سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنقاذ : إحتكار التوظيف؛ خرافة البطالة.
نشر في الراكوبة يوم 20 - 08 - 2015


توطئة
إنها لرحلةٌ شاقة، أن يتعلم الأبيض الجلوس فى خانة التبادل المتكافئ، دون استعلاءٍ بلونٍ أو خلافه؛ رحلة مُمتدَّة من متاهة ال (Washington Consensus) حيث البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كانا يحكمان ويُنفذان كل ما يُمليه السياسى بالرغم من أنَّ صاحب الوقت هو الإقتصادى. رحلة أراد لها السياسى أن تكون غبيَّة، دموية، فاجرة فى الخصومة، قبل أن ينقهِر ويتراجع إلى سكناته يجرجر أذيال الخيبة.
شكراً لإقتصاديين من أمثال Joseph Stiglitz و Kenneth Arrow و غيرهما، الذين ما انفكوا يُعرُّون سوءات ال (Washington Consensus) ووضعونا على أعتباب مرحلة جديدة (Post – Washington Consensus Era) مهَّدَتْ الطريق للتعافى التدريجى مما سبَّبَته الفترة السابقة التى جعلت العالم على حافة كساد كبير آخر عظيم، وعلى حافة حروب مفتوحة. شكراً لهم لأنهم أعادوا للكينزية سيرتها الأولى (كينز الذى أخرج أوروبا من دمار الحرب العالمية الثانية بتطبيق النظريات الحاضَّة على الإنفاق الإستثمارى للوصول للطلب الفعال (Effective Demand) والعمالة الكاملة (Full Employment)) التى بواسطتها يُمكن أن نصل لعالم خالى من الأزمات.
شكراً لتوزيع السلطة على مستوى العالم (Diffusion of Power) الذى هذَّبَ طغيان القومية الإقتصادية الحمائية والشعوبية والتفكير الأيديولوجى الماحق والمغيب للحقائق. شكراً من ثان لمسألة توزيع السلطة التى مكَّنتْ بعض الدول الفاعلة من أن تكون قادرة على الإنفاق الإستثمارى وقادرة على حماية إستثماراتها فى الدول النامية؛ فأعطى كل ذلك بارقة أمل أن ينمو العالم الثالث رغم أنف الإمبريالية؛ حيث لأول مرة منذ تاريخ إستقلال أفريقيا تشهد أفريقيا جنوب الصحراء معدل نمو سنوى فوق ال 5% منذ منتصف تسعينات القرن الفائت.
وفى ذات الإتجاه، هناك دراسة أعدتها مديرة صندوق النقد الدولى كريستين لاقارد تشير إلى أنَّ أفريقيا (وجنوب شرق آسيا) فى ال 30 سنة القادمة ستشهد زيادات حادة فى العناصر الشابة. وتمضى لاقارد لتقول أنَّ: "الشباب أرض خصبة للإقتراع والدينمائية والوعى الخلاَّق إذا ما وجدوا الوظائف" Christine Lagarde 2014))؛ فما بالُ حكومة الإنقاذ تجحدُ بالوظائف.
دورة الأعمال، الطلب الكلى، وعناصر الإقتصاد الكلى الأربع
تخبرنا النظرية الإقتصادية بأنَّ كلَّ عناصر الإقتصاد الكلى (معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى، البطالة، التضخم، إختلالات ميزان المدفوعات) فى المدى القصير (سنتين فأقل) تكون مترابطة مع بعضها البعض، وكلُّها تعتمد على الطلب الكلى ولكنَّها تختلف باختلاف فترة دورة الأعمال (أُنظر الشكل أدناه(.
دورة الأعمال (The Business Cycle):
Output
حيث المنحنى يمثل الإنتاج الفعلى، والخط المستقيم المائل إلى أعلى يمثل الإنتاج المخطط.
السهم عند المرحلة الثالثة من دورة الأعمال الثانية يُشير إلى النقطة التى يكون عندها الإنتاج عالياً، والبطالة منخفضة، لكن التضخم واختلال الميزان التجارى يكونان مرتفعين.
أما السهم عند المرحلة الأولى من الدورة الثالثة للأعمال فيشير إلى النقطة التى عندها يكون التضخم واختلال الميزان التجارى فى حالة إنخفاض، لكن الإنتاج يكون منخفضاً وبالتالى ترتفع معدلات البطالة.
