مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    حذاري أن يكون خروج الدعم السريع من بيوت المواطنين هو أعلى سقف تفاوضي للجيش    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُلاحظات حول ضرب الأستاذ عثمان ميرغني وضرب قطاع غزة..!!
نشر في الراكوبة يوم 26 - 07 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن الأستاذ عثمان ميرغني، كان أفضل حظا، من المرحوم محمد طه محمد أحمد، الذي رحل نتيجة حادث مُشابه، إلا أنه كان أكثر تنظيما وعنفا وبشاعة! في إعادة حزينة لسناريوهات التصفيات الجسدية، التي أشتهرت به الدولة اللبنانية. بحكم التنوع الطائفي والتدخلات الإقليمية والدولية، مضافا إليها ضعف الدولة اللبنانية وهشاشة تكوين حكوماتها، أو تضاءلها أمام سطوة (قبضايات) الطوائف والأحزاب والتنظيمات المسلحة! وليس قليلا تأثير القضية الفلسطنية، وتنوع فصائلها وتواجدها داخل الدولة اللبنانبة في فترة من الفترات، وإرتباطاتها الخارجية وتأثرها بطبيعة الداعمين، وفي الحقيقة تنفيذها لأجندة الرعاة! وعموما هم غير طيبين، وهذا ليس بالأمر الغريب او هو من طبيعة السياسة الأقليمية و الدولية!! وإذا جمعنا الي ذلك، وجود الكيان الصهيوني وإنفلات جهاز إستخبارته الموساد، من أي قيود أخلاقية او قانونية او خوف من الردع الخارجي! يمكن فهم بسهولة لماذا تحولت لبنان الي مزرعة مُخضرة او ساحة خصبة للإغتيالات او محاولات الإغتيال الفاشلة! وبصورة واضحة حضور العنف العاري محل المحاورة والإقناع والتعايش المشترك. ومحاولات إرهاب الخصوم عبر العنف المادي او التهديد به وصولا لمرحلة الإغتيالات الفعلية، ليس حدثا طارئا علي التاريخ! بل يظل هو الحدث الأبرز، والأكثر حضورا في المنطقة العربية والإسلامية! ولكن مع تطور الحياة ونظم إدارة الدولة، والإعلاء من شأن القوانين والمشاركة والمحافظة علي الحريات في حدود المصلحة العامة، أبطأ كثيرا من تلك الوسائل المتخلفة واللاأخلاقية في حل الخلافات بين البشر. أو يمكن القول أنها نزعت من الخلافات طابعها العنفي الدموي، وسلمتها للطابع السلمي الحضاري. بتعبير آخر، في حضور السياسة والقوانين والدولة الديمقراطية، المشبعة بحقوق المواطنة والرعاية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ..الخ. تقل او تنحسر او تنعدم أساليب أخذ الحقوق باليد، او فض النزاعات او الخلافات بالعنف. لأن هنالك جهات متخصصة لحل النزاعات والخلافات، مثل المحاكم او التنافس الحر بين الأحزاب وغيرها من الكيانات الإجتماعية. أما في غياب دولة القانون والديمقراطية والوثوق بأجهزة القضاء والعدل، والإيمان بالوطن والمواطنة. يمكن أن تبرز الإنفلاتات الأمنية وأخذ القانون باليد او إحلال العنف مكان الحوار، ونيل الحقوق عنوة! بدلا عن التقاضي او إحترام أجهزة العدل والقضاء ومؤسسات الدولة! وبهذا يصبح المصدر الأول للإنفلاتات الأمنية والتجاوزات القانونية، او إصدار الأحكام الشخصية ومن ثم تنفيذها بصورة شخصية، هي الدولة! أو هو إنعكاس مباشر لإنحلال عري الدولة الوطنية التي تنال رضا الجميع، وغياب مفهوم القانون وثقافة الحقوق المدنية! وبتعبير واضح، المتسبب الأول فيما جري للأستاذ عثمان ميرغني هي الحكومة ذاتها! وذلك ليس بسبب تهاونها في ضبط