مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في علاقة جمهورية السودان ودولة الجنوب
نشر في الراكوبة يوم 26 - 10 - 2015

(حاولت أن أرسم خريطة السودان الجديدة.. للأسف فشلت، رغم إني أحفظها بأنهارها، ووديانها، وولاياتها، ومنحدراتها، وكنت أرسمها معصوب العينين في طفولتي. الآن فشلت وعمري (25) عاماً، حالة مؤلمة حد الوجع أن تشهد وطنك تتناقص مساحته يوماً بعد يوم بفعل الأطماع السياسية وحب السلطة). بهذه الكلمات وصف أحد المواطنين مشاعره بعد انقسام وطنه لدولتين، الأولى في الشمال وتسمى جمهورية السودان، وتشترك حدودياً مع سبع دول هي مصر، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا، والثانية في الجنوب وسميت جمهورية جنوب السودان، وتمتلك حدوداً مع ست دول هي جمهورية السودان، أوغندا، كينيا، إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو.
خارطة الشرق الأوسط
عقب انفصال جنوب السودان في العام 2011م تغيرت خارطة الشرق الأوسط باقتطاع جزء من السودان الذي يعتبر من أكبر الدول العربية والأفريقية وإقامة دولة حديثة في المنطقة هي جمهورية جنوب السودان، وهو حدث سيكون له أثراً عظيماً في المستقبل، بالرغم من حالة الغموض والحرب التي ولدت فيها الدولة الحديثة.
الانفصال السلس الذي تم يفرض على جوبا والخرطوم التعاون في المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية والاجتماعية، وكان يفترض أن يكون مؤشراً لبداية علاقات تعاونية وتجربة ملهمة في الفراق. غير أن طبيعة العلاقة ومنذ بدايتها جاءت مخالفة للتوقعات المتفائلة، فلماذا اتسمت بهذا القدر من التوتر والحذر؟ لا سيما أن الدولتين كانتا تشكلان إقليماً سياسياً واحداً لفترة طويلة من الزمان فاقت ال(50) عاماً .
المواجهات
التاريخ السياسي بين شطري السودان يذخر بالأحداث التي أدت إلى نتيجة الانفصال. في العام 1898م استعمرت المملكة المتحدة ومصر السودان وأظهرت السياسات الاستعمارية الاختلافات الإثنية واللغوية والدينية، وفرقت بريطانيا في التعامل بين الجنوب والشمال في قضايا مختلفة من أهمها التعليم، وبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدى الجنوبيين بأن الشماليين هم تجار رقيق، لذلك طالب الجنوبيون بنظام الحكم الفيدرالي بعد جلاء القوات البريطانية وانفصال السودان عن مصر، لكن الحكومة في ذلك الوقت رفضت الاقتراح متعللة بأنه سيؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي في المستقبل.
في عام 1958م تولى الفريق إبراهيم عبود السلطة، وقامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، فطالبت الأحزاب الجنوبية باستقلال الإقليم. الجدير بالذكر أن القوى الجنوبية شكلت حركة أنانيا الأولى و امتدت عملياتها العسكرية خلال الفترة من 1955م إلى 1972م .
في عام 1972م تم توقيع اتفاقية أديس أبابا وأعطت للإقليم الجنوبي الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، وفي سبتمبرعام 1983م أصدر الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم الجنوبي ونقل الكتيبة (105) إلى الشمال واتهم قائدها كاربينو كوانين باختلاس أموال، كما تم إرسال قوات لإخضاعها فهربت إلى الأدغال الاستوائية لتصبح في ما بعد النواة الأولى للجيش الشعبي.
كلفت حكومة الرئيس نميري العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة المتمردة إلا أنه أعلن انضمامه للمتمردين، مؤسساً الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأعلن أن هدفها هو تأسيس دولة علمانية قائمة على المساواة والعدل الاقتصادي ورفع شعارات يسارية فحصل على دعم من كينيا والرئيس الإثيوبي منغستو مريام.
بعد سقوط نظام جعفر نميري عام 1985م كان هنالك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية، واجتمع رئيس الوزراء الصادق المهدي مع جون قرنق عام 1986م لكنهما لم يتوصلا إلى حل. في عام 1988م تم إبرام اتفاق بين قرنق و رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في أديس أبابا، و نص الاتفاق على تجميد قوانين سبتمبر 1983م، لكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد الانقلاب العسكري في عام 1989م بقيادة عمر البشير. وتبنت الحكومة الجديدة شعار الجهاد الإسلامي ضد القوى الجنوبية واستعانت بتسليح مليشيات تسمى الدفاع الشعبي، وحققت الخرطوم عدة انتصارات عسكرية.
