الرئيس الراحل الفريق ابراهيم عبود طيب الله ثراه ..علم من وزارة الخارجية أن سفير إحدى الدول العربية قد أساء الى طباخه السوداني بالتلفظ غير الدبوماسي بل اللا أخلاقي .. فطلب الرئيس من قلعة دبلوماسية السودان الا تتخذ أي إجراء في حق السفير قبل أن يستدعيه على وجه السرعة ويتحرى عن صدق أو عدم صدق إدعاء ذلك العامل لدى السفير .. فجاءه الرجل ظناً منه أن استدعاء رئيس السودان له سببه حدث جلل يتصل بأمر إستراتيجي في علاقات البلدين ! وحينما أقر السفير بتجاوزه حدود اللياقة وحسن المعاملة مع مواطن سوداني بسيط يقوم على خدمته بامانة .. شعر بالخجل أمام الرئيس و أعتذر له وللطباخ .. ولعله تأكد فعلا من أن عبود يستحق لقب جبل الحديد طالما كان مصداً للنبال التي تستهدف الطعن في كرامة مواطنيه مهما كبرت أو تواضعت مهنهم ! عند قيام إنقلاب الرائد هلشم العطا في يوليو 1971 كان الراحلان المقدم بابكر النور سوار الدهب الذي أختاره هاشم رئيساً لمجلس ثورته المؤودة و زميله الرائد فاروق عثمان حمدالله عضو المجلس الجديد يقيمان في لندن وتصادف حينها وجود السيدة بثينة خليل حرم الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري في عاصمة الضباب .. فاصدر بابكر النور وفاروق حمد الله تعليمات للسفير الراحل الأستاذ عابدين إسماعيل نقيب المحامين الشهير .. بعدم سحب إمتيازات حرم نميري من سيارة وحراسة و تكاليف الإقامة الخ الى أن تنتهي زيارتها للملكة المتحدة وهي التي يقبع زوجها معتقلاً تحت رحمة الحكم الجديد قبل أن يستعيد سلطته المنزوعة عنه لثلاثة ايام بلياليها ! وحينما عادت حرم الرئيس العائد وعلمت أن زوجها أعدم الرجلين بعد قرصنة العقيد الراحل القذافي على طائرة عودتهما الى السودان وقام بتسليم راسيهما لحليفه الذي بات لاحقاً ألد أعدائه .. بكت زوجته وأبكته وهي تسرد له واقعة نبل الرجلين حيالها وموقف السفير الشهم ! في إحدى دورات مجلس إدارة نادي الجالية السودانية بالمدينة التي كنت أقيم فيها بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وكنت الأمين العام المساعد . إتصل بي هاتفياً القائم بأعمال سفارتنا بالإنابة وقتها في ذلك الزمان من ثمانينيات القرن الماضي الدبلوماسي المخضرم الدكتور علي حمد إبراهيم الكاتب الصحفي النحرير الذي أتشرف بمجاورته الوقوف عند أعمدة هذه الراكوبة .. وطلب مني التحري عن سيدة كتب فيها الضابط المسئؤل بالسفارة تقريراً يفيد بأنها تقيم وحدها في المدينة ولم يكن وقتها أن أعتاد الناس على سفر السودانيات للسياحة أو حتى العمل إلا في رفقة أو الإقامة مع الزوج أو مع من نسميه بالمحرم أو المنتدبات في التدريس أو التمريض وخلافه ويكّن عادة في رعاية وسكن الجهة المخدمة في البلد الذي يعملن فيه ! قمت بالإتصال بالسيدة التي إتضح أنها تعمل بصورة رسمية في إحدى الشركات وقد قامت بعمل الإقامة الشرعية لها ويقيم معها في سكنها شقيقها الأصغر ! ذهبت تلك السيدة بناء على طلبنا الى السفارة لثبت كل ذلك .. فوجدت السفير الأستاذ حمد النيل أحمد محمد قد عاد من إجازته وكان تقرير موظفه الضابط النظامي امامه .. وحينما تأكد بأن لاشائبة في أمر المراة .. قام بالإعتذار لها و أكد لها حقها في إنصافها من موظفه الذي ألزمه بالإعتذار لها ولشقيقها عما لحقهما من ضرر معنوي .. لم يقم بضربهما أو الإنحياز لموظف سفارته من قبيل عدم قبول الإنهزام الرسمي للسفارة مع مواطنين عاديين ! سلطات البلدان المضيفة للهيئات الدبلوماسية معنية بالطبع بحماية هيبة تلك الهيئات باعتبارها من صميم هيبة وسيادة البلد المضيف.. ولكنها في ذات السياق بنفس القدر والشهادة لله تهتم بحماية جاليات تلك الهيئات من منطق مسئولياتها تجاه كل المقيمين على أراضيها مواطنيين وغيرهم ! دول ثقل الإغتراب في محيطنا الإقليمي القريب تقيم على أرضها مئات الجنسيات بمختلف السحنات والألسن والمعتقدات و تفاوت العادات والسلوكيات وهذا ما يضاعف مسئؤليات الجهات الأمنية فيها لتكون في غاية الحذر واليقظة وهذا حقها المشروع قانوناً وعرفاً لتجتهد وتسهر على تسوير هذه المجتمعات الخليط بعين التحوطات التي تبذل في توسيع رؤيتها ومراقبة شارعها من المال وتوفير العناصر البشرية المؤهلة بكفاءة عالية والمعينات المتطورة حفاظاً على سلمها الإجتماعي ..