والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدد يا واشنطن مدد..!!
نشر في الراكوبة يوم 13 - 02 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
الأنباء التي تواترت عن دعوة الحكومة واشنطن للمساهمة في جهود السلام والضغط علي المعارضين لينضموا لعملية السلام! هي أنباء تدفع الي المقدمة عدد من التساؤلات، او تحمل في جوفها بضع ملاحظات! منها أولا، الدعوة تقر صراحة ومن دون لف او دوران معهود عن الحكومة، أن واشنطن تمثل مركز الثقل الدولي، أي تنطلق من بواعث وتقديرات خاصة لواشنطن ومكانتها! وتاليا تزيد من حالة الإرباك في طبيعة العلاقة الملتبسة التي تربط الحكومة مع واشنطن. وإقرار كهذا رغم تأخره او تخطيه المدي المسموح للحكمة التي تأتي متأخرة، إلا أنه لا يدل علي عودة الوعي للحكومة، الذي تثبته عدة مؤشرات معدومة، بقدر ما يشير الي تطور فقه المداراة وإرتقاء أساليب إتقاء شر العم سام والتحايل عليه، بمظنة أن الممارسات الداخلية الشائهية للسلطة والإستباحية لمؤسسات الدولة وحقوق المواطنين، غير معلومة خارجيا! أي كنوع من أوهام الغرور او توهم الذكاء الحاد الذي يُمكِّن أعضاءها من تمرير كل الحِيَّل والتناقضات دون إزعاج او إكتشاف، بمعني وبما أنهم تجاوزوا مرحلة خداع الصغار في الداخل، فتاليا هم قادرون علي التلاعب بالكبار في الخارج، وعبقرية غندور وعلي كرتي ومصطفي أسماعيل جاهزة عند الطلب؟! وعلي العموم، مركزية واشنطن الدولية، ما لا تحتاج لدرس عصر لتأكيدها او عبقرية دبلوماسية لمعرفتها او حتي إنتظار عهود طويلة للإقرار بها، قبل أن تكون من البديهيات التي لا تنتطح فيها عنزان، إلا من شاكلة النظم الفردية والتنظيمات الإستبدادية، والتي تُبني فيها دبلوماسيتها وكغيرها من سياسات الدولة وأنشطتها، علي مقاسات ومصالح ومزاج القائد الرمز او المجموعة الحاكمة، والأصح كنوع من بناء موقف ورأي عام رافض للإمبريالية، كتعويض عن إنعدام البرامج الحقيقية وغياب المشاريع المنافسة! والسبب أنه وفي حضور مشروع السلطة تمتنع المشاريع الأخري(التنموية السياسية الإجتماعية..الخ) عن الحضور، أي من شدة تضخم مشروع السلطة وإنفتاحه علي التضخم والترهل والتسلل الي كل مكان، فهو قادر علي إحتلال كل فضاء الوطن، مما يجعل وجود مشاريع أخري مصاحبة في حكم المستحيل، إلا كملحقات ثانوية او زوائد زخرفية، تخدم مركزية مشروع السلطة! ولكن التحكم المطلق في الداخل لا يعني بالضرورة تمرير الرؤية المعطوبة الي الخارج، او في إمكانها تكييف الخارج للتجاوب معها! وعليه تصبح المجاهدات الرفضوية والجهود الإنكاروية لمكانة واشنطن، من جانب الحكومة الإنقاذوية وأشباهها، هي جهود عبطية ومحاولات عبثية خارج منطق السياسة وأصول الحكم! وتاليا، يصعب عليها الصمود أمام حقائق الواقع رغم أكلافها الباهظة، خصوصا من جانب الدول الضعيفة والهامشية. وعوضا عن الإعتراف الصريح، ليس بقوة وتأثير النموذج الواشنطني المسيطر فقط! ولكن قبل ذلك، خواء وفراغ نموذجها المتحكم داخليا! نجدها تلجأ الي نوع من التحايل من خلال فتح قنوات سرية مع العم سام، تعرض فيها خدماتها من دون مقابل او بمقابل متواضع، نظير الصمت علي عدم شرعيتها! او قد تلجأ لطريقة الإستعطاف والمسكنة وصولا لمرحلة الإستجداء الصريح لواشنطن، لتحمل عنها عبء مسؤولياتها الداخلية، بعد أن غطي الفشل كل أرجاء الوطن وحكم العجز مسيرة الحكومة الطاهرة. وهذه المسارات الأخيرة توضح كالعادة، أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، مهما طالت سكرة الأنظمة المستبدة وطواها تيار الغرور في غيبوبته المديدة! أي لا بديل عن الدبلوماسية في فهم طبيعة وعمل العلاقات الدولية، وتاليا آليات التعاطي معها من موقع معرفة وتقدير المكانة وإمكانات التأثير والتأثر، حتي ولو كانت من صنف دبلوماسية الإنقاذ المتواضعة، او إندلاقها غير الكريم في حضن العدو الأول(واشنطن) كما كانت تردد حكومة الإنقاذ دون كلل او ملل! بمعني، يصعب علي الفرد أن يعيش في عصر لا يتحدث لغته! فكيف الحال بدولة؟ مع العلم أن لغة الدول هي دبلوماسيتها التي تخاطب بها العالم من حولها. علي أن كل ذلك لا يُنسينا أن قوة أمريكا من قوة نموذجها! ومكانة وقدرة وتأثير أمريكا حاليا هو إمتداد لمسيرة طويلة، حَكّمَت فيها الممارسة الديمقراطية في السياسة والحكم، والنهج العلمي والمؤسسي في إدارة أجهزة الدولة وتقديم أنشطتها الخدمية، مع تكريس السلوك التنظيمي كتقليد مرعي في المجتمع! وعليه لا يمكن بناء مشروع ينافس او نظام يواجه أمريكا، إذا ما إفترضنا أن المواجهة هي الأسلوب الأمثل لإدارة العلاقات الدولية؟ إلا من خلال صناعة نموذج موازٍ لإيجابيات النموذج الأمريكي إن لم نقل يتفوق عليه؟! وهذا القول ليس إعجابا بأمريكا ولو أنها نموذج يستحق التقدير، ولكنه تقرير حالة راهنة وملموسة، لا يجدي معها الإنكار! الذي فوق أنه مغالطات، إلا أنه يحرم صاحبه من التعلم ويجرده من العقلنة والموضوعية! وهذا إذا لم يلقِ به في عزلة حجب الوعي والرغبات الطفولية! وهي بطبعها سمات عقائد وإيدويولوجيات غيبية وجامدة، والأصح يحكمها التطور العكسي، أي تبدأ زاهية ويتناقص وهجها تدريجيا مع مرور الوقت وإختبارات الواقع. وعموما، تظل أهم مصادر قوة وثراء النموذج الأمريكي، هي إشاعة الحريات والحقوق العامة، ودقة التنظيم، والمثابرة علي المحاولة والتجريب، والجدية في الممارسة والتطبيق، إضافة الي توافر الطموحات و الفرص والحوافز، وحيوية التنوع وبراعة إدارته..الخ. وفي كل هذا ما يفرح ويشجع علي الإقتداء بالنموذج الأمريكي او النمذجة علي شاكلته مع مراعاة الفوارق الحضارية والظروف التاريخية التي تحكم كل تجربة! ولكن كل ذلك لا ينفي أن هذا النموذج نفسه، يحمل عوامل تناقضه داخله، مما ينذر بفناءه بعد إستنفاد أغراضه، إن لم يتم تداركها لصيانة فعالية النظام! والعوامل المقصودة تتلخص في النزوع الإمبراطوري للدولة، وطريقة تصميم المشروع، الذي يخدم بصورة أكبر النخبة المسيطرة، سواء أكانت مالية او سياسية او عسكرية! أي إحتكار المال والقرار والنفوذ لدي دوائر ضيقة، توجه البنية الديمقراطية الحاكمة والإقتصادية المتحكمة في النظام، الي مصالحها الأكثر ضيق؟! والأنكي من ذلك، سيادة هذه المصالح الأخيرة الدولة/النخبة الحاكمة، علي النزعات الإنسانية والقيمية الأخلاقية، في العلاقات الدولية! أي كقيم مطلقة تخص كل إنسان وفي كل مكان، وليست قيم نسبية يُختص المقترع الأمريكي بأرفعها! وفي معادلة أخلاقية مختلة كهذه، من الطبيعي إن لم يكن من اللازم، أن يتعرض إنسان العالم الآخر، ليس للدونية فقط، ولكن إهدار كل حقوقه، من خلال إستغلاله او إهماله من جانب الدول الكبري في الخارج، او ترك حياته وبلاده رهينة في أيدي الجلادين في الداخل، وتاليا تصبح عرضة لمصادراتها وقت ما شاءوا وكيفما شاءوا؟! وهو ما يجعل هذا الوجه الكالح الأخير(القوة الإحتكار السيطرة) لأمريكا، مصدر جذب للنظام في الخرطوم او غيره من الأنظمة المشابهة، يسرها أن تقتدي به وتحلم أن تصل يوما ما لمكانتها! بالقدر الذي يجعلها تهاب النموذج الأمريكي وتعمل له ألف حساب، لدرجة أن تقدم له الغالي والنفيس، وإراقة