في عام 1992م وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا قامت الجولة الأولى للمفاوضات في مدينة أبوجا بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية، ثم الجولة الثانية عام 1993م، لكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء .
تضافرت الجهود الدولية من خلال منظمة الإيقاد إلى أن تم توقيع اتفاق إطاري يسمى بروتوكول مشاكوس عام 2002م، وأعطى الجنوب حكماً ذاتياً وفترة انتقالية مدتها ست سنوات وحق تقرير المصير بالبقاء في دولة السودان الواحد أو الانفصال، وأعطى الفرصة لبناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. في عام 2005م وقعت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في مدينة نيفاشا .
محطات الصراع
ثمة وقائع مختلفة تاريخياً وجغرافياً حدثت بعد الانفصال ساهمت بصورة كبيرة في تعميق فجوة الخلاف بين الشعبين اجتماعياً وسياسياً، وهي حزمة من الممارسات سجلت سطور التاريخ الحديث تمثلت في الآتي: اتسمت العلاقة بين حكومتي الدولتين في الخرطوم وجوبا بتبادل الاتهامات ودعم كل منهما وإيوائه للمعارضة المسلحة بحسب ما تناقلته وكالات الأنباء والتصريحات الرسمية الصادرة من الطرفين.
في يناير 2012م أي بعد ستة أشهر من تاريخ الانفصال توقف ضخ النفط وأغلق الجنوب خط الأنابيب الذي يمر في أراضي دولة السودان ويصدر عبر ميناء بشائر النفطي المطل على البحر الأحمر في شرق السودان، وذلك بحجة عدم الاتفاق على المقابل المادي الذي تتحصل عليه جمهورية السودان، ولإتهام جوبا للخرطوم بسرقة جزء من نفطها عبر خطوط أنابيب نفطية فرعية غير معلن عنها تم اكتشافها بحسب ما تقوله حكومة جنوب السودان.
في أبريل من ذات العام تعرض حقل هجليج النفطي المتاخم للحدود الشمالية لدولة جنوب السودان لإحتلال كامل وعمليات تخريب واسعة طالت البنى النفطية، واتهمت حكومة السودان جيش دولة الجنوب المعروف بالجيش الشعبي بتنفيذ الهجوم على الحقل وتخريبه.
بدخول الربع الأخير من العام 2012م علا صوت الحكومة السودانية بالشكوى من أن قوات دولة جنوب السودان تحتل وتقيم في أراضي تابعة لها مثل دارفور و النيل الأبيض.
كانت منطقة أبيي المتنازع عليها من الجانبين محطة جديدة للصراع، وتبادلت دولة الجنوب وحكومة السودان الشد والجذب والتهديد وتم احتواء الأزمة دولياً في محكمة لاهاي من خلال قوات القبعات الخضراء التابعة للاتحاد الأفريقي وهي إثيوبية الجنسية وتسمى اليونسفا لحفظ السلام ومراقبة حركة المواطنين من قبائل المسيرية و دينكا نقوك.
مع تزايد حدة الصراع تعرض السلطان كوال دينق مجوك سلطان قبيلة دينكا نقوك و تعتبر واحدة من أهم الفصائل الاجتماعية في منطقة أبيي وجزء من عشائر قبيلة الدينكا بالجنوب في أواسط العام 2013م لعملية اغتيال من أفراد مسلحين يزعم انتمائهم لقبيلة المسيرية وهي من الأطراف المشاركة في النزاع، وجزء من التركيبة الاجتماعية في منطقة أبيي .
في عام 2013م تعرضت منطقتا أبو كرشولا وأم روابة في شمال كردفان لهجوم من قوات الجبهة الثورية، فكان رد فعل الحكومة السودانية حيال هذا الهجوم هو إعلان الرئيس السوداني عمر البشير وقف ضخ النفط الجنوبي في أراضي دولته، وسرعان ما تأزم اقتصاد دولة الجنوب وتدهور. بعد عام اتفق الطرفان على استئناف ضخ النفط ونقله وتصديره، ولم يرتبط ذلك بوقف دعم الحكومتين لحركات المعارضة المسلحة أو حدوث أي نوع من التحسن في العلاقات بين البلدين.
