(1) الاسلامييون لا يحبذون مصطلح الصراع ويعتقدون ان الصراع عادة ما يكون بين الخير و الشر ولكن بعضهم لا يخفي عليه ان الصراع احياناً يكون بين الخير و الخير او بين الشر و الشر ، وبلا شك ان صراع القيادة والزعامة تأذت منه الحركة الاسلامية السودانية كثيراً وقبل ذلك يحدثنا التاريخ الاسلامي عن صراعات دامية بسبب القيادة والزعامة والخلافة امتدت من سقيفة بن ساعدة الي عهد الخلفاء والسلاطين ، لكن الصراع الذي نتحدث عنه ونتناوله بالتحليل صراع حميد يقلق ولا يوجع . (2) بلا شك اذا اتجه الحوار الوطني الي مسار التسوية الشاملة لقضايا السودان في سقفه الاعلي ، او اذا اتجه الي تسوية قضايا الصراع بين الاسلاميين كما هو متوقع في الحد الادني فسيشهد السودان واقع سياسي جديد ، وهذا الواقع السياسي الجديد سيفرز تداعيات لعل من ابرز ملامحها عودة الحركات المسلحة او كما يقول همنغواي وداعاً للسلاح او بلغة الجيش ارضاً سلاح ، وبلا شك ان التيار الاسلامي سيكون اكبر الكاسبين من عودة قيادات الحركات المسلحة ، فالحركة الاسلامية بقصد منها او بغير قصد استثمرت في قضايا صراع الهامش السوداني ودفعت راغبة او دُفعت مضطرة بقياداتها الي ميدان العمل المسلح فالصراع في مناطق الهامش يومئذ لا يترك لك خياراً سوي ميدان القتال ، ولعل الحركة الاسلامية عملت بمقولة فكتور هوجو التي يقول فيها اذا اعقت مجري الماء في نهر فالنتيجة هي الفيضان وحتي تتجنب الحركة الاسلامية فيضان قياداتها في مناطق الهامش دفعت بهم الي الميدان المسلح او تركت لهم حرية الاختيار وهذا الخيار الاخير الاكثر ترجيحاً . (3) التسوية السياسية القادمة بلا شك سيكون لها تداعياتها علي كل الطيف السياسي السوداني ولكن سيكون اثرها اكبر وأعمق علي التيار الاسلامي الذي يستعد لشكل ورسم جديد من التنظيم والترتيب كما هو منهجه في الانتقالات الكبيرة ، وإذا حدث ذلك فعندها سنري صراع الزعامة والقيادة في المنظومة الجديدة للإسلاميين بين قياداتهم التي اتخذت المعارضة منهجاً وصبرت علي المسار السياسي الحزبي بكل المه وأوجاعه وتعرضت الي الترهيب بالسجون والتضييق في الرزق والي الترغيب بالمناصب والوزارات والمال ولكنها اختارت الانحياز الي قيم الحركة وأدبياتها وأخلاقياتها ، وسيتسع الصراع علي القيادة الجديدة ليشمل الذين انحازوا الي خيار السلطة والحكم عند المفاصلة و منطقهم وحجتهم أنهم انحازوا ودافعوا عن دولة الحركة الاسلامية ولن يستطيع احد ان يرمي بهذه الفرية في سلة المهملات وسيكون صوت سيدنا يعقوب حاضراً فصبر جميل والله المستعان ، وسيزداد الصراع اتساعاً علي القيادة والزعامة في الحركة الاسلامية بعودة قيادات الحركات المسلحة من الاسلاميين الذين يظنون انهم قدموا التضحيات الجسام وعاشوا في الاحراش والغابات دفاعاً عن قيم وأدبيات الحركة الاسلامية . (4) بلا شك ان التيار العريض الذي سيصطف فيه الاسلاميين بمختلف مدارسهم لن يكون مثالياً خالياً من الامراض التي انتجتها تجربة الحركة في الحكم والسلطة فالصراع بين ابناء الغرب وأبناء البحر لن يخلد الي الراحة الابدية وسيكون حاضراً في المشهد ، والأحداث القادمات هي التي تحدد نسبته ضئيلاً محدوداً او كبيراً مؤثراً ، ولكن اذا اتسع الملعب السياسي يومها وصارت التحديات كبيرة وعظيمة علي التيار الاسلامي الجديد فقطعاً هذا الصراع سيكون في حده الادني فالصراع بين المدرسة الاسلامية والمدرسة العلمانية سيجعل من صراع المناطقية والجهوية بلا تأثير ، ولكن اذا ضاق الملعب السياسي السوداني ولم يستوعب غير الاسلاميين فستتكرر احداث الصراع المناطقي والجهوي كما حدثت من قبل وستكون اشد ضراوة وستلقي بظلال سالبة علي المنظومة الجديدة للإسلاميين . (5) من المتوقع ان يتسع التشكيل الجديد للإسلاميين علي ذات المنهج الذي اتسع به في تجربة جبهة