ماء الوجه وتلف الأعصاب، حتي تنال رضاه وتتفادي غضبته! ويترتب علي ذلك وجود خطابين لتلك الأنظمة الهمجية، خطاب حقيقي ولكنه سري او غير معلن للعامة، من أهم سماته أنه مهادن وخنوع ومبتذل في طاعته للدول الخارجية(أمريكا غالبا) التي يتوجه لها حصرا! وخطاب آخر معلن للعامة، أهم سماته التطرف والضجيج والهيجان والرفض ولعن الشيطان الأكبر، أي خطاب عاطفي يتقصَّد إلهاب حماسة البسطاء وإستثارة مشاعر الأنصار، أكثر من كونه خطاب عقلاني يتصدي لأطماع الخارج او يعبر عن نضج ومسؤولية مُطلقيه. ونخلص من ذلك الي أن دعوة الحكومة الأخيرة واشنطن لدعم السلام وغيرها من إستجداءات تحسين العلاقات المتهاطلة علي واشنطن كأمطار الخريف، إن دلت علي شئ فهي تدل، علي أن مناطحة الصخر والغباء السياسي والهزل الدبلوماسي السابق، لا مكان له في عالم السياسة الناضجة او الدبلومسية الراقية او الدول المتحضرة، او حتي لدي حكومات مسؤولة او حكام مؤهلين لإدارة دولة رشيدة! والأهم أنه لن يحل أي مشاكل داخلية حقيقية، إن لم يفاقمها؟ ليس لأنه خطاب هذيان سياسي ومواجهات (فشنك) فقط، ولكن لأنه يشكل وسيلة سهلة للهروب من مواجهة المشاكل والتحديات الداخلية، من ناحية! وإتخاذه كشماعة لتبرير الفشل والتقصير والأخطاء من الناحية المقابلة. ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة، في إفتقاده للجدية والرؤية الموضوعية او التحليلية لطبيعة التعقيدات المحلية او وعي بملابسات القضايا والعلاقت الخارجية! وتاليا، هو أعجز من تقديم وصفات علاجية لمعالجة إستحكامات الأزمات المتتابعة؟ بوصف إدارة الأزمات تحتاج لمناهج تسهل إستيعابها وضبطها ووسائل وأدوات مناسبة تتجاوب مع المشاكل والمناهج، وقبل ذلك بيئة مشجعة وأوضاع محرضة علي إيجاد الحلول المناسبة، وإرادة صلبة تساعد في تنزيلها علي الأرض او تطبيقها كواقع. وكل ذلك للأسف يغيب عن السلطة في الخرطوم؟ والسبب ببساطة لأنها من تشكل الأزمة الكبري، التي تغطي علي باقي الأزمات الأخري او تحجبها او أقلاه تمنع أي محاولة جادة لمعالجتها؟ بمعني، السلطة المأزومة لا تنتج إلا الأزمات! والحال كذلك، تصبح الحلول ممتنعة علي الإدراك، ناهيك عن إستحضارها او منحها الفرصة للتطبيق!
ثانيا، أما الملاحظة الأخري عن دعوة الحكومة واشنطن للضغط علي المعارضة والحركات المسلحة، فهي تتعلق بإستدعاء مخزون الضغط الذي يستبطن بطبعه إرغام الآخر، وهو ما يشكل بدوره ملمح واضح لطبيعة تفكير وسلوك السلطة الحاكمة ووسائل ومنهج حكمها او وعيها لمفهوم السلطة بصفة عامة! أي السلطة التي لا تؤمن بفرض الرأي الواحد والوصاية علي الآخرين داخل الوطن فقط! ولكنها تفضل أن تستخدم في ذلك المسلك، أحط وسائل الإرغام وأبشع أدوات الإكراه، والمقصود العنف المادي المحض او القوة العارية، أي المجردة من الشرعيىة والقيمية، إضافة الي الإستعلاء السلطوي بكل تقسيماته ورموزه وشموله! وحديثا يمكن تُلحق به دعوات الإستعانة بدولة الكفر والإستكبار او الشيطان الأكبر (حسب خلفية وجهة النظر من أمريكا)، علي إعتبار أن الإستعانة بالشركاء التنظيميين الإقليميين او غيرهم، هو أمر مشروع سلفا ولا غبار عليه، إن لم يكن مطلوب بشدة لقمع الداخل وزيادة إستقرار السلطة المغتصبة! حيث لا إستقرار للسلطات المغتصبة إلا بإستدعاء الإرهاب، وبغض النظر عن لونه او ملته او إتجاهه، فما يهم فقط هو فعاليته في السيطرة وقدرته علي الإحتواء. بعبارة معاكسة، كان يمكن لممثلي الحكومة الدبلوماسيين، أي بصفتهم أرقي أعضاء المجموعة الحاكمة وعيا وسلوكا، أن تكون دعوتهم