محمد وداعة: الجنجويدي التشادى .. الأمين الدودو خاطري    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطرف الديني في السودان..!! ..(جذر) الصوفية و(مد) السلفية ...!!
نشر في الراكوبة يوم 04 - 07 - 2015

واذ يؤكد الغالبية بأن الطرق الصوفية شكّلت وجدان معظم أهل السودان، وخلفت آثاراً متعددة ومتجددة في الحياة السودانية منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي ، مما أكسب هذه الآثار أهمية خاصة في دراسة الأصول الفكرية للمجتمع والروافد المغذية والمؤثرة في تشكيل الشخصية السودانية وارتباط ذلك بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الحقب التأريخية المختلفة.
تحقيق : خالد فتحي
"كان هدف الصوفية الأوائل بث تعاليمهم بين المواطنين وكسب أتباع جدد للعقيدة الإسلامية وكانت العمليتان تسيران جنبا إلى جنب في مجتمع ما زال حديث عهد بالإسلام ، ومازالت بقايا الوثنية ماثلة فيه ، وكذلك رواسب النصرانية في بعض الممارسات الاجتماعية" . ويقول البروفيسور"يوسف فضل حسن" في مقالته الموسومة:(لمحات من التصوف في السودان: جذوره وتطوره):" اتبع رواد الصوفية الذين حلوا بالبلاد منهجا مبسطا في سبيل نشر الإسلام وتعميق مبادئه بين المواطنين ، قوامه فيما ترجح إلزام المريدين بإتباع منهج تعبدي وسلوك خلقي مع المداومة علي قراءة أذكار وأوراد معلومة . ولتفشي الأمية يبدو أنهم لجأوا إلى التلقين واستعمال الترانيم والمدائح والطبول في الأذكار بغرض نشر تعاليم الدين .
وكان لهذا الأسلوب غير المتزمت أثره في جذب العامة وتحبيبهم في حلقات الذكر والالتفاف حول مشايخ الطرق".
ولعبت الطرق الصوفية بجانب دورها السياسي دورا اجتماعي مؤثرا، فقد شكّلت عبر الفترات التأريخية الممتدة منذ عهد سلطنة الفونج الإسلامية، وحتى وقتنا الراهن آلية من آليات التماسك والتكافل الاجتماعي، ونجحت بتعاليمها المستندة إلى الكتاب والسنة النبوية وبمناهجها التربوية والسلوكية وشيوخها الذين مثلوا القدوة والأنموذج للمريدين والأتباع في أن تبدل الولاءات والانتماءات القبلية والعرقية والجهوية بأخوة الطريق ورابطته.
وبيّن البروفيسور يوسف فضل حسن في مقدمته لكتاب (طبقات ود ضيف الله) الأدوار المتعددة التي اضطلع بها شيوخ الطرق الصوفية في السودان وسعيهم ومجاهداتهم في نشر وتعميق العقيدة الإسلامية بطريقة مبسطة من خلال إلزامهم لمريديهم وأتباعهم بمنهج تعبدي وخلقي معيّن. وكانت درجة نجاح الشيوخ في هذا المسعى تعتمد على ما يتمتعون به من مكانة وسلطان روحي وعلم وخلق وورع وزهد وكرامات وبركة. وساد اعتقاد وسط جمهرة المريدين والأتباع أن مخالفة الشيخ أو الولي تعود عليهم وعلى أطفالهم باللعنة والضرر وأن الشيخ قادر ، حياً وميتاً، على أن ينقذ ويغيث ويشفع لمن يتوسل به..!!
ويؤكد القيادي الاسلامي البارز البروفيسور حسن مكي أن قيام سلطنة الفونج الإسلامية في عام 1504م على أنقاض مملكة سوبا المسيحية نقطة تحوّل وفاصلة حضارية مهمة بدلالاتها الفكرية والثقافية في اتجاه تكوين المجتمع السوداني الجديد. فقد شجّع سلاطين الفونج توافد العلماء والمتصوفة للبلاد وأجزلوا لهم العطاء والهبات.
