شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يوناميد غيت»..!..فضيحة الأمم المتحدة في دارفور
نشر في الراكوبة يوم 17 - 12 - 2014

تنشغل كل من نيويورك والخرطوم هذه الأيام بأمر مغادرة البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور المعروفة اختصارا ب«يوناميد». ورفعت الخرطوم من صوتها المطالب بخروج البعثة ووضع استراتيجية واضحة للخروج، أو تغيير مهمتها من حفظ السلام إلى بناء السلام، مع تقليص وجودها العسكري. أما رئاسة البعثة في نيويورك فيبدو أنها تلقفت مطالبة الخرطوم بخروج البعثة، وسارعت بإرسال فريق منها لبحث الأمر مع الخارجية السودانية، ولدراسة أوضاع البعثة على الأرض.
وتعاني البعثة نفسها من اتهامات بفشل مهمتها من كل الأطراف، من رئاستها ومن معارضي دارفور، وأنها متواطئة وتتستر على انتهاكات القوات السودانية، وفي الوقت نفسه فإن الخرطوم التي تعد على نطاق واسع مستفيدة من وجود البعثة، بدأت بعد ذيوع اتهامات الاغتصاب الجماعي في منطقة تابت بشمال دارفور، تكشر عن أنيابها في وجه البعثة وحليفتها السابقة.
فشل البعثة في حماية المدنيين، والاتهامات بالتواطؤ التي لاحقتها من المتحدثة السابقة باسمها عائشة البصري، وتسرعها في إصدار تقرير نفت فيه حدوث اغتصاب تابت، وعودتها مرة أخرى للمطالبة بإجراء تحقيق جديد زاعمة فيه أن أجواء التحقيق السابق لم تكن مواتية، جعلت منها «أضحوكة» تمارس فضيلة «الصمت المسكين»، بانتظار تحديد مصيرها.
وجاءت «يوناميد» للسودان في أعقاب اتهامات للبعثة التابعة للاتحاد الأفريقي التي كانت تحمل الاسم الكودي «أميس» بالفشل، لكن يبدو أن لعنة «أميس» طاردت البديل.
المجتمع الدارفوري يسخر من كلتا المهمتين، ويعتبر نقل ولاية البعثة من الاتحاد الأفريقي إلى الأمم المتحدة مجرد عملية تبديل قبعات (بيريهات) الاتحاد الأفريقي الخضراء، إلى قبعات الأمم المتحدة الزرقاء، فالقوات المقاتلة المنوط بها حماية المدنيين هي نفسها ب«قبعات من لون مختلف» ليس إلا. القوات الأفريقية بدلت زيها ووضعت شعار الأمم المتحدة بديلا لشعار الاتحاد الأفريقي.
وانتقل تهكم المجتمع الدارفوري من «أميس» إلى «يوناميد». يقولون إنها قوات يمكن شراء أفرادها ب«دجاجة مشوية وقارورة خمر»، وهي لا تستطيع حماية نفسها ناهيك عن حمايتهم، وهذا ما كشفته تجربة عملية لمحرر «الشرق الأوسط» حدثت بعيد ساعات من توقيع اتفاقية «أبوجا»، بين جناح «مني آركو مناوي» - حركة تحرير السودان، وحكومة الخرطوم.
كاد قائد قوة الاتحاد الأفريقي وقتها الجنرال النيجيري «آي هيكري» يفشل في استعادة صحافيين كانوا بمعيته في منطقة قريضة بجنوب دارفور، مما يجعل من احتمال تمكن قواته من نجدة المدنيين مستحيلا.
مهمة الصحافيين كانت تغطية محاكمة «جنود من أميس»، اتهموا بارتكاب جرائم اغتصاب ضد فتيات من منطقة قريضة. احتجزت قوات متمردة مراسل «الشرق الأوسط» ومراسل وكالة الصحافة الفرنسية، اللذين كانا يرافقان فريق التحقيق، ورفضت إطلاقهما، ولولا بسالة ضابط غاني الجنسية، لفشلت القوة في إعادتهما معها في مروحية قائدها.
ربما انتقل ضعف تفويض المهمة من «أميس» إلى القوة الجديدة البديلة «يوناميد»، مما أطاح بآمال دارفورية عراض كانت ترى في تبديل القبعات إيذانا بميلاد قوة حفظ سلام فعلية تحمي المدنيين، لكن لا نفعت القبعات الجديدة ولا انقشعت الفضيحة الدولية في دارفور.