لواشنطن بصيغة طلب الحوار مع/ الإقناع ل المعارضة والحركات المسلحة، بقبول المشاركة في حوارات السلام! علي ألا يكون الطلب نفسه بالصيغة اللفظية (الهوائية) المعتادة، أي طلب الشئ والعمل ضده والإعلان عن شئ وإضمار نقضه، وهو الأسلوب الذي درج علي إستخدامه النظام، لدرجة أصبح فيها التمييز بين النظام وأسلوبه الإلتوائي أمر مستحيل! بل أي محاولة جادة للفصل بينهما تؤدي لتغييب ملامح النظام ومن ثم يفقد هويته وتاليا وجوده! أي هو نظام حكم علي نفسه بعدم الصلاح وإفتقاد القابلية للإصلاح أو رهن مصيره لتحمل أعباء الخطيئة الأبدية؟! المهم، المطلوب أن تكون مقومات الدعوة او خطوطها العريضة، ملامسة لجذور الأزمات التي أفضت لبروز النزاعات والحروبات، وما ترتب عليها من مآسٍ علي مناطق الإقتتال وأهلها وعلي البلاد ككل! وبعبارة واضحة، ما هي أسباب معارضة المعارضة ورفع الحركات المسلحة للسلاح؟ فمواجهة سؤال كهذا او طرحه بجدية وصدق؟ هو ما يجعل المعارضة والحركات المسلحة، قريبة جدا من المشاركة في أي حوار حول السلام او غيره من القضايا الجوهرية! والحال هكذا، تصبح دعوة واشنطن او غيرها من العواصم المؤثرة، هي دعوة نافلة او زيادة خير فقط! أي عامل محفز(في الكيمياء يساعد علي التفاعل ولا يدخل فيه) أي يمكن أن يسهم في إزالة الحواجز النفسية وكرقيب علي جدية المفاوضات وداعم للحلول المتوافق عليها! ولكن الملاحظ من صيغة الطلب الحكومي، أن النظام في الخرطوم يعنيه فقط جانب (القوة السيطرة النفوذ) في النموذج الأمريكي السالف الذكر! أو أقلاه أنه يفضل إستدعاء هذا الجانب في مقاربته لدور المعارضة والحركات المسلحة! علي إعتبارها خارج سيطرته وخارجة علي إملاءتها وقوانينه القهرية التي يحكم بها مجتمع الداخل! إذا صح ذلك، فهذا يعني أن أسس الحوار الجاد، مثل توافر شروط الندية والنيات الصادقة والإرادات الحرة وإستقلالية المشاركة، غير ممكنة أساسا؟! بمعني أنه وفي مثل هكذا ظروف تسلطية إنقاذوية، لا توجد بيئة حوارية سليمة، تساعد علي المشاركة بفاعلية! لأنها ببساطة البيئة خاضعة بالكلية لرؤية النظام! وهي رؤية بدورها تتعالي علي الندية وتحتكر الحقيقة وتسيطر عليها هواجس الهيمنة، وقبل ذلك، تستبطن الإخضاع والإلحاق بمشروع السلطة المكرس منذ وصول الإنقاذ إلي الحكم أوآخر الثمانينات! وهو بطبعه مشروع يمتنع علي مشاركة المخالفين، قبل أن يكون، هو من تسبب في هذه الإستعصاءات التي يحاول أن يعالجها الحوار المزعوم؟! بمعني آخر، في حوارات كهذه أقصي ما تقدمه سلطة الخرطوم، هو مجموعة تنازلات شكلية لا تمس من قريب او بعيد، طبيعة سلطة النظام وشكل تحكمه في الدولة وكيفية سيطرته علي المواطنين؟! وعليه تصبح هذه الهوامش مرفوضة سلفا، من قبل أي قوي تغيير حقيقية سواء كانت معارضة سلمية او مسلحة، والحكومة قبل غيرها تعلم ذلك؟! ولعلاج هذه المعضلة المستمرة بطول عمر النظام، فإن الحكومة وبدلا من تغيير طبيعة الرؤية الضيقة التي تتبناها، وذلك بالإنفتاح علي رؤية أخري مغايرة، تستوعب منظور السلطة الحديثة، كوظيفة حيادية وكممارسة ديمقراطية، بإلإضافة الي إستيعاب حقوق الآخرين المكافئة لحقوق جماعة السلطة، وقبل ذلك المستوعبة لإشكالات الوطن وحاجات المواطنين؟! نجدها تلجأ للعمة واشنطن من أجل ممارسة الضغوطات علي المعارضة والحركات، لتقبل وهي صاغرة رؤية السلطة (للتغيير!) والأصح الإصلاحات الثانوية! والأسوأ من ذلك، إرغامها علي قبول فتات السلطة او المتبقي من سيطرة النظام، أي فائض السلطة لو جاز التعبير؟! