سعر الدولار في السودان اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 .. السوق الموازي    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الثلاثاء    مصر.. وفيات بغرق حافلة في الجيزة    قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    لماذا يهاجم الإعلام المصري وجودهم؟ السودانيون يشترون عقارات في مصر بأكثر من 20 مليار دولار والحكومة تدعوهم للمزيد    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رأفةً بجيشكم وقيادته    احاديث الحرب والخيانة.. محمد صديق وعقدة أولو!!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    كباشي يزور جوبا ويلتقي بالرئيس سلفاكير    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يستعرض مهاراته العالية في كرة القدم أمام إحدى إشارات المرور بالقاهرة ويجذب أنظار المارة وأصحاب السيارات    عبر تسجيل صوتي.. شاهد عيان بالدعم السريع يكشف التفاصيل الكاملة للحظة مقتل الشهيد محمد صديق بمصفاة الجيلي ويؤكد: (هذا ما حدث للشهيد بعد ضربه بالكف على يد أحد الجنود)    بالفيديو.. شاهد الفرحة العارمة لسكان حي الحاج يوسف بمدينة بحري بعودة التيار الكهربائي بعد فترة طويلة من الانقطاع    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا يستقبل الأستاذ أبو عركي البخيت    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    الجنرال في ورطة    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والمؤتمر الوطني ...صراع حول الدولة السودانية (2)
نشر في الراكوبة يوم 16 - 12 - 2014

بدأت في كتابة هذه السلسة من المقالات في عام اوائل العام 2012)
الجزء الثاني
بلغت الدولة السودانية مرحلة فاصلة قادمة إثر انهيار وشيك ومنظور في بنيتها السياسية والأمنية والاجتماعية،وذلك من واقع أن جل مستويات التنظير الاستراتيجي تقبع في نهاية المطاف في مخيلة افراد (محدودين) في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية والتنفيذية،ولقد خلق التنازع السياسي بين هؤلاء (الافراد المحدودين) كل العوامل التي تجعل من التقاطعات بين (مصالح) مؤسسات الدولة الأمر الكفيل بانهيار هيكل الدولة،كما أنه جعل الأمر وكأنه مفضياً لأمر قد لا تتحمل (كل) الدولة السودانية عقباه.
بالعودة لمذكرة العشرة في عام 2000 والتي من تداعياتها ازاحة القبضة الحديدية لعراب الانقاذ د.حسن الترابي وزمرة تابعيه،والترابي المستند على الشرعية الدينية هو نفسه من أسهم في وأد الحركة الإسلامية بتكوينها السياسي الذي افترعته في اول المفاصلات داخلها،وذلك حينما قررت وقتها جبهة الميثاق أن تخوض الحركة الإسلامية الشأن السياسي متخلية عن إطارها القديم المتمثل في التربية والدعوة لافراد المجتمع.
إن مذكرة العشرة كانت إعلاناً عن علو اصحاب النفوذ الأمني والمستندون على نظرية الدولة الأمنية بدلاً من التحول للدولة المدنية،لقد استندت الدولة السودانية (التي اختطفها الإسلامويون في انقلاب يونيو1989) على المبررات الأمنية التي تجعل من بقاءها مرتبطاً بالأساليب الأمنية والعسكرية المفرطة،والتي كان من نتاجها التمادي في التضييق على معارضيها بالأسلوب الأمني،وتم انتهاج (ما يلزم وما لا يلزم) من الفقه العسكري لحل مشكل جنوب السودان،ولقد افلحت هذه الاستراتيجية في النجاح بعد تسترها واختباءها وراء حاجز سميك من التدين جعلوا من محاولات خرقه أو اختراقه عبثا بالموروث الديني للمجتمع،ومن التقليل من شأنه استناداً على أجندة خفية لوأد المشروع الإسلاموي من قبل المعارضين لهذه الاستراتيجية من الأمن والتدين والعسكرة ... والتي لا يمكن اختزالها إلا بكونها استراتيجية بغيضة لابتلاع الدولة السودانية من قبل الإسلامويون..!.