ثقوب بثوب الصوفية ..!!
لكن كثيرين يشيرون الى أن الصوفية أضحت الآن مظهراً لا يعبر عن جوهر الآباء المؤسسين أولئك الذين ضربوا أمثولات توشك أن تكون أساطير وليست حقائق في الزهد والورع. ويعتبر قطاع واسع من اهل التصوف أن ماحدث أبلغ تعبير عن الفراغ الذي خلفته الصوفية بانسحابها من دائرة الفعل الحقيقي، ويقولون : " لولا أن هنالك فراغا وجدوه منا لما فعلوا ما فعلوه".
ويقول البروفيسور يوسف :"ومع أن بعض الباحثين يرون انتشار التعليم المدني الحديث وهجمة الثقافة الأوربية ربما قللتا من انخراط المتعلمين في تلك الطرق ، فإن أعدادا كبيرة من هذه الفئة ينخرطون في سلكها بعد أن يتقدم بهم العمر. ومهما يكن من أمر فإن تعاليم الصوفية ما زالت تكوّن جزءا أساسيا من معتقدات السودانيين بخاصة والثقافة السودانية بعامة . ولعل عدم الإفصاح عن أثر الصوفية بصورة قاطعة في المجتمع السوداني يعود لقلة الدراسات العلمية المفصلة".
والراصد يلحظ أن هناك تراجعا في الدور الروحي للطرق الصوفية لصالح (صوفيين جدد) حولوا التصوف لما يشبه (البزنس)، فصرنا نشهد تدخل قوى الامن وآليات القانون الجنائي لفض (الخناقات) بين بعض اقطاب الطرق، ففقدوا روح التسامح حتى فيما بينهم فكيف بهم أن ينقلوها للآخرين؟ وكيف بهم يدعون الناس للزهد في الدنيا وهم يتقاتلون عليها بالناب والظفر؟ وهنا بدا جليا ان صراع العقائد يلقي بثقله في كفة الدنيا وليس كفة الاخرة..!!
لكن ليس هذا فحسب بل لابد من الانتباه إلى الدجل والشعوذة التي فشت بين الناس في السنوات الاخيرة .. إذ درج الكثير من الدجاجلة على اتخاذ الصوفية دثارا لمايقومون به من أعمال السحر وتجدهم يدّعون أقصى درجات الدروشة ويتعلقون بالأساطير والخرافات ويدّعون فعل المعجزات والأعمال الخارقة للقدرات الطبيعية، ضاربين بعرض الحائط أن نهج التصوف مبنى على التربية وتزكية النفس والزهد والتسامح وقبول الآخر في المقام الاول، وأضابير الشرطة واروقة المحاكم بالخرطوم والولايات الأخرى تعجّ بما لا يعد أو يحصى من تلك الحوادث التي يحتال بها المتهمون على ضحاياهم عبر الدجل والشعوذة تحت ستار أنهم (شيوخ) ولعل أشهرها ذيوعا جرائم تنزيل الاموال التي عبرت السودان إلى إمارات الخليج الغنية بالنفط ووقع في حبائل أولئك المحتالين عدد من كبار رجال الاعمال والنخبة الحاكمة بتلك الدول.
تحالف السلطة والمتطرفين..!!
المتصوفة يرمون بطرف خفي إلى تحالف ظاهر في حين، ومستتر في أحايين أخرى بين نظام الحكم والسلفية او(الوهابية) كما يطلقون عليها .. المتتبع للأمر يلحظ أسبابا عديدة أفضت لأن تقوية الصلة بين السلطة وأنصارالدعوة السلفية، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ابتداء من أن النظام طرح خطا دينيا متشددا أسهم في ظهور الغلو والتطرف على السطح، بعد أن ظلت جماعة أنصارالسنة وحدها تحتكر العمل بالساحة السلفية لردح من الزمان الى أن ظهرت مجموعات أخذت تتأثر بأقوال شيوخ جدد ينتمون للفكرالسلفي ويتحدثون بلسانه لكن دون أن ينضووا تحت لواء جماعة أنصار السنة امثال الشيخ عبدالحي يوسف،ومحمد عبدالكريم ومساعد بشير السديرة كما أسلفنا في الحلقة الماضية .