فحينما تكون دورة الأعمال توسعية (عند المرحلة 1، و2)، ينمو الطلب الكلى بشكل سريع وتتجسَّر الفجوة بين المنتجات الفعلية والمخططة. وهنا يكون معدل نمو الناتج المحلى سريعاً نسبياً، وتنخفض البطالة (أى أنَّ إثنين من العناصر قد تمَّتْ معالجتهما). ومن الناحية الأُخرى، فإنَّ العنصرين الآخرين يتفاقمان: أى يكون التضخم عالياً، وتزداد إختلالات ميزان المدفوعات.
وعندما تكون دورة الأعمال فى قمة إنتعاشها، يكون الناتج المحلى الإجمالى فى أعلى مستوىً له، وتكون البطالة فى أقل مستوىً لها. ولكن عند هذا المستوى لن يزيد الناتج المحلى الإجمالى، بل يتوقف وربما يكون قد بدأ فى التراجع. ولحظتها أيضاً يكون التضخم وميزان المدفوعات فى أسوأ حالاتهما.
حينما يتحرك الإقتصاد نحو المرحلة (4) من دورة الأعمال (مرحلة الكساد)، يكون الإقتصاد على عكس ما هو عليه عند المرحلة (2)؛ حيث نقصان الطلب الكلى يجعل النموَّ سلبياً، والبطالة عالية. غير أنَّ التضخم يكون قد بدأ فى التراجع والإنخفاض، وبدأ ميزان المدفوعات فى التعافى والتحسن.
هذا الوضع (معالجة عنصرين يُفاقم العنصرين الآخرين) يجعل أىَّ حكومة فى مواجهة معضلة. فلو أنَّ الحكومة وسَّعتْ (reflate) إقتصادها (أى إنفاقها الإستثمارى) فالنمو والبطالة يتحسنان، والتضخم وإختلالات ميزان المدفوعات يسوءان. ولو أنَّ الحكومة ضاءلتْ (deflate) إقتصادها يكون العكس صحيحاً؛ التضخم وميزان المدفوعات يتحسنان، غير أنَّ الإنتاج يكون متناقصاً، وتكون البطالة فى ازدياد.
شاهد هذه الحيثية هى علينا أنَّ نعى بأنَّ الحكومة حين تتحدث عن ضبط كل عوامل الإقتصاد الكلى لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية، فهى حتماً تكذِب وتتحدث حديثاً سياسياً مرسلاً. ومتى ما تحدثت الحكومة عن معدلات نمو إيجابية (ونرجو ألآَّ يكون ذلك للإستهلاك السياسى)، فعلى الشعب (ناس حُمَّد – احْمَد) أن يسألها: أين الوظائف المصاحبة لزيادة الإنتاج؟ أما إذا كان الأمر للإستهلاك السياسى وهو الأمرُ الغالب، فسوف تلجأ الحكومة إلى المعالجات (ضبط التضخم وضبط اختلال ميزان المدفوعات) التى تلبى رغبة مؤسسات التمويل الدولية ورغبة السوق الموازى الطفيلى على حساب إقتصاد ناس حُمَّد – احمد، وكذلك تفعل.
متلازمة إنخفاض البطالة بارتفاع معدل النمو السنوى ولغز التوظيف فى عهد الإنقاذ
تشير بعض الدراسات الموثوقة (بروفسير على عبد القادر على: منتدى الإقتصادى السودانى. كوم) أنَّ الإنقاذ بالفعل قد شهدت معدلات نمو موجبة، وحول هذه الحيثية يقول بروفسير على عبد القادر على أنَّ: "أحدث النتائج التطبيقية فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي للسودان توضح أنه ولأول مرة في تاريخه الحديث تمكن القطر من تحقيق معدلات نمو للدخل الحقيقي للفرد موجبة ومستمرة ومتزايدة خلال الفترة منذ عام 1994 حيث ارتفعت معدلات النمو هذه من حوالي 0.5 في المائة سنوياً إلى حوالي 6.3 في المائة سنوياً عام 2005".