إن النتائج لمغامرة الإسلامويون السياسية أفضت لوهن في جسد الدولة السودانية نتاج سياسة الاحتراب الممنهج التي صرفت الإسلامويون أنفسهم عن النظر للمشكل السوداني بركنيه الأساسيين المجتمع والتنمية،لذا فنحن نشهد هذه التمزقات والشروخ في بنية المجتمع السوداني،وبالعين المجردة يمكن ان نشهد مالآت التنمية المشوهة التي جعلت من السودان بلداً في الواحد والعشرين بعيداً عن الدولة الحديثة التي تمتد جذورها داخل عمقها التاريخي والحضاري المتعدد أثنياً،وذلك من خلال تنمية متوازنة تظفر بالفرد والمجتمع في تركيبة متجانسة مع الدولة ومؤسساتها لبناء أمة قوية.
لقد كانت مذكرة العشرة النهاية الحقيقية لفلسفة المشروع الإسلاموي الحداثوي الناهض ،نتاج الانخراط لأكثر من اربعين عاماً في مشاريع الإسلام السياسي،وانتهت معه كل الاساطير التي تحدثت عن دولة الخلافة والمشروع الحضاري وكل الخطرفات عن مشاريع للدولة السودانية بالديباجة الدينية (الإسلام هو الحل)،وفي الواقع ان السودان مذ ذاك الوقت قد وقع في براثن القبضة الامنية التي نجحت في الاستمرار دون أُطراً فكرية أو مرجعيات استراتيجية،فالترابي وإن اختلفت معه فهو القادر على الزج بتابعيه في إطار فكري يمكن أن يجد المقبولية الجدلية أمام الانتقادات من قبل الأخرين لافكاره.
كما إن الانفلات التنظيمي بدأ منذ مرحلة ما بعد انشقاق الإسلامويون،فلقد عمل البشير على محو أثار الترابي بمساعدة الطامعين (أسفل قدميه) لتبوأ مكانه ،ولقد افلحت الاستراتيجية الامنية على التغلب على الإطارات الفكرية المدنية الخلاقة التي يمكن ان تؤسس لمبدأ الدولة المستقرة،والتي جعلت من السيطرة على المؤسسة العسكرية من خلال العمل التنظيمي لكوادرها داخل الجيش،وادخلت القوانين التي تجعل من الشرطة السودانية اداة فاعلة في القتال لسد الثغرات التي يمكن ان تطل عبرها المؤسسة العسكرية كقوة فاعلة وقادرة على التاثيرات السياسية(عملت على تطوير القدرات القتالية للشرطة السودانية في أماكن النزاعات وبؤر التمرد ضد الدولة في دارفور بنسق وقدرات عالية بالتنسيق والتخطيط مع جهاز الأمن والمخابرات الذي اعد له قوات ذات قدرات قتالية أسوة بالشرطة وعملا معاً_الأمن والشرطة_كقوة متحدة ضد سيطرة الجيش وما أسموه وقتها بالطابور الخامس داخل الجيش وكان هذا في عهد عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية وقتها ووزير دولته واحمد هارون المتهمان لدى المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور) .
لقد ظل جهاز الأمن والمخابرات منذ إنقلاب الإسلامويون سلطة محتكرة على الوضع السياسي في يد ضباط المعلومات بالحركة الإسلامية والجبهة الإسلامية القومية (نافع والجاز ومهدي وقطبي)،هذا الأمر لم يمكن من تكوين مؤسسة للأمن بصبغة قومية تعمل على حفظ مكتسبات الدولة دون أن تكون في حالة من الولاء المزدوج والمركب احياناً بين الثالوث (دولة ودين وحزب) مما اسهم في ضياع عوامل قوة الدولة السودانية.
