تبعاً لصحيفة اليوم التالي السودانية الصادرة يوم الخميس الموافق الحادي عشر من شهر سبتمبر 2014، فقد أصدرت محكمة أمدرمان الجنائية العامة (حُكْماً) بالسجن (3) سنوات على اثنين من اللصوص، سرقا (مرآة/مراية) سيارة تخص أحد الموظفين، بالإضافة إلى جلد كل واحدٍ منهما (79) جلدة (حداً) لضبطهما وهما سكرانين وتعزيراً لجناية ال(سرقة)! مع تبرئة آخر قام بشراء ال(مراية) من تُهمة استلام المال المسروق، لغياب القصد الجنائي أو (بحُسن نيَّة). جميلٌ جداً، بل مطلوب، تطبيق القانون على كل مُتجاوز، بما يحفظ حقوق الجميع، ويعكس روح العدالة وسيادة القانون ويُثبِّت هيبة الدولة، ويُحقِّق الأمان والسِلْم الاجتماعي. لكن هل القانون هذا يجري تطبيقه على الجميع؟ وبذات ال(حَماسة) وال(حَسْمْ)؟ أم هناك انتقائية في التطبيق ال(عَدلي)؟ بغض النظر عن قيمة أو مقدار أو كمية المسروقات أو السارق أو المسروق! ووفقاً للسياق الثقافي واللغوي العام، فإنَّ العدلَ يرتبطُ بالدولة بوجهٍ عام، وجهازها القضائي بنحوٍ خاص، باعتبار أنَّ القضاء هو ال(جهة) ال(مُناطة) بتحقيق العدالة والحفاظ على الحقوق وحمايتها، عقب بحث ومُراجعة الدعاوي والنزاعات والبت في أمرها. والعدلُ وفقاً لل(منظور) ال(شرعي) أو ال(إسلامي)، يعني تصريف الأمور العامَّة (أياً كانت) بقانون لا (عِوَجْ) أو (زَيْغْ) أو (ظُلْمْ) فيه. والقانون يُمثله هنا كتاب الله عزَّ وجل وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلوات وأتمَّ التسليم، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)، وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)، وقوله جلَّ شأنه (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَان)، وهناك أيضاً قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط). والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في شأن العدل كثيرة وعديدة، ولا يسع المجال لذكرها جميعاً في هذه المساحة، واخترناً بعضاً منها فقط للاستدلال على قيمة و(قُدسية) العدل أو القسط، باعتباره قيمة (ربَّانية) عالية جداً، وهامة في بناء وسلامة المُجتمع الإسلامي. والعدلُ في اللغةٍ يعني ال(مُساواة) وال(إنصاف)، وبمعنىً آخر إعطاء كل ذي حقٍ حقه (ظالماً يُعاقَب وهو ما يستحقه، أو مظلوم فيُنْصَفْ وهو حقه أيضاً)! فالعدالة قيمة أخلاقية عرفتها الإنسانية من العصور القديمة، وعكستها في المقام الأول جميع الأديان السماوية، ثمَّ أفكار وثقافات عدد من المُفكرين والأدباء والفلاسفة. ورغم (نسبية) هذه المفاهيم والمعاني للعدالة، إلا أنَّها تظلُّ داعمة لحفظ حقوق المُجتمعات الإنسانية، كاعتقادٍ شرعي وأمر إلهي، ومن ثمَّ كإرث معرفي وثقافي توارثته هذه المُجتمعات جيلاً بعد جيل، أخذاً في الاعتبار خصوصية ثقافات وعادات وتقاليد