بعد فشل محادثات سلام الجنوب التي جرت بأديس أبابا بامتناع سلفا كير عن التوقيع على وثيقة السلام المعدة بواسطة الايقاد، رصدت وسائل الإعلام أرملة الزعيم جون قرنق؛ ربيكا قرنق، وهي تجهش بالبكاء وتذرف الدمع السخين على المآل الذي انتهت اليه المحادثات، ما يعني استمرار حرب تكسير العظام الدائرة بين الطرفين، وسبحان الله أن ينتهي الحال باستقلال الجنوب الى هذا الدرك الذي يستمطر الدموع والنواح من بعد الأماني العذاب التي بشر بها سياسيو الجنوب ونخبه عامة أهلهم، فإذا بالأفراح والليالي الملاح التي منوهم بها؛ تنقلب الى نقيضها، وقد صدق من قال إن السياسيين هم الأقل بكاء والأكثر إبكاءً للناس على مرّ التاريخ، وبالطبع فإن سياسيينا في الشمال والجنوب مثلهم مثل الغلبة الغالبة من سياسيي العالم، منهم من بكى قليلاً ولكنه أبكى الناس كثيراً. وعلى ذكر دموع ربيكا؛ أذكر من أبرز الدموع التي ذرفت في مجال العمل السياسي والوطني، ذلك البكاء الحار والدمع السخين الذي ذرفته مدراراً إخلاص صلاح وداعة الله؛ المشهورة باسم (إخلاص قرنق)، وهي بالمناسبة ليست (ضرة) ربيكا وإنما لاسم قرنق الذي ارتبط باسمها حكاية روتها مرة قائلة عنه إنها سميت به بسبب ارتباطها الشديد بأسرة جار لهم كان يدعى قرنق بمدينة ملكال التي ولدت بها ونشأت فيها (وليس نسبة للزعيم الراحل جون قرنق - كما يعتقد الكثيرون)، منذ أن نقل والدها الشرطي للعمل هناك. كانت إخلاص قيادية ناشطة في الهيئة الشعبية لدعم الوحدة، وكان أن ألقت أوانذاك (قبل موعد استحقاق التصويت على تقرير المصير بقليل)، خطبة حماسية ملتهبة عن ضرورة الوحدة التي بدأت حظوظها في التآكل، أبكتها هي نفسها قبل أن تبكي معها الدكتور نافع رغم مقولته الشهيرة (انفصال باقان أفضل من وحدة قرنق). الآن وبعد مرور مياه كثيرة من تحت وفوق استقلال الجنوب أو إن شئت انفصاله، حتى أُغرقت الدولة الوليدة في بحار ومخاضات من الدم بما يشهده من معارك شرسة ومذابح كارثية، وسادت أرجاءه الهمجية، ربما أدى هذا المشهد المأساوي لتغيير كثير من القناعات السابقة خاصة في أوساط العامة وغمار الجنوبيين وهزّ ذلك الاصطفاف العنيد الذي وقف خلف الانفصال حتى تحقق بنسبة عالية جدا، ويكفي أن امرأة مثل ربيكا قرنق تذرف الآن دمعها بكاءً وحسرة على الحال الذي انتهى اليه الاستقلال بدلاً من دموع الفرح بتحقيق الآمال وبلوغ الطموحات التي علقت عليه، وما كل ما يتمنى المرء يدركه، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. وها هي سفن الانفصال تأتي بنقيض ما كان مأمولاً فيه، فالدولة لا تقوم ولا تبنى بمحض أمنيات وأحلام، وهذا هو الدرس المستفاد. [email protected]