بعد إزاحة الترابي تمكن من (أزاحوه) من الجلوس على تلة السلطة والثروة لاسيما بعد هبوب نفحات اموال النفط والاستثمارات المصاحبة له،لذا فإن عملية ايقاف الحرب والذهاب أبعد ما يمكن في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية كانت ترمي باهدافها الجلية لايقاف نزف الدماء المتبادل وايقاف النزف الاقتصادي للدولة نتاج فاتورة الحرب المكلفة،وكانت الاهداف التكتيكية لاحتفاظ الإسلامويون بالثروة والاستمرار في مشروع التمكين وتوسيع مواعينه للتمكن من مفاصل الدولة السودانية،ولقد توافقت هذه التكتيكات مع رغبات الجنوبيون انفسهم في الظفر بالمكتسبات السياسية من خلال التلاعب بملفات الثروة ومن ثم الأمن والسلطة لإرضاء رغبات ونزوات الإسلامويون،لقد كانت القدرات التي يتمتع بها الراحل د.جون قرنق ومن خلفه الاجندات الأمريكية والأوربية والأقليمية وتلك الحالة من (الشهوانية للثروة والسلطة عند الإسلامويون)،عملت كل هذه الأسباب مجتمعة لجرجرة الإسلامويون للجلوس لطاولة المفاوضات بانفتاح كبير وغير مدروس للوصول لحلول لمشكل جنوب السودان،فلقد ظلت الاستراتيجية القومية للدولة (مبعدة عنوةً) عن هذه المفاوضات التي كان فيها الصوت الأوضح هو الذي يعبر عن أشواق الإسلامويون في بقاءهم على الحكم مهما كان الشكل النهائي لمخرجات الاتفاقية،ولقد وضح هذا في شكل المتغيرات التي صاحبت جولات التفاوض والتحولات المدهشة والتنازلات التي قدمت في محطات (ناكورو) و(ميشاكوس) والوصول لصيغة تقرير المصير الذي انتقده الإسلامويون بعد ان تم الاتفاق عليه في مؤتمر القضايا المصيرية لقوى التجمع الوطني في أسمرا عام 1995.لقد ظل التلاعب بالمكتسبات بعيداً عن استراتيجية تعبر عن المؤسسة العسكرية القومية حيث (نُزع ) ممن مثلوها ثوب الجيش وإلبسوا الازياء الإسلاموية واكسسوارات الحزب أثناء المفاوضات.
إن التدليل على ذلك واضح وجلي كون ان كل القضايا العالقة الأن بعد مرور كل هذه الاعوام بعد التوقيع على الاتفاقية مرتبط بالملفات الأمنية والعسكرية وما وقع عليه بشان بروتوكولات أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق،أضافة لترسيم الحدود،وغياب النظرة الاقتصادية و الاستراتيجية المربحة لتبادل المنفعة بين الدولتين إن انفصلتا وذلك في ظل مسلسل إضاعة الفرص من الطرفين لصيغ اقرب للوحدة،ف(المفاوضون العظماء) بعد كل هذا الوقت سبعة اعوام من الاتفاقية وقرابة العام والنصف من نتيجة الاستفتاء وهزيمة مشروع السودان الموحد واقل من العام من الانفصال، لم يفلح هؤلاء المفاوضون في تعدي الملف الاقتصادية المتعلق بالبترول والتجارة المتبادلة وآلية العمل المشتركة لفائدة الدولتين،وعليه فأن كل ما حسم قبل سبع سنوات كان متعلقاً فقط بملفي الثروة والسلطة،الثروة كنتاج طبيعي للانفصال من واقع سيطرة (شريري نيفاشا) على مفاصل الدولتين عن طريق (السلطة) الممنوحة لكليهما شرعاً ودستوراً وواقعاً رغم أنف الدولة السودانية بأكملها في الشمال والجنوب.
إن المؤتمر الوطني كحزب حاكم أعترته كل أمراض (الأنانية الأيدلوجية)،ولا يزال يسير في درب معبأ بكل هذا الكم من الخطايا والعبث السياسي والانقلات من المشروع القومي للدولة بدون أي التفات لتوجهات ورغبات وآمال الامة السودانية،وهو الذي لم يفوض بأي شرعية انتخابية من قبل الشعب السوداني حيث شرعنت نيفاشا وجوده،ففي الفترة من يونيو 1989 حتى قيام الانتخابات في ابريل 2010 لم يتمتع الإسلامويون بأي شرعية للحكم إلا وفقا لما أقرته اتفاقية السلام الشامل في 2005 وتوافقت عليها كل القوى السياسية رغماً عن الكثير من العور الذي أعتراها ،وقد كان هذا أقرب للصفقة بين الإسلامويون والمجتمع الدولي وفقت في نهاية المطاف لصيغة تبادل مع الحركة الشعبية بمباركة المجتمع الدولي ورضاءه تمثلت في صفقة رخيصة بيعت فيها رغبات شعب بأكمله لصالح الاسلامويون فنالت الحركة الشعبية (الأرض والحكم والثروة) في الجنوب مقابل (الأرض والحكم والثروة) للإسلامويون في الشمال،وهنا تكمن خطورة هذه المنظومات السياسية التي لم تنل رضا شعبي جنوب وشمال السودان في حكم دولتي ما بعد الانفصال بكامل رغباتهم المستندة لفقه الدولة الأمنية المتوافق مع التكوين الفكري (لشريري نيفاشا).
