بسم الله الرحمن الرحيم سهير عبدالرحيم أطفال المايقوما.. جنى عليهم والدوهم.. وما جنوا على أحد!! الجزء الاول بقية اسم الطفل رأيت مسئولة قسم الاستلام وهي تمسك بالاستمارة وتضع (سنة) القلم في بداية سطر دون أن يتحرك القلم لملء الفراغ المحدد بخط متقطع, وقد كان عنوان ذلك السطر هو (اسم الطفل) ومن ثم ترك الفراغ حتى يتم ملؤه. كانت الموظفة محتارة ماذا تسمي الطفل وانتقلت حيرتها إلى رأس القلم الذي ظل واقفا في انتظار خروج اسم من شفاه (اي كان ) حتى يلفظ ما في امعائه من حبر على تلك الورقة. في هذه اللحظة بادرت بالقول (سمِّيه "عمر") فأجابتني الموظفة أن اسم عمر كثير جدا. هنا ارتفع صوت الاستاذة ( نور) وهي مديرة منظمة اسمها (شمعة) تعني بالاطفال مجهولي الابوين قالت (سمّيه "عصمت"), وفعلا سمي ذلك الطفل بهذا الاسم في حين كانت جدته وخاله ضيوف شرف يستمعون لذلك الحوار ولا يحركون ساكناً ولا يبدون أي رغبة في المشاركة في اختيار الاسم. يا سبحان الله ويا لحظ طفل المايقوما فاسمه وليد اللحظة لا يشارك في اختياره أي فرد من أسرته لا أب ولا أم ولا خال ولا جد لا أحد لديه الرغبة في اختيار اسم له في الوقت الذي يحظى فيه الطفل الشرعي بخيارات متعددة جرت حولها المشاورات والمباحثات منذ لحظة البشارة بحمله, ويظل داخل رحم والدته وهو يستمع لحديث والديه حول اسمه حتى أن الأصدقاء وأفراد العائلة يشاركون في عملية الاختيار ومن الممكن أن يغضب أحدهم لعدم اعتماد الاسم الذي رشحه . مجرد أرقام الأطفال في دار المايقوما عبارة عن (أرقام) كل طفل يحمل رقما داخل انبوب يحيط بمعصمه أو قدمه نفس هذا الرقم هو رقم ملفه في الدار، واذا رغبت في معرفة اسم احدهم فما عليك الا قراءة الاسم من داخل الانبوبة الموجود فيها الرقم وتلجأ ادارة الدار لهذا الاسلوب حتى لا يحدث اختلاط وتستطيع التمييز بين هذا وذاك. احدى المشرفات كانت تحمل طفلا يبدو عليه الاعياء الشديد فالحمى الشديدة كانت تضرب حصاراً حول جسده النحيل و(الاسهال) يمتص كل ما يدخل معدته ليعيد اخراجه، سألتها عن اسمه وقصته فرفعت قدمه لتعرف من هو ؟؟!. لقد كانت تبحث عن اسمه داخل الانبوب الملتف حول قدمه. عصمت داخل العنبر تابعت رحلة الصغير (عصمت) ما بين غرفة الاستلام والاشراف الطبي واخذ العينات وفصيلة الدم وغيرها من الاجراءت الاولية حتى نظافته وتحضير وجبة الحليب الاولى له لتكون هي رضعته الصناعية عوضاً عن حليب أمه الأول. هكذا يتواصل ظلم هذا الصغير من والديه وها هو الآن يفقد القيمة الغذائية العالية لحليب الام الاول والمعروف باسم ((اللبى)) وما به من فيتامينات وعوضاً عن كل هذا يكون نصيبه رضعه من اناء بلاستيكي تحمله سيدة لا تمت له بصلة عرق او دم. فقط هن موظفات يقمن بمهمة انسانية لا تقدر بثمن . واصلت مع الصغير عصمت رحلته حتى العنبر حيث انضم لبقية اشقائه الذين يماثلونه في العمر وهم حوالي (60) مقسمين على ثلاثة عنابر العنبر الواحد به مشرفتان وتوجد بالدار (18عنبرا). معمل الحليب اهم جزء رغبت في زيارته في الدار كان معمل (الحليب) وقد رأيت