بعد أن رفعوا شعارات ساخرة استعاروا بعضها من الرسائل المسجلة لشركات الهاتف الجوال، من قبيل: «عفوا.. لقد نفد رصيدكم».. لا قلق إذا نفد شحن بطارية هاتفك الجوال في ميدان التحرير فتلك المشكلة كانت من أولى المشكلات التي حرص المتظاهرون على التغلب عليها، ليتمكنوا من البقاء في الميدان أطول فترة ممكنة دون الحاجة للخروج منه. خاصة أن الهاتف الجوال لعب دورا مهما في تنظيم المظاهرات، مما دفع السلطات إلى منع وتعطيل خدمات شبكات الجوال، على مدار يومين رافقا بداية المظاهرات، وكذلك تعطيل خدمة الرسائل النصية القصيرة. رنا إبراهيم، الفتاة العشرينية التي تقيم في ضاحية مصر الجديدة الراقية شرق القاهرة، والتي تبيت في التحرير منذ يوم 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، تقول: «حل تلك المشكلة ساعدني على المبيت أياما دون قلق، فهناك أكثر من نقطة أقمناها لشحن الهواتف الجوالة، عند محلات الأطعمة السريعة بجوار الجامعة الأميركية، وبجوار قهوة وادي النيل في وسط الميدان، وبجوار الإذاعة الداخلية في الميدان، وبجوار محطة مترو الأنفاق». وتوضح أن المتظاهرين قاموا بسحب خط للكهرباء من المحال التجارية وأوصلوا بها «مشتركا» وهو وصلة كهربائية تتيح استخدام أكثر من شخص لنفس مصدر الكهرباء، وبها عشرات من شواحن الهواتف الجوالة. ويقول إبراهيم محسن، وهو يجلس على رصيف ميدان التحرير وبجواره نحو 15 هاتفا جوالا يقوم بشحنها، «لا أعرف أغلب أصحاب تلك الهواتف، ولكننا كلنا نتعاون من أجل هدف واحد وهو البقاء في الميدان حتى يرحل مبارك». ويضيف: «دوري الرئيسي باعتباري عضوا في لجنة النظام، أن أقف على مداخل الميدان لأفتش الداخلين وأطلع على بطاقات هويتهم لأتأكد من عدم اندساس أي مخربين وسط المتظاهرين، وفي أوقات راحتي أجلس بجوار الهواتف المتصلة بالكهرباء لأشحنها، وهو دور لا يقل عما أقوم به نهارا». حل آخر ظهر وبقوة في ميدان التحرير مع عدد من الباعة الجائلين، وهو شاحن للهواتف الجوالة لا يحتاج إلى كهرباء، إذ إنه يعمل عن طريق البطاريات الجافة من الحجم الصغير، ويكفي للشحن عدة مرات قبل تغيير بطاريته. ويقول عبد الله التركي: «جئت إلى ميدان التحرير بعدما أغلقت المقاهي أبوابها، وهي السوق الرئيسية التي أوزع فيها بضاعتي، ولكنني في التحرير وجدت سوقا أكثر رواجا». ويضيف: «أبيع الشاحن بخمسة جنيهات، وهو في الأساس منتج صيني تستورده إحدى الشركات وأشتريه منها بثلاثة جنيهات، وأحصل على مكسب قدره جنيهان». ويقول عبد الله: «أبيع يوميا ما لا يقل عن 100 شاحن، بعدما كنت أبيع في اليوم ثلاثة أو أربعة شواحن»، ويضيف ضاحكا: «المظاهرات فتحت باب رزق لي». منسق حملة البرادعي ل «الشرق الأوسط»: 80% من الموجودين في التحرير شباب غير مسيَّس.. ونائب الرئيس يعرف ذلك قال مصطفى النجار، المنسق العام ل«الحملة الشعبية لدعم البرادعي»: إن 80% من الشباب المعتصمين في ميدان التحرير غير مسيَّس، وإن نسبة