ولم يكتف النظام بإفراد المساحات واسعة لمتشددي الداخل بل كان بمثابة مغنطيس جذب قادة التنظيمات الموصومين بالتطرف بالخارج أمثال زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) والمصريين (عمر عبدالرحمن) و(مصطفي حمزة) وحتى الليبي (عبدالحكيم بلحاج) الملقب ب(فاتح باب العزيزية)، أحد الوجوه البارزة في الثورة الليبية التي اطاحت بنظام العقيد معمر القذافي قضى سنوات بالسودان.
والمؤكد أن التحالف بين الاثنين كان ميكيافيليا بحتا ، فالتيار الجهادي السلفي شارك أنصاره بفعالية في حرب الجنوب – اذ وجدت فيه السلطة ضالتها، إذ إن الصوفية قل أن يشاركوا في حرب- التي تحولت بفعل فتاوى عرّاب النظام الدكتور (حسن الترابي) وتابعيه الى حرب دينية محضة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي لدرجة أن الاسلاميين صاروا يكنون قتلاهم في الحرب ب(الشهداء)، حيث يزفون في حفلات عرس رمزية اطلقوا عليها(عرس الشهيد)إلى الحور العين زمراً .
ويصدع "مهند عثمان يوسف في استجوابه امام قاضي محكمة جنايات الخرطوم شرق سيد احمد البدري بالقول :" الحكومة دفعت بنا ونحن أبناء سبعة عشر عاما الى الجنوب تحت شعار" الطاغية الاميركان ليكم تدربنا".. "أمريكا.. روسيا قد دنا عذابها.. عليَ إن لاقيتها ضِرابها".. وهذا التحريض على قتال الاميركان وجهادهم هو الذي تحاكمنا به الحكومة اليوم"..!!
في المقابل غضت الحكومة الطرف عن انشطة تلك الجماعات وسمحت بأن تتمدد وسط الأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية. في ظل تسهيلات مالية لا تخطئها الأعين جعلت من عمليات التجنيد والاستقطاب سهلة للغاية ك(شربة الماء). اضف الى ذلك ان النظام كان يعي تماما وقتئذ أنه إن نزل الامريكان أو الغرب بساحته للقتال لن يجد – إن تلفت- سوى تيار السلفية الجهادية للوقوف بجانبه.. سيما وأن الإسلاميين رفعوا شعارات القتال على شفير الهاوية مرددين (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء). ولعل هذا ما دفع السلطة الى ابتدار استبدال السجن والمحاكمات بالمراجعات كما بينا في الحلقة الماضية.
مظاهرالتحالف الخفي بين الجانبين ظهرت ايضا في طريقة صياغة القوانين والتشريعات التي أخذت طابعا متشددا خاصة التي تتعلق بالمرأة أو المظهر العام وأبرزها قانون النظام العام الذي لم يسلم من هجوم وزراء الحكومة أنفسهم.. وعلى سبيل المثال قالت أميرة الفاضل وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي ، إن قانون النظام العام يحتاج إلى إعادة نظر وتعديل، وأضافت ل(الرأي العام) في (18ديسمبر2011م) أن القانون أسيء استخدامه ضد المرأة، وزادت:"د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم مقتنع تماماً بضرورة تغيير هذا القانون"!!.
