قضت أكثر الأسر السودانية شهر رمضان الكريم في ظروف لم يعد تكرارها وسرد مأسيها العديدة من ارتفاع حاد في أسعار المواد التموينية وخاصة تلك التي هي من مستلزمات الشهر الكريم وانقطاع في إمدادات المياه والكهرباء تلك التي طالما طالت حتى «الأحياء الراقية» في الخرطوم، إلى جانب حالة الانفلات الأمني التي تلقى بظلالها الكئيبة على السكان وليس حادثة الاعتداء على الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة «التيار» أولها ولن تكون آخرها. وجاء عيد الفطر المبارك ولم يكن أحسن حال من شهر رمضان، حيث إن الأسر المحسوبة من المقتدرين لم تستطع الوفاء بمستلزمات العيد التقليدية، ولم يعرف أطفال السودان، ولم يذوقوا طعم فرحة العيد. ذلك عن حال وأحوال غالبية أهل البلد المنكوب، أما السلطة فاقدة الإحساس فقد بشرت الناس كعادتها في آخر أيام رمضان الكريم بأنها ستباشر العمل الجاد في تنفيذ متطلبات الحوار القومي عقب الاجتماع «الرسمي الأول» للجنة العليا الرفيعة برئاسة البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني وبمشاركة الترابي وغازي العتباني وآخرين سموا أنفسهم بأنهم أحزاب المعارضة ومن بينهم «حزب الحقيقة الفيدرالي» الذي لم يُعرف له وجود في صفوف المعارضة حتى ساعة خرج رئيسه الدكتور علي شعيب عقب الاجتماع المشار إليه بتصريح صحفي وجد طريقه للإذاعة والنشر قال فيه بجرأة يحسد عليها، إن الحوار القومي سيحقق غاياته بتأييد الشعب السوداني ورعاية البشير. أجندة العمل التنفيذي لمؤتمر الحوار القومي، تبدأ مباشرة عقب عيد الفطر المبارك، وسيتحاور المتحاورون حول الورقة التي أعدها الحزب الحاكم - وهو الداعي للحوار - وعرضها على المعارضين، الذين قبلوا أن يتحاوروا معه دون إلزامه (مقدماً) بمتطلبات الحوار من حيث توفير البيئة الصحية للحوار، وبسط الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية الحركة للأحزاب المتحاورة، وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم قبل وبعد دعوة الرئيس البشير كل السودانيين للحوار القومي في خطابه الشهير في شهر فبراير الماضي، الذي قال عنه الصادق المهدي إنه جعل كثيراً من السودانيين يتفاءلون ببداية جادة لحل الأزمة السودانية الممتدة، ولكن اعتقال مؤيدي الحوار مع الحزب الحاكم (يعني- حسب المهدي- اعتقال سيادته)، والهجمة الأمنية الشرسة على الصحف والصحفيين إلخ، قد خاب أملهم في دعوة البشير لحوار جاد يشارك فيه كل السودانيين حسب قوله. وقد أكد د. غندور أن المعارضين الذين ناقشوا باستفاضة ورقة حزبه قد وافقوا على معظم ما جاء فيها وقدموا إضافات جيدة وأن الطرفين - الحزب الحاكم والمعارضة المدجنة - قد اتفقوا على مناقشة اختلاف وجهة نظرهما داخل الاجتماع، كما أن المعارضة قد التزمت بالتحدث مع المعارضة، يعني المعارضة الخارجة عن المؤتمر، وأهمها حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي والحزب الشيوعي السوداني وحزب «المؤتمر» السوداني وحزب «البعث العربي». ومع غموض البيان الختامي لاجتماع الآلية العليا الرفيعة الذي انتهى فجر يوم الجمعة الماضي فإن المجتهدين أدركوا أن المقصود بالمعارضة التي التزمت بالتحدث مع المعارضة ودعوتها للالتحاق بركب الحوار القومي هما الترابي والدكتور غازي والأول هو زعيم الإخوان المسلمين المغدور به من جماعة علي عثمان والبشير، والثاني هو القيادي المتطلع للتغيير ورئيس حزب «التغيير الآن». كل يوم تتضح الصورة والاستراتيجية التي تتحرك خلالها «جماعة الإخوان» في السودان، فمنذ البدء كان المطلوب هو جمع شمل «الإخوان» وإعادة توحيد النظام الذي فرقته الخلافات والأطماع الشخصية، وانكشف أمام الشعب السوداني والمجتمع الدولي والإقليمي نظام حكم «الإنقاذ»، في ظل ضغوط يمارسها النظام العالمي ل«الإخوان المسلمين» وأصدقائه ورعاته وإلحاحهم الذي وصل درجة التهديد بقطع علاقاته مع الجماعة الحاكمة، إذا لم توفر الظروف التي تمكن الجماعات المختلفة المخالفة لها وفي مقدمتها حزب الترابي «المؤتمر الشعبي». وكان قادة التنظيم العالمي للإخوان وأصدقاء التنظيم ورعاته بدأوا تحركهم الجاد لجمع شمل «إخوان» السودان ورفعوا من حدة تهديداتهم بعد أن ضمنوا موافقة الترابي بل حماسه الزائد لدعوة إعادة توحيد التنظيم. الآن وقد أعد المسرح إعداداً لا يخلو من أخطاء واضحة ستقود في النهاية إلى انهيار خشبة المسرح، فعلى افتراض أن الدعوة لوحدة «الإخوان» ومن لف لفهم قد تحققت، فهل أن التنظيم الموحد سيكون قادراً على تجاوز الأزمة الوطنية الحادة وتفادي الانهيار الاقتصادي والمالي والسياسي القادم؟ العقل يقول إن الإخوان قد حكموا السودان متوحدين بعد أن نفذوا انقلابهم على الديمقراطية فماذا كانت نتيجة حكمهم سوى هذا الدمار. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا الاتحاد