هذه المعلومة تتأكد بالجدولين (1)، و(2) أدناه اللَّذان يؤكدان بكلِّ وضوح ما ذهب إليه أستاذنا الجليل بروفسير على عبد القادر على، وهو إضطراد معدل النمو الأيجابى فى خطه العام (ولو بمعدل متناقص فى بعض الأحيان) منذ عام 1994 إلى الآن (باستثناء عامى إنفصال الجنوب 2011 و 2012 حيث كان معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى سالباً، كما أنَّ المعدلات للأعوام 2014 و 2015 هى أرقام تقديرية).
ما يجدر الإشارة إليه هنا أنَّ الأرقام بعاليه أرقام رزينة وهى الأوثق فيما يتعلق بأداء الإقتصاد السودانى (باستثناء أرقام عامى 2014 و 2015 التقديرية). وعليه، نُكرِّر، يجب أن يسأل الشعبُ السودانىُّ (وبرلمانُهُ نؤوم الجلسات) الحكومةَ عن الوظائف المكافئة لمعدلات النمو الإيجابى تلك. أما إذا أردنا أن نحاسب الإنقاذ بمعدلات النمو المطبوخة (كثيفة المحلبية) والتى فى بعض تصريحاتهم تجاوز معدل النمو فيها 11%، فبالإمكان أن نرفع سقف المطالبة بأعلى من ذلك بكثير.
وطالما أنَّ الأرقام المعلنة بواسطة الحكومة قد ثبت أنَّها حقيقة، كما أطلعنا علماؤنا ومؤسسات التمويل الدولية (ونستثنى منها بالطبع أرقام العامين الأخيرين التى كذَّبها صندوق النقد الدولى كما أثبتنا ذلك فى دراسة سابقة)، فحُقَّ لنا أن نتشكَّك فى أرقام البطالة التى تبذلها السلطة (كما فى الجدول أدناه)، وتلك المذكورة فى التقارير الدولية والتى تشير إلى أن السودان فى القائمة الأسوأ من حيث معدلات البطالة فى العالم (منظمة العمل الدولية، تقرير بعثة التقييم المستقل عن شمال أفريقيا للأعوام 2010 – 2013).
وعليه، فإنَّ الفرضية التى حرَّكت هذا الأُطروحة هى أنَّ البطالة فى السودان ليست من شح الوظائف، بل من إمتناع الدولة عن التوظيف واحتكاره لأهل الولاء ولأغراض الإبتزاز السياسى (جَوِّعْ كلبك يتبعك) والتخطيط الديموغرافى؛ وبالتالى البطالة بالقدر الذى تتكلم عنه الدولة مُفتعل.
الشواهد على إحتكار التوظيف وخرافة التبطُّل
1- يُحمد للإنقاذ كواحدة من الشرائح الرأسمالية التى حكمتْ فى السودان (قارنها بالشرائح الأخرى: الشريحة التجارية – الإتحاديين، والشريحة الزراعية – الأنصار، وشريحة بورجوازية الدولة – نظامى عبود ونميرى) أنَّها قد أضافت العديد من القطاعات الجديدة لمصفوفة القطاعات الإقتصادية فى السودان عن طريق الإدخار الإجبارى (إستقطاع 50% من مخصَّصات قطاعى التعليم والصحة، بالإضافة إلى تحويلات السودانيين العالملين بالخارج): كالبترول، التعدين، الطاقة، الصناعات التجميعية، التصنيع الحربى، وغيرها. وبالطبع فإنَّ الإنفاق الإستثمارى فى هذه القطاعات هو المسئول عن معدلات النمو الإيجابية المذكورة بعاليه.
غير أنَّ هذه المحمدة قد أفسدتها الإنقاذ بإحتكار التوظيف فى هذه القطاعات (واحتكار عائداتها لمنسوبيها لتُدار خارج الدورة الإقتصادية لحكومة السودان، فى ماليزيا وغيرها) حصراً للفئات التابعة للنظام وتلك الموالية له. بل لا توجد بطالة بين أتباع النظام البتة، ويشهد ويعضد هذا الزعم أنَّ منسوبيهم من دفعة المهندسين المتخرجين فى العام 1988- 1989 قد تم تعيينهم فى بعض المرافق الحيوية (كالهيئة العامة للكهرباء على سبيل المثال) قبل ظهور نتيجة الإمتحان النهائى. وحينما بدأ العمل فى إستخراج البترول، تمَّ استدعاء منسوبيهم الذين يعملون فى مجال البترول فى الخليج، وتمَّ تعيينهم بكامل مخصصاتهم وإمتيازاتهم الخليجية. وفى كثير من الأحيان تُخبأ الوظائف الفائضة عن حاجتهم وتُدَّخر بانتظار تخرُّج منسوبيهم.
