اردول: لذلك كان مبرراً إسقاط حكومة قحت وتشييعها الي مزبلة التاريخ    نقل المعركة من حدود الفاشر إلي تخوم منطقة الزرق يعني عملياً تضييق الخناق علي مليشيا حميدتي وآل بيته    بايدن بصدد إعلان برنامج جديد لاستيعاب المهاجرين.. ما هي شروطه؟    النيران الصديقة تمنح فرنسا فوزا شاقا على النمسا    حسبو البيلي يكتب: آل دقلو    (ثلاثة لا تقترب منهم: الحصان من الخلف والثور من الأمام والفاشر من جميع الاتجاهات)    عيساوي: قتل الثعبان    شعار براؤن يصل يورو 2024 روديغر لاعب منتخب المانيا يقلد المصباح ابو زيد والاتحاد الأوروبي يتدخل    شاهد بالفيديو.. استخبارات الجيش بالقضارف تضبط شاحنة "لوري" محملة بعدد كبير من "براميل" البنزين والمواد الغذائية حاول مواطنون تهريبها لقوات الدعم السريع والجمهور يطالب بإعدامهم رمياً بالرصاص    شاهد بالصورة.. خلال مباراة فريقها بالدوري التونسي.. جماهير فريق مستقبل قابس تدعم السودان بلافتة كتبت عليها: (من غزة إلى السودان الخذلان هو العنوان)    شاهد بالصورة.. الفنان مأمون سوار الدهب وزوجته يعودان لإشعال مواقع التواصل بلقطة رومانسية    شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تطالب طبيبة مصرية بإعادة وزنها بعد أن كان 94 كيلو وأصبح 64 كيلو (زوجي كان يناديني "جون سينا" وعاوزة وزني يرجع لأنو نحنا السودانيين ما بنحب كدة)    أكاديمية الفريع (A) تقلب الطاولة على أكاديمية الفريع (B) في ديربي الفريع الأهلي بالدامر    إجتماع ثلاثي مصغر لترتيب الاوضاع داخل الأكاديمية القضارف    حفل رائع في قرعة دورة الصداقة بالضعين    دولة تسجل 16 ألف إصابة بسبب ذبح الأضاحي    تواصل العمل في صيانة وتأهيل مباني هيئة البراعم والناشيئن بمحلية بورتسودان    يورو 2024: تعادل أول وتراجع بمعدل التسجيل 17 يونيو، 2024    حكومة دارفور: نحذر جميع قادة مليشيات قوات الدعم السريع في النزاع من مغبة جرائمهم واحترام القانون الدولي    شاهد بالصور.. الحسناء السودانية "لوشي" تبهر المتابعين بإطلالة مثيرة في ليلة العيد والجمهور يتغزل: (بنت سمحة زي تجديد الإقامة)    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراكوبة عصية على التركيع
نشر في الراكوبة يوم 10 - 09 - 2015

مهما تعمقت الخطط الحكومية لمحاصرة نشاط السودانيين في الداخل، والخارج، فإنها لن تفيد على المدى الطويل. لقد جربت حكومة الإنقاذ، قبل وبعد اختلاف عضويتها، أن تقمع كل صوت يعبر عن حقائق البلاد، ولكنها لم تجن غير الحصرم. ولما حوصروا بفشلهم البائن الذي حققوه سعى الإسلاميون الحاكمون إلى الاستماتة في توظيف الأساليب القذرة في مصادرة منابر الحرية التي أوجدها السودانيون المهاجرون لخدمة بلادهم. وتمثلت قمة هذاه الأساليب في محاولة تركيع منبر مستقل وجد فيه السودانيون في الداخل والخارج واحة وارفة، تربطهم بقضايا وطنهم، ويعبرون فيها عن حلول لمشاكل النظام التي أطبقت على حياة المواطنين.