منتصف مايو 2015م حذر الرئيس السوداني عمر البشير حكومة الجنوب من دعم الحركات المسلحة عقب هجوم لقوات حركة العدل والمساواة على منطقة قوز دنقو في جنوب دارفور، وقال أن هذه القوات جاءت عابرة من الجنوب وبدعم منه، وأعلن وزير الدفاع حينذاك الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين أن القوات السودانية ستغلق جميع المنافذ مع دولة الجنوب لمنع دخول المسلحين.
في الجانب الآخر قال المتحدث الرسمي باسم جيش جنوب السودان العقيد فيليب أقوير أن حالة التذمر والاحتجاج الصادرة من الحكومة السودانية هي محاولة لتبرير الدعم الذي تقدمه الخرطوم للقوات المتمردة والتي يقودها النائب السابق رياك مشار.
البحث عن الوطن
العديد من الدوافع تقف وراء تصويت المواطنين الجنوبيين للانفصال بنسبة بلغت حوالي (98%) إضافة للتباعد الاجتماعي بين مواطني الدولتين، ويقول المحلل السياسي محمد عصمت شارحاً أبعاد القضية ( سنوات الحرب الطويلة التي سبقت التوقيع على اتفاقية السلام كانت حاضرة في أذهان الجنوبيين وكانت الفترة الانتقالية امتداد لها من خلال عدد من السياسات والإجراءات التي نفذت في جمهورية السودان ووصلت لدرجات من التعقيد يجوز لنا أن نصفها بالتمييز العنصري ولم تجعل من خيار الوحدة بين الشمال والجنوب جاذباً، وكانت الحرب في الماضي تأخذ الطابع الجهادي وتم خوضها تحت راية الإسلام والجهاد في سبيل الله ضد شعب الجنوب الذي يدين بالديانة المسيحية، وتبلغ نسبة من يؤمنون بها (80%) بينما (18%) مسلمين و(2%) وثنيين أي لا ينتمون لديانة، الأمر الذي أضاف للاضطهاد السياسي والثقافي والاجتماعي قضية الدين. هذه العوامل ساهمت في غياب ملامح السلام الاجتماعي بين مواطني الشمال والجنوب ودفعت بالفئة الأخيرة لاختيار الانفصال لشعورهم بالحرمان من حق المواطنة. هذا النموذج الاجتماعي إذا لم يعالج في المستقبل سيدفع ببقية الأقاليم التي تشهد صراعاً مسلحاً مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لاتخاذ خيار الاستقلال الذاتي والانفصال التام بعد ذلك).
و أكمل حديثه قائلاً (هنالك أزمة ثقة بين النخب الشمالية والجنوبية منذ الاستقلال وتوارثتها الأجيال المتعاقبة، لذا لم يكن للنخب دوراً واضحاً في إدارة الخلافات الاجتماعية بين شعبي البلدين، ولم يؤسس الانفصال على قاعدة متينة في التعايش السلمي والإيجابي، وذهب شعب الجنوب يبحث عن الحرية والكرامة والحقوق في وطن جديد لشعورهم بأنهم مواطنين من الدرجة الثالثة، أما النخب فعنوانهم في تلك المرحلة كان إدارة صراعاتهم الداخلية، وفي الجنوب لم تختلف صور النخب المثقفة، وسرعان ما تصاعدت وتيرة النزاع بين القبائل على السلطة لينتهي الأمر بحرب أهلية أضافت للذاكرة الجنوبية المزيد من الألم والجراح).
