تقديم قال الدكتور حسن الترابي بأن نظام الإنقاذ الذي فصله في زمان مضى قد استنفد أغراضه ولم يعد قادر على مواجهة مشاكل السودان وارتأت عبقرية الشيخ أن يستبدل نظام تواليه الذي قيل إنه سبق به عصره وإن كان قد أوغل به بلده، ارتأى ان يخرج لنا بفذلكة جديدة دعاها بالنظام الخالف، أول ما يتبادر للذهن خيارات تسميات شيخ الترابي التي تنبع من ثقافته العروبوإسلامية فالخالف هو من يخلف سلفا طاهراً وكأنا بالشيخ يأبى لسانه أن يزم بنيه في قارب الإنقاذ المتهالك، وإن امتلأ قلبه حقداً وغلاً عليهم. لا غرابة أن يجمع خالف الترابي هذا، بين الإسلاميين سياسيين وزاهدين، غير أنه يتعدى ذلك وتعود به الذاكرة إلى ذاك المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي كان عراب له في زمان مضى ويدعو قوميين لتبوء موقعا وسط الخوالف وتتسع جعبة خالفه لتبحر بعيدا في خطب ود الليبراليين وعيناه في الغرب الذي أوجع نظام تواليه...! فهل تنجح فذلكة الحوار في إنقاذ نظام الإنقاذ من مصير أصبح محتوماً حتى في عيني عراب الإسلام الذي أعيته الحيل وبدى كأن عته شيخي قد أصابه؟ والآن إلى أول الهتيفه، ومفهوم عن كتلة تاريخية مزعومة، لم يخطر ببالي اسما معيبا كهذه التي دعي بالكتلة التاريخية، أما لماذا؟ ففي عرفي إن الكتلة عبارة عن تجمع يتصف بالعشوائية لا يمكن أن تحده قوانين أو تعهدات، أما تأريخيتها فهي توحي بتجاوز الحاضر لها، قد يستقيم إن نطلق هذا النعت على مجموعة لعبت دورا في الحياة السودانية في زمان مضى ويتم تقييمها بتكامل دورها دون اتفاق مسبق. أما محاولة جرجرتنا للحديث عن وجود كتلة تاريخية في عهد دولة المدينة فهذا افتراء حتى على التاريخ الذي كتبه المسلمين، فمن المعروف أن دولة المدينة كانت تأتمر بقيادة الرسول الكريم الذي لم يدعي بأنه من يصوغ قوانين الرعية بل نسب ذلك إلى وحي رباني، فهل دخلت الذات العلية في اقتسام سلطة المدينة مع من يكفرون بها...! ووصلت الفذلكة مداها حين حول الكاتب بقدرة قادر تحليل النظام الطبقي لكارل ماركس إلى كتلة تاريخية...! فكيف تماهى له أن الطبقة العاملة هي كتلة تاريخية؟ فالكتلة التاريخية التي يدعو لها تنبئ عن تصالح طبقي والماركسية أول ما عنت بصراع طبقي يحسم لصالح الطبقة ذات المصلحة في تطور العلاقات الاجتماعية نحو مجتمع تزول فيه الفوارق الطبقية، وهوما لن يتأتى بتصالح طبقي! أما غير ذلك فالحديث عن الكتلة التاريخية لا يخرج عن إطار دعاوي الوحدة الوطنية لمكونات المجتمع حين تلم به خطوب جلل، وهي دعاوي يطلقها اليمين واليسار وقد يكون التجمع الوطني وقوى الإجماع الوطني إحدى تجلياته في الساحة السياسية السودانية اليوم. ثاني الهتيفه ودولة المسلمين، في مخارجه أخرى نبذ أحدهم دولة الإسلام ليحل محلها دعوى لدولة المسلمين! فما هو وجه الخلاف بين دعواه والقفز من توالي الترابي الموؤد إلى نظامه الخالف المرجو، وكأنا نقتفي بتراثنا الذي يقول بأحمد وسيد أحمد!