وفوق ذلك لايستطيع أحد (كائناً من كان) أن يتحصل على بيانات التوظيف الحقيقية فى السودان، والذى تقول عنه إحدى الباحثات: "الجهد الذى بذل فى مجال الإستخدام إتضح أنَّه يفتقر إلى النظرة الشمولية ... ولم يتم التعامل معه فى إطار سياسة واضحة أو أهداف محددة" (راجع رجاء كامل، الراكوبة 01/ 11/2012).
وليعلم القارئ الكريم أنَّ ابتداع قطاعات جديدة وتحقيق معدلات نمو إيجابية كهذه، قد مكَّنت الصين من إزاحة الفقر عن 353 مليون صينى، أى ما يُعادل سكان أمريكا، ما بين 1978 – 2006 (Stiglitz 2006). كما أنَّ معدلات نموٍ كهذه قد جعلت ماليزيا منذ منتصف تسعينات القرن الماضى فى وضعية أقرب للعمالة الكاملة وحتى الآن (Hussein 2009)، خاصة مع تدفق مئات المليارات الإنقاذية إليها (وما أذكى مهاتير محمد الذى استطاع تسخير جلَّ الأموال المسروقة من السودان لصالح بلده).
2- هناك تركيز دائم من جانب الحكومة (ولمدة أكثر من ربع قرن) على معالجة مشاكل الطلب الكلى المرتبطة بالتضخم وميزان المدفوعات، وبالتالى هناك إهمال دائم ومتعمَّد للشق الآخر الذى يحوى البطالة بالرغم من المعدلات الإيجابية للنمو. وهذا يعنى فيما يعنى؛ رفع يد الحكومة عن معالجة مشكلات البطالة وعن كل الخدمات الإجتماعية المناط تقديمها بواسطة الدولة للفقراء (الصحة، التعليم، الإسكان، وغيرها)، وبالتالى التنصُّل من الشق الإجتماعى فى الإنفاق القومى لحكومة السودان بالكامل (إقتصاد، إجتماع، سياسة)، طالما أنَّ منظومتهم الإجتماعية خارج دائرة الفقر، وتُدير إقتصادها الموازى خارج إحداثيات العرض والطلب لحكومة السودان.
ولم تسلم حتى البرامج المستقبلية التى فى رحم الغيب من هذا الإهمال المتعمد لمشكلة البطالة كالبرنامج الخماسى 2015 – 2019 (والذى يستهدف فى سنته الأولى 2015 معدل بطالة قدره 17.9%، معدل نمو 3.6%، معدل تضخم 25.3% (فى المتوسط 20%)، واستقرار سعر الصرف، وأخيراً معدل نمو فى الكتلة النقدية قدره 15.4%). وكما ذكرنا بعاليه فإنَّ السيطرة على كل المشاكل المرتبطة بعناصر الطلب الكلى يعتبر مغالطةً وحديثاً مُرسلاً، وسرعان ما تنتهى الحكومة بالسير فى خطها العام برفع الدعم ومكافحة التضخم. وليس أدلَّ على ذلك من إعلان الحكومة أنَّها ستزيد تعرفة الكهرباء والمياه فى بداية أغسطس الجارى؛ وذلك يُنذر بألاَّ بصيص فى الأفق لحل مشكلة إحتكار التوظيف فى السودان.
3- هناك غايتان ترجوهما الإنقاذ من إحتكار التوظيف: الأولى إخضاع النَّاس (خصوصاً الطبقة الوسطى/الإنتلجنسيا السودانية) لهم بالتجويع وحملهم على الإحباط واليأس، وكسر عزيمة الفئة المناط بها التغيير، وإنْ أمكن إستفزازها من الوطن وحملها أيضاً على الهجرة القسرية لتنعم الدولة بالهدوء السياسى والعمر المديد (أُنظر الفيديو). https://www.youtube.com/watch?v=NazkLsrbQvE
الغاية الثانية (وهى أيضاً مرتبطة بالهجرة) الإستفادة القصوى من تحويلات السودانيين العاملين بالخارج فى مشروعات جديدة (وسرقة عائداتها كما سُرقت عائدات البترول من قبل). وعلينا أن نتذكر أنَّ ثانى أكبر مورد للعملة الصعبة بعد البترول قبل الإنفصال (ربما هى الأولى الآن) هو تحويلات السودانيين العاملين بالخارج. والكل يشهد المحاولات المحمومة والمهمومة لحاج ماجد سوار لإنشاء بنك للمغتربين لاصطياد تلك التحويلات، غير أنَّ المغتربين قد فطنوا ِلَلعبة الحكومة.