القضايا العالقة
ثمة قضايا عجز الطرفان عن إيجاد تسويات لها وكان يجب أن تتم مناقشتها خلال فترة الستة أشهر التي تعقب الاستفتاء ونتيجته وحتى التاسع من يوليو 2011م وسميت بالقضايا العالقة. يحدثني أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة قائلاً ( تشكل هذه المسألة أبرز أسباب الخلاف بين الدولتين وتمحورت حول أربع قضايا. ترسيم الحدود هي القضية الأولى، وتقول حكومتا الدولتين أنهما يتنازعان على (80%) من الفاصل الحدودي، والواقع أن تلك الحدود لا خلاف حولها من الأساس، بينما الصراع يقع في (20%) ومناطق النزاع هي منطقة دبة الفخار وتقع في ولاية النيل الأبيض، ومنطقة جبل المقينص وتقع في مساحة حدودية بين ثلاث ولايات هي النيل الأبيض وجنوب كردفان السودانيتين وولاية أعالي النيل في جنوب السودان، ومنطقة كاكا التجارية وتفصل بين ولايتي جنوب كردفان في جمهورية السودان وأعالي النيل في جنوب السودان وتقع بين دائرتي العرض (10) و(11) درجة شمالاً، ومنطقة كافي كنجي - حفرة النحاس وتقع في جنوب دارفور وشمال إقليم بحر الغزال في جنوب السودان وتبلغ مساحتها (13) كيلو متر مربع ، وتوجد عدد من مناطق الزراعة الآلية المتنازع حولها في ولاية سنار السودانية، بحيرة الأبيض، هجليج ، الميرم، الخرسانة، ومنطقة سماحة في إقليم دارفور.
وجاء الفصل الرابع من اتفاقية السلام الشامل متضمناً حسم النزاع بين طرفيها حول منطقة أبيي ولكنهما فشلا، وأصبحت بذلك هي القضية الثانية العالقة وفي حال لم يتم حلها مستقبلاً يجوز لنا أن نصفها بمنطقة بادمي التي كانت سبباً للحرب بين إريتريا وإثيوبيا أو إقليم كشمير الذي أشعل الصراع بين الهند وباكستان.
أما القضية الثالثة هي الترتيبات الأمنية وتختص في جوهرها بمسألة فك ارتباط حكومة جنوب السودان بالفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي المتواجدتين على التوالي في منطقتي جبال النوبة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق السودانيتين، إلى جانب عدم إيواء حركات المعارضة المسلحة وفي مقدمتها الجبهة الثورية السودانية ومكوناتها مثل الفرقتين التاسعة والعاشرة ، الجدير بالذكر أن رئيس الجبهة الثورية هو مالك عقار قائد الفرقة العاشرة. ورغم الوعود والتعهدات التي تقدمها حكومة الجنوب لإيجاد حل للقضية إلا أنها لم تقم عملياً بخطوات ملموسة ).
وتابع قائلاً ( القضية الرابعة تتعلق بتدفق نفط الجنوب وتصديره عبر الموانئ السودانية، ورغم أن هذه القضية تمت تسويتها بقبول الخرطوم أن يمر النفط بأرضها وبالمقابل المادي الذي تدفعه لها حكومة الجنوب، إلا أن تنفيذ ذلك على أرض الواقع تحول دونه عدة عقبات أهمها أن الحكومة السودانية ربطت تنفيذه بإيجاد تسوية لقضية الترتيبات الأمنية، وهو ما تتقاعس عن تنفيذه دولة الجنوب، الأمر الذي قاد الرئيس السوداني عمر البشير إلى إيقاف تدفق النفط في غضون (60) يوماً، وذلك بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق بحجة أن الهجوم على منطقتي أبو كرشولا وأم روابة يقف خلفه الجنوب).
ما بعد الحرب
الهدوء الذي شهدته دولة جنوب السودان عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل ساعد على إعادة هيكلة الاقتصاد، كيف تم ذلك؟، وماهو تأثيره المستقبلي على العلاقة مع جمهورية السودان؟، يقول الخبير الاقتصادي ناجي التوم ( تشير التقارير الرسمية الواردة من دولة الجنوب إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2011م/ 2012م بنسبة (27%) نتيجة لإغلاق أنابيب النفط بسبب النزاع مع حكومة السودان، وعقب تداعيات وقف ضخ البترول اتخذت حكومة الجنوب إجراءات تقشفية شملت تخفيض موازنة العام 2012م/ 2013م بنسبة (30%). يشكل قطاع النفط حوالي (98%) من إيرادات الحكومة ويساهم بما يزيد على (60%) من الناتج المحلي الإجمالي من حيث الصادرات أو الاستثمار المباشر المرتبط به، ومن المتوقع أن ينضب إنتاجه بحلول العام 2035م إذا لم تتم اكتشافات جديدة.
