الساسة السودانيون لا يحبون التاريخ عموما، لا يحبذون من يذكرهم بتواريخ ميلادهم، ولا بتواريخ ولوجهم للعمل السياسي، لا يحبون من يذكرهم بأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم، ولو كان بيدهم لأسقطوا التاريخ ولأسقطوا كتبته، ولو كان بمرادهم فإنهم يفضلون أن تكون هذه الشعوب بلا ذاكره.. تقف هكذا بلهاء أمام كل قول لتظنه جديدا وصادقا. جون كنيدي، جونسون ونيكسون وجيرالد فورد، ثم كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وجورج بوش الابن ثم بيل كلنتون وأخيرا أوباما، هؤلاء العشرة رجال الذين تناوبوا على حكم الولاياتالمتحدة منذ العام 64 وهم حكموا أمريكا عبر 13 حقبة ودورة رئاسية بدأت في السنة التي صعد فيها نجم حسن الترابي في السودان، يا للمفارقة إذن والرجل عبر مشواره السياسي في السودان عاصر ثلاث عشرة حقبة رئاسية أمريكية وعاصر عشرة رؤساء أمريكان آخرهم أوباما، وأوباما هذا عندما استلم حسن الترابي شهادة الدكتوراه من جامعة السربون في العام 63 كان طفلا لم يتعدَ عمره الثلاث سنوات وفطمته أمه للتو، والرجل يستعد بعد سنتين لمغادرة المسرح السياسي الأمريكي وشيخ حسن الذي يكبره بأكثر من ربع قرن في العمر (30 سنة) لا يزال يغشى الندوات ويحلم بحكم السودان (محن) !!! حسن الترابي يقول للناس يوم أمس الأول إنهم عجزوا عن إسقاط الإنقاذ، ولهذا ولجوا إلى باب الحوار!! والرجل صادق مافي ذلك شك، فالعجز ظل هو الطاقة الوحيدة التي تحرك الرجل في المسرح، كل مشروع ولج إليه الشيخ حسن كان الفشل هو المحرض الأول للرجل، وتعالوا لنحصي ذلك (عجز) حسن الترابي في إسقاط مايو فأختار الانضمام لها ومسوقا لها كنظام خلافة إسلامية بعثت الدين من مرقده وقامت لتعيد الناس وتهديهم إلى الجنان العلية، ولكن الرجل سرعان مانسي أمر الخلافة وجنانها ومايو تؤول للسقوط فقفز منها وتوشح بوشاح الديمقراطية ونزل ينافس في دوائرها الانتخابية ولكنه عندما (عجز) عن دخول البرلمان، دبر انقلاب الإنقاذ موهما تلاميذه أن الدين في خطر ماحق ولا منجاة له إلا بعزف الموسيقى العسكرية، ولكنه عندما (عجز) عن استلام مقاليد الأمور بالكامل في عهد الإنقاذ، أثار الغبار حتى يخرج متوهما أن الخيمة ستسقط من ورائه فيعود ليرفعها بطريقته التي يحب، فغادر الإنقاذ وهو يتلو ((الحمد لله الذي يخرج الحي من الميت)) ولكن (الميت) لم يسقط والحي لم يستطع الصبر.. نعم مرة أخرى يلتف حبل (العجز) حول عنق الرجل ويجذبه نحو القصر والحكم وهاهو يقف أمس الأول ليحدثنا (قحة العجز) التي تملأ رئتيه هذه الأيام وأنه لا علاج لهذه (القحة) إلا أقراص الالتحاق بالقصر من يخبر الرجل أن (العجز) علاجه الاعتزال والخلود إلى الراحة في البيت، والاعتناء بالأحفاد، وكتابة المذكرات لإبراء الذمة ومخالصتها؟ ثم تنبيه بسيط عزيزي الترابي..عندما تتحدث عن (العجز) فأنتبه ألا تستخدم صيغة الجمع.. حتى ولو كانت من باب الترف (والجخ) تنويه واعتذار: بالأمس فات علينا ونحن نتحدث عن تابت أن نثني على جهد الأخ مزمل أبو القاسم ناشر صحيفة "اليوم التالي" عن ابتداره بإرسال مندوب عن الصحيفة لتحري المعلومات من مصدرها من هناك، شكراً مزمل. التيار