افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات النقد: نجيب محفوظ والقراءة الجديدة
نشر في الراكوبة يوم 04 - 02 - 2015

توجد أمام النقد الأدبي تحديات كثيرة، تحدد وضعيته، وترصد أفقه، وتكشف مظاهر قوته أو ضعفه. لا يتعلق الأمر، فقط، بمدى قدرة النقد على مواجهة الكتابات الجديدة بأسئلة مختلفة ومناهج جديدة، وإلى أي حد يمتلك النقد الجرأة الفكرية والفلسفية والمنهجية على تطويع نظرياته، وتطوير آلياته ومفاهيمه وتصوراته، من أجل حوار تفاعلي مع مستجدات الأدب، حتى لا يكون علة أمام تطور الأدب، أو عائقا أمام تحرر الكتابة من الأشكال المألوفة، وإنما تواجه النقد تحديات من نوع آخر، يتعلق الأمر بتجديد القراءة، إما لأعمال إبداعية عرفت تراكما كبيرا من المقاربات والدراسات، وجرأة النقد في إبداع أسئلة جديدة حول الأعمال نفسها، مما يضمن لتلك الأعمال حياة جديدة في التفكير والقراءة، أو الاقتراب من مبدع حوَلته تصورات ثقافية واجتماعية وإبداعية إلى سلطة رمزية، أخرجته من السؤال وأدخلته منطقة الحصانة «الخالدة»، من خلال اقتراح أسئلة مختلفة، تُعيد المبدع إلى واجهة التفكير، من أجل إعادة إحيائه بالسؤال والفكر والقراءة، وتجديد التأمل في رؤيته الأدبية. إن الرهان على هذه التحديات، ومواجهتها منهجيا ومعرفيا، يجعل من النقد مؤسسة فكرية تنويرية، لكونها ترقى بالسؤال ضد الثبات والركود.
يعد المبدع العربي الكبير «نجيب محفوظ» من الأسماء التي شكلت حضورا متميزا في المشهد العربي، بفعل نوعية الإبداعية التي أسسها، والتي أنتجت أشكالا من الكتابة، رافقت تحولات المجتمع، ولذلك، أبدع في التشخيص السردي للمجتمع والواقع والعلاقات الإنسانية والشخصية المصرية – العربية والتاريخ القديم. وهذا ما جعل أعماله الروائية والقصصية من أكثر الإبداعات العربية التي حظيت باهتمام كبير ومتابعة مستمرة ودراسات نقدية أنتجت تراكما مهما في المشهد العربي. ويعود الأمر إلى موقع نجيب محفوظ في التصور الثقافي العربي، باعتباره من أهم المبدعين العرب الذين أخلصوا للتعبير السردي وحوَلوه إلى رؤية فنية، أنتجت وعيا بالواقع العربي.
كيف يمكن إذن، للنقد العربي أن يكون في مستوى المشروع الروائي لنجيب محفوظ؟ وكيف يضمن النقد استمرار هذا المشروع لدى الأجيال الجديدة؟ وإلى أي حد يمتلك النقد العربي جرأة تجديد قراءة نجيب محفوظ بعد رحيله؟ وكيف يمكن أن يتجاوز النقد الصورة النمطية التي كرستها بعض الدراسات حول نجيب محفوظ، من أجل حياة متجددة لكتاباته مع القرن الواحد والعشرين؟ وما هي الأسئلة الجديدة التي يقترحها النقد على أعمال نجيب محفوظ الروائية والقصصية؟ كيف يمكن استثمار تميز كتابة محفوظ في الكتابة السردية العربية؟
تلك عيَنة من الأسئلة التي نفتح بها نقاشا مسؤولا حول علاقة النقد العربي الآن بإبداعات نجيب محفوظ بعد رحيله.