أما قطاع الزراعة وتربية الماشية لم يتطور بشكل جيد ولا تزال البلاد تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية ولم يساعد ضعف البنى التحتية في نقل المنتجات الزراعية والحيوانية إلى السوق، ولا توجد إحصاءات ومعلومات عن سوق العمل والقوى العاملة لكن تقدر نسبة البطالة بحوالي (52%)، وتتسم حكومة الجنوب بنقص في الموارد البشرية الماهرة بكل القطاعات الرئيسية للاقتصاد.
بدأ الاستثمار في الجنوب بعد الانفصال باستثمارات أجنبية في مجال الفنادق والخدمات المصرفية والاتصالات، ويقدر الاستثمار خلال الأعوام 2011م/ 2012م/ 2013م بحوالي (2) مليار دولار من بينها استثمارات وشركات اتصالات من جمهورية السودان.
بلغ معدل التضخم في العام المالي 2010م/ 2011م حوالي (14.7%) وارتفع إلى (59.2%) في العام المالي 2011م/ 2012م، وتقدر مساهمات القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي كالآتي : قطاع الزراعة (14.5%)، قطاع الخدمات (9.1%)، قطاع الصناعة والتعدين (3.4%)، قطاع البناء والتشييد (2.2%)، قطاع التجارة والفنادق والمطاعم (5.8%)، قطاع الاتصالات والنقل (3%)، وتشير التقارير إلى أن معدل الفقر بلغ (51%) وكانت معدلاته أقل قبل توقيع اتفاقية السلام).
و أكمل حديثه قائلاً (واجه الجنوب بعد الانفصال تدفقات كبيرة من المواطنين العائدين مما شكل ضغطاً على الموارد المتاحة مثل الخدمات الاجتماعية والبنى الأساسية، وتم تحديد حالة الأوضاع الغذائية بواسطة برنامج الغذاء العالمي في المستوى الثالث حسب معايير الأوضاع الغذائية الطارئة وحدد البرنامج عجز الغذاء في حدود (473) ألف طن في العام 2012م، لكن هنالك إمكانيات أن تكون جمهورية السودان المستورد الأساسي لصادرات الجنوب من السلع الاستهلاكية والمصنعة، ويوفر اتفاق التعاون الاقتصادي المبرم بين الطرفين عام 2012م الإطار الكامل للتعاون في هذا المجال وربما الوصول للتكامل إذا كان خياراً استراتيجياً للجانبين، والملاحظ أن النزاع حول السلطة الذي اندلع في ديسمبر 2013م حقق دماراً هائلاً في المدن الرئيسية وتحول الاقتصاد بين عشية وضحاها إلى اقتصاد حرب مرة أخرى، كما لم يساعد ضعف الإدارة المالية وتفشي الفساد في استثمارعائدات النفط وتحفيز القطاعات غير البترولية).
أضواء المستقبل
( بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل أصبحت كينيا الشريك التجاري الأكبر للدولة الحديثة وأنشأت العديد من الفروع للمصارف التجارية ومؤسسات الأعمال وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2011م (1.5) مليار دولار، وترى كينيا في جنوب السودان فرصة ذهبية لتوسيع تجارتها باتجاه وسط وغرب أفريقيا، كما تسيطر على التعاملات البنكية والمصرفية في الجنوب من خلال البنك التجاري الكيني منذ عام 2006م.
من جانب آخر تسعى أوغندا لتحقيق فوائد تجارية وتصدير العمالة لجمهورية الجنوب وكان يوجد ما يزيد عن (200) ألف أوغندي يعملون في التجارة والمنظمات قبل اندلاع الحرب الأهلية، وبلغت نسبة الصادرات الأوغندية إلى جنوب السودان (60%) من جملة الصادرات للخارج خلال الأعوام الأخيرة، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى (1.2) مليار دولار في العام 2012م. أما إثيوبيا فتسعى لتعظيم منافعها الاقتصادية وتجارتها مع الجنوب وتم إنشاء خطوط ملاحة نهرية على نهر السوباط لتيسير حركة النقل.