أصدر مجلس الأمن القرار 1769 في 31 يوليو (تموز) 2007 تحت البند السابع، وقضى بإنشاء القوة المشتركة «يوناميد»، وكان مأمولا مشاركة 26 ألف شخص فيها: 19 ألف جندي، و360 بين مراقبين عسكريين وضباط اتصال، و6 آلاف و432 من الشرطة المدنية، بكلفة تتجاوز ملياري دولار.
وانتشرت مطلع 2008 قوة «يوناميد» التي تعد أكبر قوة سلام في العالم، معززة بمصفحات ومروحيات وطائرات قتالية، وحلت محل قوة الاتحاد الأفريقي التي كان يبلغ تعدادها 7 آلاف جندي.
ووفقا لقرار مجلس الأمن الصادر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فوضت البعثة باتخاذ الإجراءات اللازمة في مناطق انتشار قواتها، حسب ما تراه في حدود قدراتها، لحماية أفرادها ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن وحرية أفرادها والعاملين في المجال الإنساني التابعين لها، ودعم وتنفيذ اتفاق سلام دارفور، ومنع تعطيل تنفيذه ومنع شن الهجمات المسلحة وحماية المدنيين.
كما فوضت البعثة بالمساهمة في عودة الأوضاع الأمنية اللازمة لتقديم المساعدات، وحماية المدنيين المهددين بالتعرض لعنف جسدي وشيك، ومنع الاعتداء على المدنيين، ورصد وقف إطلاق النار الموقع عام 2004، ومدى التقيد به، والمساعدة في العملية السياسية وكفالة مشاركة الأطراف، وخلق بيئة أمنية لإعادة بناء الاقتصاد وعودة المشردين داخليا واللاجئين، واحترام حقوق الإنسان، والمساعدة على سيادة حكم القانون.
ووفقا للتفويض فإن مهام البعثة العملية تتضمن تقديم الدعم والمساندة لعملية السلام. ومنحت تفويضا برصد انتهاكات اتفاق سلام دارفور والاتفاقات الإضافية اللاحقة والتحقيق فيها والإبلاغ عنها، ومساعدة الأطراف في حلها عبر لجنة وقف إطلاق النار، ورصد الجهود المبذولة لنزع سلاح الجنجويد والميليشيات الأخرى، وحماية البعثة وضمان أمن موظفيها وحرية حركتهم، وحماية السكان المدنيين المهددين بالتعرض للعنف الجسدي، والحيلولة دون حصول اعتداءات ضدهم.
بيد أن فقرات التفويض ظلت مقيدة باشتراط عدم الإخلال بمسؤولية حكومة السودان، على الرغم من أن قرار مجلس الأمن 2113 الصادر في 30 يوليو 2013، شدد على ضرورة استخدام العملية المختلطة قدراتها استخداما كاملا، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب ومن دون عوائق.
ثم بدأت الأصوات تتحدث عن تواطؤ البعثة وتسترها على الجرائم التي ترتكبها قوات نظامية وميليشيات ضد المدنيين، ثم تعدى الأمر المدنيين ليستهدف أفراد القوة نفسها، فتسكت عن اعتداء الميليشيات على أفرادها ومعداتها، دون أن تملك القدرة على الرد دفاعا عن النفس.
فهل أفلحت البعثة في مهمتها بحماية المدنيين، وحماية نفسها، وهل وفقت طوال هذه الفترة – 7 سنوات تقريبا – في إنفاذ تفويضها أم خضعت ل«مسؤولية حكومة السودان» التي نصت عليها اتفاقية تأسيسها..؟! قالت «يوناميد» في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 إن مسلحين مجهولين قتلوا ثلاثة من جنودها، كانوا يحرسون بئر ماء في منطقة كورما بإقليم دارفور، وسرقوا مركبة هؤلاء الجنود، وبمقتلهم تكون يوناميد قد خسرت 61 رجلا من رجالها في دارفور منذ 2007، واكتفت البعثة بإدانة الاعتداء، وبالمطالبة بملاحقتهم وتقديمهم للعدالة، واعتبار مقتلهم جريمة حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، وهو ما جعل الحكومة السودانية في وقت لاحق تصف جنود البعثة بأنهم «عبء عليها»، وأنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم في مواجهة قطاع الطرق، ناهيك عن قوات الحركات المتمردة.
في ما يتعلق بحماية المدنيين، فإن العنف والقتل كما تقول التقارير الصادرة عن البعثة نفسها والمنظمات الحقوقية لم يتوقفا، وتكررت الاعتداءات عليهم كثيرا طوال وجود البعثة دون أن يجدوا الحماية اللازمة.