إن عمليات الاحاطة بملفات أبيي من واقع الفعل العسكري وخوض حرب بجنوب كردفان إثر تدخل عسكري ومن قبل إزاحة مالك عقار كوالِ وفقاً لترتيبات عسكرية وما حدث في هجليج من إستعادة لبريق الجيش واكسابه التفافاً جماهيرياً من حوله للحد من التغول السياسي على المؤسسة القومية،وذلك بعد تململ واضح لإسلاموي المؤسسة العسكرية (انفسهم) من ضعف قدرات المؤتمر الوطني في رسم استراتيجية صحيحة للدولة ذات ادوار فاعلة للجيش فيما يخص تحديداً الملفات الأمنية بعد تقلص صلاحياته في ما يتعلق بملف دارفور.وهؤلاء الإسلامويون العسكريون يؤدون ارسال رسالة واضحة للمؤتمر الوطني منذ اتفاق نافع|عقار الملغي بقرار من البشير،ان الجيش يمتلك المقدرات والآليات التي تمكنه من زعزعة الحزب ومن فيه طالما كان هذا محروساً بالفيتو الرئاسي،كما أن القدرات المالية المهولة للمؤسسة العسكرية (الجيش والأمن والشرطة) التي لا تمر عبر (النفق الحزبي فقط)، مما يجعل من مسألة السيطرة على مقاليد الحكم مسالة غير عصية في حال تم الاتفاق بين مراكز القوة الحقيقية داخل ثلاثية المؤسسة العسكرية.
لقد تمت إزاحة صلاح قوش من جهاز الأمن والمخابرات واجهضت قوى (النافذين) مشروعه لقيام مستشارية للأمن القومي بشكل فاعل، وذلك لعدم رغبة الإسلامويون وتخوفهم من بعثرة سلطتهم على أجسام امنية قد لا يستطيعون السيطرة عليها في المستقبل،ولقد عين البشير مدير مكتبه مديرا عاماً للشرطة ويدير الجيش ذراعه الأيمن عبد الرحيم محمد حسين ويقبع في مؤسسة الرئاسة بكري حسن صالح بقدراتة الاستخباراتية على التاثير على اداء مؤسسات الدولة،ولا يمكن ان نغفل كون الرئيس نفسه منتمياً للمؤسسة العسكرية،كل هذه الأشياء بالاضافة لانتفاخ الحزب (حد التورم) وانتهاء دوره في التاثير على شرعنة السلطة ومرحلة الانتخابات وتقلص الموارد الاقتصادية بعد الانفصال مما يجعل الصرف عليها أمراً مكلفاً تجعل من فرضية أن يكون معيار القوة بيد الجيش أمراً يستلزم الوقت فقط ،والتسريع في اتخاذ قرار الحرب الذي يسرع في انفاذ قوانين طوارئ يمكن من خلالها تجميد الدستور والسيطرة على البرلمان والعمل التنفيذي للدولة بحيث يظل الحزب بكل اجندته الجماهيرية لصالح أجندة التعبئة والمساندة ،كما أن كوادره ستكون مرغمة على استرجاع (ما نهب) لصالح الدولة الخائضة في حربها الجديدة,ومن ثم تكبيل قدرات المؤتمر الوطني الاقتصادية للحد يجعل من الصعب أن يقوم بمناورات للالتفاف حول السلطة وهو غير ممتلك لاداراتها،فالجيش وقتها سيكون مسيطر على كل الأمور والمؤتمر الوطني فقد قدراته الديناميكية في السيطرة على القرار السياسي ،والشرطة ستتفرغ بكل قوتها لايقاف الانتقاد والمعارضة لهذه الخطة الجهنمية في إعادة سيطرة الجيش على الدولة،وقتها سيعمل الإسلامويون على تحريك ما يسمى بالحركة الإسلامية وجماعات الإسلام المتشدد والاصطفاف حول مفاهيم جديدة يمكن ان تكون برعاية اسلاموي الجيش أو بدونهم.
سيقول قائل وأين المؤتمر الوطني القادر على روية هذه الاستراتيجية من خلال قدراته الأمنية والتنظيمية داخل الجيش..؟ وكيف يمكن أن يفرط الرئيس في هذه القاعدة الجماهيرية العريضة و...و..الخ..؟.
