يبدو أن الرئيس البشير، تذكر في رحلة الحج الكبرى، بلقيس ملكة سبأ، وقصتها مع نبينا سليمان، وما ورد في الآية الكريمة "من يأتيني بعرشها"، وشتان ما بين رحلة بحث نبي الله عن الحق، والإتيان بعرش الباطل، ومحاولات السفاح في جمع جنود الباطل للتحايل على عرش الحق، والإتيان به لا لمناظرته بل لتدميره. وليس عجبا أن يستعين البشير بعلماء السلطان ليحاولوا إنقاذه من الحملة القوية التي باتت تطاله وأهل بيته، إلى الدرجة التي بات فيها على كل لسان سوداني، صغير وكبير، ليكون أول رئيس يحتفظ بالسلطة، وهو "مثار سخرية"، وبالطبع كان بطل الترويج وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المضحك أن البشير استعان بعلماء الجن، وليس مستغربا أن يقفز لأبعد من ذلك بالاستعانة بجن العلماء، بعدما لم يجد عندهم إلا سراب، خاصة أن الشعب السوداني تعافي ولله الحمد، من سحر أباليسه فغدا يترجم عافيته في شكل من أشكال الكاريكاتير والفيديوهات التي تنتقد السفاح علانية، وتشير إلى أنه "مهزلة" لا يستحق عرش السودان، ليخرج لهم هذه المرة كبير علمائه، ليقول للناس: النميمة حرام، والغيبة حرام، والقطيعة حرام، وأن وسائل التواصل الاجتماعي الفيس والواتس وتويتر، تعد من المفاسد، طالما أنها تتناول شخصية الإمام المبجل البشير. ونسى الشيخ العالم أن يبين للشعب الجاهل في عرفه "والعاقل في عرف من يعرفنا" أن يوضح له متى يكون الكأس حراما، ومتى يكون حلالا، ومتى يكون المال حراما، ومتى يكون حلالا، بالطبع كلنا يعرف أنه إذا ارتبط الأول بالخمر والثاني بالميسر، لكن هل تناول النقد لشخصية البشير بات خمرا وميسرا، في عرف أهل العلم وعلماء السودان، ويكثف رئيس علماء السلطان كل جهده ليعلن أنه حرام، ويجب أن يتناهى عنه الناس. ونسى هذا الشيخ العالم أن رئيسه يستعين بالمعازف في كل أرجاء تحركاته، ويتكأ على أفسد الوزراء والمسئولين، ويأكل أموال الناس بالباطل، ويقتل ويصلب ويعذب من قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويبيد أهل القرآن، ويستبيح حرمات الله، غربا وشرقا وجنوبا وشمالا، ويتفوه بكل كذب، ولا يعرف من الدنيا إلا فتات الركب، ولا يمتطي إلا الجياد المسروقة، فلم يهتز رمش الشيخ العالم خوفا من الحرام والحلال الذي يداوم على فعله رئيسه، وأقله اهتزازه طربا للمعازف، سواء في حفلة عامة أو خاصة، إلى الدرجة التي بات سخرية العالم، ونعته بالرئيس الرقاص، فأين كان الشيخ العالم وما موقف رابطة علماء السودان التي يرأسها هذا الشيخ الموظف، وكل من تبعه، ممن لا ننكر أنهم يرتلون القرآن ولكن نجزم أنه من غير هدى. وكيف لا وهم يقولون أن وسائل التواصل الاجتماعي التي تتناوب على انتقاد البشير: (تشييع المفاسد في مظهرها ومخبرها) ، ولم يروا أن التلفاز الحكومي الذي يموله ويختاره البشير وزبانيته يحملون كل المفاسد من عرى ومعازف، وضحكات وقهقهات وعلامات لا تكرس إلا العار والخزي، فبات اسمه (تلفاز الطرب) وسط الفضاءات العربية. وما يؤسف له أن البشير وزبانيته استعانا بوكالة الأنباء الرسمية لبث الحلال البين والحرام البين، لفرض تعميمه وتوزيعه على أعلى المستويات وفي كل القواعد، لينطلق البث عبر التلفاز والإذاعة والصحف، وحتى المجلات الحائطية، وعلى "سراويل" الكبار والصغار، علهم يتعظون عندما يهمون بالقطيعة في السيد الرئيس، ويتوبون إلى الله، لأن لا يحق أن يتناول بالنقد شخص مثل العارف بالله، ليجرد الشعب السوداني من أبسط حقوقه في التعبير عن رأيه، فلا مجال للانتقاد ولا مجال للتطاول، ولا مجال للمجادلة، فكل ما يقوله الرئيس هو الحق "من ربكم"، وكل ما تقولونه عنه هو "الباطل" من عقلكم"، فتوبوا إلى بارئكم. بالطبع الخبر بات مضحكا لدرجة أن كافة وكالات الأنباء العالمية والصحف العالمية الكبرى سارعت بتناوله، واعتبرته خبرا بارزا، مكتفية بالتأكيد على أن هيئة علماء السودان (تضم رجال دين مقربين من الحكومة). مخجل أن يلجأ البشير لأفاعي فرعون لينقذوه من شمس موسى، لكن المخجل ألا يتوب سحرة فرعون، بعدما رأوا من الحق، أنه لا دفاع عن الباطل، فأي علماء هؤلاء يمكن أن يقتدى بهم، وهم لا يرون إلا ما يرى فرعون، ويتخذون القرآن والدين قراطيس يخفون بعضها ويظهرون بعضها، ولا يعرفون من وسائل التواصل الاجتماعي إلا الخمر والميسر، طالما انتقدت سيدهم، وقذفت سيدهم. على الشعب السوداني أن يعرف اليوم فقط، طالما أنه لم يعرف بالأمس، أن من يتولى أمرهم ليس إلا فرعون، صحيح أن بنى إسرائيل كانوا مستضعفين في الأرض، فهربوا مع موسى ليلا، لكن الأصح أن هجرات الكوادر والخبرات لخارج السودان لن تكون المنقذ لهم، فليس هناك موسى ينقذ البقية وليست هناك عصا تجعل من البحر يابسا، وكما يقال فإن البحر من أمامكم والعدو من خلفكم، ولكن على وتيرة علماء السلطان: "فلا تقطعوا في رئيسكم"، ويبدو أن القادم أحلى، فماذا بعد التحريم إلا القتل والتجريم، إنها حملة "الحدود"، لكن هل يجلد اللص الجائع؟