لقد نشأت الراكوبة كمنبر يعزز وضع، وقيمة، من لا صوت لهم في البلاد. شيبا وشبابا، رجالا، ونساء. فالمؤسسات الإعلامية في السودان ظلت لربع قرن من الزمان مملوكة للحركة الإسلامية التي وظفت فيها عضويتها. فالصحف لا تصدر إلا لتغطي وجه حقيقة ما يجري في البلاد. يمكنها أن تستضيف في حلقات بلة الغائب، وشيخ الأمين، ودجالي الأسواق الشعبية. ولكنها لا تتجرأ في محاورة الدكتور حيدر إبراهيم، أو د. أمين مكي مدني، أو نصر الدين الهادي المهدي، أو إبراهيم الشيخ، أو د. شريف حرير، أو مالك عقار. أما الإذاعة، والتلفزيون، ووكالة سونا للأنباء، فهي مناطق مقفولة يتوظف فيها الإسلاميون، أو من تعاطف معهم أو فضل أن "يأكل عيش" وكفى. والقنوات الفضائية الخاصة فهي أيضا "ملك يمين" للإسلاميين كما هو حال أي شئ بالنسبة لهم في سودان اليوم. وبالنسبة للمنابر الفكرية، والثقافية، والتابعة لمنظمات المجتمع المدني فإن الدولة أوقفت العشرت منها، ولاحقت مؤسسيها. وفي ردهات النشاط الطلابي الجامعي لا صوت يعلو فوق صوت الطلاب الإسلاميين المدججين بالسلاح الأبيض والناري. وإذا كانت النقابات قد ظلت صوتا للعمال، والموظفين، في الماضي، فهي في الحاضر إنما وظائف، وحرمان للحقوق المطلوبة، ليس إلا. ومسيرات الاحتجاج ليست سوى التعبير عن حاجة لإيصال رسالة سياسية، أو اجتماعية. لكن، وبرغم أنها أمر منصوص في دستور النظام نفسه، فإنها ممنوعة للتنظيمات كافة ما عدا حزب الحكومة، والمؤتمر الشعبي، وجماعات إسلاموية متطرفة. وهؤلاء الأخيرون يستطيعون أن يملأوا الشوارع بهتاف حناجرهم تعبيرا عن مأساة شعوب أخرى، ولكن أنى لهم التضامن مع محن شعب السودان في جميع مدنه وجميع قراه. وأنى لأبناء جبال النوبة، أو دارفور، أو النيل الأزرق، أو جماعات حقوقية في العاصمة، أن يخرجوا في مسيرة صامتة حتى تدعوا إلى وقف قصف الطيران الحكومي لتلك المناطق.
في هذا الجو نشأت الراكوبة، منبرا لكل كتاب القوى السياسية، والمتعاطفين مع الحركات المسلحة. وحتى الإسلاميين من الكتاب المعارضين، والمتعاطفين مع الحكومة لهم صوتهم فيها. فضلا عن صوت المنتمين إلى تنظيمات مستقلة، وهناك آخرون مستقلون يسجلون أفكارهم. وهكذا صارت الراكوبة منبر كل السودانيين بمختلف توجهاتهم السياسية، ومشاربهم الثقافية، وقناعاتهم الفكرية. ولذلك ليس بمستغرب للحكومة السودانية أن تستخدم قدراتها اليائسة في محاولة تركيع الراكوبة عبر اعتقال الأستاذ وليد الحسين الذي نجح مع بقية زملائه في إدراة موقع تصدر قمة المواقع السودانية في فترة وجيزة جدا. وذلك برغم أنه لا يملك جيشا من المحررين المتفرغين، أو مكاتب فخمة، أو أسطولا من أحدث العربات التي يمتلكها طلاب حزب المؤتمر الوطني.
المعقول أنه في ظل نجاح الراكوبة، ومنابر مستقلة أخرى كثيرة، أن يكون هناك محرض للمسؤوليين الحكوميين للسعي إلى خلق منابر للرد على ما يثار فيها، وخلق حوار موضوعي بين حماتها والمعارضين. خصوصا وأن حكومة المؤتمر الوطني تملك كل الإمكانيات لدعم وجودها خصما على مصلحة البلاد. إذ هي تنفق ملايين الدولارات على إعلامها الرسمي والخاص. بل ويمكنها أن تجيش من أرزقية الإعلام كما وكيفا في محاولة لاستيعاب هذه النسبة العالية من القراء الذين يزاورون الراكوبة، ويعتقدون بأنها منبر وطني يقف على مسافة متساوية من كل التيارات السياسية والفكرية في البلاد. ولكن من المؤكد أن الحكومة، ومعها غالب أعضاء الحركة الإسلامية، والانتهازيين من الإعلامين، لا يملكون الشجاعة في خلق منبر حر لكل السودانيين. ويفتقرون إلى الإمكانيات الذاتية، والإبداعية، والأخلاقية، ولا يشغلهم كثيرا هم العمل على خلق منابر للإعلام والتثقيف، مثل انشغالهم بمصالحهم الذاتية الأنانية.