الميثاق او الجبهة الاسلامية وان يستوعب قيادات ذات ثقل في احزابها وحينها سنشهد نموذج احمد سليمان المحامي ، وهذه القيادات التي تربت علي الزعامة والقيادة بلا شك لن تكون في الصفوف الخلفية وقطعاً سيتولد الصراع بين دجاجة البيت ودجاجة الخلاء كما تقول الرواية الشعبية السودانية وهذا النموذج من الصراع ليس غائباً عن المؤتمر الشعبي فقد شهد صراعاً عبثياً كان بطله كمال عمر المحامي وبعض قيادات الشعبي الذين يظنون انهم اولي بالزعامة والقيادة من قادم جديد الي صف الحركة الاسلامية لم يتربى في حلقات تلاوتها ولم يعيش صراعاتها في الجامعات ولم يعاني محنتها في السجون ، عموماً سنري هل ستكرر الحركة الاسلامية كما يقول علي عزت بجيوفتش تجربة القيادات ذات الولاءات الزئبقية ام ان اختيار الحركة الاسلامية هذه المرة سيكون مثمراً . (6) الصراع الابرز علي القيادة والزعامة هو صراع القادمين من السلطة الي التيار الاسلامي بمنظومته الجديدة و بطبيعة الحال لن يقبل عقل ووجدان الاسلاميين عودة القيادات التي تولت كبر الفتنة والمفاصلة فلن يتصور احد ان يكون علي عثمان محمد طه المحامي قيادي في المنظومة الجديدة وغيره من القيادات التي قادت الصراع بقوة السلطان وتتألق في المؤامرات كما يقول روكفلر عن هنري كيسنجر ، ولكن قيادات الصف الادني بلا شك لن يكون مصيرها في سلة المهملات ، وهذه التجربة لها ما يقاربها فقد شهدت صفوف المؤتمر الوطني عودة قيادات من المؤتمر الشعبي مثل حاج ماجد سوار وحامد ممتاز وزهير سليمان ومحمد الحسن الامين الي الحزب الذي صارعوه وحاربوه بقوة ، وهو ذات الحزب الذي سجنهم بقسوة ، وحربهم له وسجنه لهم لم يمنع من ان يكونوا قيادات استقبلتهم قواعد ذات الصراع وصاروا قادة لها تحت راية المؤتمر الوطني ولن تستعجب اذا تمعنت مقولة غسان كنفاني ان النسيان هو الدواء الاكثر نفعاً الذي صنعته البشرية . (7) صراع الاجيال سيكون حاضراً في مشهد الصراع علي القيادة والزعامة في المنظومة الجديدة للإسلاميين خصوصاً وان الحركة الاسلامية تجمع وتحتضن اكثر من اربعة اجيال في مستوياتها المختلفة ، ولكن طبيعة هذا الانتقال التاريخي تتطلب قيادة بمواصفات عالية تجمع بين خبرة الشيوخ وجسارة الشباب وتستشرف المستقبل البعيد ، ولذلك من الحكمة ان تجمع القيادة القادمة للحركة الاسلامية كل هذه الاجيال رغم صعوبة التناغم بينها حاضراً لكن سيكون المستقبل كفيل بخلق هذا التناغم . (8) منذ ستينات القرن الماضي لم يبارح الدكتور الترابي قيادة الحركة الاسلامية ولعل قدرته علي التجديد والإبداع والإلهام اسكتت الالسن عن السؤال الكبير الذي يتحدث عن خلافته في قيادة الحركة الاسلامية وحتى هذه الاصوات التي تحدثت عن ذلك كانت تتحدث بهمس ، وسيكون حدثاً تاريخياً ان يغادر مفكر الحركة الاسلامية سدة القيادة ، فالسيناريو المحتمل في المنظومة الخالفة ان يجلس الدكتور الترابي علي كرسي الشورى والاستشارة مصوباً وناصحاً لتلاميذه وراعياً لهذا الانتقال التاريخي للحركة الاسلامية السودانية ، وقطعاً ان ابتعاده سيخلق صراعاً علي كرسي الزعامة للحركة الاسلامية في ثوبها الجديد فطبيعة التنظيمات الاسلامية لا تقبل إلا بالزعيم والقائد الملهم رغم ان فرص الزعامة والقيادة الملهمة لن تتكرر بسهولة بعد رحيل الدكتور الترابي عن القيادة ، مغادرة الدكتور الترابي منصة القيادة الجديدة للإسلاميين سيجعلها بين خيارين الخيار الاول انه ليس من الصعوبة ان يخرج من رحم الحركة الاسلامية قائد بمثل مواصفات اردوغان ، والخيار الثاني سيجعل القيادة الجديدة تحت رحمة مقولة غسان كنفاني هل كلهم تافهون ام ان غيابك هو الذي فعل ذلك بهم ، فهل ترتقي الحركة الاسلامية الي نموذج اردوغان ام انها ستسقط في مستنقع التفاهة بعد رحيل الترابي . علي عثمان علي سليمان [email protected]