الإخوان المسلمين في الميدان لا تتجاوز 15%، مشيرا إلى أن عمر سليمان، نائب الرئيس المصري، يعلم هذه النسبة. وأكد النجار، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنه لا توجد قوة سياسية مصرية تستطيع أن تجبر المتظاهرين في ميدان التحرير على فض اعتصامهم، وقال: «ولا حتى الإخوان المسلمون يستطيعون ذلك؛ لأن أغلب الناس هناك من جميع فئات الشعب المصري». وقال النجار: إن الدكتور محمد البرادعي لم ينزل إلى ميدان التحرير سوى مرة واحدة بسبب تدافع الناس عليه، الأمر الذي كاد يفقده حياته».. إلا أنه أشار إلى أن البرادعي سينزل إلى التحرير مرة ثانية قريبا.. وهنا نص الحوار.. * كيف ترى الائتلاف الذي أعلن مؤخرا عن تشكيله للتفاوض باسم «شباب التحرير»؟ وهل ستكون خطوة باتجاه حل الأزمة؟ - نحن في حملة البرادعي لم ننضم لهذا الائتلاف الذي أعلنت مجموعة من النشطاء السياسيين عن تشكيله؛ لأن من شكلوه أصحاب تأثير محدود على الشباب في الميدان؛ لأن نسبة 80% من الشباب في الميدان غير مسيَّس ولا علاقة له بالحركات السياسية أو الاحتجاجية، وأرى أن مصير ذلك الائتلاف هو الفشل؛ لأن هؤلاء الناس يرفضون أن تكون لهم قيادة موحدة، ويرفضون أن يكون هناك من يتفاوض باسمهم؛ لأنهم ببساطة يرفضون التفاوض؛ لأن مطالبهم واضحة وغير قابلة للتفاوض. * ألا ترى أن تقديرك لنسبة الشباب غير المسيَّس في ميدان التحرير بنسبة 80% به شيء من المبالغة، خاصة في وجود قوى سياسية ذات أعداد كبيرة مثل الإخوان المسلمين؟ - لا؛ لأن الإخوان المسلمين في اعتقادي يمثلون 15% من إجمالي الموجودين في الميدان، و5% لبقية القوى السياسية كلها، والباقي من المواطنين غير المنتمين لأي جماعة أو حزب، وهذا يظهر في الأعداد التي تبقى للمبيت في الميدان، أغلب الموجودين هم من المصريين البسطاء من سكان مختلف المناطق، سواء في القاهرة أو خارجها، لكن هذه الفئة ليس لها وجود إعلامي مثل بقية الفئات؛ لذلك لا يشعر بها أحد، وكون بعض النشطاء السياسيين لهم وجود إعلامي مكثف يعطي إيحاء خاطئا بكثرتهم وهذا غير حقيقي. * كيف دُعيت إلى الحوار مع عمر سليمان، نائب الرئيس المصري؟ - تلقينا اتصالا من مكتب النائب عمر سليمان، أنا والشاعر عبد الرحمن يوسف، المنسق العام السابق للحملة، يبلغنا برغبته في لقائنا للحوار وليس التفاوض، فأبلغناهم (أنا) أننا سنحضر ولكن بصفتنا الشخصية ولسنا ممثلين لأحد أو عن أحد، ولا نحمل تفويضا من ميدان التحرير للتحدث باسمه، فوافقنا على حضورنا بتلك الصفة، وحضرنا جلسة موسعة مع رؤساء الأحزاب وممثلين عن الإخوان المسلمين وعدد من الشخصيات العامة، واستمر ذلك اللقاء نحو 90 دقيقة، وبعد تلك الجلسة طلب النائب سليمان أن يجتمع بنا بمفردنا باعتبارنا شبابا من الموجودين في التحرير واستمر ذلك اللقاء أيضا نحو 90 دقيقة، وكان حوارا مباشرا تحدثنا فيه بشكل واضح عن كل شيء، وأبلغناه أنه لا توجد قوة سياسية تستطيع إنهاء الاعتصام في الميدان