4- من الواضح أنَّ ولاية الخرطوم تخبئ الكثير من الوظائف التى تود استخدامها للتأثير على الديموغرافيا السياسية للعاصمة القومية. وبالتالى فهى لا تعلن عن وظائفها إلاَّ بمقدار، وحينما تكون الخرطوم فى حالة اضطراب سياسى يطل علينا الأخوانويون معلنين (فى لا زلَّة لِسان) أنَّ مشكلة البطالة يمكن حلها، وأنَّهم يستطيعون أن يُوفروا العديد من الوظائف فى وقتٍ وجيز.
إنَّها ليست زلَّة لِسان، إذاً، أن يكون عدد الوظائف المتاحة للأجانب فى الفترة ما بين 2005 - 2010 88522 (رجاء كامل، سبق ذكره)؛ إنَّها ليست زلَّة لِسان أنَّ يتعهد رئيس مؤتمر آفاق الإستثمارات المصرية فى السودان (ماجد العقيلى) الذى نظمته القنصلية السودانية فى أُسوان 2011 بأنَّه سيُعلِن عن 800 ألف (800000) وظيفة للشباب المصريين للعمل فى السودان خلال 5 سنوات قادمة (صحيفة الراى العام 06/11/2011)؛ إنَّها ليست زلَّة لِسان أن تصل العمالة الآسيوية فى 2011 إلى 46638 والعمالة الأفريقية إلى 11869 ناهيك عن العمالة الأخرى (تهانى عثمان الصحافة 06/11/2011)؛ إنَّها ليست زلَّة لِسان أن يُعلن صندوق تشغيل الخريجين فى 24/10/2010 على لسان أمينه العام أنَّه سيوفر مليون (1000000) وظيفة جديدة فى العام المقبل 2011 بخلق شراكات مع القطاع الخاص (محمد عثمان، الصحافة، 24/10/2010)؛ إنَّها ليست زلَّة لِسان أن وجّه مجلس وزراء الخرطوم برئاسة والي الولاية بالإنابة صديق الشيخ، بالتحضير لمهرجان التشغيل الثالث لمشاريع الخريجين، الذي تخطط الولاية لإقامته في مارس المقبل، ويمثل المشروع البداية الحقيقية لمشروع تشغيل مائة ألف (100000) شاب وخريج بالولاية (شبكة الشروق، 26/02/2014)؛ إنَّها ليست زلَّة لسان أن يتعهد رئيس الجمهورية فى 04/10/2012 "بإيصال نسبة البطالة وسط الخريحين لدرجة الصفر وتحويل الشباب لنماذج منتجة... وفى ذات السياق شدَّدَ والى الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر على أنَّه لا عذر لخريج بعد تدشين هذه المشاريع الإنتاجية بالبقاء عاطلاً" (هبة عبد العظيم، السودانى، 04/10/2012)؛ إنَّها ليست زلَّة لِسان أن يقلِّل والى الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر فى 08/06/2014 من مشكلة البطالة التى يواجهها الشباب، واعداً فى تصريحات صحفية عن توظيف كل شاب يأتى إالى مكتبه (الجزيرة.نت 09/06/2014)؛ إنَّها ليست زلة لِسان أنْ أعلنت ولاية الخرطوم عن إستهداف تشغيل (27) ألف خريج وخريجة في مختلف المشاريع الفردية والجماعية فى عام 2015 (وزارة التنمية البشرية والعمل، ولاية الخرطوم، 18/03/2015). وأخيراً، إنَّها ليست زلة لسان أن يتكفَّل إتحاد أصحاب العمل السودانى بتوفير أكثر 200 ألف وظيفة لو تمَّ رفع الطاقة الإنتاجية للمصانع القائمة الآن 60%.
