الأنشطة التي تتصل بالاستثمار وجذب المستثمرين تتصدر الأخبار يومياً، الصالات الفخمة تمتلئ على رأس كل شهر بجنسيات متعددة، وزير النفط يستقبل بشكل شبه يومي وفود الشركات الأجنبية، وزارة المعادن تتحدث عن أعداد من الشركات تعمل في مجال التنقيب عن المعادن، المحصلة في نهاية الأمر لا شيء يحسه المواطن ولا حتى يحسه الشارع في مظهره، الحديث لا يتوقف عن أن أبواب السودان مفتوحة أمام المستثمرين، دعوات جديدة، مشاريع تُطرح أراضٍ زراعية وصناعية تُقدم قرابين، إسقاط تأشيرات الدخول لعدد من الجنسيات، والنتيجة فيما يبدو لا أحد يرغب في استثمار حقيقي في السودان، والذين رغبوا وبدأوا مشاريع، هربوا من جراء محاصرة الطامعين من المسؤولين المحليين وغير المحليين، قصة المستثمر السعودي الذي كشف عن الطريقة السوقية والفوضى التي يتبعها بعض ولاة الولايات تجاه المستثمر ووضع العراقيل أمامه حتى يفهم أنه ينبغي أن يضع رشوة أمام طاولة الوالي قبل أن يُسمي ويبدأ مشروعه، لأن مصير هذا المشروع مرتبط بما "يقبضه" الوالي من المستثمر، هذه الحكاية هي وجه واحد لمسلسل طويل يُسمى الاستثمار في السودان، العام الماضي وفي شهر أبريل، طرح السودان خلال قمة الرياض 356 مشروعا استثماريا بتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، المشاريع تصنيفها 117 مشروعا زراعيا و76 مشروعا صناعيا و147 مشروعا في قطاع الخدمات الاقتصادية، بالإضافة إلى 11 مشروعا في مجالات النفط و5 مشاريع تعدينية، هل تحققت هذه المشروعات؟، المؤكد أن النتيجة صفر، خاصة بعد توتر العلاقات السودانية السعودية، القضية الأولى ليست هي إقامة المنتديات والملتقيات واستضافة الأجانب في أبهى فنادق الخرطوم، وليست المشكلة في تأشيرة الدخول للأراضي السودانية، وليست المشكلة كذلك في عدم وجود أراضٍ حتى يتم تقديمها قربانا، خذوا الحكمة من حجم رؤوس الأموال السودانية بالخارج، السودان يزاحم الصين لاحتلال المركز الأول في الاستثمار في إثيوبيا، نحو 800 شركة سودانية تعمل في مجالات الزراعة والتصنيع والبناء، دائرة الأراضي والأملاك في دبي أصدرت قبل فترة تقريرها نصف السنوي، التقرير جاء فيه السودان ضمن أكثر العرب استثمارا في دبي، وفي وقت سابق، قدرت مجلة ماليزية حجم الاستثمارات السودانية بنحو 13 مليار دولار، وإن كانت دبي وماليزيا يرتبط الاستثمار فيهما بقيادات داخل البلاد ، فهذا يعني مباشرة أن حتى الذين يملكون الحل والربط وفي يدهم كل السلطة لا يرغبون في الاستثمار داخل السودان، الإجابة ينبغي أن تكون قد وضحت حول لماذا يهرب المستثمر؟، ولماذا لم يعد منجذبا لتنفيذ أي مشروع في السودان؟، رؤوس الأموال السودانية تنافس العالمية في الخارج، الأولى أن نجذب هذه الرؤوس الوطنية قبل أن نجذب الأجنبية، الاستثمار ليس مجرد كلام والسلام. التيار