قبل ثلاث أسابيع استضاف الزميل عادل سيداحمد في فضائية أمدرمان نائب مدير سجن كوبر الأسبق ..اللواء محمد سعيد ابراهيم شهد في حياته الشرطية أحداثا جساما ..عاشر معتقلين سياسيين وقتلة محكوم عليهم بالإعدام ..بل يعتبر شاهد عصر على تفاصيل إعدام الاستاذ محمود محمد طه ..حينما مر شريط الذكريات على رحيل الزعيم إسماعيل الأزهري لم يتمالك اللواء محمد سعيد غير ان يذرف دمعة حزن.. مات الزعيم الأزهري بعيد خروجه من السجن ليشارك في تشيع شقيقه على الازهري ..وسرت شائعة في مجالس المدينة ان السلطة الغاشمة وقتها قتلته في عملية تسمم عبر مكيف هواء في حبسه الانفرادي. امس نقلت الأنباء ان الاستاذ فاروق ابوعيسى زعيم تحالف المعارضة قد تم نقله من سجن كوبر الى مشفى الشرطة..تراجع صحة الشيخ ابوعيسى جاء بعد سبعة عشر يوما من الاعتقال..الذين يعرفون صحة الاستاذ ابوعيسى ربما يستغربون كيف صمد الشيخ العليل كل هذه الفترة..عم فاروق وفي الأحوال العادية يشكو دائماً من الحساسية وضيق الشعب الهوائية..رغم ذلك لم يرفع الشيخ الثمانيني الراية البيضاء. قبل خمسين عام بالتمام والكمال كان الشاب الوسيم فاروق ابوعيسى يقتحم الإذاعة السودانية ..دعى المحامي المنسوب لليسار لخروج الشعب حماية لثورة أكتوبر..وقتها كانت قد سرت إشاعة تفيد ان الجيش بصدد التحرك للإجهاض على الديمقراطية ..استجاب الناس لدعوة الفاروق فكانت ليلة المتاريس المشهورة ..صنع فاروق مع اليسار انقلاب مايو..انصرف الشيوعيون عن مايو ولكن بقى فاروق الى صفها وبات فيها وزيرا..لاحقا أقام فاروق ابوعيسى بقاهرة المعز وانتخب أمينا عاما لاتحاد المحامين العرب لثلاث دورات متتالية..تلك منزلة في الرفعة السياسية لم يبلغها غيره من السودانيين.. رغم التاريخ السياسي الحافل بالصراع الا ان فاروق ليس سوى صوفي يكتم بين جوانحه تدينا عميقا..زار ابوعيسى الأراضي المقدسة أكثر من سبع مرات. في تقديري ان على الحكومة ان تتدبر ملف الشيخ فاروق ابوعيسى وتقلبه على أكثر من وجه..ماذا لو حدث السيناريو الأسوأ وأصاب ابوعيسى مكروه أو انتقل الى الرفيق الأعلى من داخل أسوار السجن ..الرجل في هذا العمر يحتاج الى رعاية طبية خاصة ودعم اجتماعي من أسرته وأصدقائه ..ما يحتاجه الاستاذ فاروق لن يتوفر بأي حال في السجن.. لهذا من الحكمة ان يفرج عنه بعفو رئاسي مسبب..هنا سترمي الحكومة ثلاث عصافير بحجر واحد ..تتجنب السيناريو المحرج ذو الكلفة السياسية العالية ان حدث للشيخ مكروه..ثانيا تظهر امام العام الراي بمظهر المتسامح. .أخيرا تجد الحكومة مخرجا من قضية اعتقال سياسيين في موسم الانتخابات. اغلب الظن ان الحكومة ستضطر في النهاية للإفراج عن الشيخ ابوعيسى وزميليه فرح عقار وأمين مكي مدني..ليس في تاريخ الإنقاذ قضية سياسة انتهت في مسارات قانونية الا حالات محدودة..اتهم مبارك الفاضل مع زمرة من العسكر والسياسيين بتدبير انقلاب على السلطة..بعيد أسابيع خرج الفاضل وصحبه ..الدكتور الحاج ادم من مطلوب للعدالة الى نائب رئيس في القصر الجمهوري دون المرور بسجن كوبر..اخر المفرج عنهم كانت الدكتورة مريم المهدي التي ظهرت في صورة التوقيع على اعلان باريس..كل تلك القضايا انتهت بتسويات سياسية دون ان تصل المحطة الاخيرة في التقاضي. في هذه اللحظة بإمكان الحكومة ان تسدد هدفا في مرمى المعارضة ان أفرجت عن الشيخ ابوعيسى لأسباب طبية ثم تدبرت لاحقا في أمر الآخرين . (التيار). [email protected]