لا تزال الحكومة مهمومة كيف تُحكم سيطرتها بالكامل على أي شكل من أشكال الإعلام، وفيما هي تُقر بقوة الإعلام الإلكتروني وتفوقه على الإعلام الرسمي بالمقابل تجتهد في إغلاق أي منفذ يُمكن أن تخرج منه المعلومة، قبل يومين انتقد أمين حسن عمر إعلام مواقع التفاعل الاجتماعي، وعدّ أن حوالى 90% من المترددين على مواقع التواصل الاجتماعي سلبيون، لا أعرف إن كان الدكتور أمين اعتمد في حديثه هذا على دراسة أو مسح أُجري ليتوصل إلى نسبة ال 90%، أم هو مجرد تخمين لأن الحديث يخلو من الإشارة إلى ذلك، حديث أمين يُذكر بحديث برلمانيين حول الإعلام الإلكتروني وغير الرسمي، وتحديداً راديو دبنقا، هناك إقرار ضمني وصريح أن الإعلام الرسمي فشل في تحقيق أبسط أهدافه، لقد انفض الناس من حوله، واتجهوا إلى الفضاء الحر الذي لا رقيب فيه، وإن كان الإعلام الإلكتروني لا يُمكن أن يحل محل الإعلام التقليدي إلا أنه الآن هو المعتمد لدى قطاعات واسعة رغم مشكلاته التي تتصل بالمصداقية، ورغم وقوعه في فخ الشائعات، والأخبار الكاذبة في أحيان كثيرة، لكن لا يُمكن إنكار أنه بات الرقم الأول في اهتمامات الناس ذلك بغياب المعلومة عن الإعلام الرسمي- من جانب، واعتماد منهج التضليل- من جانب آخر، ومحاولة صناعة رأي عام زائف حول قضية ما، لا يزال تناول الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لاحتجاجات سبتمبر حاضراً في الأذهان، ولعل تلك الحادثة هي آخر الحوادث التي أحدثت فرقاً وشرخاً كبيراً في دور الإعلام الرسمي وفشله في حفظ ماء وجه الحكومة، ونجاحه في فض المشاهد عنه. إن كان الرقم الذي يتحدث عنه الدكتور أمين حقيقة، فالحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الشأن؛ لأن الفوضى تقع حينما تغيب مساحة الرأي، والأصوات، فمتى ما غابت الحرية، وكُبتت الأصوات، ووقع الإقصاء، وإعلي صوت واحد، فالطبيعي أن يحدث هذا التلفيق والتضليل والفوضى، بل والغلو والذي يترجم اللا مسؤولية في أفضل صورها، الحل ليس في محاربة هذه المواقع، ولا بالسيطرة الأمنية عليها، ولا في وصف مرتاديها بأسوأ الصفات، الحل في فتح الهواء لكل الأصوات، الفضاء الحر والواسع الذي أتاحه الإنترنت لم يترك للإعلام الموجه شئياً، بل هزمه، هذه الحقيقة ينبغي مواجهتها بشجاعة، ألم تجيب الحكومة عن السؤال، هل خدم الإعلام الرسمي السلطة أم فتح مجالاً أوسع للإعلام الذي يوظف كل صغيرة وكبيرة ويستغلها ويحولها إلى معركة الخاسرة فيها هي الحكومة؟، للأسف زادت رقعة كراهية السلطة في كل "الأسافير"، انتشرت المعلومة قبل وصوها إلى طُرقها الرسمية، بالمقابل انتشرت معها الشائعة، لتدرك السلطة التي لا تزال تؤمن بالقبضة الأمنية أن مصادر الحقيقة بالنسبة للمواطن العادي باتت مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، هو يعتمدها- إن صدقت أو كذبت-، السلبيون ليس هم من يتبعون الشائعة فقط، إنما السلبيون من يحجبون المعلومة. اليتار