زار الخرطوم هذا الأسبوع وفد أميركي رفيع المستوى يمثل معهد السلام الأميركي ويترأسه الدبلوماسي المرموق المبعوث الأميركي السابق للسودان برلستون ليمان الذي ظل منذ مغادرته السودان يدعو للحل السلمي للأزمة السودانية محاضراً في منابر شتى أو مقدماً شهادته أمام لجان الكونجرس، وقد واصل مجهوده هذا في اتصالاته مع المسؤولين السودانيين في الخرطوم إبان هذه الزيارة كما تحدث في ندوة أعد لها معهد السلام بجامعة الخرطوم. كما هو متوقع كرر الدبلوماسي الأميركي في محاضرته نفس الفكرة مواصلاً الدعوة لحل الأزمة عبر التفاوض للوصول إلى صيغة تحقق التحول الديمقراطي في السودان، وخاطب المعارضة داعياً لها للتخلي عن مشروع إسقاط النظام بالقوة والاتجاه نحو الحلول التفاوضية التي تتطلب وجود إرادة سياسية قوية للخروج من براثن الأزمة التي تحيط بالسودان والتي تزداد حدتها ولا تتناقض، مؤكداً أن تجارب دولية عديدة أثبتت نجاعة أسلوب التحول الديمقراطي عبر التفاوض عندما تتوافر الإرادة السياسية الفاعلة لدى أطراف الحوار، مستشهداً بما حدث في كثير من بلدان العالم، ومن بينها جنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وشيلي وغيرها، وقد حققت جميعها التحول من الأنظمة الشمولية إلى الديمقراطية عبر الحوار الوطني. ولا نعتقد أن هناك خلافاً من ناحية المبدأ حول شجاعة أسلوب الحل الحواري الوطني في حل أزمات الدول التي تعيش في صراعات حادة أو دموية تحت أنظمة شمولية تسلطية، ولكن ذلك الأسلوب لا ينجح إلا إذا توافرت الظروف والأجواء الإيجابية والإرادة السياسية الغلابة لتحقيق التحول المطلوب -والدليل على ذلك أنه ما من حزب في السودان أو حركة مسلحة رفضت دعوة الحوار التي أطلقها رئيس الجمهورية، ولكنها جميعاً رأت ضرورة توفير الأجواء المواتية لإدارة حوار حقيقي ووجود التزام بأحداث التغيير المطلوب– وما تعثر الحوار إلا بسبب غياب هذه المستحقات الأساسية وغيابها يعني غياب الإرادة السياسية. ولو تمعنا في كل الأمثلة التي أشار إليها المتحدث للدول التي تحقق فيها مثل ذلك التحول لاكتشفنا أن حكومات تلك الدول كانت هي التي امتلكت الإرادة السياسية والرغبة الصادقة في إحداث التغيير لإحساسها بأن الصراع الداخلي وصل ذروته وبات يهدد وجود الوطن نفسه، وخير لها أن تصبح جزءاً من الحل بدلاً من أن تظل جزءاً من الأزمة، وفي رأينا أن القوى الحاكمة في السودان لم تصل لهذه المرحلة بعد، وهذا هو أساس المشكلة، فهي القابضة على زمام السلطة وهي المطالبة بالمبادرة وفي غياب القناعة لديها بضرورة إحداث التغيير الشامل فإن الحوار يتحول إلى مجرد تجميل للوجه. الحوار ليس هدفاً في حد ذاته، إنما هو وسيلة لتحقيق تغيير جذري ويعالج الأزمة بكل أبعادها ونحن معه وندعو له بهذا المعنى الشامل، وهو بهذه الصفة لن يتحقق إلا يوم أن تكون الحكومة مستعدة للتغيير الشامل، وكل ذوي النوايا الحسنة الذين يريدون حلاً سلمياً للأزمة السودانية ينبغي أن تتجه جهودهم ومحاولاتهم لدفع مسيرة الحل التفاوضي إلى الأمام نحو الممسكين بزمام الأمر لإقناعهم بأن الأزمة الراهنة لن يحلها إلا تغيير حقيقي وشامل وتحول ديمقراطي كامل. العرب [email protected]