** أسعى منذ زمن لإجراء حوار مع د. أمين حسن عمر، ربما لكون الرجل في مقدمة الذين نادوا بإصلاح الحزب والدولة، ورفع شعار التجديد وإفساح الكراسي للشباب.. كان حريا أن نسأله في ثنايا الحوار عن ما جرى في هذا الملف، فأجاب بأنه لا يزال يؤمن بالتجديد، ولكن باشتراطات، أهمها أن لا يفتح بابا لإضعاف الحزب، بل وقال إنه يمكن أن يبقى في السلطة سبعين سنة طالما كانت قناعته أنه مفيد وعطاؤه مستمر وانتخبته القيادة، أما عن ما قدمته الحركة الإسلامية للحياة الفكرية بعد (26) سنة من الحكم والسلطة فقال: (الحياة الفكرية في السودان لم تتأثر كما تأثرت بالحركة الإسلامية)، ولكن هل تأثرت بإبعاد الدكتور حسن الترابي؟ الإجابة على هذا السؤال وأسئلة من هذه الشاكلة، أجاب عنها بصراحته المعهودة.. لست بصدد التذكير بأن أمين كان حاضراً في صفحات الصحف خلال اليومين الماضيين، عطفاً على أحداث (روتانا)، ولكن ما ينبغي قوله هو أن مجريات جلستنا معه السابقة للأحداث لن يتم التطرق خلالها للشأن، مثلما أننا لم نهاتفه بعدها، في ظل المداد الكثيف الذي سال، ودفوعات أمين وتفسيراته التي مضت بها الكثير من أنباء اليومين الماضيين.. ما ينبغي قوله في سياق التقديم أيضاً هي تلك الملاحظة الوحيدة في نهاية الحوار التي أبديتها له؛ أنه أصبح أكثر حدة عن ما مضى، وكثيرا ما يرد على السؤال بسؤال. أمين قدم دفاعه عن التهمة وقال: (أنا صحفي).. * أنت ومجموعة من المثقفين تعكفون على تقييم تجربة الحركة الإسلامية في الحكم، هل هذا بتكليف من جهة أم مبادرة منكم؟ - التقييم في الحركة الإسلامية عملية مستمرة، وقبل أربع سنوات، أصدرنا تقريرا كبيرا من مئات الصفحات، حول تقييم وإصلاح الحركة، وصحيح لا يتم نشره للعامة ويتداول في ما بين قيادات الحركة، والتفاكر في تقييم التجربة لا يحتاج إلى تكليف. * وماذا تم خلال أربع السنوات التي تلت التقرير الكبير عن الإصلاح والتقييم؟ - ليس كل تشخيص سيصف الداء، وليس كل دواء سيشفي من المرض، ولكن هناك قرارات كبيرة اتخذت وفقا لذلك التقرير، ومن ذلك التقرير وصلنا إلى وثيقة الإصلاح، وهذه الوثيقة تناولت الإصلاح في الحزب والدولة، وعن تجربة الحكم نفسها، وفي النهاية تبنتها الدولة. * أنت لم تكن راضيا عن تنفيذ وثيقة الإصلاح؟ - صحيح في أول الأمر شعرت ببطء، وحدث ركود في تنفيذ الوثيقة.. * والآن..؟ - في الحقيقة من بعد ذلك بدأت خطوات قوية جدا من الدولة، واهتمام كبير بالإصلاح، مجلس الوزراء كون لجنة برئاسة النائب الأول، مهمتها النظر في التشريعات والجانب المتعلق بتنفيذها، ومن بعد ذلك حتى اختيار المسؤولين للمناصب تم وفق وثيقة الإصلاح، والمفارقة أن النائب الأول للرئيس، عقد مؤتمرا صحفيا عن الإصلاح وعن وثيقة الإصلاح ولكن الإعلام لم يهتم، وظل يجري وراء الأمور الشكلية، والنائب قال تلك الكلمة، لذلك ما يحتاج إلى إصلاح حقيقي الإعلام بصورة عامة والصحافة بصورة خاصة. * مرتكز الإصلاح كان يقوم على تجديد القيادة، وهذا لم يحدث، ومثلا إبراهيم أحمد عمر يجلس على رأس الجهاز التشريعي، وأنت نفسك بعد 26 سنة لا تزال في السلطة، أليس في ذلك هزيمة للإصلاح؟ - هذه نظرة سطحية للإصلاح، وأنا شخصيا أعتقد أن موقع إبراهيم أحمد عمر يحتاج إلى شخص مخضرم، له علاقات سياسية واسعة، وهذا هو الموقع الوحيد الذي لا نريد فيه وجوه جديدة، لأنها جهة بناء علاقات، ويكفي أن الوجوه الموجودة في البرلمان 55% منها جديد، وفي السياسة لا يوجد مفهوم إن كان الشخص قديما لا يظهر مرة أخرى، يجب أن تكون هناك وجوه قديمة حتى نسمح للتجربة أن تتصل. * هذا الكلام ظل يستغل لبقاء الشيوخ في المناصب وإبعاد الشباب؟ - أنا أكثر من تحدث بضرورة التجديد، ودعم الشباب واختيارهم للمناصب. * ولكن الآن تراجعت؟ - لم أتراجع، ولكن الحديث عن إبدال الوجوه القديمة بالجديدة بات يستغل لإضعاف الحزب. * هل يمكن أن يفهم من كلامك أن خروج علي عثمان ونافع علي نافع أضعف الحزب؟ - إذا أخرجناهم نهائيا من الصورة فسيضعف.. * هل يمكن أن نقول إن ما تحقق من الإصلاح مرضٍ؟ - أنا على يقين أن الإصلاح سيمضي حتى النهاية، صحيح يحدث له ركود أحيانا وتعارضه مجموعة، وأحيانا يجد قيادات مؤيدة ولكن سيمضي.. * وأنت شخصيا هل رضيت من السلطة بملف دارفور فقط؟ - حتى ملف دارفور لم أرض به، واعتذرت عنه أكثر من مرة والرئيس يكلفني به. * هل عبارة (كلفني الرئيس) مبرر للبقاء (26) سنة في السلطة؟ - سأبقى سبعين سنة في السلطة طالما مقتنع بأني مفيد وعطائي مستمر، وبما أنني انتخبت سأبقى، ودي ما عقدة. * أنت لم تنتخب أنت مكلف؟ - القيادة هي من انتخبتني، والقيادة منتخبة، والرئيس البشير لم يقم بالانقلاب أمس، وظل يحكم (26) سنة برغبة الشعب وانتخابه له.. * هنا رأي قوي يتردد بأن الحركة الإسلامية بشكلها التقليدي لم تعد ذات جدوى.. - ولماذا تظل هنالك جدوى للختمية، وجدوى للمهدية، وجدوى للجمعيات الاشتراكية، ولماذا وحده فكر الحركة الإسلامية لم يعد له جدوى؟! * بمناسبة فكر الحركة الإسلامية، هل تحقق مشروع الحركة الإسلامية الفكري بعد 26 سنة في السلطة؟ - الحياة الفكرية في السودان لم تتأثر في يوم من الأيام بفكرة كما تأثرت بفكر الحركة الإسلامية.. * أين يتجلى هذا الأثر في الحركة الفكرية في السودان؟ - في حياة الناس وسلوكهم، والكل يعلم ذلك.. * بشكل أكثر دقة ماذا حقق المشروع الإسلامي الحضاري الذي تبنته الإنقاذ بعد (26) سنة من وجودها في السلطة؟ - هذه جمل إنشائية صحفية ليس إلا - المشروع الحضاري - المشروع هو الإسلام، ونحن نعبر عن الإسلام، بينما الآخرون يريدون اشتراكية ثورية أو ليبرالية تتبع للغرب وتتأسى به، وهذا كله ليس من الإسلام في شيء ولم يدع له، نحن في مقابل هذا ندعو للإسلام. * كأنك تصور الصراع بين إسلاميين وعلمانيين، والحقيقة أن الأحزاب المعارضة تعارض المؤتمر الوطني وليس الإسلام، ودونك حزب الأمة والاتحادي، وحتى أحزاب البعث يمكن أن ينطبق عليها ذلك.. - البعثيون لا علاقة لهم بالفكر الإسلامي، ولا يدعون له، ولا يدفعون عنه حتى، وغالبيتهم لا يلتزمون به في سلوكهم الشخصي، أما حزب الأمة وكل الأحزاب اليمينية التي تطرح فكرة إسلامية، وأي جهة تتبنى المرجعية الإسلامية نعده إسلاميا، أما اختلاف تنظيماتهم السياسية فهذا شيء طبيعي، حزب الأمة والاتحادي وأنصار السنة، كلها تتبنى أطروحات إسلامية، وهنالك فرق بين وحدة التنظيم ووحدة الفكرة والتوجه، وإن تأسست مجموعة من عشرة أشخاص في فكرة واحدة يمكن أن يختلفوا في طرحها. * هل تأثرت الحركة الفكرية في الحركة الإسلامية بإبعاد الدكتور حسن الترابي؟ - هل الفكر الإسلامي ملك للدكتور الترابي؟ أنا أتحدث عن الفكر الإسلامي الذي يعبر عن عضوية الحركة الإسلامية وكل من كان على يمينها. * نعيد السؤال بطريقة جديدة.. في حدود الفكر داخل الحركة الإسلامية هل تأثرت بغياب الترابي عنها؟ - الفكر الإسلامي لا يحتاج للدكتور حسن الترابي، محتاج إلى أي شخص مسلم، فكي في وسط النساء في حلة، يمكن أن يكون مفكرا إسلاميا.. * ولكن من ينظر للفكر الإسلامي ليتحول إلى فكر مهضوم وحركة مجتمع وحياة؟ - كل إنسان لديه قناعة بالإسلام مفكر إسلامي، صحيح هناك سلم والناس بكسبهم يرتقون في هذا السلم. * من على رأس هذا السلم خلفا للترابي؟ - لماذا تريد أن تصور الأمر وكأن هنالك شخصا واحدا يفكر للحركة الإسلامية؟، وأنا لست مرجعا حتى أذكرهم أو أرتبهم هذا أفضل من هذا وهكذا.. * هنالك رؤية تقول إن الحركة الإسلامية عاجزة عن تقديم مفكرين ومنظرين لها، لتمضي حركة حياة ومجتمع؟ - هذا الاتهام ليس له أساس، الحركة الآن كوادرها في كل المجالات، وهو الإسلام شنو؟ الإسلام عقيدة شاملة تؤثر على وعي الإنسان وتصرفه حيث ما كان، الطبيب ينشر الإسلام حيث هو وكذلك المهندس والمدرس، ليس بضرورة أن يكون مفكرا يتحدث عن تجديد المناهج، والقرآن لا يحتاج لفكرة، تقرأه وتؤمن به، تكون قطعت نصف الطريق لتأسيس نظام إسلامي، لأن الفكر الإسلامي لا يأتي من فوق من الدولة. * هل اطلعت على النظام الخالف الذي يبشر به د. الترابي مؤخرا؟ - نعم ، سمعنا عنه من خلال لقائنا مع جماعة الشعبي وتشاوراتنا معهم.. * ما رأيك فيه من حيث الفكرة؟ - الفكرة لا جديد فيها، وسبق تجريبها في الجبهة الوطنية، وأنا شخصيا ضد أن يتجمع الإسلاميون في تنظيم واحد، ومن الأفضل أن يعمل الناس في أحزاب مختلفة، وكل واحد سيكون له عطاء مختلف وإسهام خاص، أما تنظيم كبير جدا فيه أجزاء فاعلة وأخرى غير ذلك فلن يكون مفيدا، وأنا ضد صناعة حزب عملاق في مواجهة أحزاب أقزام لن يكون هنالك توازن، وسيؤثر سلبا على حركة الحياة السياسية عامة وعلى الحزب العملاق نفسه مع مرور الوقت. * هنالك اتهام بأنكم مؤخرا، لم تعودوا مبدئيين في علاقاتكم، تنتقلون من أقصى التشيع إلى أقصى السنة السلفية، اعتمادا على ما جرى في علاقتكم مع إيران والسعودية. - هذا كلام مجاني تردده أنت ويردده غيرك، في أي شيء لم نكن مبدئيين؟، هل العلاقة مع إيران أو السعودية مبادئ؟، هذه علاقات دول تحكمها المصالح، وصحيح أنا لا أتخذ موقفا يتناقض مع منطلقي العقدي، إيران دولة إسلامية والسعودية أيضا دولة إسلامية، ومصر دولة إسلامية واليمن دولة إسلامية، لا أعتدي على مسلم ولا أحرض عليه ومن تقرب إلى في العلاقة أتقارب معه. * المؤتمر أطلق حوارا مع التنظيمات الأخرى، ما محتوى هذا الحوار في معتقدك؟ - أعتقد أن هنالك لجنة 7+ 7، وهذه اللجنة وضعت وثيقة تحتوى على مفهوم الحوار.. * ما هو السيناريو المتوقع حال فشل هذا الحوار خصوصا وأن أحزابا كبيرة خرجت والحركات حاملة السلاح تقاطعه؟ - الحوار ليس مؤتمرا دستوريا حتى ينجح أو يفشل، الحوار هو تلاقح أفكار، أستفيد من أفكارك وتستفيد من أفكاري، وكل طرف يصلح ما هو عليه، ولو اتفقنا على التعاون نتعاون مع بعضنا.. * وإن لم نتفق على التعاون؟ - كل طرف يصلح ما هو عليه.. * وماذا بشأن حالة الاحتقان والحروب القائمة التي تنتظر أن يخرج حل من طاولة الحوار؟ - إن أدى الحوار إلى حلول فالحمد لله، وإن لم يؤد إلى حلول فالمفاوضات موجودة، وإن فشلت المفاوضات فالطرق التي تتعامل بها الدولة مع المتمردين موجودة أيضا. * اسمح لي أن أبدي ملاحظة حولك شخصيا.. من خلال هذا الحوار ومن خلال تصريحاتك في الصحف أنت أصبحت حادا في الفترة الأخيرة؟ - إن كنت تعني ما ورد على لساني أنني قلت (يأكلو نارهم) فأنا لا استخدم هذه اللغة ولم أقل ذلك، وقلت حال رفض المتمردون الجلوس للحوار وقبول الحلول التي يطرحها المحاورين، فعليهم أن ينتظروا الذين يحملون السلاح وأعني العسكريين والأمنيين ويقبلوا بالحلول التي يحملها لهم العسكريون، أما عبارة (ياكلوا نارهم) فأظن أن جماعة التيار كتبوا ما فهموه ولكن أنا لم أقل ذلك، وبالنسبة للحوار أنت تريد أن تتهم ولا تريد أن تتهم؟ وتهاجم ولا تهاجم؟ * أنا صحفي وهذه مهمتي.. - أنا أيضا صحفي، وفي كل مكان وزمان أعرف نفسي بأنني صحفي حتى عندما كنت وزيرا بطاقاتي ورخصتي أكتب في خانة المهنة صحفي.. * أين سيتجه أمين حينما يقبل الرئيس اعتذاره عن ملف دارفور؟ - كما قلت لك أنا إعلامي وصحفي، والآن أعمل في الإعلام والصحافة في الداخل والخارج، ولكن غير متفرغ بسبب هذه المشغوليات، وعندما أسرح فسأزاحمكم في هذه المهنة، وفي الغالب سأتجه للصحافة الحديثة اليوم التالي