الأمن والتساهل مع الخارجين علي القانون، كما يبدو من اول وهلة! ولكن بشكل أساسي لأنها أول من إبتدر مسألة التعدي علي الدستور أبو القوانين، وذلك عن طريق قيامها بإنقلاب علي السلطة الشرعية، ومن ثم تعطيل الدستور وتسفيه القوانين الحاكمة! فلا يمكن بأي حال من الأحوال لمنتهك القانون او الدستور، أن يصبح بين ليلة وضحاها حامي حمي القانون! لأنه في هذه الحالة يصبح كمن يدين نفسه بنفسه! وذلك إحتكاما للقاعدة القانونية، ما بُنيَّ علي باطل فهو باطل. ولأ يقلل من هذه السابقة الإنقلابية او أثرها الكارثي، أن فرض الأمر الواقع الذي يتحول بموجبه الإنقلابي الي حاكم، تترتب عليه مسؤوليات أمنية تجاه المحكومين! والسبب في ذلك أن أولويات الحاكم الإنقلابي نفسه، تتوجه لحماية حكمه ومصالحه حصريا وليس مصالح المواطنين! وغالبا هذه الطريقة في المحافظة او الحماية تتم عبر، إما تصميم قوانين مفارقة للعدالة والحقوق العامة او عبر إنتهاك حتي هذه القوانين المعيبة! أي تُصَمم وتُنفذ من أجل المُحافظة علي الهدف الأسمي فقط(السلطة التي يهون من أجلها كل شئ حتي سلامة النفس بمعناها الشامل!). أي بيئة الإنقلابات والإستبداد بصفة عامة، هي بيئة مُحرضة علي تجاوز القانون وتسفيه القضاء وإختراقه وسلبه قيمته، وكذلك كره حرية الراي او حق الإختلاف او تقبل النقد! وتاليا فهي متواطئة مع المتجاوزين للقانون، او أقل إكتراثا للمتفلتين والمجرمين، طالما كان مسرح عبثهم وجرائمهم بعيدا عن حرمة السلطة وأمتيازات الحكم!! بل الأسوأ من ذلك قد تتورط أجهزة الحكومة نفسه في هذه النوعية من الإنتهاكات، سواء بالتدبير او بالصمت وعدم كشف الحقائق!! ولذلك نجد أن قضية الإغتيالات السياسية والإنتهاكات التي تحدث للمعارضين. تشابه حوادث الطيران، في صعوبة الكشف عن الجناة، أو في تضليل الراي العام. من خلال العبث بحقائق الأوضاع والمعلومات، لدرجة يمكن فيها (فبركة) شخصيات او وقائع وهمية من أجل ذلك التضليل العميم. أي كجزء من سلوك الظلام الذي تفرزه بيئة الظلام، التي تتحرك فيها هذه النوعية من الأجهزة والحكومات والأنظمة.
وبالعودة لحادثة ضرب الأستاذ عثمان ميرغني المُشينة! فهي تأتي في سياق العنف اللفظي والتهديد المبطن الذي ترسله أجهزة الحكومة نفسها، او في سياق التضييق علي هامش الحريات الذي يتضاءل يوما بعد يوم، والذي تتعرض له الصحافة المحلية والصحفيون في الداخل. ولكن ما يميز هذه الحادثة بالذات، أنها تأتي بمثابة تهديد مفتوح لكل الصحفيين، بأنكم معرضون للضرب والإغتيال ونهب الممتلكات الخاصة والعامة (أدوات العمل ومقره)! إذا ما خُضتم في قضايا محرمة او ذات حساسية، سواء أكانت دينية او عرقية او تاريخة، او تمس نقاط ضعف السلطة الحاكمة، أي الشرعية والفساد والأمن والصراعات الداخلية! وبتعبير آخر، هنالك قضايا ممنوع فيها الإقتراب او التناول! وتاليا توجيه الصحف نحو الإهتمام بقضايا إنصرافية، أي سلب الصحافة دورها ورسالتها، وتحويلها الي مجرد واجهات إعلانية وأبواق دعائية للسلطة الحاكمة بأمر الله! علي ألا يمنع ذلك قليلا من النقد السطحي، لزوم الخدعة وإكسابها بعض المُقبلات حتي لأ ينصرف عنها الجمهور المغلوب علي أمره!! أي إزدهار صحافة الظل والضوابط وملاحقة الصحفيين والكتابات وإغلاق الصحف المتمردة!
