وحدات ومراكز أكبر مستشفيات البلاد (الخرطوم التعليمي) شهدت مع مطلع العام الحالي، تجفيف وتشريد ممنهج ومتعمد أفرغ مستشفى الخرطوم المرجعي من محتواه كمرفق حيوي طبي يضم (26) قسما متخصصا، ويقدم خدمات العيادات المحولة لحوالي 20 ألف مريض في إحصاء شهر واحد، ويستقبل (30) مريضا كل ساعة من مختلف أنحاء البلاد؛ ومع هذا الحجم مضت أحداث دراما التجفيف غير المعلنة لمراحل حرجة ومتأخرة . بدأت بنقل المشرحة وقسم النساء والتوليد وتبعها مركز أمراض الكلى، ثم العلاج الطبيعي وألحقت بهم وحدة (الكرنتينة) لتجيء قاصمة الظهر والضربة القاضية بنقل (347) كادرا طبيا من المستشفى لمراكز ومستشفيات أخرى كآخر مسمار على نعش المستشفى المجفف. في قلب الخرطوم، من أكثر مواقها توسطاً للعاصمة الاتحادية، عبر موقعه الاستراتيجي، يقبع أكبر مستشفيات البلاد والمتميز بتقديمه للخدمة العلاجية والطبية المرجعية والبحثية والعلمية لأهل السودان. الموقع الحالي الذي اختاره الانجليز في العام 1904 لمقار المستشفى شكل خياراً موفقاً لمشفى اتحادي يفد إليه أهل السودان من كل حدب وصوب ومن أصقاع مدنه وقراه القريبة والبعيدة، كونه يمثل معلماً بارزاً يتوسط العاصمة يمكن لكل قادم إلى الخرطوم - ولو لم يعرف مداخلها ومخارجها- أن يأتي إلى المستشفى بكل سهولة ويسر، فضلاً عن خاصية الموقع المتميز كوسط استراتيجي لقربه من شبكة المواصلات لجميع مناطق العاصمة وكذا إمكانية تواجد مواصلات تقل زواره للموانيء البرية لمسافري الولايات. نظرة من الداخل وتضم مستشفى الخرطوم 26 قسما ومركزا ووحدة علاجية، جففت حتى الآن أقسام ( الكلى، النساء والتوليد، المشرحة، الكرنتينة والعلاج الطبيعي)، فيما تناقص عمل الأقسام الأخرى ( الطوارئ، الباطنية، المخ والأعصاب، الجراحة العامة، جراحة الأطفال، العصبية والنفسية، المسالك البولية، المناظير، حوادث المخ والعصاب، المعامل والأبحاث، الصيدلة، بنك الدم المركز، التجميل، رسم القلب، حديثو الولادة والعظام والأشعة). وحسب المصادر الرسمية أن الأقسام المتبقية تعمل بكفاءة 60% من عملها. ما يقدمه مستشفى الخرطوم ليست الخدمة العلاجية وحدها ما يقدمها مشفى الخرطوم التعليمي وإنما للمستشفى خدمية علمية وبحثية وتدريبية أخرى يقدمها المشفى للكوادر الطبية كمستشفى تعليمي رقم واحد في البلاد. وتشير إحصائيات المستشفى الرسمية إلى أن المشفى يقوم بتدريب الأطباء من مجلس التخصصات الطبية، وفي العام 2013 قام المستشفى بتدريب (350) نائبا اختصاصيا، و(1500) طبيب امتياز، وقدم حوالي (5000) بحث كخدمة علمية للباحثين في مجال الطب. ويعود إسهام المستشفى علمياً وبحثياً لطبيعة عمله وكثرة المترددين على خدمته في اليوم؛ إذ يتردد كل دقيقتين فرد على حوادثه ويستقبل في الساعة حوالي (30) فردا من كل ولايات البلاد المختلفة، فضلاً عن قصد مصابي حوادث السير في الطرق السفرية بالبلاد قاطبة إلى قسم الإصابات دون غيره من المستشفيات ما جعل المستشفى بيئة مواتية للعلاج والبحث العلمي في مجال الطب. شد الأطراف قبل مطلع العام كان منهج وزارة الصحة الولائي في تجفيف مستشفى الخرطوم التعليمي قائما