واتهمت «هيومان رايتس ووتش»، في مارس (آذار) الماضي، حكومة السودان بالاعتداء جوا وبرا على مدنيين في مناطق بدارفور. وقال المدير التنفيذي لقسم أفريقيا في المنظمة دانييل بيكيلي «لا يبدو أن ثمة نهاية لمعاناة المدنيين في دارفور، وعلى الحكومة وقف اعتداءاتها على المدنيين في دارفور». وأضافت «هيومان رايتس ووتش» أن البعثة لم تسع إلى نزع سلاح ميليشيات قوات «جنجويد» سيئة الصيت، كما نص عليه تفويضها، بل سكتت عن اختفائها داخل قوات «الدعم السريع».
واتهمت «رايتس ووتش» القوات الحكومية بقصف مناطق عديدة بالطائرات، وبشن هجمات برية كبيرة من قبل قوات على سيارات «لاند كروزر»، وعلى الخيول والجمال، وأن قوات الدعم السريع اعتدت على مواطنين في شمال دارفور، مما أدى إلى فرار أكثر من 45 ألف شخص. وقالت إن البعثة لم تحرك ساكنا تجاه كل اتهامات الانتهاكات تلك.
وانفجر «اللغم الفضيحة» بوجه البعثة من داخلها، عقب انتشار اتهامات المتحدثة السابقة للبعثة عائشة البصري، التي قالت وقتها ل«الشرق الأوسط» إن بعثتها تسترت على اعتداء القوات الحكومية على أفرادها، وبشكل مخصوص ركزت على مقتل أحد حفظة السلام بيد القوات الحكومية في مهاجرية أبريل (نيسان) 2013، وعلى اختطاف واحتجاز 31 نازحا كانوا تحت حراسة القوة الأممية للمشاركة في مؤتمر بنيالا، وعلى مقتل 100 مدني في «مجزرة هشابة في سبتمبر (أيلول) 2012، جراء قصف الطيران الحكومي، وهجوم بري نفذته قوات حكومية على المنطقة، وقالت إن البعثة نسبت هذه الأفعال إلى مجهول رغم معرفتها بهوية الجناة.
وأشارت البصري إلى اختفاء مفردة «الجنجويد» من تقارير الأمم المتحدة، بعد أن ادعت الخرطوم عدم وجودها، وأدمجتها ضمن قواتها المساعدة وزودتها بأسلحة أكثر فتكا وسيارات لاند كروزر، في الوقت الذي كان فيه على البعثة نزع سلاحها وحماية المدنيين من خطرها. وزعمت البصري أن مجلس الأمن وإدارة حفظ السلام على علم تام بفشل البعثة في حفظ السلام وحماية المدنيين قبل إرسالها إلى دارفور، بسبب عدم وجود اتفاقية سلام حقيقية، تقبل بموجبها الدولة المضيفة وجود البعثة وتسهيل عملها، وأن يتوافر لها الدعم اللوجيستي المطلوب، وأن البعثة المكفول بها حفظ السلام، وإنفاذ اتفاقية «أبوجا» بين الحكومة وفصيل متمرد واحد، وصلت إلى الأرض ووجدت هذه الاتفاقية وهي تحتضر قبل تأسيس «البعثة الهجين»، وبالتالي لم يكن هناك سلام ليحفظ أصلا.
وحسب البصري، فإن الخرطوم «أجبرت» على الاستجابة لضغوط المجتمع الدولي، فقبلت شكليا بانتشار قوات «حفظ السلام»، واشترطت أن تكون معظم القوات أفريقية، ليس حبا فيها بل لأن نشر قوات أفريقية لن يغير من الواقع في شيء، لضعف قدرات وإمكانيات الدول المكونة لها، وهو الذي مكنها من إفشال بعثة الاتحاد الأفريقي في دارفور «أميس» التي سبقت يوناميد، وطالب المجتمع الدولي باستبدالها ببعثة يفترض أن تكون أقوى بكثير، فجاءت يوناميد بعلم مجلس الأمن نسخة مكبرة من بعثة «أميس» الفاشلة لأنها أيضا أرخص ما في السوق، وأضافت «الحقيقة هذه البعثة حكم عليها بالفشل مسبقا، وبالخذلان المفجع لشعب دارفور».