وبغض النظر عن الجهة المعتدية، فهذا الإعتداء يدلل علي أن الجهات المعتدية، لأ تضع إعتبار، لأ للجهات الأمنية او المسؤولة عن حماية المواطنين والمؤسسات، ولأ للمجتمع بصفة عامة! وهذا إن لم نقل أنها نفسها قليلة الوعي بالقانون او الإعتراف به، وإحتمال بالدولة ذاتها!! وهذا بدوره يقودنا الي ناحية أخري، وهي وجود أجسام غير شرعية(قوات الدعم السريع) وتيارات سلفية او جهادية فوق الدولة! ومستعلية بطبعها وطابعها علي المجتمع، وهذا إذا لم تكفره او تدينه اوتحتقره! ويبدو أنها وجدت البيئة الملائمة، في نظام الإنقاذ الفاقد للشرعية والقبول العام، والذي لأ يستنكف عن توظيف الشيطان نفسه في سبيل البقاء الأبدي! لتبيض وتفرخ ومن ثم تفرض سيطرتها او تأخذ حقها بيدها وتعاقب كل من لأ ترضي عنه!! وعموما في وجود أجسام او تنظيمات كهذه، لأ يوجد محل لا للحوار او الإختلاف او التعايش، وفي ظلها لأ نستغرب ما حدث للأستاذ عثمان ميرغني، وغيرها من القطاعات في الفترة السابقة كمجزرة الجرافة المؤسفة! لكل ذلك إدانة الحادثة لأ تنفصل عن إدانة التعدي علي الصحف وعلي حرية الراي والمعتقد! وتاليا إدانة الحكومة نفسها، في مصادرتها للحريات العامة وفي تعديها المنتظم علي المواطنين العزل، سواء في المظاهرات السلمية او في قصفها للمدن والأبرياء في مناطق النزاعات(والغريبة يلوموا إسرائيل في هجومها علي أبرياء غزة!!). وهذه الإدانة نفسها لأ تنفصل عن الموقف من النظام الإسلاموي الحاكم، أي بصفته نظام مستبد! والحال كهذه فهو نظام متعدٍ بالفطرة وظالم بالسلوك، ومصدر لكل تعدٍ آخر! وفي هذه الجزئية يحمد للأستاذ عثمان ميرغني، مواقفه الأخيرة من الجماعة الإسلاموية التي تربي في حجرها وينتمي لها فكريا ومعنويا! أي مواقفه في دفاعه عن الحريات وضد الفساد وتغول الدولة علي الفضاء العام! وحقيقة هذا الموقف لا يخص الأستاذ عثمان وحده، ولكنه يضم طائفة عريضة من الإسلامويين الناقمين علي النظام الإسلاموي، وهي طائفة تزداد يوما بعد يوم، وفي تناسب طردي مع تكشف جرائم النظام وتزايد إحتمالات رحيله وإنحسار فرص عطاءه ومنحه! ولكن بقدر الإحترام الذي يوجه لمواقفهم الأخيرة، إلا أن الإشكالية تتمثل في أن هذا النقد يوجه للفروع، أي سلوك وجرائم الجماعة الإسلاموية