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هكذا حالة، إذا قبلت المعارضة والحركات المسلحة عبر ضغط واشنطن او غيرها دعوة حوارية ضيزية كهذه؟ او مكاسب سلطوية (دنية) كتلك؟ فهل تضمن دعم أعضاءها ومنتسبيها؟ بل هل تصبح متسقة مع نفسها وخطابها وهي تحمل مشاريع ومشاعل التغيير وتبشر بأحلام التقدم وآمال النهوض؟ وكيف يُضمن بمشاركة كهذه، ألا تنخرط في مشروع النظام، لتُعيِّد إنتاجه بوصفة أخري أكثر كارثية وخطاب أشد ظلامية، وهذا في حال لم تصبح سلاحه الذي يبطش به وأداته التي يضلل بها؟! بل أكاد أجزم أن جزء كبير من دعم المعارضة والحركات المسلحة، يأتِ تحديدا من معارضتها لسلطة الخرطوم، التي تجسد الخراب والفساد علي أسمي صوره! بمعني آخر، معارضة نظام الخرطوم، كنظام دمار للدولة وتشويه لمفهوم السلطة وإهدار لكرامة وتماسك وتواصل وتعايش مكونات المجتمع! غير أنه موقف مبدئي يعبر عن صدقية المعارضة والمعارضين، كما أنه يشكل الأساس لأي وجهة نظر نقدية تقطع مع الإستبداد، إضافة الي كونه يمثل أول خطوة جدية ناحية بناء مشروع تغيير حقيقي، يحمل داخله بذرة صالحة لكل التلطلعات النهضوية! إلا أنه يشكل بدوره أوضح هذه الطرق وأسهلها فيما يخص موقف القوي المعارضة، وتاليا الرسوب فيه، يقوض مفهوم المعارضة قبل أن يشكك في شرعيتها! أي يكفي أن تعارض الإنقاذ لإتخاذ الموقف الصحيح! ولكن ما يُرجي من المعارضة المنظمة أكبر من ذلك بكثير، أي ليس مواجهة هذا النظام الكارثي وإزالته فقط، ولكن التأسيس لنظام بديل وأفضل وبما لا يقاس، سواء من ناحية مضامين سياسية ديمقراطية او مشاريع إقتصادية وتنموية او كفضاء عام يحافظ علي كرامة وحقوق المواطنين بصفة عامة، من ناحية، ويشد من أزر ووثاق الهوية الوطنية السودانية الجامعة، من الناحية الأخري. وعليه يصبح الموقف الواضح والحازم والممتنع علي التاويلات المصلحية الفئوية او الحزبية الضيقة، ضد النظام، هو الموقف البديهي للمعارضة، ولا مكان في موقف كهذا، لمجتمع وتنظيمات ورجال (الأعراف) والرمادية السياسية. في هذا الإتجاه، تصبح أول درجات الحوار الجاد، هي نزع الحق في الحور وشروط الحوار وما يفضي إليه الحوار، من السلطة الحاكمة في الخرطوم! ولا يمكن الوصول الي هذه النقطة إلا من طريقين! أولهما، إعتراف السلطة الحاكمة، أن سلوكها وأفعالها وإستيلاءها الغادر علي السلطة، هو أس البلاء ومكمن الأزمات، والذي يحتاج لمعالجة جذرية تحرر السلطة من الإستبداد وتضع الإحتياطات المستقبلية اللأزمة لحمايتها منه. وثانيا، أن تجتمع المعارضة بكل تكويناتها علي كلمة سواء، أي الإتفاق علي برنامج تحول إنتقالي وتغيير ديمقراطي حقيقي كحد أدني! فإتفاق كهذا بقدر ما يعينها علي تغيير قوانين الحوار والتحكم في شروطه ومن ثم توجيهه لصالحها، بقدر ما يُمكِّنها من وضع الدولة السودانية علي طريق الخلاص الوطني الصحيح! أي يعطيها الأجوبة علي أسئلة كل القضايا الجوهرية، التي يجب فرضها علي أجندة الحوار، والأهم إتفاق كهذا سيجعلها مسنودة علي قاعدة جماهيرية عريضة، أو كل من لم يشارك الإنقاذ جرائمها او يستفيد من حاصل فسادها بشكل او بآخر؟! وبكلمة واضحة، أي دعوة للحوار او إنجاز حوار تتم/يتم من دون النظر لموضوع إعادة بناء الدولة السودانية علي أسس حديثة معلومة ومجربة! لن يفضي الي حلول جذرية تعالج معضلات الدولة السودانية المتراكمة والمتفاقمة بسبب تأجيل الحلول الموضوعية او رفضها او الإلتفاف عليها! بمعني هكذا دعوات وحوارات مصدرها السلطة، ستتحول الي دعوات دعائية وحوارات فارغة المضمون، والأسوأ تحولها الي وسائل إلتفافية لتغييب القضايا الجوهرية