ولا حتى الإخوان المسلمون، وأبلغته أن نسبة الشباب غير المسيَّس تبلغ 80% فوافقني على ذلك، وقال لي إن التقارير التي يبعثها مندوبو المخابرات والأمن من الميدان، وهم كثيرون، تؤكد تلك النسبة، وهو (عمر سليمان) يدرك حقيقة أنه لا توجد قيادة لهذا التجمع وأنه لا توجد قوة تستطيع إنهاء الاعتصام، حتى تتحقق مطالب المتظاهرين. * وماذا كان رأي النائب عمر سليمان في المطالب التي عرضتموها عليه؟ - كان يرى أن مطلب تنحي الرئيس مبارك لا يمكن تحقيقه؛ لأن فيه إهانة للقوات المسلحة باعتبار الرئيس مبارك رجلا عسكريا وصاحب إنجازات عسكرية في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، فأبلغناه أن هذا الطلب لن يتحقق وأن بقية المطالب لا توجد خطوات جدية لتحقيقها؛ لذلك فإننا لن نوقع على البيان الصادر على الاجتماع؛ لأننا لا نوافق عليه، فوافق وقال: سنعتبر أن هذا الحوار هو بداية التعارف ووعد بعقد لقاءات أخرى معنا، إلا أنه لم يتم تحديد موعد آخر حتى الآن. * بصفتك المنسق العام للحملة الشعبية لدعم البرادعي، لماذا لم يُدع الدكتور محمد البرادعي إلى جلسات الحوار التي يعقدها نائب الرئيس المصري؟ - أعتقد أن هناك حالة واضحة جدا لمحاولة إبعاد البرادعي عن الصورة السياسية في مصر بشكل تام وتهميشه، وهذا يظهر في التجاهل التام لتصريحاته أو البيانات التي يصدرها، وهو تعتيم مقصود. * بعض الشباب في التحرير وجَّه انتقادات للبرادعي بسبب عدم حضوره للتحرير إلا مرة واحدة لبضع دقائق، ما ردك على تلك الانتقادات؟ - البرادعي لديه مشكلة هي عدم إمكانية تأمينه في ميدان التحرير؛ فالناس يتدافعون عليه بشكل كاد يفقده حياته المرة السابقة ونحاول حل تلك المشكلة، والبرادعي سينزل إلى ميدان التحرير قريبا وهو عموما متواصل مع الأحداث ومتفاعل معها بشكل يومي، وهناك تصريحات وبيانات ولقاءات يعقدها مع مختلف القوى. * كيف تقرأ الصورة في ميدان التحرير الآن؟ - الوضع يتجه نحو مزيد من التصعيد، فالناس يشعرون أنه لا تتم الاستجابة لمطالبهم، وعدد المشاركين يزيد، وهذا يظهر من عدد الخيام المنصوبة للمبيت في الميدان، التي يزداد عددها كل يوم، وإصرار الناس وحماسها مستمران ويزيدان، وأبلغ دليل مظاهرة أول من أمس الثلاثاء، التي تجاوزت المليون شخص وكذلك ظهور وائل غنيم ونزوله إلى التحرير، مما أسهم في زيادة الناس المشاركين، ونحن نتجه الآن لمزيد من التطورات النوعية بعدما بدأ الأمر يأخذ شكلا كرنفاليا، سنغير قليلا في الاستراتيجيات بنزول الفئات المهنية والعمال وأساتذة الجامعات والصحافيين إلى الميدان للمشاركة. * «جمعتا الغضب والرحيل» و«أحد الشهداء» و«أسبوع الصمود».. من صاحب تلك التسميات؟ - الشباب هم أصحاب تلك التسميات، «جمعة الرحيل» مثلا ابتكرها عبد الرحمن يوسف، و«جمعة الصمود» شباب من الإخوان، و«جمعة الحسم» شباب من مختلف القوى السياسية وغيروها الآن وسموها «جمعة التحدي»، تحدي محاولة كسر إرادة المتظاهرين.