الحاكمة. ويتحاشي نقد الأصول، أي منطلقات وأفكار ونهج الجماعة الإسلاموية! وكذلك يتغاضي عن إختلاط أموال الدولة بالنظام بأموال الراسمالية الطفيلية، وإستمتاع كل الإسلامويين بهذا المال الريعي، وبمختلف مواقفهم من الجماعة الإسلاموية قربا او بعدا! أي الإستفادة من التسهيلات التي تتيحها هذه الشبكة من العلاقات البينية بشكل او بآخر!! والملاحظة صعود معظم الإسلامويين الي مصاف رجال المال والأعمال بما فيهم الناقدين، أي لا يشكون من الفقر والتضييق في مجال إستثماراتهم او فرص العمل لأبناءهم، كحال معظم المعارضيين الأصلاء! وهذا ما يجعل نقد الأستاذ عثمان ميرغني وغيره من رهط الإسلامويين هو نقد(زعلي) لو جاز التعبير، اي نقد يبكي علي ضياع حلم المشروع الحضاري، ومثالية الدولة الرسالية المغدورة(علما بأنه لأ توجد دولة مثالية، ومفهوم الدولة نفسه ينطلق من رعاية المصالح المتضاربة بين مكونات الدولة الإجتماعية في الإطار السلمي!)، وإنحرافات رموزه! ويتجاهل عن عمد، أن فشل هذا المشروع لا يتعلق بسوء طوية وسلوك المتنفذين وفسادهم فقط! ولكنه عطب في تكوين وآليات عمل المشروع الأصل! بل عطب المشروع هو الذي مهد للفساد الهائل والجرائم غير المسبوقة، التي مارستها هذه العصبة الباغية التي ينعاها الأستاذ عثمان ورهطه الباكين! وما هذه الحادثة التي تعرض لها الأستاذ عثمان ميرغني، إلا إنعكاس لميراث الشر والفتن الذي اورثه هذا المشروع لهذه البلاد المنكوبة! وبتعبير آخر، مصادرة هذا المشروع الهلامي للدولة والسياسة والإجتماع السوداني، خلق نوع من الفراغ او العجز في التعبير الناضج والعفوي عن الأفكار والهموم والطموحات والإحتياجات! وكانت النتيجة أن أكتسبت هذه التعابير والمطالب، لبوس العنف والجريمة والتمرد، ليس علي المنظومة الحاكمة فقط، ولكن حتي علي المواطنين العاديين والصحفيين وغيرهم من الأفراد والجهات! وهذا ناهيك عن حالة الإحباط وكبت المشاعر واللامبالة، بسبب الخوف والإرهاب الذي سيطر علي الساحة السياسية السودانية، وإنغلاقات كل وسائل التعبير السلمية! مما يعد بإنفجارات لا تبقي ولا تذر! وما الحادثة التي تعرض لها الأستاذ عثمان ميرغني، إلا كمقدمة لما يمكن أن يحدث إذا ما إستمرت هذه الحالة الإنسدادية الخطيرة!!