او للتعتيم علي مصادر الخلل ومكامن العلل، مرورا بتضليل الجمهور، ووصولا الي تحولها نفسها الي عقبات جديدة في طريق حل القضايا، ليس بسبب إهدارها الزمن والموارد في المماحكات العبثية فقط، ولكن الأخطر من ذلك، هو جرها السياسة الي طريق العنف ودفع البلاد الي مربع التفكك! بمعني، الإلتفاف علي الحوار الجاد والتلاعب بقيمه ومضامينه، من أجل شراء الوقت! هو في حقيقته وصفة جاهزة لإشعال الحرب الأهلية، وتحكيم منطق القوة العارية، وإزاحة للعقلانية والسلمية من الفضاء الوطني.
وهنالك ناحية مهمة يجب عدم إغفالها قبل قبول أي دعوة (مسمومة حتي يثبت العكس!) من الحكومة عبر وأشنطن او غيرها، فيما يخص موضوع الحوار والسلام والمشاركة او غيرها من الأنشطة التي يكون طرفها الجانب الحكومي! وهي المراجعة النقدية لكل الحوارات والمشاركات والإتفاقيات السابقة! ومعرفة أسباب فشلها جميعا؟! لأن هكذا مراجعة جذرية لا تضع أي حوار قادم علي الطريق الصحيح، بتلافي السلبيات والتخلص من بذور الفشل التي يحملها في أحشاءه مبكر فقط! ولكنها تقطع الطريق علي نظام الخرطوم، في إتخاذه هكذا حجج حوارية وإتفاقية وسلامية، كوسائل للقفز علي المشاكل وإطالة أمد الأزمات والتراجع عن دفع إستحقاقات المعالجات! أي من أجل تمكينه السلطوي والبقاء الأبدي، ولكن بنسخ أكثر تشوه ورعب وبما يتناسب وطول البقاء وتوحش أدوات السيطرة! وبكلمة محددة، إن أساليب الحوارات والإتفاقيات وغيرها من الأطروحات الدعائية الفارغة، تشكل أهم إستراتيجيات النظام الفعَّالة، للبقاء علي سدة السلطة وخداع البسطاء وشراء الوقت والإنتهازيين! ومن السهولة بمكان سرد بعض المحطات التي تؤكد ما ذكر أعلاه، فالإنقاذ ومنذ العام الأول علي وصولها شرعت في تنيفذ مشروع الحوار الوطني، وإبتدرته بحملة دعائية ضخمة وحشدت له المشاركات المتنوعة والطاقات المادية والمعنوية واللوجستية، وتداولت فيه معظم القضايا، وكثرت فيه التمنيات الطيبة والأمنيات الفسيحة؟ لتتكشف حقائق الحوار المفجعة بعد ذلك، في أنه لم يكن أكثر من لعبة ماكرة تهدف لإضفاء شرعية علي نظام غير شرعي بالمطلق، إضافة الي كونه شكل غطاء لتصعيِّد أوار أفظع حرب عنصرية تجاه إخوتنا في الداخل، ومن ثم تحويل الدولة السودانية الي دولة أمنية وبوليسية بإمتياز! وليت الأمر توقف عند ذلك، ولكن إستمر مشروع المحن في ممارسة فنونه، ليحتضن قلب المشروع الحضاري بيوت الأشباح وأساليب التعذيب الرهيبة، والتي فوق شذوذها إلا أنها ثقافة دخيلة علي السياسة وغريبة عن الوطن وتوقعات المعتقلين؟ ومن بعدها دخلنا علي مجازر قطع الأرزاق والفصل التعسفي من الوظائف للمخالفين، ومن ثم أستمر مشروع الإنقاذ البلدوزري في تخريب النقابات والخدمة المدنية وتحطيم المشاريع القومية والتلاعب بحاضر ومستقبل البلاد والعباد! وبتعبير مختصر، تحول حوار السلام الي تجريدات عسكرية وحوارات الديمقراطية الي إعتقالات أمنية ووعود المشاركة الي تهجير قسري للمعارضين! وبعد كل هذه الممارسات الحوارية الماكرة وحصاد الهشيم الإتفاقي، إلا أنه للأسف إستمر مسلسل تصديق دعواتها الحوارية وألاعيبها الإتفاقية؟! لنصل بعد ذلك لإقامة مؤتمر إقليمي في الداخل دُعي له كل المتطرفين دينيا وقوميا، بحجة تجميِّع أهل القبلة والتصدي للهجمة الإمبريالية! لتخرج الدولة من ذلك المؤتمر وقد إلتصقت تهمة الإرهاب بها وبمواطنيها، ومن غير ذنب جنوه، أو ذنبهم الوحيد أنهم أصبحوا رهائن لدي طموحات شيخ موتور! أصر علي خلط زيت الدين بماء السياسة، للإدعاء بأنه صاحب مشروع معجزة او قادر علي معالجة كل