على مدار شهور، وفي الوقت الذي كانت وزارة الخزانة الأميركية تستعد فيه للإعلان عن أن الأدميرال خوسيه أمريكو بوبو نا تشوتو أحد أباطرة تجارة المخدرات الدولية، كان الرجل يختبئ في مكان لا يتوقع. فقد كان يعيش في مقر الأممالمتحدة في بيساو، وينام على فرش أرضية أحد مكاتب المنظمة الدولية، وفي بعض الأحيان يتناول الطعام في المطعم الخاص بالمنظمة. وفي هذه الأثناء، كان يتم الإعداد لانقلاب، ومن المحتمل أن تكون له يد فيه. ففي الشهر الماضي، اجتاح جنود موالون لنا تشوتو مقر الأممالمتحدة في بيساو حيث كان يتناول وجبة الإفطار وقبضوا على خصومه السياسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء في البلاد وقائد الجيش، من أجل تأمين مغادرته. والآن، يجوب نا تشوتو أنحاء عاصمة هذه الدولة المنهارة التي تقع في غرب أفريقيا في شاحنة صغيرة يحيط بها مجموعة من الحرس الشخصي من الجنود، ويقدم تحياته الحارة للمهنئين والأنصار. لا يزال الرئيس في منصبه بصورة شكلية، لكن المسؤولين في المنطقة يشعرون بالقلق من أن هذا البلد قد سقط بالفعل في أيدي أحد أقطاب تجارة المخدرات. وقال الدكتور عبد الفتاح موسى، مدير الشؤون السياسية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس): «يعد بوبو نا تشوتو في الواقع القوة المحركة لهذه القوات. والحقيقة التي تقول إنه يسيطر على جميع الأمور غير السارة للغاية بالنسبة للمنطقة». وفي نظر الحكومة الأميركية، يعد نا تشوتو العقل المدبر لتجارة المخدرات في دولة أصبحت أحد النوادي العالمية للمخدرات، لقد كان الرجل الرئيسي، على سبيل المثال، عندما تم تفريغ مئات الكيلوغرامات من الكوكايين من طائرة في مطار محلي صغير قبل عامين. وفي الثامن من شهر أبريل (نيسان) الماضي، أي بعد أسبوع واحد من الانقلاب، أدرج مكتب السيطرة على الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية اسمه واسم قائد القوات الجوية في الجيش على قائمة تجار المخدرات، وجمد جميع الأصول التي قد تكون في حوزتهما في الولاياتالمتحدة. وقال آدم جيه زوبين، مدير المكتب: «إننا نراقب هذين الشخصين لمدة شهور». ومع ذلك، في الوقت الذي احتمى فيه نا تشوتو بمقر الأممالمتحدة، كان ممثل الأمين العام للمنظمة الدولية في بيساو، جوزيف موتابوبا، يطمئن مجلس الأمن الدولي في نيويورك بأن «الأوضاع مواتية الآن للاستقرار السياسي» في البلاد وأن غينيا بيساو في «طريقها نحو السلام، والديمقراطية والرخاء»، وفقا لإعلان مجلس الأمن في الخامس من مارس (آذار) الماضي. وفي مقابلة، قال موتابوبا إن ضيفه الهارب، الذي كان ملاحقا من قبل الحكومة هنا بتهمة الخيانة، تم منحه ملاذا آمنا فقط على مضض. وقالت الأممالمتحدة في ذلك الوقت إن نا تشوتو دخل المجمع على غير ترحيب وأعلن أن حياته في خطر، مما أثار «الانتباه بشأن الالتزامات الدولية بشأن حقوق الإنسان والتي تحكم مثل هذه المواقف». وقال موتابوبا إنه لم يكن هناك «أي دليل» على أن نا تشوتو يدبر انقلابا من داخل المبنى وأنه تمت مصادرة هاتفه الجوال للحيلولة دون حدوث أي مشكلات. ومع ذلك، أقر أنه كان من الممكن أن يكون نا تشوتو قد أجرى اتصالات مع الخارج. وقال موتابوبا: «لا تستطيع فهم ما يفعله الجيش، خاصة عندما يكون لديك تحول، وتحالفات انتهازية». والآن، أنكر نا تشوتو أنه قضى فترة وجوده في مقر الأممالمتحدة في الإعداد للانقلاب الذي حدث في الأول من أبريل الماضي. لكن في مقابلة أجريت معه في مكتب المحامي الخاص به، قال: «إنني بطل سابق في حرب