كان على السودان تدعيم موقفه مع الدولة الوليدة وسيشكل التعاون بينهما بداية الضوء لمستقبل أفضل للطرفين، لذلك وضعت الاتفاقية الإطارية للتعاون بين البنوك المركزية ونصت على تكوين لجنة مشتركة تجتمع بالتناوب في كل من الخرطوم وجوبا بهدف دعم الاستقرار المالي والسياسات المصرفية في البلدين، ودعمت اتفاقية مصفوفة التنفيذ الموقعة بين الدولتين عام 2013م العمل التجاري بينهما. بالرغم من متاخمة دولة الجنوب لعدد من الدول الأفريقية إلا أن احتياجاتها من السلع والخدمات الضرورية كانت على مدى تاريخها داخل الدولة الواحدة تأتي من جمهورية السودان بسبب تشابه الثقافات في مجال الطعام والملابس، كما أن الحدود المشتركة بين جمهورية السودان ودولة الجنوب تبقى هي الأطول إذ تبلغ أكثر من ألفي كيلومتر مربع مع توفر نقاط العبور والنقل.
شملت مصفوفة الإجراءات التي أعدها بنك السودان المركزي الضوابط المنظمة لعملية التجارة الخارجية لتسهيل انسياب التبادل التجاري والمالي بين البلدين، كل هذه الخطوات تعزز من إمكانية تقوية العلاقات المستقبلية). كانت هذه إفادة الخبير الاقتصادي الفاضل عبد الكريم.
ملف المياه
تناولت اتفاقية السلام الشامل قضية موارد المياه باقتضاب شديد وشملتها في بروتوكول توزيع السلطة وليس الثروة، وأشارت الفقرة (33) من الجدول (أ) من ذات البروتوكول إلى الاختصاصات القومية وما يتعلق بموارد المياه وتتضمن مياه النيل والماء العابر للحدود والنزاعات الناشئة عن إدارة الموارد المائية وإدارة المياه المشتركة بين الولايات الشمالية والجنوبية. تم تضمين هذا النص في الدستور الانتقالي لجمهورية السودان الصادرعام 2005م. مع بروز جنوب السودان كدولة مستقلة عام 2011م ارتفع عدد دول حوض النيل إلى إحدى عشرة دولة هي كينيا، تنزانيا، أوغندا، جمهورية الكونغو، بوروندي، رواندا، إثيوبيا، إريتريا، جمهورية السودان، مصر، جنوب السودان.
يقع حوالي (20%) من حوض النيل في جمهورية جنوب السودان وهي الدولة الثانية من حيث المساحة في الحوض بعد جمهورية السودان التي يقع فيها حوالي (45%) من الحوض، ويسيطر الجنوب على المستجمع الأوسط من الأمطار الذي يسقط على حوض النيل ويهطل على منطقة بحر الغزال وتقدر كمية الأمطار الساقطة عليه سنوياً بحوالي (544) مليار متر مكعب، ويسيطر الجنوب على كامل الإيراد المائي الوارد من الهضبة الاستوائية والذي يقدر بحوالي (29) مليار متر مكعب سنوياً .
يقول المستشار السابق بوفد جمهورية السودان المفاوض مع دول حوض النيل أحمد المفتي (جنوب السودان لم تكن لديه في الوقت الذي تمت فيه مفاوضات السلام أي احتياجات عاجلة لمياه النيل بسبب عدم وجود مشاريع الري أو الكهرباء المعتمدة على الماء، أما المشاريع القائمة في الجنوب مثل مشروع أنزارا ومشروع واو لتعليب الفاكهة ومشروعي ملوط ومنقلا للسكر تحتاج كلها إلى إعادة تأهيل قبل أن تبدأ في العمل، إضافة إلى أن كميات الأمطار التي تهطل في اجزاء واسعة من جنوب السودان تكفي إلى حد كبير لتغطية احتياجات السكان في الزراعة والرعي، جميع هذه الأسباب دفعت الحركة الشعبية بعدم المطالبة بنصيب في مياه النيل أو التمثيل في الهيئة الفنية المشتركة بين مصر والسودان.