فيه ما يسر النظر.. تعقيم متكامل، غلى متواصل للرضاعات كل (بزازة) عليها ديباجة باسم الطفل ونوع الحليب حتى لا يحدث اختلاط. وقد علمت منهم أن حديثي الولادة يشربون ما يعادل (8) رضعات في اليوم وتتناقص عدد الرضعات مع زيادة العمر وان (الحلمات ) الصناعية التي تتسع فتحتها تستبدل فورا حتى لا( تشرق )الطفل. اما (البزازة) التي تخرج مع الطفل إلى المستشفى (اذا كان مريضا ) فتباد فورا ولا يتم استعمالها مرة اخرى عقب عودته من المستشفي . الاطفال الخُدَّج في عنبر الاطفال الخدج المأساة تمشي على قدمين أحجام متباينة، الرأس اكبر من الجسد، ضمور في النمو وفشل في الحواس واعياء وهزال وتخلف عقلي وبدني ومجموعة من امراض الطفولة تفتك بالعقول وتشل الاطراف وتجعل ايًّا منهم صورة مبكرة لموت سريري . الوضع يكشف بوضوح عورة ذويهم حينما حرموهم من حق الالتصاق بأسمائهم، حرموهم ايضا من حقهم في أن يخرجوا للعالم اصحاء اشداء اقوياء. اخبرتني المشرفة أن امهات هؤلاء (الخدج ) لا يدخرن وسعا في سبيل اسقاط هذا (الحمل) عن طريق الحبوب والحقن ونط الحبل وغيرها من الاساليب المحرمة لإسقاط خطيئتهن التي لا ذنب لذلك الجنين فيها فيحدث دمج للطفل وهو في مرحلة التكوين. كما يولد هؤلاء الاطفال في ظروف سيئة, احيانا تكون (الصرة) مربوطة خطأ او مقطوعة، ووزنهم اقل من(2 ) كيلو واحيانا يظلون تحت اشعة الشمس بجانب صندوق نفايات, ولا يسمع صوتهم الا بصعوبة, واحيانا تأكل الكلاب يد احدهم او قدمه او رأسه . جزء منهم يموت بفعل الجفاف، او سوء التغذية او ضربة شمس، او نتيجة للطريقة العشوائية للتخلص منهم، كما انهم قد عاشوا اسوأ اللحظات منذ معرفة امهاتهم بحملهم وحتى ولادتهم . وقد لاحظت في معظم عنابر دار المايقوما أن الاطفال جميعهم يرضعون او (يمصون) اصابعهم. جولة في العنابر جولتي في العنابر كشفت قصورا واضحا واهمالا تاما في الاعتناء بالاطفال، واسقاطا كبيرا لمبدأ النظافة من منظومة العمل . وقد كنت شاهد عيان على طفلة في الرابعة من عمرها قد (تبرزت) وهي مستيقظة في سريرها الذي تنام عليه، ثم قامت بتلطيخ كل اجزاء السرير وجوانبه واسواره الحديدية بذلك (البراز) وواصلت مهمتها في أن دهنت جسدها ايضا به. كل هذا يحدث وعلى بعد خطوات منها صينية الغداء بها (حساء) مضافا اليه (الارز) يأكل منه اشقاؤها في العنبر بينما الذباب يسيطر على الموقف ويقيم حفلا راقصا وينتشر في كل ارجاء المكان، يحمل في اقدامه من (براز) الصغيرة ليضعه داخل صينية الاكل. قمت عندها من فوري بتبليغ مديرة الدار بتلك الحادثة فأصدرت اوامرها فورا بحمل الصغيرة وتنظيفها وتغيير مهدها وتنظيف العنبر والسرير مع خصم مرتب بقيمة ثلاثة ايام من الموظفة المسئولة . وتتوالى الخصومات وفي جولتي بغرفة (المطبخ) وجدت ايضا أن الذباب عضو اساسي في نقابة الخضروات....؟ ورئيس مجلس ادارات كل الاواني في المطبخ.؟؟ احدى المشرفات صحبتني في جولتي داخل المطبخ وهي تشرح لي كيفية تحضير الوجبات، والجدول المتبع والتنوع في استعمال الخضروات والفواكه حتى ينعم الاطفال بتوازن مثالي في النمو يعوضهم حرمان فترة الحمل . وبينما كنت اواصل جولتي معها لفت نظري (وعاء طبخ) ضخم موضوع بجانب (البوتجاز) فوجدت (ذبابة) تسبح من دون (مايوه) داخل (الوعاء) ففغرت فاهي دهشة وقلت لها "ما هذا؟" فأجابتني وهي تسكب محتويات (الاناء) في حوض الغسيل ( ده اصلا باقي وجبة وكنا حا ندفقه)؟؟؟ فنقلت ملاحظتي هذه ايضا لمديرة الدار التي امرت بخصم راتب ثلاثة ايام من المسئولة . وهنا ...احسست بغضب واستياء من بعض الامهات والمشرفات تجاهي، وحقيقة الامر اني لم اقم بزيارة الدار من اجل فرض عقوبات على المشرفات, ولا اعتقد أن ما قامت به المديرة هو الحل الامثل لهذه المشكلة. فالشاهد أن قضية المايقوما اكبر من طاقة هؤلاء المشرفات، إنها قضية وطن وأزمة ضمير. فعدد الاطفال والوفيات وسطهم في تزايد مخيف، وغالبية الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة حيث عقاقير الاجهاض تلعب دورها في الفتك بتكوينهم الجسماني والعقلي معا، وعدد المشرفات في العنابر قليل مقارنة مع عدد الاطفال، حيث أن المشرفة تقوم بإرضاع الطفل ونظافته وتغيير ملابسه وحفاضه ووضعه في مهده حتى ينام، ثم تقوم بنفس المهمة مع الطفل الثاني وهكذا حتى تصل الطفل رقم (15) حينها يكون الطفل رقم (1) قد بدأ نوبة من البكاء تتواصل لمدة نصف ساعة حتى يحين دوره مرة اخرى . إن المشرفات والامهات في الدار يعملن في ظروف سيئة، ومرتباتهن ضئيلة لا تسد رمقهن ولا تكفي حاجتهن . احدى الموظفات شكت من شح في (صرف) الصابون الذي يستعملنه لغسيل الاطفال حيث تصرف (صابونة) واحدة لكل 20 طفلا، وهو ما يجعلهن احيانا يتغاضين عن غسل الاطفال، ولا يغّيرن الحفاضات الا بعد وقت طويل يكون فيه الحفاض قد ابتل بالكامل وتسرب منه ما تسرب إلى ملابس الطفل ومهده. غرفة الغسيل والكي في دار المايقوما غرفة ضخمة للغسيل والكي والتعقيم يعمل بها عدد ضخم من العمال وتضم كميات ضخمة من الغسالات ال(فل اتوماتيك) ويتم تعقيم الملابس وكيها عبر نظام دوريات. ورغم الاهتمام الكبير في هذا الجانب الا أن الاخطاء الكثيرة تمد لسانها، ف(البشاكير) منشورة على الجدران المتسخة مما يعرضها للأتربة والتلوث والجراثيم وربما الحشرات. واثناء وقوفي بجانب غرفة الغسيل تابعت احد العمال وهو يحمل ما جفّ من اغطية وملابس ويضعها داخل سلة ضخمة ويحملها في عربة (درداقة) أكل عليها الزمان وشرب، تابعته حتى وصل احد العنابر وقذف بمحتويات السلة على الارض وبذلك تعرضت الملابس للتلوث للمرة الثالثة على التوالي، مرة بنشرها على الجدران ومرة بحملها داخل (درداقة) قذرة ومرة ثالثة بقذفها بلا مبالاة على الارض. اضاءات في الدار اجمل ما في الدار مبنى من طابقين هدية من الشعب الياباني، ومجموعة حديثة من غسالات الملابس باهظة الثمن هدية ايضا من احدى المنظمات, اما جزء كبير من الحليب والعصير والزبادي فهو يأتي من احد رجال الاعمال المعروفين وهو يدعم الدار بانتظام. وقد شاهدت واثناء وجودي احدى سياراته العملاقة المجهزة في شكل ثلاجات وهي تفرغ حمولتها من الحليب والعصير. ...........نواصل