثيق الدولية، متوقعا أن يفاقم المرسوم الجمهوري حالة عدم الثقة بين الحكومة والمعارضة. أما عضوة اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني أمال جبر الله سيد أحمد فاعتبرت أن القرار بتنظيم العمل السياسي داخل الميادين "تراجع عن إعلان إطلاق حرية العمل السياسي". ووصفت دوافع القرار بالتعسفية. لكنها ترى أن الحكومة قد "جربت مثل هذه القرارات من قبل ولم تستفد من تجربتها". وأكدت أن القرار سيؤدي إلى تكبيل الحوار بين الحكومة والمعارضة "وهو حوار لن يثمر إلا في مناخ ديمقراطي حقيقي". اختبار عملي وأشارت أمال إلى أن الندوات السياسية التي ستقام خلال الأسبوع المقبل -خاصة ندوة الحزب الشيوعي- تشكل اختبارا عمليا لجدية الحكومة في التحاور مع القوى الأخرى. من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن الساعوري أن القرار أملته ظروف داخلية وخارجية معقدة، مشيرا إلى أن أطرافا من المعارضة نسقت مواقفها مع حملة السلاح في الجبهة الثورية وقطاع الشمال "مما شكل تهديدا حقيقيا ليكون ذلك من أهم دوافع إصدار القرار". وأشار إلى وجود تنسيق أميركي أوروبي بالتعاون مع دول أفريقية لفصل جزء ثان من السودان "لذا كان خيار الحوار لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه لأن الوضع خطير على الطرفين معا". لكن الساعوري أكد في تعليقه للجزيرة نت تلكؤ المعارضة في الانخراط في الحوار "بطرحها أفكارا غير واقعية باتخاذ فكرة الحكومة الانتقالية أداة لتقزيم دور حزب المؤتمر الوطني". ويرى أن الحكومة تسعى إلى تأمين الجبهة الداخلية "خاصة وأن الحصار على السودان لم يعد أميركيا فقط، وإنما تشارك فيه دول عربية". وتوقع الساعوري فشل الحوار الذي دعت إليه الحكومة "لأن قرار تنظيم العمل السياسي سيكون موضوعا خلافيا بين عدد من الأطراف". المصدر : الجزيرة