أصبح التهديد المائي واضحاً عندما أعلن مسؤولين في دولة الجنوب عام 2013م عن رغبتهم في التوقيع على اتفاق عنتبي وفي حال انضمام الجنوب للدول الموقعة على الاتفاق سيضعف موقف السودان الشمالي وستتأثر حصته من مياه النيل مما يفرض عليه واقع جديد يتمثل في الصراع حول المياه مع دولة الجنوب. هناك قضية أخرى تتعلق بمسألة إعادة العمل بقناة جونقلي في الجنوب وكان واضحاً أن الحماس لها الذي ساد اجواء الخرطوم في سبعينات القرن الماضي لم يعد له وجود في العقد الأول من هذا القرن والسبب هو عدم احتياج جمهورية السودان لمياه اضافية لأنها لم تستخدم أكثر من (12) مليار متر مكعب من الحصة البالغة (18.5) مليار متر مكعب بموجب اتفاقية مياه النيل عام 1959م، وبالرغم من ذلك فأن الحرب الأهلية الأخيرة تسببت في ايقاف تنفيذ مشروع القناة بعد أن أنجز العمل فيه بمقدار (60%) وحرمت مصر والسودان من (4) مليارات اضافية من مياه النيل وهذه العوامل السياسية والصراعات تعيق استثمار الإمكانيات المائية التي ستجنيها المنطقة. من ناحية أخرى يجب التنبيه إلى خطر آخر يتمثل في سيناريو بيع الماء الذي تروج له بعض الدول الأفريقية، فالجنوب ليس محتاجاً إلى المياه لأن أرضه مشبعة بها نتيجة تعدد الأنهار وكثرة هطول الأمطار وكثافتها لكن الخطر يأتي من فكرة بيع الماء، لذا يهم السودان الشمالي أن يعرف اتجاه السياسة المائية للدولة الحديثة).
وأضاف (تعتبر مسألة مياه النيل قنبلة موقوتة بين الخرطوم وجوبا يمكن أن تنفجر في أي وقت، وإذا ما استقر الجنوب سياسياً ستكون المطالبة بحصته من المياه أمراً طبيعياً، و حالياً لا توجد أزمة مائية ظاهرة بين السودان وجنوب السودان، لكن من المتوقع أن يكون الماء عاملاً من عوامل الصراع في المرحلة المقبلة بين الدولتين وربما يواجهان معضلة اقتسام حصتهم من مياه النيل. في 17 ديسمبر 2011م عقد اجتماع استثنائي لوزراء مياه دول حوض النيل لمناقشة تداعيات اتفاقية الإطار التعاوني لأعضاء مبادرة حوض النيل، هذا الأمر سيفتح مستقبلاً مسألة الإنتفاع المنصف والمعقول للمياه بين دول الحوض جميعها، لذا فأن قضايا تقاسم الماء ليست عاجلة بين الدولتين في المدى القريب لكن حتماً ستكون من أهم القضايا في المستقبل بسبب تزايد احتياجات الطرفين لها ).
السيناريوهات المتوقعة
تشير العديد من العوامل للسيناريو الأول المتشائم والذي يتضمن استمرار النزاع على المدى الطويل بين الدولتين بحسب ما يقول المراقب السياسي مهدي آدم ( ألقى الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت في 9 يوليو2011م خطاباً تحدث فيه عن عدم نسيان مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان كمؤشر لبداية علاقات سيئة مع السودان وأظهر ارتباط فكري وعضوي مع قطاع الشمال المتمرد الذي يتكون من شعب النوبة - وهم الذين قاتلوا إلى جانب الحركة الشعبية ضد الحكومة - ولرد الجميل لهم ظلت الفرقتين التاسعة والعاشرة متواجدة في الأراضي السودانية.
وساد اعتقاد لدى فئة من مثقفي جمهورية السودان أن حل جزء كبير من مشاكلهم الداخلية يكمن في انفصال الجنوب ومغادرة الشعب الجنوبي، و ناصبهم البعض العداء لاختلاف الديانة والثقافة وعبرت صحف رسمية عن فرحها بمغادرة شعب الجنوب).
وأضاف ( لم تكن هنالك ترتيبات جيدة بعد الانفصال وكان لابد من وجود وثيقة للتعامل بين الدولتين للعيش بسلام لكن ظلت القضايا العالقة توتر المشهد العام، وفي النصف الأول من العام 2012م تدهورت العلاقات بين جمهورية السودان والجنوب و شهدت الساحة السياسية توتراً أمنياً خطيراً استدعى تدخل مجلس الأمن الدولي و مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي ظل يتابع الأوضاع المتردية بين الدولتين.
هنالك عوامل داخلية وخارجية تعمل على إفساد العلاقات بين الدولتين منها العقيدة القتالية للجيش الشعبي التي تستهدف جمهورية السودان باعتبارها العدو التاريخي والاستراتيجي لدولة الجنوب، و ظهرت صراعات بين صناع القرار السياسي الجنوبي حول التعامل مع الشمال خاصة جهاز الاستخبارات الذي يدعم ويشرف على الحركات المتمردة الدارفورية والجبهة الثورية.