وأقلقت الإفادات التي أدلت بها المتحدثة السابقة البصري الأمم المتحدة، فأعلنت عن فتح تحقيق بشأن اتهامات التواطؤ والتستر على جرائم القوات الحكومة ضد المدنيين في دارفور منذ ما يزيد على 10 سنوات، واتهامات التلاعب في التقارير والنقل غير الدقيق لما يجري على الأرض في دارفور، والإخفاقات في حماية المدنيين، والاتهامات بسوء الإدارة.
وفي أكتوبر الماضي، فرغت لجنة التحقيق الداخلية التي كونها الأمين العام بان كي مون من التحقيق بشأن تلك المزاعم، وبرأ التحقيق البعثة من مزاعم التستر، لكنه أدان صمتها على 5 وقائع. وجاء في بيان صادر عن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن فريق التحقيق فحص كل الملابسات المتعلقة بست عشرة واقعة شكلت أساس الاتهامات، وأجرى مقابلات شخصية مع موظفين سابقين وحاليين في «يوناميد» وعدد من العاملين بالمقر الرئيسي للمنظمة الدولية، ولم يجد الفريق أي أدلة تثبت هذه المزاعم.
بيد أنه قال إن التقرير وجد ميلا لعدم احتواء تقارير البعثة على بعض التفاصيل، ما لم تتحقق البعثة تحققا تاما من صحتها، وفي خمس من تلك الوقائع التي فحصت لم ترفع البعثة لرئاسة الأمم المتحدة تقارير وافية عن الظروف المحيطة بها، واشتملت على مخالفات محتملة من قبل الحكومة أو القوات الموالية لها.
وأضاف المتحدث باسم بان كي مون أن المحققين وجدوا أن البعثة اتخذت نهجا محافظا وغير مبرر تجاه وسائل الإعلام، وآثرت الصمت على اتخاذ موقف إعلامي معين، بينما كان بإمكانها اتخاذ مثل ذلك الموقف العلني، وإن كان ذلك في ظل عدم توافر كل الحقائق، وهو ما عدته البعثة براءة لها، في الوقت الذي طالبت فيه حركات دارفور المسلحة بتحقيق مستقل حول تلك المزاعم.
وسقطت الطامة الكبرى على رأس البعثة بذيوع اتهامات بممارسة عمليات اغتصاب جماعي من قبل قوات تابعة للجيش الحكومي ل200 سيدة في منطقة تابت بالقرب من الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور. وتناقلت وسائل إعلام ووسائط تواصل بكثافة أنباء الاغتصاب الجماعي، وزعمت أنه مورس ضد نساء منطقة تابت نهاية أكتوبر الماضي من قبل قوات عسكرية حكومية موجودة في المنطقة. وقالت «يوناميد» إن السلطات السودانية منعتها من دخول المنطقة أول مرة، ثم عادت وسمحت لفريق تحقيق تابع لها بدخول المنطقة. ونفى تقرير فريق التحقيق مزاعم الاغتصاب، وذكر أنه لم يجد أدلة تثبت اتهامات الاغتصاب الجماعي.
وخرجت تسريبات من نيويورك بأن تقرير تحقيق يوناميد جرى تحت أجواء من ترهيب الشهود والضحايا، وصاحبه وجود أمني كثيف للقوات الأمنية السودانية، مما دفع الأمم المتحدة لطلب إجراء تحقيق آخر، بيد أن الخرطوم رفضته بشدة، واعتبرته محاولة مدبرة لإدانتها بعد ثبوت براءتها.
وأدت المطالبة بإجراء تحقيق جديد إلى توتر العلاقة بين البعثة والخرطوم، وأعلنت الخارجية السودانية بشكل مفاجئ أنها طلبت من بعثة يوناميد إعداد استراتيجية خروج من البلاد. وبعد فترة وجيزة من مطالبة الخرطوم بخروج البعثة، قالت الأمم المتحدة إنها أرسلت فريقا التقى مسؤولين سودانيين الأسبوع الحالي، وبحث معهم الاتفاق على استراتيجية لخروج البعثة الأممية.
وفي أول رد فعل للبعثة، نقل عن قائد قوات حفظ السلام في دارفور «إيرفيه لادسو» قوله في مجلس الأمن الدولي إن البعثة المشتركة البالغ قوامها نحو 16 ألف جندي «لن تخرج من دارفور بين عشية وضحاها». وجددت البعثة الخميس الماضي التأكيد على أن التحقيق الذي أجرته في تابت بشأن اتهامات الاغتصاب الجماعي في إقليم دارفور لم يسفر عن نتائج قاطعة، ويحتاج بالتالي إلى إجراء مزيد من التحريات، وهو الأمر الذي جعل الخرطوم تشكك في كفاءة قوة حفظ السلام وقدرتها على إجراء تحقيق نزيه بشأن مزاعم الاغتصاب. وقال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة السفير رحمة الله عثمان «إن الحاجة لعودة محققين من عملية حفظ السلام إلى تابت توضح افتقار هذه البعثة للاحترافية».