لكل ذلك يجب ألا تسيطر المشاعر السلبية، علي الوسط الصحفي في الداخل بصفة خاصة والوسط السياسي بصفة عامة، من هذه الحادثة المؤسفة! ولكن يجب أن تتحول هي نفسها الي فرصة للتمسك بالمزيد من الحريات، والدفاع عن المستميت عن حق التعبير والإعتقاد. لأن التمسك بحق كفالة الحريات لكل المواطنينن، هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الأفكار الظلامية والتيارات العدوانية، وفضح كل التجاوزات السياسية والمالية في الدولة السودانية! وتاليا تحرير السياسة من قبضة الإستبداد والأمن وتحرير المواطنين من قبضة الخوف. والأهم قفل المنافذ أمام البيئات المفرخة للسلفيات والتشدد وكل التظيمات والأجسام، المعادية للحياة وكارهة للحداثة والتطور! وهذا ما يحتاج لمزيد من التضامن بين الصحفيين مع بعضهم البعض، وكثير من التنسيق مع الأجسام المدنية والكيانات السياسية المعارضة. وذلك بالإتفاق علي/ والدفاع عن البنية التحتية(الحريات الديمقراطية القانون التعايش والمشاركة..الخ) المؤسسة للدولة السودانية القادمة! مع إستصحاب الأمل ونبذ اليأس والإحباط، ومواجهة الواقع كما هو لأ كما نرغب ونشتهي! فالرغبات وحدها لا تبني أوطان ولا تحرر شعوب ولا تقض مضجع الإستبداد! وكلما تقدم الظلام وإزداد حلكة فهي بشارة بوعد الخلاص كما عبر الكثير من الشعراء، وعِبْر التاريخ! وما مصير القذافي وصدام وأنظمتهم إلا برهان ساطع لكل من ألقي السمع وهو شهيد! وإنذار مباشر لبشار والبشير والمالكي وغيرهم من الطغاة، ولن تجد لسنة الله تبديلا. عاجل الشفاء للأستاذ عثمان ميرغني، والدولة السودانية الأكثر مرضا و الأعمق إصابة!!
وقفات مع ضرب غزة.!
تواصلت الهجمات الإسرائيلية علي قطاع غزة، مُحدثة خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية، والأسوأ تراجع حاد في الإهتمام والتعاطف مع ضحايا القذف، والأنكي والأمر تفهم المجتمع الدولي لدوافع الهجوم الصهيوني الدموي. اي تضحيات أهل غزة بدمائهم ومنازلهم وأماكن عملهم هي تضحيات مجانية! اي هجوم تدميري كاسح، تقابله خسائر إنسانية وسياسية بصورة متواصلة!! وهذا يقودنا الي قضية اصبحت جدلية!! وهي ما قيمة مقاومة او ما يسمي مقاومة، ثمنها هذا الخسران الفادح بشريا وماديا وسياسيا!! بتعبير آخر، هنالك موقفان أصبحا متمايزين(مؤيد لهذه النوعية من المقاومة ومعارض) لهذه النوعية من الهجمات الإسرائيلية( ولا نقول حروب تتوهم طابع الندية!) علي قطاع غزة! وهي هجمات تبدأ غالبا بإستفزازات الفصائل الفلسطنية المسلحة(سواء كان الإختطاف الأخير حقيقية او مصطنع، فهو يستند علي سوابق، وهذا ليس تبرير للهجوم الغير مبرر سلفا، ولكنه تعامل مع الوقائع علي الارض!)، تعقبها هجمات ضارية من قوات الإحتلال الإسرائيلي. ومن يدفع الثمن الفادح ليست هذه الفصائل التي تلجأ للخنادق وتضع إحتياطاتها التي تحميها! ولكن العبء الأكبر يقع علي المواطنين الأبرياء العزل في القطاع! والذين لم يُستشاروا مسبقاً، لا في هذه المقاومة او في سلوكها او في خططها، ولا في خياراتها وأولوياتها او المكاسب المتحصل عليها منها او في تقييم الخسائر الناجمة عن ردة فعل إسرائيل الرعناء!! او علي الأقل وسائل حمايتهم او إستعدادهم للعدوان القادم! فهذه ليست مزحة او لعبة عبثية اومكاسب تكتيكية وقتية مشكوك فيها!! وبعيدا عن الحساسيات الأخلاقية المفتعلة! هل عدالة أي قضية او أخلاقيتها تبرر الهدر المجاني للأروح والأموال والأوطان! وفي هذه الحالة ما قيمة العقل والتدبر وإجتناب المهالك! وإذا آمنت الفصائل الفلسطنية المسلحة، بهذه المبررات، لماذا لا تواجه الرصاص بصدورٍ عارية وتتحول الي فصائل أبطال وشهداء!! وإذا لم تقنع بهذه المبررات علي الأقل فيما يلي حماية أفرادها ومصالح أهدافها! بدلالة إختباء معظم أعضاء هذه الفصائل عن الأنظار وعملها في الخفاء وداخل الأنفاق!! لماذا حولت قطاع غزة الي دروع بشرية، او حولت دماء أفراد القطاع الي مجرد أوراق تفاوضية، تقايض به طموحات دولتها المستقبلية المتوهمة!! ومن ناحية عسكرية بحتة، ألا تسمي المناطق المدنية المأهولة بالسكان، مناطق حيوية يجب إبعاد الأعداء والمعارك بقدر المستطع عنها!!