ودون المقارنة بصحيفة الراكوبة دعونا ننظر إلى مجالات الإبداع الإعلامي في الداخل، ومن بينها الصحافة الورقية والإليكترونية، والقنوات، لنرى إلى أي مدى تستطيع المادة الإعلامية جلب المستمعين، أو القراء، أو المشاهدين، ذلك رغم أنه لا يوجد هناك تنافس بينها وبين مواد أخرى يعدها مبدعون معارضون أو مستقلون. فللأسف إن السودان الغني بتنوع مكوناته الإثنية، والاجتماعية، والملئ بكثير من المشاكل، يعاني إعلامه من ضمور لفاعليته ضمن الضمور الذي شمل كل مناحي الحياة في السودان. وقد توقف الإبداع في سن خطط استراتيجية طوال فترة الإنقاذ وبالتالي صار الحديث عن الإبداع الإعلامي حديثا مسيسا بالضرورة. وذلك لارتباط الازدهار الإعلامي بمناخ الحريات العامة التي ظل السودانيون يبحثون عن استقرارها منذ أكثر من نصف قرن، ولكون أن الإعلام والسياسة وجهان لعملة واحدة
إن الشئ الأسهل الذي استمرأته الحكومة هو توظيف قدراتها اللوجستية لإسكات كل صوت ينادي بمعارضتها، من أجل تحقيق الديموقراطية، والعدل، والمساواة، وحرية التعبير، مثالا. ولكن من الصعب أن تجبر الناس إلى الاستماع إلى رسالتها الإعلامية الضعيفة في محتواها المهني، والبائرة فكريا، وثقافيا، واجتماعيا، وفنيا. والدليل على ذلك هو خوفها من أي محاولة مستقلة في الإنتاج الثقافي والإعلامي، وتفضيلها اتخاذ أسلوب القوة لمواجهة الرأي الآخر بدلا عن الحوار معه. والأمثلة في الداخل أكثر من أن تحصى أو تعد في ظل جفاف مواعين الإبداع، وهجرة الكوادر المبدعة في كل مجالات الحياة، وغياب التخطيط الاستراتيجي في هذه الشؤون الإبداعية.
إن الراكوبة أصبحت ملكا لقرائها، ولكل السودانيين، الذي أحسوا أنها تمثل صوتهم الحقيقي دون تمييز أيديولوجي، أو جهوي، أو فكري، أو فني. وقد شهدنا كيف أن قوانا الساعية إلى استرداد الديموقراطية، والناشطة في كل مناحي العمل العام في الداخل والخارج تقاطرت للتضامن مع الأخ العزيز وليد الدود الحسين وهو يعايش محنته التي تقف خلفها الحكومة السودانية. إذ هي بالطبع لم تبد أي سؤال عن مواطنها القابع في الاحتجاز، ذلك ما دام المتحدث باسم الحكومة لم يعلن صراحة أن ضغوطات النظام ضد الراكوبة قد تجسدت عبر هذا الإجراء السعودي غير الإنساني.
ولعل تعاطف القراء الكبير مع الأستاذ الوليد الحسين دلالة على وفائهم لأحد مؤسسي الراكوبة، ولحرصهم على استمرار الراكوبة ساحة لمعرفة مجريات الواقع السوداني. وللتداول حول الشأن الوطني، اختلافا أو اتفاقا في جو من التسامح، وتقدير الزوايا التي ينطلق منها قارئ نحو كاتب، أو قارئ تجاه آخر. وبرغم حدة الخلافات التي تميز بعض آراء قراء الراكوبة إلا أن أصحابها سوف يصلون بالتجربة إلى مستوى أفضل في الحوار في ظل عوامل الإحباط الكثيرة التي تسم بعض الأفراد المشاركين بالمقال أو التعليق.
والأهم من كل هذا أن منبر الراكوبة، وبقية منابر الإنترنت هي منابر للتعلم من بعضنا بعضا. وليس هناك كاتب كبير في الراكوبة على التعلم من القراء الذين يتنوعون في مرجعياتهم، ومستوى تعليمهم، ووعيهم، وحدبهم على الموضوعية. وقد تعلم هذا القلم من الكثير من آراء معلقي الراكوبة التي ظلت تنشر مقالاتي لفترة طويلة من الزمن. وأحيانا أجد أن آراء القراء أكثر صوابا، وأبعد نظرا من رؤى تطرقت إليها في متن المقال. ولعل هذه قيمة، وقمة، الديموقراطية التي تمثلها مسؤولو الموقع، وكتابه، وقراؤه. وأين منابر الحكومة من هذا التمرين الديموقراطي الذي يعرض فيها الناس أفكارهم حول قضايا السياسة والاقتصاد والأدب والاجتماع والرياضة والفن؟ وأكثر من ذلك هل لدى الحكومة المرجعية الفكرية التي تخول لها تشجيع الحوار الديموقراطي في أجهزتها الرسمية التي تسيطر عليها، وهي أجهزة كان ينبغي أن تعبر بحرية عن أهل السودان جميعا في توجهاتهم الايديولوجية، والإثنية، والأيديولوجية، والدينية، والثقافية.؟
إننا نأمل أن يفك الله أسر الأستاذ وليد حتى يواصل خدمة المظلومين مع بقية زملائه المشرفين على هذا الموقع الوطني المميز، وأن يعود سليما معافى لأسرته في أسرع وقت ممكن. ونأمل أيضا أن تسير الراكوبة على خطها التحريري دون أي استجابة للتركيع، وأن تتطور أكثر فأكثر حتى تغدو نموذجا للمنابر التي تعمل بصدق، وشجاعة، وذكاء من أجل إنسان السودان.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.