دون تفريط في إنفتاح يفضي الى الفوضى أو إفراط في تضييق يقود الى التنفير والنأي عنها ! ولكن بالمقابل لا ينبغي على الهيئات الدبلوماسية وهنا تعنينا السودانية فقط أن تستغل هذا الحرص من الدول المضيفة ضد مواطنيها المغتربين فيها متى ما نشب خلاف أو حتى تعدي على موظفيها اياً كان مستواهم الدبلوماسي أو الوظيفي المحلي .. فالحكمة تقتضي ان تحل هذه النزاعات في دار السودان والتي هي بيت لكل سوداني مغترب ،من يوالي الحكم ومن يعارضه في حدود لياقة الخلاف المبدئي وليس القصد الذاتي ومسلك التجريح الشخصي للحكام وبعثاتهم الدبلوماسية حيثما كانت طالما أنها تتعاطى مع مواطنيها في المهجر ليس كملك حصري يخص النظام الحاكم وأهله وإنما تكون سفارة الوطن ومواطنيه اينما كانت وهذا ما ينبغي أن يكون ! فالذي يذهب مُرحلاً من أي بلد بزعم أنه أساء للحكم أو ممثلي الدولة في الخارج .. فوق انه سينقطع مصدر رزقه في الغربة التي جاءها مكرهاً لا بطلاً و ستتضرر أسرته إن كانت معه أو في السودان و ربما يتأثر مشوار ابنائه الدراسي الذي سيقف بهم في مفترق طرق مخيف .. وثالثة الأثافي فهو لن تستقبله سلطاتنا هناك بالأحضان الدافئة ولا بباقات الزهور وأكمام الورود ومن ثم تتيح له الفرصة ليبدا حياة ولو في حدها الأدنى من الكرامة. فمصيره معروف يا ولدي معروف! هنالك في كل مراكز تجمعات الإغتراب عقلاء من رجالات ونساء جالياتنا عبر الأندية والمراكز الإجتماعية يمكن للسفارات الإستعانة بهم لتسوية الخلافات مع مواطنيها اياً كان حجمها طالما أنها لم تصل الى الحد الجنائي الذي يتطلب الإستعانة بسلطات البلد المضيف الأمنية والقضائية .. وذلك بغرض عدم نشر غسيلنا على حبال مضيفينا ونزعجها ببللها الموذي وحتى لا نثير توجسهم الذي قد يدفعهم الى التدخل لحسم حالات الإستقطاب المخل بامنها واستقرارها المستحقان ويكون في نفس الوقت بالقدر الذي يضر بمسيرة تلك المراكز والأندية و يباعد مابين السفارة التي يفترض أنها تكون أم الجميع الروؤم وبين ابنائها الذين عليهم الإلتزام بما عليهم من واجبات لها مقابل توفير ما يليهم من حقوق عليها من منطلق لا ضرر ولا ضرار . هذا إن هي حقاً بسطت كفها للجميع دون تميز لإبن البطة السوداء عن بنت البطة البيضاء ! فقديماً قالوا إن الحكمة يمانية .. لكن بكل اسف قدم تلك الحكمة في ظروف اليمن الحالية حطت على قشور الذين اكلو موز هيبتها ورموه لتتزحلق عليها البلاد كلها وتسقط رأساً على عقب .. وهذا ما نخشاه على اقدام بلادنا التي يتقافز ساستها الحاكمون والمعارضون مابين قشر الرعونه المتناثر تحت أقدام مستقبلها المرتبك الخطى اصلاً وطين الوحل السياسي الأسن .. فيأكل حصرم أضراسهم من هربوا تاركين لهم البلاد مقسومة الوجه بينهم .. فتلاحقهم لعنة ذلك التجاذب الماحق في ملازات غربتهم الأكثر أمناً من عودتهم الى حضن الشوك الداخلي .. اعانهم الله في حلهم وترحيلهم .. دون أن نسجل اي صوت لوم علي بلاد لكم أكرمتنا بالقدر الذي لم نجده في بلادنا الحبيبة والتي نخشى على أرضها أن تصبح عاجزة عن إكرامنا حتى بالدفن فيها .. حيث لا تدري نفس بأي أرضٍ تموت ! والله المستعان وهو من وراء القصد . [email protected]