والجدير بالملاحظة أن التيار المؤيد لسلوك الفصائل الفلسطنية المسلحة وعلي راسها حماس او المقاومة! هو تيار عريض وهذا ليس بغريب! ولكن الغريب أن ينضم لهذا التيار حديثا، شريحة كبيرة من الكتاب الذين ينتمون لإتجاهات ليبرالية وديمقراطية! والأغرب أنهم أصبحوا أكثر تشددا من المقاومين والممانعين أنفسهم! وأكثر تبني لأسطورة المقاومة المشكوك في صحتها منهم سابقا!! أي نقلوا بكل سهولة المدفع من خانة العقلانية والإعتدال والتسامح والعيش المشترك وغيرها مما ظلوا يبشروا به! الي خانة المقاومة وما يستتبع ذلك من توجيه التهم للرافضين لهذه المقاومة العبثية، ليصفونهم بالتخاذل وخيانة الأمة! بمعني، إن المقاومة المزعومة ليست مواقف منفصلة ولكنها ثقافة شاملة، فعندما تأخذ بطرف منها تقودك آليا الي تبني كل مشروعها! والرافضون لأسلوب المقاومة العبثية لأ ينطلقون من فراغ، ولكنهم يقيسون الأمور بمقياس العقل والمصلحة العامة، والإنتصار والخسارة بمنطق الحروبات الواقعية، والمردود الإيجابي علي المدي الطويل، وتعلية قيمة الحياة وصون النفس البشرية. والوقوف مع المواطنين الأبرياء ضد الإنتهاك المجاني لحرمة عيشهم. دون شعارات او مواقف رومانسية تستدعي البطولات (الشموشنية) او تهوِّم في سماء الأمنيات الخادعة او تستهوي صناعة الإنتصارات الوهمية والعيش في كنفها! او تحاول أن تصنع لها قضية تتلهي بها وتخلق من خلالها بطولات زائفة!! ولم نقل شيئا عن المكاسب الإسرائيلية المتحصل عليها من هذه الهجمات العبثية التي تصدر عن الفصائل المسلحة، وبحسابات لا يمكن أن يقال بأي حال من الأحوال أنها في مصلحة المواطنين العزل! خاصة وأن حكومة إسرائيل اليمنية المتطرفة، ترغب في خوض حروبات والأصح هجمات سهلة، علي خصوم في غاية الضعف! وذلك من أجل تحقيق إنتصارات حاسمة ومن دون خسائر تذكر! وتاليا تثبيت تيار اليمين المتشدد في السلطة علي حساب تيارات اليسار وجماعات السلام الإسرائيلية، والتي رغم ضعفها لا يمكن إنكارها او إنكار تضررها من هذه الأختطافات والهجمات!
المهم من حق هذه التيار والكتاب المؤيدون للمقاومة(المتوهمة) أن يدافعوا عن مواقفهم ويتبنون قضايا المقاومة، ولكن ليس من حقهم إلصاق الناحية الأخلاقية بمواقفهم حصريا! وتجريد الطرف الاخر من حقه، في أن يري القضية الفلسطنية من زاوية أخري! علما بأنها زاوية لا ترفض المقاومة بالمطلق، ولكنها تطرح البديل، وهو المقاومة السلمية! التي تجرد إسرائيل من سلاحها الوحيد، وهو القوة المادية التي تتفوق فيها بما لا يقاس! وترتفع بالقضية الي عتبة أعلي، أي أكثر إنسانية وقيم تحررية ومطالب عامة وليست فئوية او فصائيلية! وهي أكثر إستقطابا للدعم الخارجي، او علي الأقل لها القدرة علي سحب البساط من تحت إسرائيل! التي تطرح نفسها كبديل ديمقراطي حضاري في بيئة إستبدادية وأفراد متوحشون! او تصور نفسها كأنها ضحية أعمال عدوانية من فصائل تستهدف إجتثاثها من علي سطح الارض! ويصح أن إقناع المجتمع الدولي من الصعوبة بمكان، ويحتاج لمجهودات مضنية. إلا ان طريق المقاومة السلمية ليس مستحيلا، والدليل نجاح الثورات العربية في التخلص من الحكام الطغاة، والذين لم يكن متوقع تزحزحهم عن كراسيهم إلا بالموت! وكم من حبرٍ إريق علي مسافح الإستعصاء الذي يلف هذه البقعة من العالم، لتأتي ثورات الربيع وتثبت أن هذه المنطقة كغيرها من مناطق العالم تجري عليها سنن التغيير! أما سرعته او إبطاءه فهو يعتمد علي الفاعليين وإيمانهم به! المهم رغم صعوبة هذا الطريق وضعف مردوده الآني، إلا أنه يمثل المخرج الآمن لهذه القضية المآساوية، كما أنه أقل تكلفة في ظل عدم توازن القوي الحاكم للعلاقة بينهما! والذي لا يمكن التغافل عنه بحجة حق المقاومة وحق الشعب الفلسطيني، وعدوانية الجانب الإسرائيلي ولا إنسانيته. لأن عدوانية إسرائيل وكونها كيان عنصري متعطش للدماء، ويرفض كل الحلول المطروحة، فهذه أشياء من المسلمات! ولكن الإختلاف في الوسائل التي تواجه بها هذه الدولة الشيطانية، في ظل الخلل الحاكم لتوازن القوي وإضطراب موازين العلاقات وتطبيق القوانين الدولية! وتاليا يمتنع أن يفرض طرف رؤيته للحول، ويسبغ عليها بعد أخلاقي ووطني، مجردا الآخرين من حقهم في الرؤية المخالفة! ولكن المفارقة الأكبر أن بعضهم يستعين بكتاب غربيين في تأييد موقفهم او في مناوئة الطرف الآخر(بمنطق أليس عيب ان يكون الغريب افضل من أبن المطقة!)! وهذه الإستعانة تستبطن بعدا آخر، أي كأن المواقف او الرؤية الصحيحة لأي أمر من الأمور او قضية من القضايا، لا تمر إلا عبر الكتاب الغربيين، أي بوصفهم المرجعية لكل صاح او كل حق! وليس عبر مقاربتها لحقائق الواقع او المبادئ العامة! والأغرب من ذلك، أنهم ما أنفكوا ينددوا بالغرب وتدخلاته في شؤون العرب الداخلية(كأنها شؤون فتاة خاصة أي يحركهم وعي العار وليس وعي الإستراتيجيات والمصالح الذي يحكم العلاقات الدولية)! ومرة أخري نجدهم يناشدون المجتمع الدولي(الغرب بلغة مواربة) بالتدخل لكبح جماح الدولة الإسرائيلية الفالت!
