خيمت التجاذبات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة والنامية على قمة المناخ في باريس، أمس، وتذبذبت بين مطالب الدول الفقيرة بتقديم الدعم والمساعدات ومدى إلزامية أي اتفاقية يتم التوصل إليها في القمة. العرب باريس – انطلقت في باريس أمس أعمال أكبر مؤتمر دولي حول المناخ في العاصمة الفرنسية بمشاركة أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة ونحو 10 آلاف مسؤول من 195 بلدا، في محاولة للتوقيع على تعهدات جديدة سارية المفعول لعشر سنوات على الأقل. وأكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في افتتاح القمة، ضرورة أن يكون الاتفاق المرتقب في قمة التغير المناخي، شاملا ودوليا وملزما، ودعا جميع الدول إلى "عدم الهروب من المسؤولية في ما يخص التصدي للتغير المناخي، وعدم ترك أي قطعة أرض لمصيرها". وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما "باعتباري زعيم أكبر اقتصاد في العالم وثاني مصدر للانبعاثات.. لا تعترف الولاياتالمتحدة وحسب بدرونا في خلق هذه المشكلة بل نقر بمسؤوليتنا في القيام بشيء حيال ذلك". وأشار الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة بان كي مون، إلى أن الاتفاق يجب أن يحمي التوازن بين البلدان المتقدمة والنامية. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه من المهم أن تضع محادثات المناخ الفروق الاقتصادية بين الدول في الاعتبار وأن تسمح للدول المختلفة بتطوير حلولها الخاصة لمشكلة الاحتباس الحراري العالمية. وأكد أهمية "احترام الاختلافات بين الدول خاصة الدول النامية". وتصر الصين دوما على أن الدول المتقدمة عليها أن تتحمل المسؤولية الأكبر عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، وأن الاقتصادات الناشئة يجب أن تعطي حرية أكبر لتطور نفسها. وكان من أبرز أحداث اليوم الأول التفاهم بين أكبر اقتصادين ملوثين في العالم، حيث تعهد الرئيسان الأميركي والصيني بالعمل معا للدفع قدما باتفاقية بشأن تغير المناخ لضمان "اقتصاد عالمي يصدر انبعاثات منخفضة من غاز الكربون". وقال أوباما بينما كان شي جالسا إلى جانبه "كوننا أكبر اقتصادين في العالم والأكثر إصدارا لغازات الكربون، فقد قررنا أنه يقع على عاتقنا مسؤولية التصرف.. إن قيادتنا لهذا الأمر كانت حيوية بالتأكيد". وقال الرئيس الصيني إن الدولتين ستعملان جنبا إلى جنب لضمان أن يحقق مؤتمر باريس أهدافه، وأشار إلى أن التعاون بين الولاياتالمتحدةوالصين في مرحلة يواجهان فيها تحديات عالمية متعددة، هو أمر حاسم. وتتعرض القمة لضغوط شعبية من الرأي العام العالمي للوصول إلى حلول حازمة لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض. فقد شهدت أنحاء العالم في اليومين الماضيين أكثر من ألفي مسيرة للمطالبة ب"اتفاق قوي حول المناخ" تخللتها صدامات في باريس أسفرت عن أكثر من 300 عملية توقيف. وصرح وزير الخارجية لوران فابيوس الذي سيتولى رئاسة المؤتمر "إنه مؤتمر الأمل الذي يمكن أن يغير الكثير من الأمور". والهدف من المؤتمر الذي يستمر أسبوعين هو إعداد الاتفاق الأول الذي تلتزم بموجبه الأسرة الدولية بخفض انبعاثات غازات الدفيئة من أجل حد ارتفاع حرارة الغلاف الجوي إلى درجتين مئويتن مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية. وبات مثبتا أنحرارة الأرض تزداد ارتفاعا بسبب الغازات الناتجة عن احتراق مصادر الطاقة الأحفورية وأيضا بعض أساليب الإنتاج الزراعي وقطع الأشجار بشكل متزايد كل عام. ومن باكستان إلى جزر في المحيط الهادئ، ومن كاليفورنيا إلى كروم فرنسا، ينعكس اختلال المناخ بشكل كبير على مناطق بكاملها متسببا بالجفاف وتراجع السواحل أمام البحار وتآكل الجرف القاري نتيجة ارتفاع نسبة الحموضة في المحيطات.. ويخشى العلماء إذا ارتفعت حرارة الأرض بأكثر من درجتين مئويتين، أن يؤدي ذلك إلى حصول أعاصير بشكل متكرر وتراجع العائدات الزراعية وارتفاع مياه البحار لتغمر مناطق مثل نيويورك في الولاياتالمتحدة وبومباي في الهند إضافة إلى آلاف الجزر والسواحل. وتحضيرا لمؤتمر باريس، عرض قادة 183 بلدا من أصل 195 خططهم لخفض الانبعاثات وهي مشاركة كاد أن يفقد الأمل من حصولها ورغم ذلك لا يزال ارتفاع الحرارة يسير نحو زيادة بنحو 3 درجات مئوية. ويرمي المؤتمر إلى إعطاء "دفع سياسي" لعملية المفاوضات التي لا تزال صعبة وغير مؤكدة، إذ تطال المسألة أسس الاقتصاد والتنمية. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن "المشاركة الكثيفة للقادة دليل على ضرورة التدخل بشكل ملح"، إلا أنه أبدى "تفاؤلا حذرا ونشطا". وفي وقت سجلت غازات الدفيئة مستويات قياسية جديدة في العام 2014، تبدو المفاوضات صعبة إذ أن جميع الدول لديها "خطوطها الحمر" التي لا تريد تجاوزها. فدول الجنوب مثلا تدعو الشمال المسؤول تاريخيا عن ارتفاع حرارة الأرض إلى الوفاء بالتزاماته المالية. ومن المفترض أن يلتقي المفاوضون الذين يخضعون لضغوط من أجل تحقيق تقدم في عدة اجتماعات، إضافة إلى العديد من اللقاءات الثنائية التي تتناول مواضيع أخرى غير المناخ. وستخضع حركة المرور في العاصمة الفرنسية لقيود مع انتشار 6300 شرطي وعسكري، كما دعت السلطات السكان إلى تفادي الخروج تحسبا لازدحام خانق في وسائل النقل العام.