أمراض الدنيا في طرفة عين، فقط لأنه يستمد شرعيته من الإله، ولذا يجب منحه السلطة المطلقة لإدارة كل الأمم علي هواه! المهم، بعد ذلك كرت سبحة الحوارات والمؤتمرات وإتفاقيات السلام دون توقف، وكل مؤتمر تعقبه مصيبة وطنية وكل إتفاقية سلام تليها تشرذم للفصائل المعارضة وإشتداد لضراوة المعارك! وكأن الحكومة تستعيض بالمؤتمرات عن البحث في الحلول الجادة، وبإتفاقيات السلام عن إيقاف المعارك ونشر الطمأنينة والأمن في البلاد. وبتعبير فاضح، كلما تعرضت الحكومة لأزمة بسبب أخطاءها الكارثية، سارعت لعقد إتفاقية تخرجها من ورطتها، وكلما أصابتها جائحة فشل او عجز عن حل قضية مصيرية، إلا وإبتدرت مشروع حوار لصرف الأنظار عن موضع العلل ومداخل الفساد؟! والحال هكذا، تصبح الحوارات والإتفاقيات التي تشرف عليها وتعقدها الحكومة، ما هي إلا تخارج من الإلتزامات ونكوص عن دفع الإستحقاقات وإنكار لحقيقة الأزمات، هذا من ناحية! ومن ناحية مقابلة، تشكل يافطات دعائية تستمد منها طاقة شرعية شكلية جديدة، قد تمد في أيامها بضع سنوات؟ وللأسف هي حيَّل من فرط تكرارها تحولت الي مرحلة الأدمان، ليصح وصف الإنقاذ بأنها حكومة الحوارات والإتفاقيات والمؤتمرات بجدارة! إلا أنها وللاسف الأشد، هي حوارات من أجل الحوارات فقط، وليس لحل قضايا او معالجة أزمات او إيقاف معارك وسيل دماء تتدفق من الأطراف بغزارة؟! وعموما، إدمان مسالك كالأخيرة ليس مصادفة، لنظام يعتاش علي الحروبات والنزاعات، او يستغني بها عن إنجاز مشروع سياسي وسلطوي معافي! أي حكومة مشروعها السياسي والسلطوي هو عدم وجود مشروع في الأساس! وتاليا، هي مجبرة علي ملء الفراغ السياسي والسلطوي، بالدخول في حروبات مع أطراف البلاد، وخلق الفتن والقلاقل والإضطرابات من العدم! من أجل خلق نوع من الشرعية؟! أي شرعية مواجهة عدم الإستقرار كبديل عن الشرعية الإنتخابية! ومن ثم الحصول علي قدر من إلتفاف الجماهير حولها، هذا من ناحية! وتبرير الفشل والتقصيِّر ووجود الأعذار لمنحها فرص للحكم مرة تلو الأخري، من الناحية المقابلة. بمعني، جهود الحكومة ونشاطاتها ليست موجهة للبناء والتعمير والإنجاز كما يفترض في أي حكومة طبيعية، ولكنها تستهدف فقط جعل الأوضاع غير طبيعية او حالة طوارئ سياسية وسلطوية مفتوحة، حتي تستقيم لا طبيعيتها لو جاز التعبير! وذلك حتي تتفادي مسؤوليات وواجبات الحكومة الطبيعية، أي كحكومة مطالبة بتقديم الخدمات وتنفيذ الإلتزامات والخضوع لرقابة ومحاسبة الجمهور العام! وكل هذا ما لا يستقيم، لا عقليا ولا مصلحيا في ظل وجود سلطة غير شرعية في الأساس، والأصح تفرض شرعيتها بقوة السلاح وقبولها بإغراء المناصب وبذل المال لشراء الأتباع. المهم، إستمرت مشاهد الحوارات والإتفاقيات المفتري عليها، حتي بعد المفاصلة الشهيرة، والتظاهر بعودة الوعي ومعرفة الطريق الصحيح، لإخراج البلاد من أزماتها! ولكنه إستمرار لم يقطع أرض(التطورات السياسية الديمقراطية التنموية!) ولم يبقِ ظهر(إستقرار وتماسك الدولة الوطنية!) حتي وصلنا حدوتة الوثبة البشيرية، لندخل بعدها في نفق مظلم جديد من متاهات الحوارات، او مرحلة حوارية فريدة من نوعها، أي ما يمكن وصفه بمرحلة حوار عصا موسي التي تلقف كل أشكال وبدع الحوارات السابقة، سواء في مداه الزمني الذي يبدو أن لا حد له او مفتوح علي الدوام! او في لجانه التي يصعب حصرها، او في عدد المشاركين الذين لا يعلم عددهم إلا وزارة المالية وما يسببونه لها من عسر في النفقات وحيرة في تدبير أمر النثريات! ويبدو أنه في الخرطوم اليوم، كل من لا يملك مهنة، يتخذ لنفسه صفة مشارك في الحوار؟! أما مواضيعه فأعتقد أنه لا توجد شاردة ولا واردة إلا وتناولوها في هذا الحوار الخرافي ( او حوار عدم الشغلة!) أي من جنس الملائكة مرورا بدم البعوضة وليس إنتهاءً بجدل الدوري الممتاز وعك هلال مريخ وخرمجة مجدي معتصم! وغيرها من شاكلة هذه الإهتمامات، وبعيدا عن دوشة الغاز وإرتفاع الأسعار وخدعة زيادة المرتبات المكرورة، ناهيك عن قضايا من شاكلة التحول الديمقراطي وكيفية إعادة تنظيم أمر السلطة وآليات إنتاج الثروة وكيفية توزيعها وغيرها من هموم التنيمة الشاملة والمستدامة او أقلاه إخراج المواطن من دوامة الفقر المدقع مع تعاظم الإحتياجات. ونحمد الله أن البشير ركبه تعبانة من كثرة الرقص، وإلا لتحولت الوثبة الحوارية الي وضع الطيران الحواري، وعندها كنا سنسمع ببدع ومواضيع حورية ما أنزل الله بها من سلطان، من شاكلة مناقشة أوضاع البورصة العالمية وتدني أسعار البترول، وعن تقديم دولة السودان (مدفن النفايات) مقترحات لحل معضلات المناخ وسلامة البيئة، وإمكانيات ترتيب مشاركة البشير في قمة الواحد والعشرين، وعن دعم البشير لمقترح ترشيح مجدي شمس الدين لرئاسة الفيفا (بالمناسبة لماذا لا تطال التحقيقات مع قادة الفيفا، كل قادة الإتحادات الوطنية لفحص ذمتهم المالية وعلاقاتهم الإقتصادية! خصوصا الديناصورات، الذين منذ دخولهم عالم الإتحادات الرياضية مطلع شبابهم، لم يخرجوا منها حتي إعتلي الشيب رأسهم، وأظنهم لن يخرجوا منها إلا الي القبور او تحت الضغط الإعلامي الفضائحي علي إيقاع تهم وشبهات الفساد التي تلاحقهم في عقر بروجهم المحصنة! وعلي المستوي الشخصي بعد خذلان بلاتر لي، لم أعد أثق في أي ديناصور! لأن الدنصرة فيما يبدو تشكل أوسع مدخل للفساد وأكبر عامل مساعد علي تكريس الإستبداد!). وفي الختام، لن يستقيم ظل الحوار وعود الحكومة أعوج، وأخيرا، مسكين وطني الحبيب، وهو يقع فريسة ما بين إنحراف الشيوخ ورعونة العسكر، من جهة! وضحية لعجز النخب القادرة علي التمام، من الجهة المقابلة.
آخر الكلام
رفض الحوارات الرخوة او سياسة التلاعب بالحوار من قبل النظام الحاكم، لا يعني رفض مبدأ الحوار كخيار عقلاني قبل أن يكون مسلك حضاري! والحال كذلك، يصبح التشدد في مسألة جدية الحوار وجوهرية أجندة الحوار، والنضال من أجل توفير شروط حوار ندية وبيئة حوار صحية، هو في حقيقته رد لكرامة الحوار وتخليصه من حالة الإستهتار ووضعية التلاعب التي إستمرأها النظام الحاكم! والنظام الحاكم إذ يقوم بهذه الحِيَّل، فهو يعنيها تماما! أي يحاول أن يحرج المعارضة أمام الجماهير، وهو يضعها أمام خيارين، إما قبول الحوارات العبثية المفضية الي اللاشئ، او الظهور بمظهر الرفض لمبدأ الحوار! وتاليا، تدور أبواق النظام الإعلامية وهي تجرم وتخون وتشيطن المعارضة، وتكيل لها تهم السعي لعدم إستقرار البلاد والكيد لمصالح الوطن والإرتماء في أحضان أعداءه، وتظهر مجددا علي السطح إكليشيهات معارضة الفنادق وإستلام الأموال المشبوهة، وهلم جرا! وكل ذلك بقصد التأكيد علي أحقية ولي النعمة (الطغمة الإنقاذوية) بالحكم الأبدي! لكل ذلك، فإما حوار جاد يفضي لحلول جذرية لأزمات الوطن المستفحلة، وإما رفض الحوار بصورة أكثر حزم ووضوح، ومن ثم إختبار وسائل أخري أجدي نفعا، من دعوات التيه الحوارية الإنقاذوية المضللة! ونختم هذه الجزئية بسؤال صريح من جزءين، هل تبقت للحكومة في الخرطوم ذرة مصداقية يعول عليها، للدخول معها في حوار او خلافه؟ وهل هنالك حوار حقيقي من غير مصداقية؟ ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.