وفي ظل مسيرة الغرابة التي أتحفنا بها بعض الكتاب الليبراليين والديمقراطيين، الذين اصبحوا أكثر ممانعة من الممانعين أنفسهم، وكما أسلفنا بسبب إنزلاقهم الي ثقافتهم! أنهم يدافعون عن حماس المقاومة من جهة، ومن الجهة المقابلة ينكرون أفكار وممارسات وسلوك ونهج جماعة الإخوان المسلمين، بل ويقولون فيها وفي إنغلاقاتها ومفارقتها لروح العصر وأسلمتها للدولة والمجتمع بمجرد وصولها الي السلطة..الخ! ما لم يقله الدكتور الترابي في الجنرال البشير بعد المفاصلة! وقبل أن يقدم الأخير للأول عجل الحوار الحنيذ، الذي يداعب رغبات وجوعات وشطحات الشيخ الذليل! علما بأن حماس هي إمتداد للجماعات الإسلاموية، وسلوكها من سلوك تلك الجماعات. وإختطافها لقطاع غزة والتصرف فيه كما تشاء، لا يختلف عن خطف الكيزان للدولة السودانية والجماعة المصرية للدولة المصرية لمدة عام وملالي أيران للدولة الإيرانية! ونذكرهم والجميع شهود علي ذلك، بمسلسل مازالت حلقاته تتابع! وهو دخول جماعات إسلاموية متشددة(النصرة وداعش) علي خط الثورات الشعبية. وكيف أنها كانت أقرب للأنطمة المستبدة من الثائرين، كما أنها سببت أضرار لا حصر لها سواء بالثورة السورية او العراقية في طور التكوين! وأحدثت تآكل هائل برصيد دعمهما داخليا وخارجيا، وهذا إذا لم تجهض الثورات من الداخل وتحرف مسارها، من ومواجهة إستبداد عائلي تنظيمي الي مواجهة إستبداد ديني أشد ضراوة! او تحيل الثورات الي الهامش وتسيطر علي كل المشهد بكل فظائعها وإرتكاباتها الوحشية! والخلاصة، أنه كلما تعسكرت الثورات او تبنت العنف، كلما قل مردودها العام، وإنحسرت قوة إستقطابها وكسبها للإلتفاف الداخلي والتعاطف الخارجي! علما بأن كل تيارات الإسلام السياسي تشرعن العنف، ليس في الثورة ضد الطغاة فقط، ولكن حتي في طريقة ممارستها للسطة والحكم، أي أسلوب العنف وجماعات الإسلام السياسي وجهان لعملة واحدة! ولا يعني ذلك مصادرة حق هذه الجماعات في إعتناق ما تراه من رؤية لإدارة الدولة! ولكن العبرة في الإحتكام لشروط ومضامين النظام الديمقراطي. وإلا فهم خارج اللعبة بإختيارهم! ويبدو أن كثير من الكتاب الليبراليين والديمقراطيين العرب، يعانون من الإنفصام الحاد، كشأن الإسلامويين في هذه البقعة من العالم، أي تبني الموقف ونقيضه في آن! او إعطاء كل قضية موقفها الخاص بها وكل مرحلة طابعها الخاص بها، اي تساكن مختلف المواقف والمراحل دون غربة او إستغراب، مع إستدعاءها في حينها او حسب الطلب! والأسوأ من ذلك إحتكار الأخلاق والمواقف الصحيحة والقيم لهم حصريا! بهذا المعني، تصبح القضية الفلسطنية، او العقدة التي إستعصت علي الحل، بسبب تكرار نفس الحلول وزاوية الرؤية، وعدم إجتراح حلول جديدة أكثر واقعية او بتجرع السم بتعبير الخميني! مثَّلت إختبار لكل التيارات الموجودة في الساحة العربية وعلي مدي إتساقها مع ما تنادي به! بمعني، أنه مع القضية الفلسطنية إنمحت الخطوط الفاصلة، بين الممانعين والمقاومين والليبراليين والديمقراطيين والمستبدين، وهي حالة سريالية لا يمكن أن توجد إلا في بلاد العرب!
(*كل عام وأنتم والوطن والعالم بخير وعيد مبارك عليكم*)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.