للضابط الإدارى فى ذاكرة الوطن والمواطن مكانة مميزه لدوره فى تعميق الوعي بأهمية الحكم المحلى فى السودان عبر البلديات والمجالس الريفية التى أصبحت عملياً بعد أن تعثر مسارها مجرد وجود بلا فعالية، عن الضابط الإدارى قيل ذلك يوماً عندما تم توزيع المهام على الفئات الأطباء، والمهندسين، والزراعيين، والبياطرة والمعلمين..الخ. خصص لكل واحد فى مجال تخصصه عملاً محدداً بعدها جمع كل ما تبقى من أعباء وكلف بها الضابط الإداري فهو المسؤول المباشر بالنسبة للمواطن العادي عن أمنه وتعليمه ورعاية أبنائه الصحية وهو في الواجهة عند الكوارث. هذا من أمر الضابط الإداري أما السياسي وهو المثير للجدل والأكثر من غيره عرضة للتشكيك في دوره وفي ذمته وربما في وطنيته وهو دائماً الأقرب إلى الشر منه إلى الخير والأسباب كثيرة: تخلف الحركة السياسية، وضعف الأحزاب، وتكلس أفكارها واضطراب سياساتها، وغياب المشروع الوطني، وتعثر مشاريع التنمية، والتدهور المستمر في أحوال الناس وفي معاشهم، الفقر، والمجاعات، والحروب، وعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى عدم إنجاز مهام أخرى مهمة ومرتبطة بقضايا الناس الحياتية ما زالت معلقة يتم ترحيلها كل يوم إلى مراحل لاحقة مما أدى إلى تعقيدها وزيادة خطرها على وحدة البلاد وأمنها،الأزمة يرجعها البعض إلى ضعف الحس الديمقراطي وعدم وجود شروط أو معايير ملزمة لممارسة السياسة..ففي بلادنا الغلبة للعمل السياسي المباشر على حساب الفكر والدليل غياب أي مرتكزات فكرية أو نظرية واضحة عند معظم السياسيين. والحديث لا يعني كل السياسيين ولكن كي نكون أكثر تحديداً يمكن أن نقول إن التيارات السياسية في السودان مشاريع لم تكتمل، البعض مشكوك في جدواها وأخرى تحمل بين طياتها بذور فنائها وثالثة تتحرك بقوة دفع الماضي أما الرابعة وإن اكتملت ملامحها إلا أن مردودها السلبي على الوطن والمواطن هو الأكثر وضوحاً، لهذا اختلف الناس وتعددت آراؤهم حول السياسة والسياسيين، فالسياسة قضية أساسية تمس الإنسان فى أمنه وحريته ومستقبله ولعل هذا يتضح من أنها مرتبطة بنظام الحكم وبأسئلة ما زالت مطروحة منها كمثال: - ماهي مؤهلات الوصول إلى السلطة؟ - وما هي أساليب ممارسة السلطة؟ - وما هي حدود تلك الممارسة؟ - ما هي الضمانات التى تكفل حقوق الجماهير فى مواجهة الحكم؟ والسياسة كمصطلح أصلها كلمة إغريقية تعنى المدينة ولا يقصد بالمدينة الجانب المادى وإنما أساليب ومحددات التنظيم الاجتماعي داخلها ومجموعة القواعد والمعايير التي تنظم علاقات الناس، أما السياسة لغة فهي تعني القيام على الشيء بما يصلحه؟ أي إدارة أمر الناس وتحقيق مصالحهم. الإجابة على الأسئلة المطروحة، تحقيق مصالح الناس والقيام على الشيء بما يصلحه ما زالت بعيدة وبمسافات طويلة عن ما هو ممارس فى بلادنا العظيمة لذلك يجب أن نحدد أولاً كمجتمع ماهى الإجابات المطلوبة والمقبولة للقاعدة العريضة من المواطنين وأن نتفق على أسس ومعايير محددة نلتزم جميعاً بمفاهيمها الكلية..الولاء للوطن..