على سياسة شد الأطراف بغية تجفيف و(تشليع) المستشفى دون أن تصحب هذه العملية تناول إعلامي حتى لا يحدث رأي عام يوقف ما تنتوي الوزارة الإقدام عليه من تجفيف أقسام أكبر مشفى في البلاد ونقل خدماته للأطراف كما تقول الوزارة بذلك. تهدئة واتفاق وفي 18 يناير 2014 وبعد تصعيدات نقابة المستشفى الفرعية ووقفة الأطباء والكوادر العاملة في مستشفى الخرطوم، عبرت مسيرات سلمية واحتجاجات منددة بالتجفيف، حيث أذعنت وزارة الصحة بالولاية لتهدئة الأوضاع بالجلوس مع الهيئة الفرعية لعمال مستشفى الخرطوم وتوصلت الأطراف لاتفاق قضى: (بالتأكيد على مرجعية مستشفى الخرطوم لتقديم خدمات المستوى الثالث، عدم نقل العاملين إلا برغبتهم للاستفادة من خبراتهم التراكمية، الرؤية الفنية وشرحها مع جهات الاختصاص، ترقية البيئة كمتنفس للمرضى والمرافقين، الهيئة النقابية الفرعية لمستشفى الخرطوم هي الجسم النقابي الشرعي)، انفض سامر الاجتماع على أمل أن تظل مستشفى الخرطوم كما هي تقدم خدماتها الطبية والعلاجية والبحثية والتدريبية في الحقل الطبي دون أن تمسها يد التجفيف بسوء، غير أن مجريات الأمور صارت على غير ما يشتهي الجميع وتنصلت الوزارة عن الاتفاق واستمرت علميات التجفيف والنقل ليفاجأ الجميع بنقل قسم وتجفيف آخر بين فترة وأخرى حتى يصل المسلسل إلى نهاياته كما يخطط له أصحابه. كيف صارت عمليات التجفيف؟ مشرحة مستشفى الخرطوم وقسم النساء والتوليد كانا أول الأقسام التي طالها التجفيف؛ وزيارة واحدة لمقار الوحدتين سابقاً في شمال مبنى المستشفى (التوليد) وشمال شرقها (المشرحة)، تجعل من يتجول في ساحتيهما يتحسر على اندثار أقسام حيوية كانت تقدم خدماتها لسكان الولاية ومواطني الولايات المختلفة بعد أن أصبح مركز النساء والتوليد ساحة وأثرا ولوحة تعريفية للقسم سرعان ما أزاحتها أيدي وزارة الصحة بالولاية حتى لا تذكر المرضى والعابرين بآثار مركز كان يقدم للمواطن الخدمة النوعية بعد أن جففته وزارة الصحة. وتؤكد سعاد أحمد سالم، الأمين العام للهيئة الفرعية لعمال مستشفى الخرطوم، أن تجفيف المستشفى خلف واقعاً صعباً على الوحدات وطالبي العلاج، وأن قسم المسالك البولية مغلق بالكامل مع تجفيف وحدات الطوارئ التي كانت تعمل بنظام وحدتين على مدار الأربع وعشرين ساعة، مع وجود تباطؤ في أعمال الصيانة بحجة عدم وجود الميزانيات. مركز الكلى خارج الخدمة أما مركز الكلى الذي طاله التجفيف فإن عطلة عيد الفطر من العام الحالي كانت التوقيت المناسب لتجفيفه بعد أن تفاجأ عاملوه بوجود دفارات (كانتر) تابعة للوزارة قامت بالاستيلاء على ماكينتين من أصل ثلاث للحالات الطارئة، وهي آخر ما تبقى لوحدة الكلى، التي تدرجت معها الوزارة في التجفيف. حيث كانت وضعية الوحدة حتى نهاية العام الماضي تباشر عملها في علاج وغسل الكلى بواقع احتواء الوحدة على 32 ماكينة غسل كلى؛ 25 ماكينة كانت تعمل بكفاءة منها 7 ماكينات معطلة. ناس "الكرنتينة" مع المرضى وفي وحدة (الكرنتينة)، وفي هذه الظروف التي تم فيها تجفيف المستشفى، فإن تسريح العاملين ونقلهم وإغلاق الكرنتينة جعل العاملين في المستشفى يزجون ما تبقى من