يعد السودان من أكبر الأقطار الإفريقية والعربية من حيث المساحة، وهو ذو موقع استراتيجي نظراً لموقعه المتوسط بين غرب إفريقيا ودول الشرق، واتصاله بالبحر الأحمر واحتلاله شطراً كبيراً من وادي النيل جعله يربط بين الدول الأوروبية ومنطقة البحر المتوسط وأواسط إفريقيا وملتقى الطرق الإفريقية. ومنذ استقلاله ظلت مشكلة رسم الحدود تشكل أزمة، والتي اشتدت تأزماً بعد أن قرر الجنوب الانفصال ليفقد 640 كيلومتراً مربعاً من أراضيه ما يعادل ربع مساحته البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع وخمس سكانه. في ظل هذا الأوضاع أجرت «البيان» تقريراً حول وضع السودان بعد الانفصال مع خبراء جغرافيا وعسكريين ومحللين سياسيين وعلماء اجتماع. البداية كانت مع أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة النيلين سعيد مسمار معوض الذي قال إن السودان يعتمد في حدوده على خرائط 1956، مضيفاً أن أي تقسيم في السودان ويكون مرجعيته لخرائط 1956 يكون مقبولاً في الشمال والجنوب. ويرى سعيد بأن حل مشكلة آبيي يمكن أن يكون عن طريق التقسيم الطولي، حيث يحدث تداخل بين المنطقتين كما أن الرعاة تعطيهم مساحة للغطاء النباتي أفضل من التقسيم العرضي. من يحرس الحدود؟ يجيب معوض بقوله: «المواطن السوداني هو الذي يعرف الحدود واعتمد عليه البريطانيين في تقسيم المجالس ولم تأت هذه التقسيمات عشوائياً فجلس البريطانيون مع شيوخ القبائل والعمد والإدارة الأهلية ومن ثم وضعوا الخرائط على ضوئها.. لذلك نجد أن العمدة يعرف حدود منطقته والقبائل المتداخلة معه لذا فإن المواطن يعرف أكثر من الدولة.. فالدولة تعمل الخرائط وتعتمد عليها». وأضاف بأن الإشكاليات الدولية بين السودان مع جيرانه وضعها المستعمر نتيجة لاستغلال الموارد بين الدول المستعمرة فرنسا وبريطانيا لذا نجد قبيلة واحدة موجودة في دولتين. وأوضح أن منطقة بني شنقول على سبيل المثال كانت جزء من الأراضي السودانية إلى أن أضافتها السياسة البريطانية إلى الأراضي الأثيوبية.. وفي الشمال توجد حلايب داخل الأراضي السودانية بمئات الأميال ولم تكن منطقة للنزاع.. وفي مايو 1963 حسمت منظمة الوحدة الوطنية قضية الحدود بين الأقطار وتم اعتماد الحدود بين الأقطار الإفريقية في صورتها الحالية. عقل دعاة الحرب من جانبه، قال مدير كلية الحرب العليا في أكاديمية نميري العسكرية العليا والخبير العسكري اللواء يونس محمود: «بعد انفصال الجنوب عن الشمال يحدث واحد من احتمالين إما أن تغلب المصلحة العليا لكل الدولتين والإحكام لصوت العقل في حل الإشكاليات العالقة في الحدود ومنطقة آبيي وإما الحالة الثانية وهي التسرع والتهور ومحاولة فرض الأمر الواقع بالقوة وهذا نتيجته حتماً العودة للمربع الأول وهو الحرب للدولتين والتي لا طائل منها، خاصة لدولة ناشئة جديدة في حالة ترتيب لنفسها إدارياً وتنظيمياً وأمنياً واقتصادياً وكل ما يلزم الدولة». تعايش إجباري أما المحلل السياسي د. حسن الساعوري، فقال بعد انفصال الجنوب عن الشمال.. الدولتان مجبرتان على التعايش مع بعضهما بعضاً، ولابد من وجود طريقة للتعامل مع بعضهما نسبة لعدم مقدرتهما على الانفكاك من بعضهما.. فالعلاقة التي تربطنا علاقة شعوب وفيها تصالح ومصالح اقتصادية لذا فليس من السهولة أن تنفك تلك العلاقة ولابد أن نتعامل مع بعضنا البعض رضينا أم أبينا فلابد للتعاون المشترك فهو تعاون إجباري، وإذا كان هنالك طرف متردد لابد أن يترك هذا التردد وأن يبني هذا التعاون على أنه تعاون الجار المحتاج لجاره. إلى ذلك، قال أستاذ الأنثربولوجيا والاجتماع السياسي في جامعة النيلين أشرف أدهم، بأنه يختلف وضع السودان في ما يتعلق بمسألة تقرير المصير عن كثير من الدول، حيث إن جنوب السودان لم يكن دولة قائمة بذاتها وتم ضمها للسودان وإنما هو جزء أساسي من أراضي الدولة السودانية لذلك نلاحظ الإشكاليات المتعلقة بمسالة رسم الحدود بين الشمال والجنوب. من ناحية أخرى، يرى أدهم أنه تختلف حدود السودان مع الدول المجاورة عن الحدود التي يراد ترسيمها داخل السودان لتحديد الفاصل بين شماله وجنوبه، ففي حالة الحدود مع الجيران فعلى الرغم من وجود قبائل حدودية تتحرك عبر الحدود السياسية بين الدولتين أما لتجارة أو طلباً للرزق إلا أن هنالك فوارق ثقافية واضحة تميز تلك المجموعات الثقافية، مشيراً إلى أنه بالنسبة للحدود بين الشمال والجنوب فالمجموعات الثقافية الموجودة فيها مجموعات ثقافية في المقام الأول تعني التمازج والتداخل والانصهار الثقافي لذلك لا توجد إمكانية إلى تحديد حدود تواجدها الثقافي والاجتماعي لذلك ربما تصبح هذه المجموعات الثقافية مصدر وقود لصراع مسلح بين الشمال والجنوب الآن بعد الانفصال وربما تفضل هذه المجموعات الانضمام إلى جنوب السودان بينما هي محسوبة في انتمائها لشمال السودان أو العكس، ولذلك، ولأن هنالك مصالح واقعية على الأرض متبادلة بين المجموعات الثقافية المتجاورة غير منظورة، ولا يعرفها إلا الموجودون على أرض الواقع، والتي يغطيها الزخم الإعلامي السياسي الذي يحاول أن يصور أنه وضع حدود فاصلة بينما يعرف بشمال السودان وجنوبه. مخطط صهيوني وأضاف أدهم من ناحية أخرى، ربما تميل مناطق أخرى مثل جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق إلى الانضمام إلى جنوب السودان بحجة فشل المشورة الشعبية لتحقيق المصالح، كذلك الأمر بالنسبة لمناطق شرق السودان، حيث إن هنالك مخططاً صهيونياً قديماً يسعى لإزالة السودان من الخريطة السياسية القديمة، وذلك بالدفع بالحركات المسلحة في دارفور وإعادة توحيدها والقيام بعمل عسكري مكثف للمطالبة بتحقيق المصير، والذي ربما يؤدي لانفصال دارفور بعد انفصال جنوب السودان، ثم تتبعها المناطق سالفة الذكر. البيان