يظل للفن التشكيلي الدور الكبير في حفظ التراث المادي للشعوب، فهو جزء من ذاكرة الإنسان البصرية والمرتبطة بعلاقته بمعطيات بيئته المحيطة، وبالتفاعل النفسي والحسي بتلك البيئة. والفنون التشكيلية الشعبية هي الذاكرة الحية المتواصلة في أشكالها ورموزها في المجتمعات. العرب محمد الحمامصي ترتبط الفنون التشكيلية الشعبية بهوية الثقافة المحلية، وهذا ما تؤكده الباحثة في التراث الفني الشعبي إيمان مهران في كتابها "فنون التشكيل الشعبي والمجتمع العربي: رؤية مستقبلية للتنمية" الصادر أخيرا عن الهيئة المصرية للكتاب، حيث تناولت ماهية فنون التشكيل الشعبي والحريات المتاحة في مجتمع المبدع الشعبي وهي قراءة في فلسفة الموروث. وركزت محاورها في الكتاب أولا على: فنون التشكيل الشعبي وقضايا المجتمع العربي "القدس نموذجا"، حيث رصدت تنمية الموروث التشكيلي المقدسي في ظل تهويد المدينة، ودور منظمات المجتمع المدني بالعالم العربي في تنمية الموروث الشعبي المقدسي كمدخل للحفاظ على الهوية الفلسطينية. وثانيا: فنون التشكيل الشعبي والثورات العربية، وهنا تناولت فنون التشكيل الشعبي ومفهوم المواطنة قراءة لما بعد ثورة 25 يناير 2011، والدمى التقليدية والهوية العربية رؤية مستقبلية لما بعد ثورات الربيع العربي، وثالثا: فنون التشكيل الشعبي وقضايا التنمية حيث تطرقت إلى مصداقية تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي، ودور كبار السن في توثيق وتنمية الثقافة الشعبية في العالم العربي. وقد رأت إيمان مهران أن الفنون التقليدية الموروثة تمثل خلفية التاريخ الإنساني في مجال الحرف الدقيقة، والتي وجدت لسدّ احتياجات الإنسان النفعية المرتبطة بحياته اليومية، والتي ترتبط ارتباطا كبيرا بالخامات البيئية، وأنها تعتمد اعتمادا أساسيا على التقنيات اليدوية، وهي في ذلك تركن إلى مهارة الحرفي وخياله وملكاته الخاصة، وهذه المهارة تنعكس في قدرته على تنمية أشكاله وتنويعها لزيادة ترويج منتجه، ولشدّ نظر المقتني لأعماله، كما تعتمد على الأدوات البسيطة، كالنقوش والزخارف ومفردات هي ملامح الحضارات المختلفة التي مرت بها الثقافة الإنسانية، وهي بذلك تعد مرآة لإرث الحضارة الإنساني، وهي جزء من الفنون البصرية المرتبطة بتفاعل الإنسان مع بيئته، وتجريده لعناصرها المحيطة به. وتوضح الكاتبة أنه مع نمو المجتمع الإنساني ظهرت ملامح الفنون الخاصة بثقافة كل مجتمع، والتي تعتبر إفرازا للتطور الحضاري والتقني له، وانعكاسا لمستوى الجودة في الحياة التي وصل إليها الفرد في حياته اليومية داخل كل مجتمع، حيث يمارس مجموعة من المعتقدات والعادات التي تخصه عن باقي المجتمعات، وتنعكس في فنونه المختلفة من العمارة والنحت والتصوير الجداري والفخار والخزف والنسيج وأشغال الخشب والمعادن والحلي والملابس وغيرها من الفنون، وبذلك وجدت لتعكس هوية مجتمعاتها التي أفرزتها. وأكدت أن المنتج اليدوي ليس نتاج ثقافة الفقراء في أيّ مجتمع بل هو المحصلة الموروثة لهذا المجتمع، وظلت في يد من لا يستطيعون مجاراة الحداثة لظروف الفقر. وخلال تناولها لفنون التشكيل الشعبي والثورات العربية، تساءلت مهران عن تأثير صعود التيارات الدينية في الساحة السياسية لدول الثورات العربية على تراجع الحرف ومنها الدمى، ورأت أن هناك تأثيرا سلبيا على الدمى في حال استقرار الحكم في دول الربيع العربي لمن يملكون أيديولوجيا دينية حيث أن الفكر الإسلامي الجديد يتعارض مع الموروث الحضاري، والذي يصنف على أنه ارتباط بالتاريخ الوثني العربي وبالتالي فكرة الدمى وتشكيلاتها تخضع لنفس الرؤية حيث؛ أولا: تحريم الأشكال المجسمة. ثانيا: فكرة دولة الخلافة الإسلامية تعني لدى الدينيين ذوبان الشكل تحت رمز واحد، وهو يعني اندثار العديد من الموروثات العربية. ثالثا: مشكلة التعامل مع الشكل على أنه مقدس ونوع من الصنم مربوط بخلفية أن العرب كانوا وثنيين يعبدون الأشكال المختلفة، وبالتالي التحريم بهذه الخلفية يعني أن أي تشكيل لمجسم حيوان أو إنسان وجوده ضدّ المفهوم الديني لديهم. رابعا: الجمال واللون والزخرفة والطرز المتنوعة التي تعود إلى عهود قديمة، يراها الآثاريون ومتخصصو الفنون عمقا تاريخيا وأصالة، بينما يراها الدينيون الجدد رجوعا لوثنية العهود القديمة، مما يحدّ من التوسع في استخدامها وتقلص أعداد مستخدميها. وأوصت الكاتبة في هذا الشأن بإعادة النظر في الموروث الشعبي بعد التغيرات التي بدأتها الثورات العربية، لينتقل التغير من مرحلة الحراك السياسي إلى مرحلة التغير الثقافي لتنمية الموروث المحلي وتنميته، والتي قد تبرز ملامح حضارية للإرث العربي، وتوصيات البحث هي؛ أولا: وضع مشروع عربي مشترك يهدف إلى توثيق الدمى العربية، ويضع إستراتيجية تسويقية لها، ثانيا: عقد ملتقيات وورش عمل بين المتخصصين لتطوير العروسة وتصنيعها، ثالثا إقامة معارض دورية للدمى التقليدية تطوف العواصم العربية، وتعرّف بفنونها، رابعا: تأسيس متاحف للدمى في كل بلد عربي ضمن المتاحف الإثنوغرافية المتخصصة. وفي ختام الكتاب طالبت الباحثة باتخاذ مجموعة من الإجراءات تهدف إلى تحريك التعاون العربي المشترك في مجال الحرف التقليدية، وذلك بإنشاء مجلس عربي للحرف التقليدية والصناعات المتناهية الصغر، ووضع إستراتيجية مستقبلية مشتركة للحرف التقليدية في العالم العربي.