العصابات. ولدي القوة على تحويل المواقف العصيبة إلى أمر إيجابي». ومع ذلك، قال إن الهجوم المفاجئ الذي قام به الجنود كان مفاجأة بالنسبة له، كما فاجأته ادعاءات الحكومة الأميركية بالاتجار في المخدرات. وقال على نحو غاضب: «لا يوجد دليل مادي على أنني منخرط في تجارة المخدرات. الدليل، الدليل. يقول الناس إني مجرم، إنني وطني»، مفتخرا بالفترة التي قضاها في الجيش أثناء الحرب التي خاضتها البلاد ضد البرتغاليين لنيل الحرية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، والتي قال إنه اشترك فيها عندما كان عمره 14 عاما. وبالنسبة للأمم المتحدة، كان وجوده في المقر متعدد الطوابق الذي يقع على طريق غير معبد في بيساو أحد مصادر القلق والإزعاج، سواء قبل أو بعد الانقلاب. وقال دبلوماسي غربي في بيساو: «المجتمع الدولي بأكمله هنا مندهش من تصرف الأممالمتحدة. فهم لا يفهمون لماذا كانوا (الأممالمتحدة) يوفرون مأوى لهذه الشخصية. لم يكن يجلس هناك فقط ليشاهد التلفزيون». وذهب بولو جوجاو، مدير المعهد البرتغالي للعلاقات الدولية والأمن في لشبونة، إلى أبعد من ذلك حيث قال: «لقد كان تحت حماية الأممالمتحدة، يخطط لانقلاب ضد الحكومة. كان ذلك أمرا مثاليا». وبعد ساعات على الانقلاب، ظهر نا تشوتو مع حليفه، الجنرال أنطونيو إندجاي، القائد الجديد للجيش، في مؤتمر صحافي يقدم القادة الجدد في البلاد. ولم يستعد نا تشوتو، الذي كان قائد القوات البحرية في ظل حكومة سابقة، وظيفته القديمة، لكنه لا يزال يلعب دورا مؤثرا للغاية، وهو دور رسمي وإن كان غامضا بعض الشيء. لقد كان انقلابا مذهلا لرجل قضى أكثر من عام في المنفى في غامبيا، بعد اتهام قادة غينيا بيساو آنذاك بأنه كان يخطط لانقلاب ضدهم. وعاد نا تشوتو متسللا إلى البلاد على متن قارب صيد بعد وقت قصير من أعياد الميلاد العام الماضي. وبدا نا تشوتو متضررا من الاتهامات الأميركية، التي كانت بين معتدلة وشديدة، مصرا على أنه يحب أميركا بشدة، وأنه يحب الرئيس باراك أوباما وكان لديه علم أميركي في غرفة المعيشة الخاصة به. وقال: «أطلب من الأميركيين المساعدة في إقامة العدل والسلام في هذا البلد»، مشيرا إلى تاريخ من انعدام الاستقرار. وشهد البلد ما لا يقل عن سبعة انقلابات ناجحة وفاشلة منذ إعلان استقلاله عام 1974، وخلال ال12 عاما الماضية كان هناك 4 رؤساء و4 أفراد قاموا بأعمال الرئيس و11 رئيسا للحكومة. وتهرب نا تشوتو من سؤال حول ما إذا كان الآن هو الرئيس الحقيقي في غينيا بيساو، حيث قال من خلال المحامي الخاص به إنه «لم يرد إزعاج» الرئيس الحالي وقائد الجيش بالإجابة عن هذا السؤال. لكن آخرين هنا بدوا أكثر صراحة. وقال إدريسا جالو، أحد رجال الأعمال البارزين والمرشح الرئاسي السابق: «بوبو نا تشوتو يحظى بالسلطة ولديه المال - ونعرف أنه حصل على المال من تجارة المخدرات - ولديه الكثير من المؤيدين. لذا، فالموقف خارج عن السيطرة». وفي جلسة استماع حول الاتهامات العالقة بالخيانة الأسبوع الماضي، ظهر نا تشوتو وقد بدت عليه علامات الارتياح، حيث ظهر مع الحراس العسكريين وأخذ يمزح في المدخل الأمامي لمبنى المحكمة العسكرية مع الضباط الذين كانوا في طريقهم للحكم عليه. وقال فيما بعد إن الأمر برمته كان مجرد «شكليات». وتجمع حشد صغير في الشارع لرؤية نا تشوتو في زيه العسكري الأزرق. وكان الجميع يعرفون من هو. «إنه قائد عظيم» هكذا همس رجل من الحشود، وأضاف: «لقد حصل على السلطة». * شارك ألن يرو إمبالو في إعداد هذا التقرير * خدمة «نيويورك تايمز»