القاهرة – عاصرت الفنانة إسعاد يونس جيل المبدعين في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، ولأنها ممثلة متمرسة وتمتلك مهارات متعددة من بينها موهبة تقديم البرامج فلم تجد معاناة في أن تكون مذيعة تلفزيونية لها حضور وقبول وتميز. انتبهت محطة «سي.بي. سي» الفضائية إلى موهبتها الإضافية فمنحتها فرصة لتقديم برنامج وضعت له عنوانا جاذبا «صاحبة السعادة» والمعني هنا يحتمل أن تكون صاحبة السعادة هي مصر أو القناة التي تتولى عملية البث أو إسعاد يونس نفسها، فكلها احتمالات جائزة ولا غضاضة في ذلك. المهم أن صاحبة السعادة بعد تجاوزها فترة التجريب في الحلقات الأولي زادت تألقا وبدت أكثر نضجا وتنوعت في مضامين ما قدمته بين الإنساني والفني وغير المألوف فاستضافت إسعاد يونس لأول مرة مجموعة من الممثلين المساعدين «الكومبارس» في لمحة إنسانية شديدة الخصوصية، فلأول مرة يجلس الممثل المساعد البسيط على فوتيه ويثير أمام المذيعة أو بالاحرى النجمة متمتعا باعتباره الكامل كفنان ليعبر عن نفسه ويحكي عن مشواره وعذاباته وإبداعاته، كما يتصورها ويجد من ينصت له ويستمع بكل احترام وتقدير لمشواره الطويل الذي مشاه على الأشواك يحدوه الأمل والرجاء في إيجاد فرصة بين كبار النجوم يعلن فيها عن موهبته المدفونة على استحياء ولو بالمرور أمام الكاميرا للحظات. ومن الإحتفاء والاحتفال بنجوم الظل مضت صاحبة السعادة في الكشف تباعا عن الكنوز المتوارية خلف ستائر النسيان فأعادت أشهرهم وأهمهم إلي الأضواء مجددا ليطلوا على جمهورهم بعد سنوات الغياب الطويلة ففجرت أجمل المشاعر على المستويين النجوم العائدين من غياب طويل والمشاهدين المستقبلين لأعز الناس، وقد تساوى الجميع أمام الحب الجارف نجوى إبراهيم المذيعة صاحبة التاريخ التلفزيوني والسينمائي وعفاف راضي الصوت المصري الخالص بعذوبته ورقته وأوبراليته الرائعة الصادحة، وذاك الطفل الموهوب الوسيم مؤمن حسن الذي شب عن الطوق فصار فتى يافعا وليس هؤلاء الثلاثة فحسب، أعادتهم إسعاد يونس إلى بؤرة الضوء ليعانقوا معجبيهم عبر الشاشة الصغيرة وغنما زخر البرنامج بما هو أكبر من أن نحصيه في سطور نحن فقط نحاول لمس أوتار الصدق والإخلاص في الفكرة النبيلة التي تقوم على مبدأ العرفان بالجميل للقامات الكبرى التي أسعدتنا مدار سنوات وعقود ثم توارتا بحكم عوامل كثيرة ليست خافية علينا ولا عليهم بالطبع. أعترف أن جوانب مهمة في شخصية إسعاد يونس اكتشفتها في حلقات صاحبة السعادة التي طالما رأيتها فنانة كوميدية خفيفة الظل في معظم أعمالها جادة وتراجيدية في القليل منها قبل أن تكتمل رؤيتي لها بهذا الدور الإعلامي الذي هو في تصنيفه الدقيق لا جديد ولا قديم وإنما نوع متطور من الأداء لا يقتحم خصوصيته الضيف بما لا يليق وليس قائما على الثرثرة والمقاطعة وإثبات الجرأة والشجاعة. ما تقدمه صاحبة السعادة «فضفضة» واسترسال لتيار الذكريات الجميلة وكشف عن الوجه الآخر لأولئك النجوم الذين لا يراهم الناس إلإ من خلال الشاشات التلفزيونية ولا يعرفون عنهم سوى سمات الشخصيات المكتوبة على الورق والتي يتقمصونها فيتصور البعض أنها شخصياتهم الحقيقية من فرط تماهيهم في الأدوار وانفعالهم بها. ولأن إسعاد يونس فنانة وممثلة فهي تعرف ذلك جيدا وتنتبه لهذا الخلط ومن ثم فهي تركز رسالتها في البرنامج على طرق الجوانب غير المرئية واللا محسوسة في شخصية ضيفها كي توضح الفرق بين الحقيقي والواقعي والمجازي التمثيلي، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق ذلك لدرجة أحدثت تأثيرا نفسيا وإنسانيا بشكل إيجابي فمع تكرار الحلقات والشخصيات بدأ العدول نسبيا عن رؤية الممثل أو الممثلة من زاوية أحادية والتعامل مع كل منهما على أنه الشخص المرفه الثري المشهور العائش في برج عاجي والمنفصل عن الواقع ثمة تصحيح بصري للرؤية العامة بدأ يحدث تدريجيا ويترجم في أراء بسيطة وعفوية تتأكد في الثناء على الضيف أو الضيفة فور انتهاء الحلقة واجترار أهم مارد فيها كل حسب انطباعه وذوقه وثقافته. هذه هي القيمة التراكمية لبرنامج صاحبة السعادة كأهم ما يمكن أن يقال عنه. كمال القاضي القدس العربي