أهم الجوانب السلبية المؤثرة على طبيعة العلاقة تدخل دولة إسرائيل ودورها المعلن في القضية وعبر عدد من المسؤولين الإسرائيليين عن سخطهم من التقارب بين جمهورية السودان والجنوب ويلاحظ زيارتهم إلى جوبا بعد التوقيع على كل اتفاقية بين الجانبين).
للصراع المستمر جوانبه السلبية ستحاول الدولتين تفاديه وهو ما يقود للسيناريو الثاني المتفائل بمسار العلاقة كما يقول مدير البرامج بمركز الراصد للدراسات الاستراتيجية والسياسية عبد الرحمن محمد أحمد (سيؤدي أي اضطراب في المنطقة الحدودية إلى التأثير سلباً في انسياب التجارة ومن الأمثلة على ذلك : تأثر التجار الشماليين بالأحداث في مختلف المدن الجنوبية. وإذا ما قامت جمهورية السودان بدور إيجابي في حل الخلافات الداخلية الجنوبية سيقود ذلك إلى دعم العلاقة وبقاء الحكومة الجنوبية في إطار الحلف مع السودان الشمالي مما يساعد على حل القضايا العالقة، و يبدو أن موقف الرئاسة الجنوبية أصبح بعد أزمة الحرب الأخيرة أكثر ميولاً للواقعية والتفاهم مع الخرطوم.
ونستند على دور المجتمع الدولي والإقليمي الذي يلعب دوراً بارزاً في تفادي نشوب حرب بين جمهورية السودان وجنوب السودان من خلال بناء قدرات الجنوب وتسريع عجلة التنمية والعمل على عدم إثارة الصراعات العرقية والقبلية، ومساعدة جمهورية السودان للخروج من أزمة الانفصال التي لا تزال تعاني منها لأن ضعف الدولة الأم يعد مهدداً قوياً لاستقرار دولة الجنوب. ويجب دراسة المقترحات التي تقدم من الجهات الإقليمية والدولية لحسم القضايا العالقة والعمل على تهدئة الانفعالات بين الطرفين).
يرسم عبد الرحمن سيناريو ثالث بحث فيه قضية حياد الدولتين وعدم تدخل أي طرف في قضايا الآخر تحت مسمى يبقى الوضع كما هو عليه في المستقبل القريب ويقول ( لاتزال كثير من القضايا الداخلية تشغل بال صناع القرار الجنوبيين بعيداً عن دولة السودان ومنها قضية الحرب الأهلية الأخيرة، وبالرغم من توقيع معاهدة سلام بين الأطراف الجنوبية إلا أن الاتهامات بين طرفي المعاهدة مستمرة وهو الأمر الذي ينذر بتجدد الصراع.
وتعيش جمهورية السودان أوضاعاً مضطربة بعدد من الأقاليم مثل دارفور وجبال النوبة وجنوب كردفان، إضافة للضغط الدولي للإسراع بحل قضايا العنف المرتبطة بهذه الأقاليم وهو ما دعت له رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما وطالبت بضرورة تحسين أوضاع النازحين.
بعد انفصال الجنوب تعرض حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان للنقد من الأحزاب المعارضة واتهم بعدم المحافظة على وحدة البلاد و شهدت الخرطوم احتجاجات خلال الأعوام 2012م / 2013م الأمر الذي شغل الحكومة بمعالجة الأوضاع الداخلية ووضعها في المرتبة الأولى من الاهتمام، و طالب الرئيس عمر البشير عام 2014م في خطاب أمام (80) حزب سياسي بضرورة التركيز على قضايا السلام الداخلي والخروج من دائرة الفقر ومعالجة ضعف الاقتصاد وبحث مسألة الهوية السودانية).
التجارب العالمية
تصبح الكيانات دولاً مستقلة بطرق عديدة من أبرزها النضال ضد الاستعمار مثل الجزائر، الاستفتاء مثل تيمور الشرقية وإريتريا، التراضي مثل دولتي التشيك وسلوفاكيا، الانهيار مثل الاتحاد السوفيتي، الحرب مثل بنغلاديش، التمرد المسلح مثل جنوب السودان.
تحاول بعض الكيانات أن تنفصل ولكنها تفشل مثل بيافرا في نيجيريا، الصحراء الغربية في المغرب، إقليم الباسك في إسبانيا، كيبك في كندا، أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.