وأكدت الخارجية السودانية ل«الشرق الأوسط» وصول فريق من رئاسة الأمم المتحدة للخرطوم، لكنها لم تكشف فحوى ما دار في الاجتماعات. وقال المتحدث باسمها السفير يوسف الكردفاني «لم يحدث شيء بشأن استراتيجية الخروج، والوفد غادر إلى رئاسة البعثة في دارفور لبحث وتقييم الأوضاع الداخلية للبعثة، وباكتمال الترتيبات التي التي يجريها الفريق الأممي يمكن للطرفين بحث الوضع». وأضاف كردفاني «السودان ما زال على موقفه المطالب بخروج هذه القوة، أو أن تتغير مهمتها من حفظ السلام، إلى بناء السلام، مما يستدعي سحب القوة القتالية للبعثة، وتغير طبيعة عملها من أمني إلى تنموي، وهو أمر قيد التفاوض».
من جهته، أكد وكيل وزارة الخارجية عبد الله الأزرق وصول الوفد الأممي واجتماعه إليه لبحث استراتيجية المغادرة، ورفض الخوض في تفاصيل ما دار بينه وبين الوفد الأممي، وقال «لا أستطيع التعليق على الموضوع لأنه قيد النظر، وما زلنا في مرحلة التفاوض على استراتيجية الخروج».
ونفى الأزرق معلومات متداولة عن شروع الأمم المتحدة في إخراج بعض آلياتها من السودان استعدادا للمغادرة، وقال «هناك عربات أخرجت من السودان إلى الدول التي ينتشر فيها الإيبولا في غرب أفريقيا، وبالترتيب معنا». وشدد الأزرق على سحب البعثة كاملة، أو تغيير مهمتها، وأن حكومته لا تقبل إلا بتخفيض أعداد القوات، بسبب تحسن الأوضاع الأمنية في دارفور، مما يستدعي إنفاذ استراتيجية الخرطوم، وقال «نحن من يحدد مدى تحسن الأوضاع، فما عدا خروقات المتمردين المرصودة ليس هناك أي توتر أمني في دارفور».
من جهته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري الدكتور حمد عمر الحاوي أن تقارير المنظمة نفسها تؤكد التستر على انتهاكات حكومية ضد المدنيين، وتشير إلى شواهد تدلل على وجود قدر من الفساد فيها. ويضيف الدكتور الحاوي «على صعيد المواطنين فإن البعثة فاشلة، ولم تحقق مهمتها في حماية المدنيين»، معتبرا وجودها خدمة جليلة للحكومة السودانية بقوله «هي تقدم خدمة جليلة جدا للحكومة بتسترها على الانتهاكات الحكومية أولا، وبإظهارها للسودان بمظهر المتعاون مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة ثانيا، وهي خدمة تضعف موقف دعاة التصعيد وفرض العقوبات المشددة على السودان، باعتباره متعاونا بدليل وجود البعثة».
ويوضح الحاوي أن طلب إنهاء مهمة البعثة خسارة للحكومة، وخسارة للمواطنين، على الرغم من ضعف مهمتها، ويتساءل «ما هو البديل؟ فدارفور ما زالت ملتهبة وتحدث بها انتهاكات كبيرة، وحقوق المدنيين والنازحين والمعسكرات تنتهك، ودور البعثة يحتاج للمراجعة والإكمال، وليس إنهاء المهمة». ويعتقد الدكتور الحاوي أن طلب استراتيجية المغادرة أتى من رئاسة البعثة في نيويورك، وأن موقف الحكومة الذي ساير أحاديث رئاسة البعثة عن استراتيجية الخروج جاء بسبب ذيوع اتهامات الاغتصاب الجماعي. وتوقع الدكتور الحاوي أن تتراجع الحكومة عن موقفها المطالب بخروج البعثة، لأن الأوضاع في دارفور ما زالت غير مستقرة.
ورغم الغبار الكثيف المثار حول مهمة «يوناميد»، فإن الأيام حبلى بكثير بشأن ما يمكن أن يطلق عليه فضيحة الأمم المتحدة في دارفور، أو «يوناميد غيت».
الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.