ذات نهار قائظ، مضى الفارس على صهوة جواده ملتقطاً الأوتاد واحداً تلو الآخر وتوج بطلاً.. على غير ماهو معتاد في مثل هذه المنافسات، فالكأس كانت نجمة جديدة تزين كتف الرجل. فالبطولة للسودان, والترقية العسكرية لنجل الإمام الصادق المهدي عبد الرحمن، الذي أصبح عميداً في القوات المسلحة السودانية. الترقية أثارت جدلاً كما العودة إلى صفوف الجيش، فمساعد الرئيس كان قبلاً قيادياً في القوات المقاتلة لحكومة السودان في زمان التجمع الوطني الديمقراطي وتحت لواء جيش الأمة، قبل أن يعود وترفعه التسوية السياسية في سودان ما بعد الانفصال إلى منصب المساعد بمعية نجل مولانا الميرغني جعفر الصادق. الاختيار تم تغليفه بإمساك الشاب بعملية التفاوض مع دولة الجنوب عقب قيامها في التاسع من يوليو. ورغم أن طوال مشاركة الرجل في منصبه لم يمسك بالملف الذي ظل تحت قبضة قدامى (الإنقاذيين) لكن ظلت مشاركته مصدرا للنقاش والجدال بين المكونات السياسية السودانية، وربطت على الدوام بموقف حزب الإمام والده. ظل الإمام متمسكاً بمقولته، إن عبد الرحمن اتخذ خطوته وفقاً لإيمانه الخاص ولم يكن يمثل والده ولا حزب الأمة، الأمر الذي دعمه الشاب باستقالة من الحزب قبل الوصول إلى المنصب أو قبل العودة لحضن القوات المسلحة التي تتطلب (الاستقلالية). ربما معادلة الوالد والنجل تبدو حاضرة في مشهد المشاركة في السلطة، حتى وإن حاول البعض إخراجها من سياق ماهو سياسي إلى سياق آخر. المتتبع لمسيرة المساعد طوال الثلاث سنوات التي قضاها في مكتبه بالقصر يشهد له عدداً من المشاركات في أنشطة متعددة تتعلق بالدولة أو المؤسسات الاجتماعية، وهو أمر يبدو على درجة كبيرة من التميز حال تم مناقشته بالمساعدين الآخرين من خارج الحزب الحاكم، فدرجة تأثيره لم تكن لتبلغ درجة تأثير نافع علي نافع ومن بعده إبراهيم غندور. لكن بمقارنة ذات العمل، بدور الصاعد معه لذات المنصب، فإن كفة التميز تميل لصالح ود الإمام على حساب نجل مولانا. اجتماع يضم مساعد رئيس الجمهورية السابق دكتور نافع مع عبد الرحمن الصادق من أجل مناقشة مسارات الحوار الوطني. وهو الأمر الذي تزامن مع خطوة السلطات باعتقال شقيقة عبد الرحمن مريم الصادق على خلفية توقيع حزبها لإعلان باريس المرفوض من قبل السلطة التي يجلس عبد الرحمن في قصرها الحاكم. وهو الأمر الذي يجعل الرجل جالساً بين نارين. نار الالتزام بموجهات الحكومة التي يمثلها، في مقابل نار الالتزام الأسري والاجتماعي تجاه أسرته. خصوصاً في ظل نمطية اجتماعية يتعاطى بها السودانيون مع المشهد الاجتماعي وفقاً لجدلية الدور والمطلوبات. الموقف الذي يجد فيه عبد الرحمن نفسه دفع بالأستاذ عثمان فضل، الصحفي والمحلل السياسي السوداني، المقيم بأبوظبي لإعلان تضامنه معه حين قال على صفحته الشخصية (إن عبد الرحمن دفع ثمن هذا الكرسي غالياً حين صمت في المرة الأولى وحكومته تعتقل والده ويمارس الصمت الآن والحكومة تعيد الكرة مع شقيقته. لكن مع تضامن عثمان والهجوم الذي يتعرض له المساعد من آخرين تبقى عملية النظر إلى صورته المرسومة عبر تتبع مشاهد حياته، فالباحث عن زوجة كما تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً يمثل أنموذجاً خاصاً، فمثّل انتمائه للجيش السوداني حالة خاصة حين دخل الكلية العسكرية الملكية في الأردن قبل أن ينضم إلى الجيش في ثمانينات العام الماضي، وغادره تحت دعاوى الصالح العام مثل آخرين قبل أن يعود إليه بقرار في رتبة العميد ركن. وأن اتخاذ خطوة المشاركة في السلطة تمت بقرار منه شخصياً، لذلك حين سئل الإمام عن موقف نجله مما يحدث، اكتفى بالرد (أنه هو من يحدد خطواته، فهو يملك من الوعي ما يجعله يفعل ذلك) قبل أن يضيف، أنه لم يقم بمشاورته بقرار المشاركة من أصله. عبد الرحمن الذي حضر اجتماع رئيس الجمهورية مع الإمام الصادق في مشروع تدشين الوثبة للحوار، يقول المقربون منه إن ثمة علاقة وطيدة وحميمة تجمعه مع أخواته ومع مريم على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي يشهد عليه دخولها القصر لاحتفالية خاصة به، كما أن المنصورة تقول سيرتها الذاتية، إنها درست الطب في الأردن، وهو ذات المكان الذي تعلم فيه عبد الرحمن عملية فك وتجميع السلاح. لكن يبقى سؤال المستقبل هو ما يتعلق بما يفعله ابن الإمام ومساعد الرئيس، فالرجل ما زال مستمسكاً بصمته حول ما يحدث، هو ذات الصمت الذي ظل حاضراً حين كان الإمام في كوبر، ما تغيَّر فقط هو أن النقطة أصبحت على بعد خطوات من منزله في الملازمين عند سجن النساء بأم درمان. حيث تقبع مريم بتهمة المشاركة في إعلان باريس أو الترتيب لخطواته. كثيرون يقولون إن الأمر لن يأتي بجديد، باعتبارات أن عبد الرحمن في هذه النقطة يمثل سلطة القانون التي لا تخضع للأهواء والعواطف، وهو ما يعني أن عملية السكوت ستتواصل، بينما يمضي آخرون في تحليلاتهم بأن الشاب قد يحزم حقائب مغادرته القصر. انطلاقاً من عاطفة "الأخوة" في الحالتين، فإن نجل الإمام ومساعد البشير يظل بين نارين، عليه اختيار الاحتراق بواحدة منهما أو البحث عن طريق ثالث يعبد سكة العودة إلى والده من القاهرة التي اختارها منفىً اختياريا له إلى حين اتضاح الرؤية، وهو الطريق المتعلق بالاستمرار في عملية الحوار المفضي لتسوية بين الفرقاء السودانيين أو بين من يحكمون البلاد من القصر الموروث من كتشنر أو أولئك الجالسين في الملازمين يمارسون المعارضة.. فترى أي (الوثبات) يختارها الشاب الرياضي.؟ اليوم التالي