تميزت رواياته بالخيال المشاكس، محاولًا أن يوجد لنفسه مساحة مع كُتاب أمريكا اللاتينيه، ليزاحمهم في واقعيتهم السحرية، فتقرأ له «مهر الصباح»، «توترات قبطي»، «العطر الفرنسي»، «صائد اليرقات» وأخيرًا «366» الذي نافس بها في القائمة الطويلة للبوكر هذا العام. فرغم صلة القرابة التي جمعته مع أكبر الكُتاب السودانين، الطيب صالح، إلا انه استطاع التحرر من المقارنه معه ليضع اسمه في مكانه فريدة في الأدب السوداني -ليس هذا فحسب- بل نجح أن يضع الأدب السوداني في مكانة رفعية، وكان ل «البديل» هذا الحوارٍ معه. غلبت الواقعية السحرية على جميع أعمالك الروائية، لأي مدى كان تأثرك بكُتاب أمريكا اللاتينية، خاصة «ماركيز» دورًا في ذلك؟ بالطبع كان لأدب أمريكا اللاتينية دور كبير في تقريبي من تلك الطريقة التي أعتبرها شخصيًا، غاية في الإمتاع بالنسبة للقارئ، ثم كانت البيئة الأسطورية التي نشأت في أحضانها، وما كان يحيط بي ويروى لي بواسطة الأهل، إضافة إلى أنني أنتمي إلى قوم حكائين، ويجيدون استخدام الخيال مثل والدي ووالدتي، وهكذا وجدت نفسي أكتب سحرية بطعم خاص هو طعم بيئتي. ذكرت أن رواية «مهر الصباح» مستواحاه من كتاب رحالة عربي عن السودان في القرن السابع عشر، فهل ترى أن الرحالة أنصفوا السودان، أم غلبت نظرة أحادية على كتابتهم؟ الرحالة في كل مكان -وليس السودان وحده- لا يهتمون بأي مظهر يحسون أنه حضاري وقد يكسب البلاد التي يزورونها سمعة جيدة، لكنهم يميلون للبحث عن الركيك وغير الحضاري، مع إضافات غير منصفة من عندهم، وقد قرأت كل النقائص التي لم أكن أعرفها عن بلدي، ولم أتوقعها أبدًا، أو أصدقها في كتب لرحالة أوروبيين عبروا بها. هنا لا يعنيني ماذا يضمر العابر ببلدي؟، وماذا خبأ لها في كتاب وضعه بعد أن غادر إلى أوروبا، ما يعنيني، تلك اللمحات التي أجدها، وأستفيد منها في رسم شكل الحياة، في زمن لم أعشه، ولا منحني التاريخ الصارم إلا اليسير عنه. في نفس الرواية، قمت بإسقاط على علاقة الحاكم بالرعية، في إطار فانتازي، فهل نجحت هذه الحيلة في تهدئة ثورتك على الفساد المستشرى في العالم العربي، خاصة أنك ترفص الاصطدام بالسلطة في الحقيقة؟ ليس الأمر بهذه الطريقة، والفساد المستشري في الدنيا، لا تمنعه الروايات، لقد عبرت عن وجهة نظر معينة، وأظنني ركزت على القهر والظلم، ودائما ما أقول رواية مهر الصباح كانت عبارة عن دراسة متأنية للقهر على مدى الأزمان، ابن صانع الطبول المسكين يفقد كل شيء بلا معنى، والسلطان يفقده هذا الشيء بلا أي ذرة من تأنيب ضمير، لذلك أحس دائما بأنني قدمت عملًا كبيرًا حين كتبت مهر الصباح. كيف أثر فصل السودان لشمال وجنوب، على المثقف السوداني بشكل خاص، والحركة الثقافة السودانية بشكل عام؟ مثل هذه الكوارث لا يمكن قراءة آثارها إلا بعد سنوات طويلة، والانفصال بلا شك كان كارثة، لأنني كاتب سوداني وصفت شعوري بالأسف في مقابلات كثيرة أجريتها، وكتبت رعشات الجنوب قبل الانفصال، كمحاولة لقراءة المحنة، وأجزم الآن أن كل مثقفي بلادي يحسون بالحنين لعضو ثقافي سقط، والمثقفون الجنوبيون الذين انقطعوا مع الانفصال، يحسون بأنهم لم يجدوا حلمهم، وفقدوا حلما أقوى كان يغطيهم. تناولت الثورة المهدية في روايتك «توترات القبطي»، فكيف ترى الخطاب الديني الآن، وهل كان حقًا له دور في تأجيج الصراع بين قوات النظام وأنصار الثوارت الدينية المشتعلة الآن في كثير من الدول العربية؟. نعم، توترات القبطي، هي أيضا شكل من أشكال رصد التاريخ القديم ومحاولة إيصال العبر المستخلصة منه إلى الحاضر، وما حدث في الثورة المهدية، إن كانت هي حقًا الثورة التي هبت في توترات القبطي، هو أكبر درس كان ينبغي أن يستفاد منه، ونحن نرى الطائفية تتأجج، والدين يتداخل مع السياسة، وتختفي قيم التسامح، والمحبة وأشياء كثيرة، في سبيل الربح الدنيوي، هذه أيضا رواية مهمة في مسيرتي، ولم تشرح جيدًا حتى الآن. ذكرت من قبل أن الكاتبة عن السياسة في العمل الأدبي شئ سافر وغير مرحب به، لماذا؟ وكيف ترى الكتابة عن الأديان في الأعمال الأدبية إذن؟ نعم، الآراء السياسية يمكن كتابتها باحتشام بعيدًا عن المباشرة والصراخ، مما يفقد العمل الأدبي قيمته ويجعله، مجرد منشور سياسي، يمكن أن يكتبه أي شخص، أما حشر الدين في العمل الأدبي بلا ضرورة، ولا احترام للمعتقدات، فأنا ضده ولا أقرأ النصوص التي تسيء لمعتقداتي أبدًا. البديل