وها هو التحصيل الإلكترونى يعرى العديد من الوظائف المخبئة السرية (17000 وظيفة متحصل)، وهناك المئات (إن لَّم يكن الآلاف) من الوظائف المؤقتة تتبع لكلِّ متنفذ بالنظام. وقد كشفنا لكم فى مقال سابق أن د. حسن أحمد طه وحده كان له من المؤقتين حتى عام 2002 فقط 442 موظفاً مؤقتاً بوزارة المالية والإقتصاد الوطنى.
ولو أنَّ كلَّ مسئول إنتهج نهج والى الخرطوم المهندس عبد الرحيم محمد حسين، الذى قام بفصل 28 موظفاً مؤقتاً واستغنى عن خدمات 160 مستشاراً كانوا يعملون فى مكتب الوالى السابق، ولوجدنا أنفسنا على أعتاب بطالة صفرية تماماً كما حندكنا سيادة الرئيس خَجْ/ عمر حسن أحمد البشير، والذى هو نفسه فى حالة بطالة فنية، وعلى الخريجين وغيرهم أن يتنافسوا على مقعده.
المحصلة
بحسب تقرير وزارة العمل الصادر فى 2011 عن البطالة فى السودان ما بين 2005 – 2010، فأنَّ عدد العاطلين عن العمل فى السودان فى 2010 (أُنظر الجدول أعلاه) 2.5 مليون فرد، وهو بحساب إتحاد أصحاب العمل 2 مليون (د. الفاتح عباس، ندوة مساهمة القطاع الخاص فى مكافحة البطالة)، وبحسب قراءة الخبير العالمى فى مسح القوى العاملة إبراهيم أحمد (يتراوح ما بين 1750000- 2000000) (سوادنتريبيون، 28/08/2013) . وهذه الأرقام فى المتوسط تساوى (2,083,333) شخص عاطل عن العمل.
وإذا قمنا بتجميع الوظائف التى قالت الحكومة بأنها تستطيع توفيرها، مضافةً إلى الوظائف التى يشغلها أجانب (إستبعدنا أرقام الآسيويين والأفارقة لتلافى التكرار، واستبعدنا الوظائف الحرام المتعلقة بالمؤقتين والمتحصلين - 17000)، مضافة إلى الوظائف التى تكفَّل القطاع الخاص بتوفيرها إذا ارتفعت الإنتاجية بنسبة 60%، فإنَّنا نجد المجموع الكلى يساوى (221,552,2) وظيفة وهو أكبر من عدد العاطلين عن العمل فى السودان.
الخاتمة
ننتهى مِمَّا جاء بعاليه إلى أنَّ أىَّ إنفاق إستثمارى يرفع من معدلات النمو لا مُحالة، ولابد أن يسهم ذلك فى خلق فرص عمل جديدة خاصة مع ابتداع قطاعات جديدة، والتى من شأنها أن تجعل البطالة فى أدنى مستوياتها؛ إن لَّم تكن عند مستوى التشغيل الكامل. وكان من الممكن أن يتضاعف ذلك بإعادة إستثمار عائدات البترول المسروقة داخل البلد (بدلاً من ماليزيا، والخليج، وأثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وبيونس إيرس، وغيرها) لو لا جُبْنُ اللَّصِّ وشُحُّهُ.
فالسعودية مثلاً باكتشاف البترول فقط، حلَّتْ مشكلة البطالة عندها وعند الدول العربية الأخرى مطلع سبعينات القرن الفائت. فما بال السودان وقد أدخل فى مصفوفة قطاعاته الإقتصادية البترول، الذهب، صناعة الطاقة، الصناعات التجميعية، وغيرها ومازالت البطالة عنده أكثر من 2 مليون فرد.
هذا الأمر لا يعكس البطالة ولكن يعكس إمتناع الدولة عن التوظيف؛ فهى لا توظِّف إلاَّ بمقدار ما يضمن الولاء لها، بمقدار ما يؤثر فى الديموغرافيا السياسية فى العاصمة القومية مستقبلاً لصالح مشروعها الحضارى، وبمقدار ما يُرهق الغريم السياسى.
الآن أمام 2 مليون عاطل (الذين إن بصقوا على الإنقاذ لماتت غرقاً، وإن حصبوها بالحجارة لقتلوها رجماً) خياران: إمَّا أن يقتعلوا وظائفَهم من فكِّ هذا النظام الجاحد، وإما أن يقتلعوا النظام؛ ليسَ ثمة طريقٍ ثالثة.
حسين أحمد حسين،
باعث إقتصادى مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.