المنتظرين للعلاج إلى عنابر الباطنية وغيرها، ما يزيد من مخاطر تواجدهم في تلك العنابر مع المرضى والمرافقين وإمكانية إصابتهم بأمراض وبائية يصعب السيطرة عليها. مراسلات التجفيف حدث للقوة العاملة في مستشفى الخرطوم تناقص هي الأخرى. حيث كان مجمل إحصائية القوة (1880) عاملا وعاملة بالمستشفى، تناقصت القوة إلى 50% بعد أن صار الموجود فعلياً (1677) وذلك بعد إيقاف التعيين وسحب الخدمة الوطنية؛ وصدر خطاب من وزارة الصحة الولائي بالنمرة: و خ / و ص/ أ ش ع /1 بتاريخ 29/10/2014، والممهور بتوقيع جمال مبارك عبد العزيز، مسؤول العلاقات العامة بالمستشفى، عضو لجنة تنقلات مستشفى الخرطوم، نص على نقل (347) عاملا وعاملة بمستشفى الخرطوم جملة واحدة، مع احتواء الخطاب على موقف تنفيذ النقل ومعنون لمدير عام وزارة الصحة بعد أن أحيل ذات الخطاب لمدير عام مستشفى الخرطوم معلقاً عليه في الأسفل: السيد المدير عام المستشفى للاطلاع والتنفيذ، المراجعة الداخلية 30/10/2014. تساؤلات نقل الخدمة للأطراف! والمثير للتساؤل هو أن قائمة النقل ل347) عاملا وعاملة الذين تم نقلهم لمستشفيات الولاية كما تدعي وزارة الصحة الولائية يعتبر تجفيفا للمستشفى بحجة نقل الخدمة للأطراف، فقد تم نقل أكثر من (170) عاملا وعاملة منهم إلى مستشفى إبراهيم مالك بالصحافة وسط الخرطوم.. مما يعيد الاستفهام للأذهان، هل مستشفى إبراهيم مالك في الأطراف.. أم أن الصحافة وسط هي الأطراف في عرف وزير الصحة الولائي.؟ الذي أقدم على تجفيف مستشفى الخرطوم التعليمي عبر مسلسل متعمد ابتدأه منذ شهور عديدة ولم يكتمل بعد. معاناة المنقولين ليلى خير السيد، ممرضة عملت أكثر من 15 عاما بمستشفى الخرطوم بالكرنتينة، أبلغت (اليوم التالي) أن النقل سبب لها مشاكل نفسية صعبة ودفعها لتقديم استقالتها والمطالبة بالمعاش لجهة أن نقلها لمستشفى بشائر لم تقابله الإدارة هنالك بترحاب، وأكثر ما حزّ في نفسها اللغة الجافة من المدير هنالك وعدم موافقته للكتابة لمدير عام الوزارة لفك الراتب بأنها استلمت عملها في بشائر، وقالت: إن المدير اشترط عليها مداومة 7 أيام حتى يخاطب الوزارة باستلامها العمل لفك الراتب. وأبلغ عدد من الأطباء (اليوم التالي) أن النقل تم من غير رضا العاملين أو موافقة الهيئة الفرعية للعاملين بالمستشفى، ولم يراع في النقل التواجد الجغرافي للعاملين الذي سبب أعباءا اقتصادية ومادية جديدة للمنقولين بعد أن أوقفت الحوافز في المستشفى وأصبحت في المستشفيات الأخرى لا تمنح للقادمين وإن منحت تمنح بعد 6 أشهر. * إحصائية مستشفى الخرطوم حول التردد على الأقسام في شهري يناير-فبراير 2014 م القسم يناير فبراير 1 العيادات الخارجية 14,713 20,377 2 محولة الباطنية 499 402 3 محولة الجراحة 984 1,004 4 محولة الولادة 932 776 5 محولة جراحة أطفال 197 123 6 محولة عظام 1,864 447 7 محولة مسالك 244 167 8 محولة نفسية 460 379 9 المعمل 773 32,373 10 الأشعة 5,976 5,221 11 موجات صوتية 161 150 12 رسم قلب 1,216 1,397 13 مناظير 40 43 14 مواليد 543 567 15 علاج طبيعي 426 1,135 16 محولة تجميل 435 290 اليوم التالي