يحمل ديوان "عتبة النقص"، الصادر حديثا عن دار "الروسم "، العراقية، للشاعرة السورية، المقيمة في أستراليا، سعاد الخطيب سيرتها الشخصية أكثر ما يحمل وجع محيطها السوري، لتؤكد أن الشعر ينطلق من الخاص إلى العام، من الحياة العادية الزاخرة والمزدحمة بالتناقضات وحركة الحياة السريعة المملة، فهي تكتب بطريقتين لتظهر تميّزها وتفرّدها، طريقة خاصة تربط ذاتها بالمكان والزمان الشعريين، ومشاهداتها اليومية وطريقة ما يجري حولها وحول بيئتها، إذ لا شيء يمرّ هكذا دون تدوين تاريخه. العرب إبراهيم حسو تلتفت الشاعرة سعاد الخطيب في ديوانها "عتبة النقص" إلى مشاعرها أكثر ما تلتفت إلى ذهنيتها ووعيها وما يحملانه من صور ومشاهدات تظل كلها تدق ناقوس المخيلة طوال القصيدة بين العتبة والدرجة الأخيرة من السلّم. على ما يبدو فإن الخطيب لا تهتم بالتفاصيل الصغيرة للحاجيات الحياتية بقدر ما تهتم بتصويرها كقطعة شعرية محايدة، نابضة ومتحفزة دائما، من أن تثور وتحلق كبركان لا يحمد عقباه، وأحيانا لا تخاطب أحدا، كأنها في خصام مع ما حولها، تتربع ضمن نفسها، قابعة في أناها، حتى وإن خاطبت فبروحها هي التي تعطيها الأجوبة على أسئلتها المحرجة، وتعطيها قسما من خاصياتها وما تفرزها ذاكرتها التخييلية بمساحة أشمل وأرحب تصوغ تلك الخاصية وتركبها وفق تدفقات داخلية وشعورية عميقة، تتعاظم كلما توغلنا أكثر في متنها وكلما تعمقنا في تفاصيلها المتشعبة والمفككة معا. مواضيع الخطيب لا تخرج من نرجسيتها المحببة، تصب جام عنفوانها في ذلك الوعاء اللغوي الرطب، الذي يحوي الشكل الشعري في أبهته ووقاره والمتن في صرامته وانجذابه المبهر، مواضيع شتى مشتتة ومتغايرة ضمن النص نفسه، لتصل الفكرة إلى حدود التمعّن فيها وتجريدها من سرديتها وعاميتها: "سأمضي بدويّة تعرف/ ماذا يعني بياضُ الحليبِ في الفجر/ أكثرَ مما يعرفُ ماركس عن رأس المال/ لن أكترثَ لسقوط/ أساوري/ وخاتمي/ من كفي الّذي يَضمُر/ كلّما اقتربتُ من بيت العنكبوت/ المشي الطّويل يحرّرني منّي/ أنا المثقلةُ بحمولة لا تخصُّني". علاقة سعاد الخطيب مع نصها "عنبة النقص" هي علاقة محكومة بالتبادل وبالتشارك، هناك تواكل على حاسّة البصر حينما تعامل كل شيء كعين سينمائية، تكبّر الأحاسيس وتصغّرها وفق الحالة الشعرية المتورمة وترسمها وفق لون وتشكيل المشاهدة، فالنصوص متشابهة في كل شيء، الملامح اللغوية والتلوين البصري التشكيلي من قصيدة إلى قصيدة ومن كلمة إلى مفردة في تراشقات حسية دقيقة لا تحتمل البلاغة ولا التطرف في التقنيات اللغوية المتداولة والمتشابهة، كل قصيدة أو كل مقطع هو عنوان وكل عنوان هو نص في حدّ ذاته.