ومنذ عامين شهدت الاوساط السياسية والقانونية وصراعا بين منظمات المجتمع المدني وراديكاليين بشأن المادة (13) من قانون الطفل، التي تمنع وتجرم ختان الإناث وانتهى الجدل بانتصار التيار المتشدد بدعم من رئيس الجمهورية حسبما نقل النائب البرلماني المتشدد دفع الله حسب الرسول حيث قرر مجلس الوزراء سحبها من قانون الطفل.
ولايظنن أحد من الناس ان القانون محايد.. فالقانون أداة في يد الطبقة الأقوى وكلنا يعلم ايهما الطبقة المنتفذة في نظام الحكم اليوم..!!
ويقول المفكر البريطاني (هارولد لاسكي) :" القانون ليس محايداً وانما هو تعبير طبقي فحزب الاغلبية هو الذي يتولى التشريع للقوانين ، برؤاه الاجتماعية وما على القضاء بعد ذلك غير تطبيقها، إذا، فأين حياد القانون"؟!!.
وبالرغم من التحالف بين السلطة الحاكمة والتيارات المتشددة – سراً وعلانية- إلا أن العلاقة بينهما لم ولن تبلغ مرحلة الاطمئنان الكامل، فهي بجانب تحالفهما فالعلاقة هذه يحكمها بالأساس التوجس والحذر وربما الغدر في أحايين كثيرة، ويُرجح مختصون بملفات الجماعات المتشددة أن السلطة الحاكمة تقوم بزرع جواسيس ،وفي كل جماعة من هذه الجماعات عيون لها ترصد وترقب، فالعلاقة أساساً تقوم على النفعية أكثر من المبدئية.. السلطة تستخدم كارت التشدد في وجه المجتمع الدولي كلما راق لها ذلك بل تستخدمه في الداخل كلما ضاقت بها الأحوال، وبالمقابل ظل الطرف الآخر من العلاقة - التيارات المتشددة- تتبع سياسة الابتزاز مع السلطة فتُمرر ما تريده من قرارات في ظل وهن السلطة الذي يعتريها بين الفينة والأخرى، وستظل العلاقة تكسوها هذه الروح المتوجسة لأن السلطة الحاكمة تُدرك تماماً أنه وقتما وجدت هذه التيارات سانحتها ستنقلب على السلطة وتُكفرها على أقل تقدير، وكذلك تُدرك هذه التيارات المتشددة أن أي تغيير سياسي قد يطرأ على الساحة سينتهي بها إلى غياهب الماضي وتصبح نسياً منسياً.
عداء قديم وخطاب متشدد..!!
وهنالك أمر آخر في معركة (كسر العظم) بين الصوفية والنظام يظهر في أن النظام ناصب أحد أكبر الطرق المتصوفة في السودان (الختمية) العداء، وازادت حدة العداء بين الطرفين بعد تولى مرشد السجادة الختمية محمد عثمان الميرغني، رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي، رأس الرمح في المعارضة الشمالية.. فربما وجد الاسلاميون أن المصلحة تقتضي العمل على تمييع مواقف الطرق الصوفية بطرائق شتى، أو مناصبتهم العداء والعمل على تشويه صورتهم،وكسر هيبتهم في نفوس الناس على النحو الذي قاموا به مع الشيخ عبدالله (أزرق طيبة) رئيس السجادة القادرية العركية الذي حاولوا اغتياله معنويا عندما نسبوه تارة للحزب الشيوعي وتارة أخرى للحركة الشعبية في أعقاب استقباله لباقان أموم بطيبة الشيخ عبدالباقي منذ سنوات.
فقه الدخول بالقدم اليسرى..!!
وتطرف الخطاب الدعوي في وسائل الاعلام الذي قرع الصوفية من أجله الاجراس يتجلى في الجدل المتطاول بشأن تحليل وتحريم الغناء بجانب الهجوم المنظم على البرامج الغنائية ك(نجوم الغد) و(أغاني وأغاني) والأخير اتهم مقدمه ووجهه الأبرز (السر احمد قدور) ب(الزندقة)، وأجبرت الحملة الشعواء قناة النيل الازرق والبرنامج المذكور التي وصلت ذروتها في رمضان العام 2011م على تحويله إلى سهرة بدلا عن بثه كما تعودت في الأربع سنوات الفائتة على بثه عقب الافطار مباشرة، قبل اعادته الى الزمن القديم بعد خفوت الحملة وتراجع رشح الإعلان بصورة مخيفة بعد تبديل زمن البرنامج.
