كتاب القاضية المصرية يعالج قضية العدالة عبر مدخل عن الحماية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أنظمة قانونية. ميدل ايست أونلاين التحية الواجبة للقائد الوطني البطل جمال عبدالناصر القاهرة القاضية المصرية تهاني الجبالي التي كانت تضع فوق مكتبها، بالمحكمة الدستورية العليا، تمثالا للرئيس الأسبق جمال عبدالناصر شغلتها قضية العدل الاجتماعي، وأسهمت فيها بكتاب "الحماية الدستورية لمبدأ العدالة الاجتماعية" فنالت عنه جائزة الدولة التشجيعية في مصر. كتاب "الحماية الدستورية لمبدأ العدالة الاجتماعية" أحد همومها البحثية، فلها في مجال الثقافة الدستورية والقانونية دراسات منها "التاريخ الدستوري لمصر المعاصرة"، و"تفسير وتأويل النص الدستوري بين النظرية والرقابة الدستورية"، و"حقوق المرأة الإنسانية". الكتاب الفائز بالجائزة يقع في 104 صفحات كبيرة القطع، ويعالج قضية العدالة عبر مدخل عن الحماية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أنظمة قانونية منها (الماجناكارتا) في بريطانيا عام 1225، والإعلان الأميركي لحقوق الإنسان عام 1866، والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان عام 1789. كما يناقش الكتاب كيفية حصول المواطن على حقه في التنمية في إطار مفهوم العدالة الاجتماعية. وقد عملت المؤلفة بالمحاماة 30 عاما، وانتخبت عام 1989 كأول محامية في مجلس نقابة المحامين المصريين منذ إنشائها عام 1912، وأصبحت عام 1992 أول عضوة منتخبة في المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب منذ تأسيسه عام 1944، وترأست لجنة (مناهضة العنصرية والصهيونية) بالاتحاد، ثم أصبحت عام 2003 أول قاضية مصرية. أما جائزة الدولة التشجيعية فتبلغ 50 ألف جنيه مصري (6500 دولار)، وتمنح لكتاب واحد. وفازت بها تهاني الجبالي النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية العليا في فرع (حقوق الإنسان). ترى تهاني الجبالي أن العدالة الاجتماعية أغلى ما يملك أن يقدمه وطن لأبنائه، وأن مبدأ العدالة لا يترجم كحقيقة بمجرد وجود نص دستوري أو قانوني، وإنما يلزمه "قوة على الأرض تترجمه إلى حقوق وواجبات ملزمة للجميع"، وتعتبر جمال عبدالناصر نموذجا لتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب المصر، وإليهما معا، عبدالناصر والشعب أهدت الكتاب: "إلى الشعب المصري العظيم، القائد والمعلم، صاحب الحق في عدالة توزيع ثروات الوطن. مع التحية الواجبة للقائد الوطني البطل جمال عبدالناصر الذي تصدى يوما لاسترداد ثرواتنا المنهوبة من المستعمر وإعادة توزيع الثروة والسلطة لصالح البسطاء من أبناء هذا الشعب". وثورة 23 يوليو 1952 التي قادها عبدالناصر أصدرت في التاسع من سبتمبر/ أيلول 1952 قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد ملكية الأرض الزراعية، فانتزع ما زاد على الحد الأقصى من كبار الملاك، ووزعه على صغار الفلاحين، وهو ما جعل الشعب يتحمس للثورة ويلتف حول مبادئها. وبعد عبدالناصر تراجع مفهوم العدالة الاجتماعية، الذي كان أحد أسباب الثورة على حسني مبارك ومحمد مرسي. وفي دستور 2014 مواد كثيرة عن المساواة، وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق، ولكن التطبيق العملي للدستور غائب، وهو ما لا تنكره تهاني الجبالي، بل تؤكد استمرار الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وأن نصوص الدستور تظل صماء، حتى يمشي على الأرض ونتنفسه، فالالتزام بالقانون لا يكون بالنوايا الحسنة، وإنما بوجود آليات للمحاسبة. وتعول على إنشاء مفوضية وطنية لمقاومة التمييز تنفيذا للمادة 53 من الدستور والتي تلزم الدولة "باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز" وتأمل تهاني الجبالي أن يسارع البرلمان القادم إلى إنشاء المفوضية التي سيكون لها "وحدات نوعية لمراقبة صانع القرار وسياسات الحكومة ومن ينتهك القانون". وتقول إن "الثقافات السائدة لا تساند تفعيل الدستور بل تعطله. نعيش منذ منتصف السبعينيات في مرحلة انحطاط صبغت ثقافتها كثيرا من العقول التي نظنها مستنيرة"، وكأنها تشير إلى بعض ما حدث عام 2014 من استبعاد 138 معاون نيابة بعد صدور قرار تعيينهم لعدم حصول آبائهم على مؤهل عال، وكذلك رفض مجلس الدولة قبول أوراق 25 فتاة من الأوائل لشغل "مندوب مساعد" وهي أولى درجات السلم القضائي بالمجلس، والتهمة أنهن إناث والوظيفة السامية من حق الذكور. هذه ممارسات تراها تهاني الجبالي نوعا من التمييز الطبقي، تجسيد لهذه الاختلالات يتجاوز نصا دستوريا صريحا: "من ينظر إلى المرأة نظرة متدنية، فهذا ابن ثقافة متردية، والقاضي وأستاذ الجامعة ابن البيئة الحاضنة له... وقعنا منذ 40 عاما ضحايا هزيمة ثقافية تحتاج إلى جهد أكبر لمجابهتها. ننتظر الجيل الثاني من التنويريين الجدد". ما تسميه بأوعية الثقافة - وتشمل التعليم والإعلام والمنتديات الأدبية والمجتمعية وكافة المحركات الثقافية - معطلة بسبب "الهزيمة الثقافية الأكثر خطورة من الهزيمة العسكرية" التي تجاوزها الشعب المصري عام 1967 لأنه "لم يكن مهزوما ثقافيا". وترى أن المنظومة الثقافية تعرضت "لانتكاسات والأخطر أنها غلفت بثوب الدين". وعلى الرغم من حماستها لاحتجاجات 30 يونيو/ حزيران 2013 التي أنهت حكم جماعة الإخوان المسلمين فهي ترى أن الاختلالات الاقتصادية مستمرة، ولا يوجد توازن أو عدالة اجتماعية لأن "قوى المصالح متمثلة في الرأسمالية المتوحشة مازالت تمسك بمفاصل الاقتصاد المصري، نتيجة هيمنة رجال الأعمال على صناعات وأنشطة استراتيجية" ومنها الإعلام، بل إن سطوة هذه القوى على المشهد العام يجعلها "تلوي ذراع الدولة بممارساتها في محاولة منع التحول لسياسات اقتصادية بديلة للسياسات التي لم تغادر مرحلة النيوليبرالية منذ عهد مبارك على حساب التنمية الشاملة"، التي تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، كحق دستوري وليس منحة من الحاكم.