كل مُجتمع والاختلافات القائمة بينها. تذكَّرتُ كل هذه المعاني ال(شرعية) وال(إنسانية) للعدالة، حينما طالعتُ هذا الخبر الخاص بمُعاقبة لصوص ال(مراية)، بينما يحيا آخرون تجاوزوا بكثير ما قام به هذان اللصان اللذان استحقا العقاب على ما اقترفاه، إلا أنهما (اي اللصان) يبقيا أقلَّ ضرراً – بكثير – من أولئك ال(آخرون) الذين أشرنا إليهم! إلا أنَّ عصابة (مُتأسلمي) ال(خرطوم) غضُّوا ال(طَرْفَ) عنهم عن عمد، رُغم فداحة التجاوُزات! فاللصان سرقا (مرايا) تخص شخصاً واحداً، وحتى (لو نجيا) من عقوبة القانون ال(وَضعي) فقد يعفيهما صاحبها أمام الله، بينما الآخرين اعتدوا وتجاوزوا على المال العام الذي يخص ال(يتيم) وال(أرملة) وال(عاجز)، على مرأى ومسمع ال(مُتأسلمين)، على اختلاف (مُسمَّياتهم) و(كياناتهم)، كوزارة الداخلية والعدل والقضاء والأوقاف ومجمع الفقه الإسلامي وهيئة عُلماء السلطان، ومن قبلهم الرئاسة وما يليها من أفراد ومُكوِّنات ال(عصابة) ال(مُتأسلمة)، وجيوش جرَّارة من ال(مُنافقين) وال(مُطبَّلاتية) ال(مُنتمين) لأجهزة الإعلام المُختلفة، والذين لم يجرؤ أياً منهم على السؤال عن تلك التجاوُزات التي يندي لها الجبين! بما يُعزٍّز القناعة ب(فساد) و(إفساد) هذه ال(عُصْبة)! ولكي ما يكون حديثنا مُؤسَّساً (ودون تعميم أو تحديد)، نتحدَّث عن بعض (أُكرر بعض وليس كل) التجاوزات والتي (بلا شك) ستحتاج لكتب ومجلدات لو أردنا حصرها! ولكم في قضية فساد مكتب والي الخرطوم خير مثال، والتي كان بطلها ضابط شرطة جمع مبالغاً طائلة (لا يهم مقدارها الآن)، وهو الذي ينتمي لجهة مُناطٌ بها مُحاربة الجرائم! وأين؟! في مكتب والي الخرطوم، ومع هذا لم نسمع عن مُحاكمته أو غيره وأولهم والي الخرطوم نفسه! ولم يفتح الله على أياً من تلك الجهات (الداخلية، العدل، القضائية، الإعلام، ..... إلخ) بكلمة في هذا الخصوص، رغم مرور شهور على القضية! المصيبة الثانية، أيضاً وقعت من شخصية ومُؤسَّسة مُناطٌ بها الحفاظ على سلامة القانون وتحقيق العدالة، وهو ما عُرف بقضية مسئول الأراضي سابقاً، والذي أصبح الآن وكيلاً ل(وزارة) ال(عدل)!! ورغم الوثائق الواضحة التي تُدينه، إلا أنه لا يزال – ليس فقط حراً وطليقاً – بل وعلى رأس عمله! لا هو استحى مما قيل عنه وهو في مثل هذا المنصب الحساس، ولا العصابة ال(مُتأسلمة) استحت وأزاحته عنه، ناهيك من محاسبته ومحاكمته وعقباه! والأدهى أنَّ عصابة ال(مُتأسلمين) وال(مُنافقين) قبضت على موظف دولة بحجة (تسريب وثائق الجريمة للعامة)!! وقبلهم كانت قضية انهيار مبنى الشرطة، وتمَّ مُكافأة وزير الداخلية، عقب مسرحية (عبيطة) ك(عبطه) ولا يُجيدها إلا هو بما حباه الله به من مقدرات (نوعية) في هذا الإطار، ليُصبحَ وزيراً للدفاع! اكتفيتُ فقط بهذه الأمثلة الثلاثة، لأنها جرت في مؤسَّسات