الديمقراطية، الوحدة الوطنية، احترام حقوق الإنسان، السلام العادل. الإنسان كقيمة هو الأهم وهو فوق السلطة وأن نختلف فى التفاصيل حفاظاً على التعدد وعلى إدارة الاختلاف سلمياً. العسكر والسلطة: علاقة العسكر بالسلطة واحدة من القضايا التى شغلت المفكرين والسياسيين وتأثرت بها مباشرة معظم دول العالم الثالث فى آسيا وأفريقيا فى خمسينيات وستينات القرن الماضي، الآن والكل يسعى إلى الوصول إلى معادلة مقبولة للحكم في بلادنا هناك سؤال مهم وحساس وهو ما هو دور القوات المسلحة في النظام الديمقراطي؟! هنا يجب أن نعترف أن كل الانقلابات العسكرية التى حدثت في السوادن تم التخطيط لها خارج المؤسسة العسكرية ومع وجود العسكر في الواجهة ولكن الصحيح أن الأصل في التحرك يرجع للمخطط المدني وأن تم تغيير اسمه علماً بأن السياسة شأن عام متصل مباشرة بحياة الناس بحاضرهم ومستقبلهم..والسياسة هي الوسيلة التي ينظم بها البشر أمورهم تنظيماً جماعياً، لذلك تطورت النظم السياسية في اتجاه مزيد من الحريات للناس ومزيد من القيود للسلطة وتطورت أيضاً في اتجاه توسيع قاعدة الشراكة في الشأن العام..والسياسة في المجتمعات المفتوحة اهتمت بالفرد والجماعة في معادلة متوازنة في مقدمة مهامها إقامة مجتمع مستقر مجتمع يحترم حقوق الإنسان السياسية، مجتمع المواطنة..والمواطنة تعني العضوية الكاملة والمتساوية وتعني أيضاً أن تكون هناك علاقة عضوية بين الوطن والمواطن ففي المجتمعات الديمقراطية التى تحترم وتحافظ على حقوق الإنسان وتلتزم بعدم حدوث انتهاك لها، لا يُكتفى بالنسبة للمواطن فقط الوجود المادي. فالمواطنة لها مفهوم أوسع هو إضافة للوجود المادي وحمل الجواز أو الجنسية هناك ما هو أكثر أهمية وهو الحضور المعنوي والمشاركة في كل القرارات المتعلقة بالقضايا العامة والإحساس بالانتماء..غياب الأحساس بالانتماء نتيجة للشعور بالاضطهاد والحرمان من الحقوق والحريات يفضي تلقائياً إلى تخلي المواطن عن واجباته تجاه وطنه لعدم قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها. السودان اليوم يمر بمرحلة خطيرة ومعقدة وما يجري الآن على الساحة من حوارات فيه ما يؤكد أن السياسة عند البعض مهنة ومجال لكسب النفوذ والمال..وللخروج من هذا المأزق يجب علينا جميعاً أن نلتزم بأن تكون المصلحة العليا للبلاد..هى المحرك الأساسي لأي حوار فالسودان فوق الجميع أحزاب وزعامات حكومة ومعارضة والسودان للجميع..شرطان يجب توافرهما لإحداث التغيير أو التحول الديمقراطي هما: 1/زوال مظاهر حكم الفرد أو القلة المحتكرة للسلطة. 2/تحرير الدولة من التبعية للحاكم. ...هنا يجب أن ننتبه بأن المرحلة الأهم من التغيير هي مرحلة ما بعد التغيير، كي لا نعيد إنتاج الأزمة علينا الالتزام بالآتي: 1) مراجعة تجاربنا السابقة ومساءلتها بموضوعية وبصورة تضع السودان ومستقبله فوق الجميع. 2) الإحاطة بواقع السودان المعقد..وألا نختزل مشروع التغيير في استبدال أشخاص بآخرين المطلوب بناء الدولة الديمقراطية وفق أسس يتم التوافق عليها والالتزام بإنفاذها أبرزها: نظام سياسي يؤمن فرص المشاركة في السلطة وتداولها. اقتصاد حديث مستقل ومتكامل في قطاعاته، اقتصاد يكسر التلازم الداعم بين تقسيم العمل واحتكار الثروة. بلورة سياسات اقتصادية واجتماعية بهدف إحداث تنمية متوازنة. تطبيق فيدرالية حقيقية وإعادة الحياة لمؤسسات الحكم المحلي. من النصائح القيمة في هذه المرحلة الحساسة نصيحة كتبها الدكتور خالد التجاني في جريدة الصحافة بتاريخ 29/10/2011م إذ قال:- المطلوب من القيادة السياسية للحزب الحاكم أن تجري مراجعة جذرية وعاجلة لحساباتها ورهاناتها الحالية وأن تتقدم بمبادرة أكثر جدية ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز نظرية المناورة المحدودة الأثر وأن تتواءم مبادرتها مع مطلوبات التحديات الراهنة. التيار