*قبل أن أجيب علي هذا السؤال أود تشريج الحالة السياسية السودانية وباختصار,وهي ما أوصل البلاد الي الفوضي السياسية...! *حالة الضعف والتمزق السياسي والتشظي التي عانت ولا زالت تعاني منها الأحزاب السياسية واختلافها أثناء حكمها "والذي كان اختلافآ في المصالح"هو من فتح الباب أمام العسكر لطرق أبواب الحكم بالبندقية..! *ومن سخرية القدر ومما يثير الضحك والاشمئزاز معآ,أن تجربة العسكر في الحكم تفوق تجربة محترفي السياسة وتجارها سبعة أضعاف(هذا ان اعتبرناهما مجازآ تجارب سياسية)فالعسكر حكموا السودان اثنان وخمسون عامآ بينما حكم محترفو السياسة فقط ثمانية أعوام..!! *وفي كل الحالات كانت دعوة العسكر للحكم اما دعوة صريحة يتم تسليم الحكم باليد أوبدعوة مبطنة كما حدث في المرة الثالثة,ووراء كل عملية تسليم وتسلم نجد أن وراءها محترفي السياسة من الاحزاب المهترئة,وفي كل الحالات انقلب السحر علي الساحر.! *اننا بصدد مشاهدة فلم ممل أجبرنا علي مشاهدته علي مدي ستين عامآ متتالية...!!! *وهذا يعني أن المعادلة السياسية في السودان مختلة الاركان,معادلة أهم معطياتها مجهول,لا يعيره لا محترفو السياسة ولا العسكر اهتمامآ,الا وهو الشعب,الذي يتقاتلون ويتآمرون من أجله,يسرقون الحكم بليل باسمه وهو مجهولهم المتعمد..!!! *وفي اهمال الشعب التقي كل من محترفي السياسة والعسكر,وتباينت مصالحهم الذاتية فاختلفوا..!! *ولا يلتقيان الا حين شعورهما بأن الأمور قد تفلت من أي منهما ففي الحالة الراهنة اليوم يجد النظام نفسه مجبرآ علي تقديم الجزرة لما يسمي بالمعارضة بالحوار الوطني وماة,فما عادت هناك دولة,تفككت الأحزاب,ولم يسلم من التفكك حتي جيش البلاد هو بذلك,انه مجرد خوار..!! *ولنراجع حصاد ستين عام مضت,ماذا حصدنا.؟ *تفكك مفهوم ما يعرف بالدولة الوطنية,فما عادت هناك دولة,تفككت الأحزاب,ولم يسلم من التفكك حتي جيش البلاد الوطني,الذي هو الآخر أجبر علي دخول غابة السياسة السودانية المظلمة.وظهرت كيانات مسلحة جديدة تبحث لها عن مكان في الدولة المفككة,أو في متن الدولة الحديثة المتوهمة,أكاد أجزم أن الأمور في النهاية ستئول الي ترضيات لمصالح ذاتية لا يزداد الشعب منها الا خبالا..!!! *اننا في وضع يقود الي ما يعرف بالتطرف,والذي بدوره يقود الي ما يعرف بالفوضي الخلاقة ويعرفه العقلاء بثورة الغوغاء التي لا تحمل اية مرجعية سياسية,فقد ضاعت منذ ستين عامآ, ضاعت بسبب الصراع علي السلطة بين السياسيين والعسكر,واختفت في ظلام المصالح الذاتية..!!! *وغياب السياسة يعني أمرين اما الديكتاتورية التي يتبعها الفساد و الفوضي والغوغائية,فالسياسة لا تحتمل الفراغ. *وما يمهد للغوغائية عدم الاكتراث يعاني منه الشعب, وتحديه بالعبارات من قبيل (الحس كوعك)و(والزارعنا غير الله اليجي يقلعنا)و(اطلعوعلنا في السهله)والغرور الذي عادة ما ينتاب الظلمة,الذين صب الله عليهم صوت عذابه,من أمثال فرعون قديمآ والقذافي حديثآ علي سبيل المثال لا الحصر. *ولنأخذ مثالآ حيآ,أمريكا نشأت في البدء بالعصابات,التي كانت تقتل لتستولي علي حقوق الآخرين,رعاة متجولون يبحثون عن الماء والكلأ,يتعرضون لهجمات العصابات وتدور بينهم المعارك,هذا يسلب والاخر يدافع عن حقه الي أن تم تنظيم الحياة بأن نال الرعاة الارض,وانشئت الطرق البرية والحديدية,تنقل المواشي للأسواق,وتحافظ علي جودة الانتاج,وبهذا نمي الاقتصاد وازدهر.من قام بهذا العمل؟ التكنوقراط,الذين عمل النظام علي تشريدهم منذ بواكيره.!! *حين يتنافس المتنافسون علي حكم دولة,لابد من ان تتوافر العناصر التي تؤهل المتنافسين للحكم,وأهمها التجرد,والمشروع المقدم للحكم,وبرامج التنفيذ,وفوق هذا وذاك القرار,وهذا ما يفتقر اليه محترفو السياسة لعدم الخبرة,واهمال الكفاآت التي تبني,وما لم يستوعبه العسكر خلال أكثر من ربع قرن من الحكم.!!! *استوقفني حديث للرئيس قال فيه انهم يخططون لزراعة اربعين مليون فدان,عندما اطلق مثل هذا التصريح يجب أن أكون واضعآ يدي علي كمية المياه التي تكفي لزراعة هذه المساحة الضخمة,من أين سيأتي بالمياه؟وحجمها يقدر بثمانين مليار متر مكعب!؟هذا مع تجاهل بقية المتطلبات الأخري,من مدخلات زراعية ووسائل نقل وطرق وغيرها. *أهم عنصر من هذه العناصر هو المياه,علي أي مصدر من مصادر المياه سيعتمد؟أعلي المخزون منها في السدود؟المخزون في كل سدود السودان لا يتعدي بضع وعشرين مليار بمخزونها الميت,مع الأخذ في الاعتبار التوليد الكهربائي,الذي يتناقض مع الري,لذلك تخصص السدود اما لتوليد الكهرباء أو للري.وهذا يخرج سد مروي صاحب أكبر مخزون من المعادلة.,!! *أم أنه سيعتمد علي مياه الأمطار,وهذه علمها عند منزلها,وزد علي ذلك,أن السودان لا يملك جهاز ارصاد يؤهله رصد الرياح ومسارات السحب,في حين أن الارصاد يأتي في قمة اهتمامات الدول..! *وأضرب مثلآ,قدمت هولندا عونآ مائيآ للسودان,وكان أن توطدت العلاقة بين مديري المشروع الهولندي والسوداني,وبعد انتهاء المشروع تواصلا بالخطابات,وصدف أن ذهب المدير السوداني الي هولندا,وذهب لزيارة صديقه في مقر عمله,فاذا به يتفاجئ بأن صديقه ترك العمل في مركز أبحاث المياه,وانضم لأحد الأحزاب السياسية,فذهب اليه في مقر الحزب فرأي عجبآ,حيث وجد أنه في مركز أبحاث مياه ضخم تابع للحزب السياسي.!!! *سأل صديقي صاحبه,أنت باحث في مجال المياه ما الذي أقحمك في السياسة؟فرد عليه "أنا كما تري أعمل في نفس عملي أرصد امكانيات هولندا المائية,وأقدمها للحزب حتي يضع برنامجه الانتخابي علي أساسه,لا يستطيع الحزب تقديم برنامج سياسي للصناعة او الزراعة أو أي منشط حياتي آخر ما لم يأخذ في الاعتبار امكانيات البلاد المائية.!!! *هكذا تدار السياسة في العالم بالعلم وليس بغيره,فهل يستطيع وزير المياه والكهرباء وجهازه ال(funny )مد رئيس البلاد بمعلومات بهذه الدقة!؟ليس في مقدور أي منهم الجرأة,فالسياسة في السودان هي من يقود العلم,ويهوي به في الدرك الأسفل من الجهل والتخلف والانحطاط.!!! *التكنوقراط بالعلم يقودون السياسة,والسياسيون بالجهل يقودون العلم.!وأذكر أنني تقدمت بمقترح كهذا لأحد كبار قادة الأحزاب حتي يسير علي هذا النهج,فقرأ الورقة المقدمة,وقال لي سأعرضها علي أمانة النقابات,ومن يومها لم أتصل به ولم يتصل بي,وكنت قد طالبت بانشاء أمانة علمية في الحزب,ولكنه كان يصر ان تكون تحت العمل النقابي,وبيني وبين نفسي قلت هذا فراق بيني وبينه.!! *نحن نطالب بحكومة تكنوقراط,والنظام الحاكم يتخلص منهم حتي من وظائفهم الادارية,ويضع مكانهم من لا صلة لهم بالعلم والمعرفة والخبرة من خريجي كليات الآداب,أوحتي خريجي الفصائل المتمردة.!!! *لهذا تطالب الغالبية العظمي بالتكنوقراط الذين بالعلم والمعرفة يقودون البلاد وسياستها,وكفانا تجارب سياسية لا تقود سوي الي التخلف والفساد,فقد جربهم جميعآ من سياسيين وعسكر,فهل ندخل بلادنا في تجربة المجرب..!!!؟ *وليكن مطلبنا التكنوقراط لا حشاش بي دقنو...!!! [email protected]