، دولة الإسلام هي الدولة الدينية بكل معانيها ودولة المسلمين لا مجال فيها لغير المسلمين إلا لمن صعر خده ودفع جزيته، فمن الذي يحكم في دولة المسلمين غير رجل دين يقيم حدود إسلامية على قاطني أرض السودان، حينها تصبح دولة المسلمين هي دولة الإسلام، التي تحاول الفئة المتأسلمة إقناعنا بعد ربع قرن من الزمان ويزيد، إن أحمد سوداني قح وسيد أحمد من بلاد الواق واق...! الخلاص في مؤتمر دستوري جامع، ما يمر به السودان حالياً، وإن كانت جذوره ترجع إلى بواكير الاستقلال، هو خلل في اقتسام السلطة والثروة، والمسئول الأول عن هذا الخلل هو تلك الصفوة التي تلقفت البلاد من مستعمر أجنبي وعينها على منافع ذاتية لا استحقاقات وطنية. تتمثل هذه الصفوة التي أورثتنا هذا الوطن الممزق في قيادات سياسية تناوبت على حكم البلاد منذ خروج المستعمر لم تنجح حتى في وضع دستور يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، إلى أن أتت سلطة الجبهة القومية الإسلامية " بمختلف مسمياتها" لتغرق البلاد في أتون حروب أهلية وهي تحاول فرض هيمنة عرقية دينية على أهل السودان، إن كان لسلطة الإنقاذ من محمدة فقد بينت أن اشكال السودان ينبع من سيطرة هذا المركز الطبقي على جموع الشعب في مختلف بواديه، فقد اتضح إن التهميش في السودان يمتد من داخل المركز نفسه ليتجلى في كل أصقاع البلاد غرباً وجنوباً وشرقاً وشمالاً ووسطاً. المطلوب الآن هو وضع دستور يحكم كل السودان بمبدأ التساوي في السلطة والثروة، بحيث لا يهيمن عرق أو دين أو حزب على البلاد، ولتحقيق ذلك يتوجب أن يجلس كل الفرقاء بمختلف انتماءاتهم ليتوافقوا على أسلوب حكم لا يهمش أحد. حتماً الوصول لتوافق يعني أو ما يعني إن ما لله لله وما للوطن للوطن وهذا ما يبعد الانتماءات الروحية والعرقية عن السيطرة على موجهات الدولة التي يجب أن تسع الجميع. هنا فقط يمكن أن يحدث تلاقي بين قوى سياسية ذات منطلقات أيديولوجية مختلفة مما يؤسس لوضع دستور للبلاد ولكن حين الاحتكام لرأي الشعب في تسيير أمر الدولة فأن ذلك يستوجب أن يطرح كل حزب أو توجه رؤيته في العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يفترض ان تحكم المجتمع السوداني في إطار سعيه لكسب تفويض الشعب له لقيادة دفة الدولة. من هنا فأنه لا بديل لمؤتمر دستوري يشارك فيه كل أطياف المجتمع، بدءاً من قواه السياسية وتنظيماته النقابية ومنظماته الشبابية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني، على أن يكون المبدأ الأساسي الذي يلتقي حوله هؤلاء هو أن السودان للجميع دون وصاية دينية أو عرقية أو حزبية، وهو ما يتطلب أن يحدد ذلك بصورة لا تقبل اللبس في دستور ديمقراطي يحكم أهل السودان. أن أي محاولات لإعادة نسخة الإنقاذ سواء من خلال نظام ترابي خالف أو كتلة تاريخية مزعومة أو فذلكة دولة للمسلمين، لن يكتب لها النجاح ولن تجدي في إنقاذ نظام أورث البلاد تقطيعاً وتدهوراً أعادها إلى قرون مضت، وعلى الفئة المتأسلمة أن تعترف بخطئها وتعود إلى حضن مجتمع يعيش في القرن الحادي والعشرين ولا يمكن ان يحكم بعقلية القرن السابع الميلادي. دون هذا المؤتمر الدستوري فأنا موعودون بمزيد من الحروب ومزيد من تقطيع أوصال البلاد، إن لم تعي الفئة المتأسلمة ذلك فعلى الجميع أن يتأبط سلاحه دفاعا عن عرضه وأرضه لأن البلاد ستستباح بأكثر مما هي مباحة الآن. العوض محمد أحمد لندن في 29/07/2015م العوض محمد أحمد