إن الجيش يعمل على نزع مخالب المؤتمر الوطني ولقد ذكرت ان ذلك لحساب من هم (إخوة) للمؤتمر الوطني في الايدولوجية و(أعداءهم) في السيطرة على مواقع إتخاذ القرار،وإن العملية سيكون لها تبعات متعلقة بإزاحة الحرس القديم الذي قام بركل الترابي خارج دائرة السلطة.وإن هذه الحملة بدأت بفتح ملفات الفساد التي تمثل كرة الثلج التي تتدحرج وهي تدمر كل ما يعترضها،كما إن عملية إلغاء دور الحزب في التنظير السياسي لشكل الملفات الأمنية قد بدأ في مرحلة متقدمة عندما قرر الجيش أن إنشغال المؤتمر الوطني بالانتخابات ودارفور قد ابعداه عن الملفات المتطلب الطرق عليها بمنظور الأمن القومي بدون اللجوء لفقه الالاعيب السياسية الذي يحبذه الحزب،كما أن هذه الملفات تتطلب استراتيجية عسكرية في مناطق التنازع مع دولة جنوب السودان (أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق)،حيث تتطلب المفاوضات نوع من اظهار القوة والقدرات العسكرية وسياسية فرض الأمر الواقع وهذه النزاعات يمكن أن تؤثر في شكل الدولة السودانية والراهن السياسي إذا سمح للحركة الشعبية ان تكون هي المبادرة بفرض سياسة الأمر الواقع.
وهنا يمكن أن ننظر إلى أن تدخل الجيش في كل من أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان كان من منظور عسكري بحت ولكنها اسهمت في تعديل شكل التفاوض الذي عبر مرحلة التكتيكات والالاعيب السياسية التي يجيدانها شريري نيفاشا،وجعلت الطرفين يلعبان بالنار إثر ما حدث في هجليج والشريط الحدودي مع دولة الجنوب،وهو الأمر الذي جعل من مالك عقار وياسر عرمان وجوهاً في مسرح التفاوض بعد مسلسل مكسيكي من الشتم والتنابذ والإساة بين شريري نيفاشا.
ولكن يمكن ان نتخيل ردة الفعل من محاولة الصقور بالمؤتمر الوطني لمد مخالبهم وخربشة الاستراتيجية العسكرية في اتفاق اديس ابابا الذي لم يدم طويلاً إلا وواجهه البشير بقوله (هو زاتو وينو الحزب .. ووينا الحركة الإسلامية) في مسجد النور الذي شهد مصرع اتفاق نافع|عقار ومن ثم توالت المذكرات التي يعبأ لها إعلاميا لتعكس بوضوح تضعضع قدرات المؤتمر الوطني.
كنت قد اعددت تقريراً في صحيفة السوداني بعددها الصادر رقم 463 الاحد 25 فبراير 2007 بعنوان (استناداً لنيفاشا دور المؤسسة العسكرية في إحداث التحول الديمقراطي) وكتبت فيه ((إن المؤسسة العسكرية السودانية (الجيش والأمن والشرطة) رغم كونها الضامن الأساس للأمن القومي ،إلا انها صاحبة دور متعاظم في الإنخراط في الواقع السياسي السوداني عن طريق الانقلابات العسكرية والتي إلى انتقاص الحقوق المدنية للمواطن السوداني بسبب استئثار المؤسسة العسكرية بالسلطة لمدة تقارب الاربعين عاماً من تاريخ الدولة السودانية بعد الاستقلال،ولقد تغلبت الذهنية العسكرية على واقع الحياة السودانية فيما أعد من دساتير وأستن من قوانين))
إن عملية السيطرة على المفاصل الاقتصادية للدولة أسهمت في الحد من قدرات المؤسسة العسكرية لصالح اجندة الحزب ومنسوبيه داخل هذه المؤسسات ومن ثم صار هنالك سبيلان للاستمرار في هذه المؤسسات (اما أن تتبع) أو (أن تغلق فاهك) فلقد اصبحت المخصصات والامتيازات هي هدية الإتباع والطاعة مع الأخذ بالاعتبار للمشهد الاقتصادي المفزع خارج دائرة المؤسسة العسكرية،فالمنزل والسيارة والسلطة والمبالغ الخرافية بعد التقاعد و..و...و... الخ،أفضت لسنين طويلة بالمؤسسة العسكرية مدجنة وغير راغبة بداخلها على التململ لإزاحة هذا البعد الحزبي عن ما لحق بالمؤسسة العسكرية من (عار) تخليها عن قوميتها واتباعها للمؤتمر الوطني.
الجزء الثالث
الجيش ..الاقتراب من السلطة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.