وفي مارس 2015م ضجت الاوساط بحديث للأمين العام لمجمع الفقه الاسلامي البروفيسور عبد الله الزبير، اذ قال:"ذهبت ذات مرة لإلقاء محاضرة في دار اتحاد الفنانين، وقلت في نفسي هل أدخل الدار برجلي اليمنى ام اليسرى، وبعد أن خيّرت نفسي في ذلك اخترت الدخول برجلي اليسرى".
وانتابت الفنانين نوبة غضب إزاء تلك الكلمات الجارحة ، ودونما إبطاء تدافعوا لتنفيذ وقفة احتجاج بدار اتحاد الفنانين بامدرمان. وظهر عشرات الفنانين السودانيين، على اختلاف ميولهم السياسية، بالوقفة ونددوا بالتصريحات المسيئة، واعتبرها سقطة كبيرة كونها صدرت ممن يُحسب على المؤسسات الدينية.
وفي محاولة لتطيبب الخواطر، وإنهاء الازمة، سجل رئيس مجمع الفقه الاسلامي الدكتورعصام احمد البشير زيارة الى دار اتحاد الفنانين بام درمان، وتبادل اطراف الحديث مع الفنانين، وقدم اعتذارا عما بدر من عبد الله الزبير.
انحسار(ساهور).. صعود(طيبة) !!
ليس هذا فحسب بل نجد أن قناة (ساهور) المتهمة بالمدائح النبوية والتي ترفع شعار "حب النبي" تلاقي صعوبات مالية جمة كثيرا مما أدت لتوقفها عن البث الفضائي، بالرغم أن مؤسسيها أحد القيادات الاسلامية الوسيطة قبل الانقاذ وهو الشيخ خالد المصطفى (بكداش) في مقابل صعود إذاعة وقناة (طيبة) الوثيقة الصلة بالتيارات السلفية، بجانب ان برامج الفتاوى على الفضائيات السودانية بما فيها التلفزيون القومي ترتكز في غالبيتها العظمى على فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية وتلامذيه الموالين للمذاهب السلفية من المتقدمين والمتأخرين.
العودة من منتصف الطريق..!!
و إن غلت الحكومة يد حركة التصوف في بداية عهدها، وبسطت يد جماعات الهوس الديني غير أنها أرادت في مرات كثيرة أن تعيد الاعتبار للصوفية وطرقها عندما أحست أن الغلواء التي تقوم بها الجماعات المتشددة ربما تخرج عن السيطرة وينقلب السحر على الساحر..!!
غير أن الجماعات المتشددة كان قد نمت لها اظافر وبرزت لها أنياب ولم تكُ رعاية الحكومة وتهيئة الاجواء لها الحاضن الوحيد لقيام تلك الجماعات ونموها وسط الناس ، بل وكما ذكرنا كان لتراجع حركات اليسار والتيارات الليبرالية الاخرى كذلك دور كبير فالطبيعة لا تحتمل الفراغ ، فالملاحظ أن تلك الجماعات نشطت في أول الأمر وسط الأحياء الفقيرة تحت ستار العمل الطوعي والاجتماعي ،مستغلين حاجة البسطاء قبل أن تنتقل لاحقا إلى الأحياء الراقية التي ترفل في رغد عيش جعل أبناءها يعيشون في فراغ عريض، فلجأوا لكل ما يمكن ان يغيّب العقل ولعل الهوس الديني الذي ركبوا موجته كان ضربا من ضروب تغييب العقل.
التيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.