حزب المؤتمر الوطني يتوعد منسوبيه بمحاسبة غير مسبوقة ضد الذين تشرحوا مستقلين، في نفس الوقت الحزب يعلن تراجع بعض من ترشحوا، ذلك بعد تلقيهم التهديد بالمحاسبة، كما إنه- ربما- أدرك أولئك الذين ترشحوا مستقلين أن الخروج من المؤتمر الوطني لا يُفيد في شيء، وهم يرون الذين سبقوهم، إن الحزب انتصر عليهم، وقطع الطريق أمامهم، وأبقاهم داخل عباءته، التي بدأت تضيق أكثر فأكثر، قطعاً لن يفيد الحزب هذا الوضع، بل هو خسارة في كل الأحوال، وبكل الحسابات، سوف يمثلون "شوكة حوت"، وإن كان لا مجال للاستماع إلى رؤاهم– إن وُجدت- فسوف يضطر الحزب إلى تفعيل لجان المحاسبة والاستمرار في التهديد الذي قد يصل مراحل متقدمة مع الضيق الذي بات يسيطر على كل شيء. هذا الأمر الذي بلغ ذروته لم يكن مفاجئاً، فما حدث خلال مؤتمرات الحزب الحاكم في الولايات، كان مقدمة لما يجري الآن؛ فقد تنبأت مؤتمرات الحزب في الولايات بما فيها الخرطوم- تنبأت بكل ذلك، وربما أكثر منه، لا نزال نذكر كيف جرى الحال في ولاية الجزيرة، ونهر النيل، وجنوب دارفور، وشمالها، والنيل الأبيض، وغيرها. إلى ماذا يريد أن يصل حزب المؤتمر الوطني أكثر مما وصل إليه، وأوصل معه البلاد؟، ماذا بعد كل هذا؟، حزب يُصر على إجراء انتخابات في وقت يضطرب فيه كل شيء حتى الطقس، وفي ذات الوقت يريد منافسين يهيئون الأجواء لفوز الخاسر الفائز، وفي ذات الوقت لا يريد منافساً، كيف يستقيم ذلك؟، معلوم أن الانتخابات التي تجري فصولها الآن وبوضعيتها هذه باتت محرجة للغاية، فماذا لو استعان الحزب بمرشحيه الذين نزلوا إلى ساحة التنافس مستقلين، أقلها قد يُرفع الحرج البالغ الذي يقع فيه الحزب الآن، إن كان حزب المؤتمر الوطني الذي يحكم السودان وحده والذي هو الآن من الممكن أن يُسمى أكثر الأحزاب عافية من حيث فاعلية مؤسساته ذلك بحكم أنه على رأس الحكم وكل شيء مسخر له، كل ذلك والحزب ليس في مقدوره أن يقود شبابه التغيير داخل الحزب، فكيف لكهوله أن يقودوا التغيير في السودان كله، ويتصدون لذلك؟، وكيف يُنتظر منه أن يُغير السياسيات، أو يُغير حتى الحلفاء؟، وكيف يُنتظر منه قيادة التغيير الحقيقي، كيف؟. الحزب- الآن- يتكشف يومياً أنه لم يعد في مقدوره أن يستمع حتى إلى صوته ولو سراً، مؤتمرات الحزب- وحدها- كانت كافية لتبيان ذلك قبل أن يصل الوضع ذروته في المؤتمر العام للحزب، بصراحة السؤال الجوهري لم يعد كيف يستطيع الحزب أن يقود السودان، وهو في وضعيته هذه، بل الأجدر أن نسأل، كيف يُسيّر هذا الحزب أمور الدولة الآن، أم أنها تسير بإرادة السماء؟. مجاهد التيار