إن استمرار مبدع بعد رحيله، في تفكير الأجيال الجديدة، وفي التأثير في شكل الكتابة، يتم بإحيائه قراءة، وتجديد التواصل معه، وليس بتحنيط إبداعيته ضمن قراءات، تستهلك التصور السائد نفسه. من أجل الاقتراب من دخول النقد الأدبي تحدي إعادة تجديد قراءة أعمال نجيب محفوظ ، نستأنس ببعض الأسئلة المُغايرة التي اقترحها/يقترحها النقد المغربي حول نجيب محفوظ وأعماله السردية، التي وردت في الكتاب الجماعي «نجيب محفوظ والنقد المغربي»، الذي كان عبارة عن أعمال اللقاء الثقافي، الذي نظمه مختبر اللغة والإبداع والوسائط الجديدة، في جامعة ابن طفيل في المغرب، سنة 2011، بمناسبة الذكرى المئوية للروائي الكبير نجيب محفوظ. لقد خرجت جل دراسات الكتاب عن خطاب الثناء والتمجيد والاحتفاء، واقترحت مقاربات مختلفة، من شأنها أن تُعزَز حضور محفوظ في القرن الواحد والعشرين. هكذا، يختار الناقد سعيد يقطين سؤال «في الذكرى المئوية لنجيب محفوظ هل من نجيب عربي في القرن الواحد والعشرين»، إيمانا منه، بأن كلمات التقريظ والثناء التي يستحقها، نجيب محفوظ في هذه المناسبة، هي على أهميتها، لا تعد «سوى تأبين جديد وتكفين مجدد، لا يساعد على التفكير ولا على التحفيز للارتقاء بتجربته لتكون مثالا لغيره من المبدعين» (ص 15)، ولذلك، عوض المدح والثناء، اختار الناقد يقطين تفكيك طبيعة المشروع الإبداعي لدى نجيب محفوظ، لإضاءة عناصر القوة التي جعلته يحظى بإجماع حول تميَز إبداعه، من أجل استثمارها، وتحويلها إلى إمكانات ممكنة للحديث عن «نجيب» القرن الواحد والعشرين. وقد أرجع سعيد يقطين قوة المشروع المحفوظي إلى ثلاثة عناصر مترابطة في ما بينها، ويصعب وجود أحدها دون الآخر، تتمثل في: الإنصات لنبض الواقع المُتحول، من خلال استقاء محفوظ لمادته الإبداعية من الواقع في تحولاته ومنعطفاته الخطيرة، والاستغلال المنظم للوقت، ثم مبدأ الاستمرارية في الكتابة والنشر. وهذا ما جعل نجيب محفوظ يُؤصَل للكتابة الروائية في التربة العربية، من خلال مشروع روائي تميز بالأصالة، والتنوع والتكيف مع التحولات السياسية والاجتماعية والتاريخية التي عرفتها القاهرة/مصر، باعتماد خلفية فلسفية وإعلامية. إنها الإمكانيات التي يمكن استثمارها بالنسبة لنجيب القرن الواحد والعشرين، مع اعتماد عناصر التحول التاريخي – الحضاري مثل، الوسيط التكنولوجي الذي أصبح عنصرا بنائيا للنص الأدبي، واللغات الأجنبية. بهذا الأفق، يظل نجيب محفوظ مستمرا ليس باعتباره كفاءة إبداعية متميزة، وإنما لكون عناصر قوة مشروعه، يمكن أن تشكل استمرارا لدى الكاتب العربي في القرن الواحد والعشرين.
أما الناقد رشيد بنحدو فإنه اختار سؤالا مختلفا، لإعادة قراءة نجيب محفوظ، ولعل عنوان دراسته» كيف قرأت نجيب محفوظ من غير أن أقرأه؟»، يثير الدهشة، ويُحفز على التفكير في شكل القراءة التي يقترحها الناقد بنحدو. ويقصد رشيد بنحدو بتعبيره المثير للدهشة، عجزه عن التمرس الجمالي بروايات محفوظ، في ظل سياق قسري، كيَفته جملة من التلقيات التي جعلت نجيب محفوظ وأعماله، تشوش على التلقي المنتج. ومن بين هذه التلقيات، يأتي الخطاب النقدي الذي ينتظر صدور كتابات محفوظ، ليُجرب عليها الترسانة المنهجية، ويستهلك التصورات السائدة نفسها حول روايات محفوظ، إلى جانب تلقيات أخرى تدعم الاهتمام نفسه بالصور المألوفة نفسها، مثلما يحدث مع السينما والإعلام، والكتاب المدرسي، وهي أشكال تُعطل متعة الدهشة لإبداعات محفوظ، وتُشوَش على نقاء التلقي. إذ، تتحول هذه التلقيات التي تعتمد خطاب التمجيد، إلى عنصر خلل أمام التفاعل الوظيفي لإبداعات نجيب محفوظ. يطرح الناقد رشيد بنحدو سؤالا مهما حول شكل تلقي نصوص محفوظ، الذي يُكرس القراءة نفسها، ويُقيَد انفتاحها على الإمكانيات الجمالية لكتابته.
يصبح المشكل إذن، في أشكال التلقي التي تُحنَط إبداع محفوظ ضمن تصورات جاهزة، وتُربك سيرورة التمرس الجمالي بنصوصه. ويشرح رشيد بنحدو التمرس الجمالي بانتقال القارئ من كونه ذات سلبية، تمارس قراءة صامتة للنص، إلى كونه ذات فاعلة، تنتج قراءة كاتبة له. نخلص من هذا الشكل من التفكير في نجيب محفوظ وأعماله السردية، بعد رحيله، من خلال إعادة القراءة، والاكتشاف، والبحث عن التمرس الجمالي لنصوصه، إلى ضرورة الحذر من نوع التلقي الذي فيما هو يقترب من كتابات محفوظ بالتمجيد والثناء، ومن خلال لغة الاحتفاء، فإنه يُدمر إمكانية استمرار هذه الكتابات بالقوة والأهمية نفسهما. بهذا الشكل، يتحول النقد الذي يعتمد عنصر الانبهار بشخصية نجيب محفوظ، والإعجاب بكتاباته، باعتماد مضمونها، من دون تحليل شكلها، إلى مجرد قراءة صامتة.
كاتبة مغربية
زهور كرام
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.