وكيانات معنية بحماية القانون وتنفيذه وتطبيقه بما يُحقق ال(عدالة)، ومن قيادات تلك المؤسسات أو الكيانات، في ظل صمت (معيب) و(مُخزي) لأبواق عصابة ال(مُتأسلمين) الذين أشرنا لهم! ورغم هذا يأتون و(بلا) حياء ليتحدَّثون على القوانين والظلم! أخذتُهاا كأمثلة، لأن المجال لا يسع لاستعراض تجاوُزات هذه ال(عصابة) على القانون والعدالة، ودونكم ما تحمله الأنباء يومياً عن مثل هذه الفضائح والانحطاطات التي لا تبدر إلا من ال(ساقطين)! ولعلَّ اللافت في ما يجري من تجاوُزات، أنَّ الإشارة تتم لبعضها مع تغاضي الطرف على (أُخريات)! ففي الوقت الذي فاحت – ولا تزال – الرائحة القذرة لبعض (ساقطي) العصابة ال(مُتأسلمة) كقضية الأقطان وخط هيثرو والبذور التالفة والمُبيدات والمُخصبات الزراعية المُسرطنة والأغذية الفاسدة و(تهريب) الأموال في ال(حقائي) ومُؤخَّراً (أكياس النايلون)، نجدها في الغالب تنتهي وتختفي دون حسم أو عقابٍ ومُحاسبة، بل حتى مُجرَّد سؤال أو استفسار من تلك الجهات (الداخلية، العدل، القضائية، الإعلام، مجمع الفقه وهيئة العلماء وغيرها)! وجميع هذه المعطيات، تقود لاستنتاجٍ واحد، هو أنَّ هؤلاء ال(مُتأسلمين) علموا – ولا زالوا – لقتل كل ما له علاقة بالقيم والمعاني النبيلة التي ورثناها في السودان كالشرف والأمانة وسيادة روح العدل والقانون والخير والطُهْر والعفَّة! إنَّ العدل قيمة إنسانية رئيسية، جاء بها الإسلام الذي (ذبحوه) و(شوهَّوه) وهو منهم (بُراء)! وبكل (قوة) عين، ما زالوا يتدثَّرون خلفه، ليفعلوا ما يفعلوا من جرائم وتجاوُزات. والعدل من أُسس تنمية وتطوير وتهذيب المُجتمع الإسلام، فأين هؤلاء ال(مُتأسلمين) من حكاية المرأة المخزومية، وما دار فيها بين النبي عليه الصلاة والسلام وأُسامة بن زيد (الصحابي بن الصحابي)! إنَّهم للأسف يشتمون كل من يُخالفهم دون أن يلتفتوا لجرائمهم، ولا أقول عيوبهم، باعتبار أن ما قاموا ويقومون به يفوق مُفردة ال(عَيْبْ) وال(حَرَام)! وبالتأكيد أنا في حاجة لحروفٍ جديدة أصف بها ما قاموا به، بعدما تقاصرت الحروف أمامي عن الوصف! والعدلُ (كذلك) هو ميزان الله على الأرض، به يُؤْخَذُ به للضعيف حَقُّه و(ما أكثر) ضُعفَاء السودان!، ويُنْصَفُ به المظلومُ ممن ظلمه، وما أشدَّ ظُلم هؤلاء ال(مُتأسلمين)! ويُمَكَّن لصاحب الحقِّ من الوصول إلى حَقِّه، وما أكثر الحقوق التي يتصيدها (مُجرمو الإسلام)! إلا أنَّ الله موجود، ولا يقبل بالظلم الذي (حَرَّمَه) على ذاته الشريفة، سواء ظلم نفوسهم ال(مريضة) التي ماتت و(شبعت) موت، أو ظُلْم الآخرين، وظُلْم الأقوياء للضعفاء، وظُلْم الحُكَّام للمحكومين! ويوماً ما سينتهي كل هذا ال(فسوق) الذي عملوا على (نشره) و(توطينه) وسيذهبون إلى حيث يستحقون، والذي نسأل الله تعالى أن يكون قريباً. [email protected]